بحث عن الكتابة جاهز doc‎

المقدمة:

من الإبداعات الّتي جمّل بها الإنسان هذا العالم، فنّ الكتابة. فالكتابة، وهي صياغة الكلمة، لا تصبح إبداعاً إلّا إذا انطبعت بروح الكاتب، فتلمس قلب القارئ وتنير عقله. وتمسي القطعة الأدبيّة هي المبدع لأنّها تعبّر عن أفكاره وهواجسه ومشاعره وأحلامه. كما تصبح هويّته الأساسيّة تعرّف عنه وتعكس صورته.

والكاتب ليس مؤلّفاً وحسب وإنّما هو كذلك المصغي للوحي، يستنير بنور الكلمة ليجسّدها على الورق. وإن لم يفعل صار أشبه بخائن لها. وعندما يجسّد هذه الكلمة لا بدّ أن تمتلك شيئاً من خصوصيّته وإلّا بدت للقارئ جافة وباهتة.

وأقول وحياً، لأنّ الوحي فقط متى تجسّد كلمات أدخل إلى روحنا لذّة العودة إليه لقراءته مرّات ومرّات وفي كلّ مرّة نشعر أنّنا نقرأه للمرّة الأولى. وهنا الفرق بين كاتب وآخر، قد نقرأ كتاباً أو مقالاً ونشعر أنّه مجرّد معلومات منثورة بشكل منمّق أم سرد نثري أبرع كاتبه في حياكة الأسلوب ونكتفي بذلك. وقد نقرأ آخر فيبدو لنا أنّنا دخلنا عالماً جديداً مع الكاتب وغصنا في تأمّلاته وكأنّنا جالسون معه ويتوجّه إلينا بشكل شخصيّ.

والقطعة الأدبيّة لا تلمس القارئ إلّا إذا تفجّرت من ألم الكاتب، فالكلمات الّتي تلمس القلوب هي كلمات تنبع من آلام عميقة. ولن تتحوّل إبداعاً إلّا إذا لامسها الألم الرّاقي وصقلها لتصبح تحفة ثمينة في متحف الحياة.

مفهوم الكتابة :

لما كانت اللغة العربية تتكون من فنون هي : الاستماع , والتحدث , والقراءة , والكتابة . فان الكتابة هي رابع هذه الفنون ليس لأنها أقلها أهمية بل لأنها تؤسس على فنون اللغة الأخرى , فهذه الفنون تمثل روافد تستقي منها الكتابة مادتها وأفكارها  .

سوف  يعرض الباحث التعريف اللغوي للكتابة الاصطلاحي حتى يتم التوصل إلى تعريف إجرائي للكتابة .

التعريف اللغوي :

جاء في لسان العرب : ” كتب ” الكتاب معروف , والجمع كُتب وكتب الشيء يكتبه كتباً وكتابةً , وكتبه .    ( ابن منظور , مادة كَتَبَ ) .

وعرفها  القلقشندي ( 2004, ج 1) بقوله ” الكتابة في اللغة مصدر كتب يكتبُ كِتْبا , وكِتابةً ومكْتبَة وكِتِبَة فهو كاتب . ومعناها  الجمع , يقال تكتب القومُ إذا اجتمعوا , وفيه قيل لجماعة الخيل كَتِبَة , وكَتَبْتَ البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سَيْر ونحوه , ومن ثم سمي الخط كتابة لجمع الحروف بعضها إلى بعض , كما سمي خرز القرية كتابةً لضم بعض الخرز إلي بعض .” (ص 51 ) , (وذكر ابن خلدون في مقدمته ( 1984 م) “بأن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية، وهو رسوم وأشكال حرفية على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس. “(ص417)

أما فارس ( 1989 م ) فيشير إلى أن الكتابة في اللغة تتضمن معان عدة منها : تصوير اللفظ بالحروف الهجائية ( الخط ) والقَضَاء والتعليُم , والاستنساخُ والفرضٌ , والحكمُ , والقدر , والجمع . (ص 48 )

ومن خلال قراءة بعض التعريفات السابقة يرى الباحث أن الكتابة تمثل صنعة للتعبير عما في النفس وهي تحتاج إلى دُربة حتى يتم إتقانها على الوجه المطلوب من خلال خطها على الورق .

التعريف الاصطلاحي :

عُرفت الكتابة بأنها : “إعادة ترميز اللغة المنطوقة في شكل خطي على الورق , من خلال أشكال ترتبط ببعضها , وفق نظام معروف اصطلح عليه أصحاب اللغة في وقت ما , بحيث يعد شكل من هذه الأشكال مقابلا لصوت لغوي يدل عليه , وذلك بغرض نقل أفكار الكاتب وآرائه ومشاعره إلى الآخرين , بوصفهم الطرف الأخر لعملية الاتصال ” ( شلبي , وموسى , 2007 م , ص 137 ) ؛ ( رسلان , 2005 , ص 205 ) .

وعُرفت أيضا بأنها : ”  كلمة تبرز على الورق- وعلى غير الورق – سواء ما كان منها من نتائج العقل الخالص , ويقصد به الكتابة العلمية البحتة أم كان أدبا خالصا ويقصد به الكتابة الإبداعية الإنشائية , أو هي الحروف المكتوبة التي تصور الألفاظ الدالة على المعاني التي تراد من النص المكتوب” . ( شلبي , وموسى , 2007 م , ص 137 )

نشأة الكتابة:

اختلف في نشأة الكتابة، متى كانت بدايتها، ومن أول من اخترعها، فالبعض يرى أن الكتابة توقيف من الله تعالى، أنزلت على آدم – عليه السلام – في إحدى وعشرين صحيفة، وقيل: إنّ آدم – عليه السلام – هو من وضعها، كتبها في طين وطبخه، قبل أن يموت بثلاثمائة سنة، ولما كان غرق الطوفان، أصاب كلّ قوم كتابهم، والحقيقة أنّ المعرفة الحقيقة لأصل الكتابة، وكيف كانت نشأتها، ليس بالأمر السهل، لغموض تاريخ تلك الفترات، ولكنّ المطلع على النقوش والآثار، التي خلّفتها الحضارات القديمة، يدركُ أن عملية الكتابة لم تكن توقيفية من الله تعالى، ولم تكن اختراعًا فجائيًّا من وضع أحد بعينه.

خصائصها: 

تتعدد خصائص الكتابة على النحو التالي :

1) الكتابة فن اتصالي:

فالاتصال يعني نقل معلومات ، أو إعطاء تعليمات، أو نقل تحية أو طلب، وهي عملية تتطلب وجود عدة مكونات منها: المرسل (الكاتب) ومستقبل (القارئ) وبينهما رسالة . ولقد لجأ الإنسان إلى الكتابة عندما احتاج لنقل المعاني، وقضاء الحاجات من شخص لآخر بَعُدَ بينهما الزمان والمكان، فطلبات التوظف وتبادل الرسائل بين الأصدقاء، وما شابه ذلك من كتابات تتصل اتصالاً وثيقاً بحياة الإنسان ، وحاجته للاتصال مع الغير. (طعيمة ، و مناع ، 2001، ص 176)

والكتابة كفن اتصالي تقوم أساساً على استخدامها في مواقف اجتماعية،حيث أنها تعد مظهراً  من مظاهر هذا الاتصال، حيث يستخدم الطالب الكتابة في مواقف حياتية مثال ذلك:

  • كتابة البرقيات .
  • ملء الاستمارات .
  • كتابة الخطابات أو الرسائل، وكل مجال من هذه المجالات له بعض المهارات النوعية المرتبطة به .

وحينما تعد الكتابة فناً فإنها تحتاج إلى خبرة وبصيرة بمواضع الكلم، بحيث يحدد الكاتب غرضه من الكتابة، ويحدد مواده التي سيستخدمها في الكتابة من (تحديد للأفكار، والمفردات، والجمل، والتراكيب، والعبارات، والفقرات)، كما أنه يحدد كيف يكتب؟ ولم يكتب؟ وماذا سيكتب؟ وبهذا تعد الكتابة فناً اتصالياً معقداً  (عبدالباري  , 2008 م , ص 129 ) .

2) الكتابة عملية معقدة:

        ينظر للكتابة – الآن – على أنها عملية عقلية، علاوة على كونها منتجاً نهائياً، فالكاتب لكي يكتب لابد له أن يسير في إطار ثلاث عمليات أساسية هي وفقاً لتصور كارين karen (1993) :

  • علمية التخطيط للكتابة.
  • عملية التحرير أو الإنشاء.
  • عملية المراجعة.

وكل عملية من هذه العمليات الثلاث تتضمن مجموعة من الخطوات الإجرائية الجزئية الخاصة بها، بحيث تتكامل هذه العمليات لإنتاج العمل الكتابي، ولا يعني تحديد هذه العمليات بهذا الشكل على أنها عمليات منفصلة، بل هي عمليات متداخلة، كما أنها لا تسير في اتجاه خطي هكذا من التخطيط إلى المراجعة، ولكنها تأخذ الشكل الدائري بحيث يعود الكاتب من مرحلة التنقيح إلى مرحلة التخطيط؛ لتعديل مساره وتجويد عمله الكتابي . (pp.73-77)

3) الكتابة عملية ترميز للرسالة اللغوية:

تهدف الكتابة إلى ترميز اللغة في شكل خطي، ويتم ذلك من خلال ترابط مجموعة من الحروف، بحيث يكون لكل حرف صوت لغوي يدل عليه، بهدف تقديم رسالة من مرسل وهو الكاتب (بعد أن يقوم بتركيب هذه الرسالة في صورة أفكار، وجمل، وألفاظ، وتراكيب) إلى مستقبل وهو القارئ ؛ بغية تحقيق تواصل جيد بينهما، ومن مهارات عملية الترميز هذه ما يلي :

تحديد الهدف من الكتابة .

  • تحديد الأفكار الرئيسة للموضوع المكتوب .
  • تحديد الأفكار الفرعية لهذا الموضوع .
  • تحديد طريقة تنظيم موضوع الكتابة .
  • تركيب هذه الأفكار في قالب لغوي يتناسب مع الموضوع وهدفه (عبدالباري  , 2008 م , ص 129 ) .

4) الكتابة فن محكوم بقواعد:

للكتابة مجموعة من القواعد التي ينبغي على الكاتب أن يلتزم بها، ومن هذه القواعد ما يرتبط بتنظيم العمل الكتابي (كتابة المقدمة ،والمضمون الفكري ، والخاتمة)، ومنها ما يرتبط بكتابة الفقرة، ومنها ما يتصل بآليات الكتابة (إملاء – نحو – ترقيم)، ومنها ما يتصل بقواعد استخدام أدوات الربط بين الجمل والفقرات، كما أن هذه القواعد تنطبق على نوعي الكتابة، فلكل نوع قواعده الخاصة به مثل: كتابة المقال، والبرقية، والخطابات، والقصة، وعلى هذا يمكن القول: إن الكتابة ليست فناً عفوياً، ولكنه فن منظم محكوم بقواعد وأصول (عبدالباري  , 2008 م , ص 129 ) .

5) الكتابة عملية تفكير:

“إن الكتابة في أساسها عملية تفكير، فالإنسان كما قيل يفكر بقلمه، فالكاتب يفكر في كل مرحلة من مراحل الكتابة، ولذلك قيل إذا أردت أن تضع كلاماً فأخطر معانيه ببالك ” .( الهاشمي ،د.ت ، ص 35)

ولكي يكتب الكاتب لابد أن يفكر في موضوعه الذي سيكتب فيه، ويفكر في معانيه وألفاظه، وطريقة عرضه لهذا العمل الكتابي , ويفكر كذلك في العلاقات التي تربط بين الأفكار , وبالتالي فإن التفكير يكشف عن نفسه بوضوح في رموز  الكلمات المكتوبة , ومن ثم تصبح الكتابة أسلوبا للتفكير  ( الناقة , 2002 , ص 8 ) .

أهمية الكتابة:

الكتابة وسيلة للتواصل يعتبر التواصل من أهم الأمور التي يحتاج الإنسان إليها في حياته؛ وذلك لأنّه العملية التي تساعده على قضاء حوائجه بشكل كامل، كما أن التواصل يساعد على الارتقاء بالإنسان روحياً ودينياً بشكل كبير وملحوظ، بالإضافة إلى أنه وسيلة مهمّة لاكتساب العلوم والمعارف، وهو شرط أساسي من شروط الاستمتاع بمباهج الحياة المختلفة.

ويمكن تلخيص أهمية الكتابة في هذه النقاط:

  • أهمية الكتابة الوسيلة الرئيسية لحفظ العلوم، والخبرات، والتجارب الحياتية، والاستنتاجات، والآراء، والأقوال، والسير، والأحداث التاريخية؛ فدون الكتابة سيبدأ كل من يحاول إضافة شيء إلى مسيرة الإنسانية من الصفر، ولن يكون هناك أي نوع من أنواع تراكم العلوم، أو الخبرات.
  • وسيلة مهمة للتعبير عن المشاعر الدفينة للآخرين في محاولة لتقريب المسافات بين المرسِل والمرسَل إليه، فللكلمة وقع السحر على النفس الإنسانية؛ فهي الوحيدة القادرة على التغلغل إلى الأعماق، والتأثير في الإنسان، وربما قلب حياته رأساً على عقب.
  • طريقة من طرق الإبداع، وإبراز المواهب والقدرات، خاصة من خلال ما يعرف بفن الرواية، أو القصة، أو الشعر؛ حيث تساعد مثل هذه الفنون على تطوير شخصية الإنسان، والنهوض به روحياً ونفسياً أيضاً.
  • وسيلة للتنفيس عن مكنونات النفس الداخلية، والتي تحتاج بين الحين والآخر إلى الخروج، ولن تجد لها سبيلاً أفضل من التدوين والكتابة.
  • وسيلة ناجعة يتبعها من ينوون المساهمة في إحداث إصلاح حقيقي في مجتمعاتهم، وبلدانهم؛ حيث يمكنهم من خلالها بث الأفكار، وإيصالها إلى أكبر عدد من المتلقّين، والمتفاعلين.
  • للكتابة دور كبير وفعال في زيادة معلومات الإنسان وتكثيرها، فبمقدورها أن تجعل من الإنسان شخصاً موسوعياً خاصّةً إن كان من الأشخاص الذين يتميزون بتعدد اهتماماتهم.
  • تعتبر في أيامنا هذه وسيلةً من وسائل الحصول على دخل مادي جيد، إمّا من خلال تأليف الكتب، أو كتابة المقالات، أو التدوين عبر شبكة الإنترنت، كما وتعتبر أيضاً وسيلةً من وسائل اكتساب الشهرة، خاصّةً إن تمتّع الكاتب بأسلوب ساحر، وقلم جميل.
  • تنمّي من قدرات الإنسان العقلية، وقد تسهم في بعض الأحيان في تنمية علاقاته الاجتماعية، هذا عدا عن كونها وسيلةً مهمة من وسائل النجاح في الحياة، وقضاء الاحتياجات المختلفة.

الخاتمة

الكلمة سرّ الكاتب وقد يبقى معناها الأصليّ في قلبه بعد أن اختمرت في عقله، يغوص فيها القارئ ليتأمّل ذاته من خلالها ويكتشف عوالم أخرى أبعد بكثير من التفصيل السّطحيّ للحياة اليوميّة. كما يكتشف عمق فكر الكاتب لأنّ روحه الحاضرة في النّص تحاكيه بشفافيّة وصدق، فكم من كتّاب غيّروا العالم بسلاح الكلمة، وكم منهم حوّلوا مسار التّاريخ لأنّهم ناضلوا بالكلمة

.

.

.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *