بحث عن حكم تحريم الربا جاهز doc‎

أورد العلماء لتحريم الربا حكما تشريعية  ،منها :

أن الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض ، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقدا  أو نسيئة  تحصل له زيادة درهم  من غير عوض ، ومال المسلم متعلق حاجته ، وله حرمة عظيمة ، قال صلى الله عليه وسلم : حرمة مال المسلم كحرمة دمه  .

وإبقاء المال في يده مدة  مديدة وتمكينه من أن يتجر فيه وينتفع به أمر موهوم ، فقد يحصل وقد لا يحصل ، وأخذ الدرهم الزائد متيقن ، وتفويت المتقين لأجل الموهوم لا يخلو من ضرر[1]

ومنها :  أن الربا يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب ، لأن صاحب الدرهم  إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدا  كان أو نسيئة خف عليه  اكتساب وجه  المعيشة ، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة ، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق التي لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات .

ومنها :  أن الربا يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس  من القرض ، لأن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله ، ولوحل الربا لكانت حاجة المحتاج  تحمله  على أخذ الدرهم  بدرهمين ، فيفضي إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان[2]

قال ابن القيم  رحمه الله  : … فربا النسيئة ، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال ، وكلما أخره  زاد في المال ، حتى تصير المائة عنده آلافا مؤلفة ، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج ، فإذا  رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس ، ويدافع من وقت إلى وقت ، فيشتد ضرره ، وتعظم مصيبته ،  ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده  ، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له  ، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، فيأكل مال أخيه بالباطل ، ويحصل أخوه على غاية الضرر ، فمن رحمة  أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرّم الربا …[3]

وأما الحكمة في تحريم الأصناف الستة التي حرم فيها الربا بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والملح بالملح ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، فمن زاد  أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء.

فهذه الأصناف  فقد أجمل ابن القيم حكمة تحريم  الربا فيها حيث  قال : وسر المسألة أنهم منعوا من التجارة في الأثمان – أي الذهب والفضة –  بجنسها لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأثمان ،  ومنعوا التجارة في الأقوات – أي البر والشعير والتمر والملح – بجنسها لأن ذلك يفسد عليهم  مقصود الأقوات[4]

وفصل ابن القيم فقال : الصحيح بل الصواب أن العلة في تحريم الربا في الذهب والفضة هي الثمنية ، فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات ، والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال ، فيجب أن يكون محدودا مضبوطا لا يرتفع ولا ينخفض ، إذ لو كان الثمن يرتفع و ينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبربه المبيعات بل الجميع سلع  ، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة وذلك لا يعرف إلا بسعر تعرف به القيمة ، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة  ولا يقوم هو بغيره ، إذ يصير سلعة  يرتفع وينخفض ، فتفسد معاملات الناس ويقع الخلاف ويشتد الضرر …  فالأثمان لا تقصد لأعيانها ، بل يقصد التوصل بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعا تقصد لأعيانها فسد أمر الناس .

وأضاف : وأما الأصناف الأربعة المطعومة فحاجة الناس إليها أعظم من حاجتهم إلى غيرها ، لأنها أقوات العالم ، فمن رعاية مصالح العباد أن منعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل ، سواء اتحد الجنس أو اختلف ، ومنعوا من بيع بعضها ببعض حالا متفاضلا وإن اختلفت صفاتها ، وجوز لهم التفاضل مع اختلاف أجناسها

فقد قال ابن القيم : وسر ذلك – والله أعلم – أنه لو جوز بيع بعضها ببعض نَساء لم يفعل ذلك أحد إلا إذا ربح ، وحينئذ تسمح نفسه ببيعها حالّة لطمعه في الربح ، فيعز الطعام على المحتاج ويشتد ضرره … فكان من رحمة الشارع بهم وحكمته أن منعهم من ربا النَساء فيها كما منعهم من ربا النَساء في الأثمان ، إذ لو جوز لهم النَساء فيها لدخلها  إما أن تقضى وإما أن تربي  فيصر الصاع الواحد لو أخذ قفزانا كثيرة ، ففطموا عن النساء ، ثم فطموا عن بيعها متفاضلا يدا بيد ، إذ تجرهم حلاوة الربح وظفر الكسب إلى التجارة  فيها نساء وهو عين المفسدة ، وهذا بخلاف الجنسين المتباينين  فإن حقائقهما وصفاتهما  ومقاصدهما مختلفة ، ففي إلزامهم المساواة في بيعها إضرار بهم ، ولا يفعلونه ، وفي تجويز النساء بينها ذريعة إلى  إما أن تقضي  وإما أن تربي فكان من تمام رعاية مصالحهم أن قصرهم على بيعها يدا بيد  كيف شاءوا فحصلت لهم المبادلة،  واندفعت عنهم مفسدة  إما أن تقضي وإما تربي  وهذا بخلاف ما إذا بيعت بالدراهم أو غيرها من الموزونات نساء فإن الحاجة داعية إلى ذلك ، فلو منعوا منه لأضر بهم  ، ولامتنع السلم الذي هو من مصالحهم فيما هم محتاجون إليه ، والشريعة لا تأتي بهذا  ، وليس بهم حاجة في بيع هذه الأصناف بعضها ببعض نساء ، وهو ذريعة قريبة إلى مفسدة الربا ، فأبيح لهم في جميع ذلك ما تدعو إليه حاجتهم  وليس بذريعة إلى مفسدة  راجحة ، ومنعوا مما لا تدعو الحاجة إليه ويتذرع به غالبا إلى مفسدة راجحة

.
.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *