بحث عن الأمن الفكري جاهز للطباعة وورد docx‎

الأمن الفكري

مقدمة

إن استقامة الحياة الدنيا وسعادتها لا تحصل إلا إذا كان الإنسان آمنًا على نفسه، مرتاح القلب، هادئ النفس؛ لا يخاف من وقوع مكروه يهدد أمنه، أو ينتقص دينه، أو ينتهك حرماته، أو يستلب خيراته، أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه وثقافته من أفكار ومذاهب وأخلاق.
وبناءً على ذلك فإن على المسلم أن يكون دائمًا يقظ القلب، دائم البحث والنظر، سريع الحركة، عالي الهمة، موظفًا كل قدراته، باذ نفسه وطاقته، مسخرًا قلمه وفكره في سبيل الحفاظ على مقاصد دينه، وتعزيز كيانه، والحفاظ على أمنه من غائلة الأحداث، ومكر الأعداء.
إن أهمية الأمن الفكري تنبع من ارتباطه بدين الأمة، وأساس ذكرها وعلوها، وسبب مجدها وعزها، ومن غايته المتمثلة في سلامة العقيدة، واستقامة السلوك، وإثبات الولاء للأمة، وتصحيح الانتماء لها.

الأمن

يحتاجُ الإنسان في أيّ مجتمعٍ إلى الشعور بالأمانِ من أجل أن يمارسَ حياته بشكلٍ طبيعيّ، فلا يمكنُ أن تسيرَ الحياةُ إلا إذا شعر الشخصُ بأنه آمنٌ على نفسِه ولا يخافُ من وقوع أيّ مكروهٍ له ولعائلته، كما يشعر بالأمان على أمواله وعرضه، وهناك عدةُ أنواع للأمن أهمُّها الأمن الفكريّ.
يُعرّفُ الأمنُ في اللغة على أنّه سكونُ القلب واطمئنانه، وذلك بعدم وجود مكروهٍ أو توقّع حدوثه.
أمّا اصطلاحاً فهو الحال الذي يكون فيه الشخصُ آمناً على نفسِه ومطمئناً فيها، ومستقرّاً في وطنِه، ومحميّاً وسالماً من أي شيءٍ قد ينتقصُ من دينه أو عقله أو عِرضه أو ماله.
بينما يُعرّفُ الفكرُ في اللغة على أنّه تردّدُ القلب وتأمله.
أمّا الفِّكر في الاصطلاح فهو ترتيب أمور الذهن التي يتوصّلُ بها إلى المطلوب، وقد يكون علماً أو ظناً.

مفهوم الأمن الفكري

الأمنُ الفكريّ مصطلحٌ حديث العهد، لذلك اختلفت الآراء حولَ مفهومه، وكانت من ضمنِها: أن يعيشَ الناس في أوطانهم ومجتمعاتهم آمنين على مكوّنات أصالتهم ومنظومتهم الفكريّة وثقافتهم النوعيّة، وهناك مَن اختصّ التعريف بالمسلمين فزاد على التعريف السابق: منظومتهم الفكريّة المستمدّة من الكتابِ والسنة.
هو سلامة فكر الإنسان وعقله وطريقة فَهمه من الانحراف عن الوسطيّة والاعتدال فيما يخصُّ الجوانبَ الدينيّة والسياسية ونظرته للكون، بحيث لا تقودُه نظرتُه إلى الغلوّ والتنّطع، أو الإلحاد والعلمنة.
الاطمئنان على طريقة تفكير الشخص والتأكّد من ابتعاده عن الانحراف الذي يهدّدُ الأمنَ القوميّ أو مقوماته الفكريّة، أو العقديّة، أوالثقافيّة، أو الأخلاقيّة، أو الأمنيّة.

مفهوم الأمن الفكري في الإسلام

يمكنُ جمع الأفكار الموجودة في التعريفات السابقة والخروج بتعريفٍ شاملٍ في ظلّ الشريعة الإسلامية: بأنّ الأمنَ الفكريّ حالُ الشخص الذي يكون فيه العقل سليماً من الانحراف عن الاستقامة عند تأمّله، وأن تكونَ نظرة التأمل تلك متفقةً مع منهج الشريعة الإسلاميّة وعلى خطى السلف الصالح، بحيث يكون المجتمع آمناً على ثقافتِه المستندة إلى القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة.

أهميّة الأمن الفكري

يعدُّ الأمنُ الفكري هو الركيزة الأساسيّة في المحافظةِ على الأمنِ القوميّ بشكلٍ عامٍ، وبالتالي حماية المجتمع من الانحراف والضلال والضعف وسهولة اختلاله والسيطرة عليه.
الغزو الفكري الغزو الفكريّ هو عكسُ الأمن الفكريّ، حيث عرّفه ابن باز بأنّه مجموعةُ التدابير والإجراءات التي تقومُ بها بعض الأمم للسيطرة على الأمم الأخرى، وهي تتجهُ إلى سلوكِ الأفراد وأفكارهم، وبالتالي فإنّها تهدّدُ استقرارَ الشعوب.
لا تعني المحافظةُ على الأمن الفكري أن تغلقَ الأمة النوافذ تجاه الشعوب الأخرى، وإنما استقبال حضارتها وغربلتها بغربال الشريعة من أجل أخذْ ما يناسبُ الدين ويتوافق معه، والتخلص ممّا ينافي الدينَ ويعارضُه، وهذا يتطلّبُ من علماءِ الأمة مراقبة ما يصل إلى جيل الشباب من معلوماتٍ لحمايتهم من الاستغلال والضياع والانحراف.

فوائد حجز العقل عن الخوض فيما لا يدرك أو ما لا فائدة فيه:

إن في منع الفكر من الاشتغال بما ليس في وسعه إدراكه، وحفظه من الخوض في غير مجاله، وإبعاده عن الاشتغال بما ليس فيه فائدة، إن في ذلك فوائد جمَّة، وآثارًا حسنةً ترجع على صاحب الفكر والمجتمع الذي يعيش فيه. ومن تلك الفوائد:
أولًا: حماية المكلف من الوقوع في معصية القول على الله بغير علم، ومن قول ما لا يعلم.
قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{33})(الأعراف:33).

لقد حرَّم الله في هذه الآية القول على الله بغير علم، بل جعل ذلك أعظم إثمًا ومعصية من الشرك.
قال ابن القيم –رحمه الله -: «وَقَدْ حَرَّمَ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا، فَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{33}) فرَتَبََّ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ ا ثْإلِْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِ عِلْمٍ، وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِ عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ{116}مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{117}) فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ: هَذَا حَرَامٌ، وَلِمَا لَمْ يَحِلَّهُ: هَذَا حَلَالٌ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ إ بِمَا عَلِمَ أَنَّ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ »(41).

وقال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{36})(الإسراء).
قال الشنقيطي – رحمه الله -: «نهى جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم. ويشمل ذلك قوله: رأيت ولم ير، وسمعت ولم يسمع، وعلمت ولم يعلم. ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم »(42).

ثانياَ: حماية المكلف من الحيرة والشك والاضطراب إن إطلاق سراح العقل ليخوض في كل شيء قد يُفضي به إلى الشك والحيرة والاضطراب! وعند ذلك فلا يستغرب أن يُنْتِج لنا فكرًا مضطربًا ومشوشًا فيَضِل به، ويُضل.

إن «الشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول»(43)، ولذلك فإن الخوض فيما تحار فيه العقول قد يُفضي بالإنسان إلى الشك فيما يجب أن يجزم فيه بالاعتقاد.
ومن ذلك «البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها؛ ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس؛ كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف. والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث، و… ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة» (44).

ثالثًا: حماية المكلف من اعتناق المذاهب المنحرفة والأفكار المضلة لقد كانت نتيجة إدخال العقل في مجال غير مجاله، والنظر في مصادر معرفية لا تستند إلى المرجعية الإسلامية، كانت نتيجة ذلك اعتناق مذاهب وأفكار منحرفة بعيدة عن هدي الوحي، ووسطية الإسلام.

فالتكفير والإرجاء، والتشيّع، والاعتزال، والتأويل، والإعراض عن الشرع، والعقلانية، والديمقراطية، والعلمانية، والليبرالية، كل ذلك إنما كان عندما استقى الفكرُ معارفه من مصادر غير مأمونة، وحينما لم يُلتزم بالحدود الشرعية للعقل، وجُعل مصدرًا تتلقى منه العقائد وعلم الغيب، وحكمًا على شرع الله(45).

رابعًا: حماية المجتمع من الأفكار المضلَّة، وثمرات الفكر المنحرف لكي يكون الفكر مستقيمًا، فلابد من أن يلتزم المُنْتِج لذلك الفكر بمنهج الإسلام وحدوده(46) حينما يتأمل وينظر في المحسوسات والمعقولات، وحينما يستخرج من ذلك النظر العلوم والمعارف.
فإذا لم يلتزم المفكر بذلك، فلعلَّه ينتج فكرًا منحرفًا، يوقع الشك والريبة في قلوب الناس، ويحملهم على البعد عن الصراط المستقيم، والمنهج الحق، والخلق القويم.

خامسًا: العمل على استنباط مناهج التفكير المستقيم إن الإيمان بوجوب صيانة العقل حال نظره وتأمله تبعث في نفوس أهل العلم والاستنباط الهمَّة لوضع القواعد السليمة، والمناهج المستقيمة للتفكير، مستقاة من الكتاب والسنَّة ومصادر الشريعة الإسلامية الأخرى، ونشر تلك القواعد وتضمينها في مناهج التربية التعليم في بلاد المسلمين.
إن تلك القواعد الشرعية تساعد -بإذن الله- في حماية المجتمع المسلم من الانحراف الفكري، إذ على ضوئها نضمن أن يكون فعل النفس الإنسانية وحركتها حين تأملها ونظرها، ومنتجات الفكر البشري وموضوعاته، منضبطة بالضوابط الشرعية، ملتزمًا بالحدود الآمنة للفكر.
وعلى ضوئها أيضًا نستطيع أن نحكم على استقامة الأفكار وانحرافها، ونعرف مدى فائدة تلك الأفكار وضررها.

.
.
.
.
———————————————————————————————————
اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *