بحث عن التوازن البيئى جاهز وورد doc
مقدمة:
وكلّما رجعنا إلى الطبيعة في مختلف مجالات حياتنا وكلّما رجعنا إليها في التداوي بالأعشاب رجعت إلينا سلامتنا وسعدنا بحياتنا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (بورك لمن أكثر أوانيهم الخزف)، وقال ابن سينا: (خير دواء الأمراض للإنسان هو الدواء الذي يكون من أرضه).
وكلّما رجعنا إلى الطب العُشبي، وكلما التزمنا بالأساليب الصحية الإسلامية كالكحل والنورة والعطر والحجامة والفصد والسواك من شجر الأراك والالتحاء الذي هو سبب لحفظ العين والأُذن والفم والحنجرة وما أشبه ذلك وأكل الملح والخل مع الطعام، وعدم الزيادة في أكل اللحم أو أكل الطعام أو ما أشبه ذلك رجعت إلينا صحتنا ووقينا أنفسنا شرّ الأمراض، وكلّما أسرعنا في تزويج أبنائنا عند بلوغهم سن الرشد أوقفنا ابتلاءهم بالفحشاء وبمختلف الأمراض.
فكلّما اقتربنا إلى الإسلام اقتربنا إلى الصحة أيضاً.
وإني لأتذكر في مدينتنا كربلاء المقدسة حيث كان عدد سكانها آنذاك لا يتجاوز المائة وخمسين ألف نسمة لم يكن فيها سوى شخص واحد يرتدي نظارات، وقد بلغ هذا الرجل السبعين من عمره وكان يتكئ على عصاه عند مشيه لوجع في رجله، أما مرض ضعف القلب والبروتستات وما أشبه ذلك، فإني لم أجد حتى مصاباً واحداً. نعم كان يكثر الملاريا وسببه وجود المستنقعات في أطراف مدينة كربلاء، حيث تولّد البعوض التي هي سبب الملاريا مباشرة. وقد جاء متصرِّف إلى لواء كربلاء فأمر بردم المستنقعات الكثيرة ولما رُدمت لم يزر هذا المرض كربلاء أكثر من 50 سنة.
الترويح عن النفس وتلوث البيئة
الإنسان بحاجة إلى ساعات يقضيها في الطبيعة بين الأشجار والزهور ومياه البحر والفراشات والغزلان وما أشبه ذلك وإن التلوث الذي أصبح يهدد الطبيعية بجمالها سيحرم الإنسان من هذه المتعة التي لا غنى عنها في عالم مملوء بالصخب والضوضاء والمشكلات المعقدة.
وعلى كل حال: فالملوثات للبيئة من أي قسم كانت سيجلب الضرر للإنسان صحياً وغذائياً جسمياً ونفسياً و…، فإنّ كثيراً من الأمراض خصوصاً في هذا النصف الثاني من القرن العشرين ازدادت أضعافاً مضاعفة نتيجة للملوثات البيئية، وقد قال تعالى: (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس) ، وقال سبحانه وتعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) .
هذا وهناك مواضيع جديرة بالبحث نحيل القارئ فيها إلى الكتب الأخرى: التاريخ البيئي وأثره في أساليب الحياة. البيئة وعلاقتها بالثقافة. السياق التفاعلي بين المجتمعات البشرية والبيئة المحيطة بها. تأثير الحروب على تلوّث البيئة. علاقة التربة والماء والحياة وتفاعلها فيما بينها.
آثار الإشعاعات الذرية
وفيما يلي نذكر بعض التقارير عن آثار الإشعاعات الذرية بالرغم من تأكيد الدول الصناعية على الوقوف بوجهها والحدّ منها.
فقد دلّت الإحصاءات في اليابان على أن نسبة المصابين بسرطان الدم من بين سكان هيروشيما وناكازاكي الذين نجوا من خطر القنابل الذرية، هي أعلى بكثير من نسبة المصابين بسرطان الدم من السكان الذين لم يتعرضوا أبداً للإشعاعات النووية، وقد ظهرت أعراض سرطان الدم بعد مرور عدة سنوات من تاريخ الانفجار. وهذا إنما يدل على إن خطر الإشعاعات لا يبرز فوراً وإنما يظهر بعد فترة من تاريخ التعرض للإشعاع. وكان لهذه الأشعات تأثير مباشر على الزرع والضرع وعلى الحيوانات البحرية، فبعد سنوات والإنسان يستعمل هذه الأغذية بظنّ منه أنها سالمة، لكنه يصاب بما أصيبوا به مع تركيز أكبر، كما أشرنا إليه سابقاً.
ومن أخطر تأثيرات الإشعاعات النووية الآثار الوراثية، والتي تتمثل بإنجاب أطفال مشوّهين جسمياً أو عقلياً، والإشعاعات الذرية المنبعثة من انفجار القنابل الذرية والتي يمكن اعتبارها جزئيات متناهية في الصغر تسير بسرعة كبيرة جداً وتتساقط على الأشخاص الذين يعترضون طريقها، وتنفذ من الجسم بسهولة وأعضاء الجسم ليست متساوية الحساسية بالنسبة إلى أعضاء الإشعاعات وأكثر أعضاء الجسم حساسية هي الأعضاء المكونة للدم والجهاز الهضمي والجلد والغُدد التناسلية، فالأعضاء المكونة للدم وهي مخّ العظام والعُقد البلغمية، والتي تشكل الكريات الحمراء والبيضاء والصُفيحات التي تساعد الدم على التخثّر وتخريم الأعضاء المكونة للدم يؤدي إلى قلّة كريات الدم الحمراء وتُحدث فقراً في الدم، وكذلك تقلّ الكريات البيضاء وتضعف مقاومة الجسم. كما وإن قلّة عدد الصُفيحات تقود إلى اضطراب في تخثّر الدم ويحدث نتيجة لذلك النزيف من الأنف والفم والرئتين والمعدة والأمعاء وغيرها.
وبالنسبة إلى الجهاز الهضمي فتتركز هذه الإشعاعات على طول هذا الجهاز وتُحدث تقرّحات في جدار المعدة والأمعاء وتحدث اضطرابات هضمية على شكل غثيان وقيء وفقدان تام للشهية وإسهالاً، وغالباً ما تكون مختلطة بالدم. وأما النسبة إلى الجلد فأول تأثير على الجلد من الإشعاعات الذرية يتمثل بسقوط الشعر الذي يلاحظ عادة بعد مضي أسبوعين من فترة التعرّض للإشعاعات ويستمر بعد ذلك لمدة أسبوعين أو ثلاثة.
وبالنسبة إلى الغُدد التناسلية فإن تعرّض الأعضاء التناسلية للرجل للإشعاعات الذرية تسبب له العُقم الذي غالباً ما يكون موقتاً.
هذا ولا يؤثر العقم على القدرة الجنسية لدى الجنسين، وكذلك تصاب المرأة المتعرّضة للإشعاعات الذرية في العُقم الموقت كالرجل تماماً، ويترافق ذلك مع اضطرابات في العادة الشهرية. وقد يتوقف الطمث وترتفع الحرارة ؛ والمرأةٍ الحامل كثيراً ما تجهض في حال تعرضها للإشعاعات الذرية.
وهناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن الرجال والنساء الذين يصابون بالعُقم نتيجة تعرضهم إلى إشعاعات ذرية ينجبون أطفالاً مشوّهين جسمياً أو عقلياً أو مضطربين نفسياً أو من ذوي العاهات والعقد.
وكيف كان، فالحضارة الحديثة على كثرة فوائدها لكنها حيث خرجت عن مظلّة الأنبياء (عليهم السلام) ومن خوف الله عز وجل واختلطت بالجشع والمادية والاستغلال والاستعمار وجعلت محورية المادة بدل محورية الإنسان، فتنتج عن ذلك أمراض لا تُعدّ ولا تحصى.
فلا علاج من هذه الأمراض والأوبئة إلاّ بالعزوف عن هذه المظاهر والتوجه إلى مظلّة الأنبياء (عليهم السلام) والخشية من الله عز وجل والخشوع إليه وجعل الإنسان هو المحور لا المادة والمال والدنيا وما أشبه.
ففي الحديث القدسي قال الله سبحانه وتعالى للدنيا: (أتعبي مَن تَبِعَكِ) ، وهكذا نشاهد انطباق هذه الجملة الشريفة على بشرية اليوم. وصدق الله سبحانه وتعالى حيث ذكر في القرآن: (ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بِما كَسَبَتْ أيْدي النّاس لِيُذيقَهُم بَعضَ الذي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ) ، فقد وضع الله للكون والحياة نظاماً خاصاً والخروج عن هذا النظام يسبب الفساد، ولذا قال: (ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) ، وهذا البعض هو ما يذوقه الإنسان جزاء فساده.
النظم البيئية
مسألة: لابد من إيجاد نظم بيئية طبيعية، وتوفير الحماية الكافية لها، وبذلك يتمكن الإنسان أن يترك للأجيال القادمة صوراً حيّة للنظم البيئية المتنوعة.
وتشكل هذه النظم البيئية مناطق محميّة تعتبر أساساً لدراسة البيئة ومكافحة التلوث. وتطوَّر هذه النظم، ودراسة تركيبها وطرق عملها، وكذلك بمقارنتها مع بقية النظم غير المحمية أو التي تخضع للاستثمار من قِبَل الإنسان مثل الغابات المستثمرة والأراضي الزراعية والمناطق العمرانية والصناعية وغيرها.
فمن الواضح إن المناطق المحميّة متنوعة من حيث الهدف ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول: الحدائق العامة، فهي مناطق طبيعية ومتنوعة تحتوي على عدة أنواع من النظم البيئية وتكون فيها الحيوانات والنباتات في مأمن من كل التعديات، كما وتعتبر المنتزهات العامة من النظم البيئية التي يجد فيها الأفراد فرصة العيش في الطبيعة مع الحفاظ على الحيوانات والنباتات التي فيها.
ويوضع لهذه الأماكن برنامجٌ خاصٌ لحمايتها من الحرائق والآفات أو الاعتداء الذي يواجه النباتات أو الحيوانات.
وفي الحرب العالمية الثانية أصيب الكثير من هذه المواضع بالحرائق والغازات والملوثات والمبيدات وغير ذلك، بسبب جشع الذين كانوا يقومون بالحرب بعضهم ضد البعض الآخر وعدم خوفهم من الله عز وجل.
الثاني: المدّخرات، وأهم أهدافها حماية تنوع المجتمعات الحية النباتية والحيوانية ضمن نظم بيئية طبيعية وتهيئة مساحات مخصصة للأبحاث البيئية لدراسة كل ما يتعلق بالوسط المحيط، وخاصة فيما يتعلق بإجراء مقارنات بين المساحات المحمية ومساحات أخرى مجاورة غير محميّة، والاستفادة منها في التدريس، فإنها مساحات محميّة تنتمي إلى بيئات مختلفة أرضيّة وشاطئيّة، ويجب أن تحتوي على أمثلة معبّرة عن النظم البيئية المكوّنة.
كما يمكن أن تضم جماعات لنوع نادر أو معرض للانقراض، وهذه المدّخرات يجب أن تغطي مساحات بحيث تسمح بتكوين وحدة متكاملة للحماية.
التوازن الطبيعي في البيئة
وتعيش الحشرات مع سائر الحيوانات والنباتات في توازن طبيعي تتحكم فيه وتسيطر عليه عدّة عوامل بيئية، مثل الحرارة والرطوبة وتوفر الغذاء وعوامل حيوية أخرى مثل افتراس بعض الحشرات للبعض الآخر، وتطفّل بعضها على بعض، ولذلك يرى في البيئة الطبيعية أن الحشرات والحيوانات تعيش في حالة توازن طبيعي يحقق معيشة متوازنة لهما معاً، فإذا اختلفت الظروف البيئية لسبب طارئ أو دائم وحلّت في المنطقة حشرات جديدة فإنّ التوازن القائم لابدّ أن يختل لصالح نوع أو عدة أنواع منها، فتزداد أو تقل الأعداد عن معدّلها الطبيعي، ويكون ذلك في غير صالح الإنسان أو عكس ذلك وفقاً لنوع الحشرات المتكاثرة وبسبب الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية سواء كان إسرافاً في الكمية أو في الكيفية ممّا يؤدي إلى فقدان التوازن الطبيعي القائم بين الآفات وأعدائها الطبيعيين، ويؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة غير متوقعة في بعض أنواع الآفات.
ومن أمثلة ذلك انتشار العنكبوت الأحمر ودودة اللوز في مصر في أعقاب استخدام بعض المبيدات الحشرية بإسراف شديد وبطريقة غير محسوبة. ولم تكن مثل هذه الآفات مصدر خطر للنباتات فيما مضى، ولكن قتل المبيدات لأعدائها الطبيعيين ترك لها حرية التكاثر. كذلك أدى الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية إلى القضاء تقريباً على الحدأة المصرية التي أصبحت نادرة الوجود في الريف المصري، كما أثّر ذلك على وجود الغراب وأبي قردان والثعلب والنمر والذئب، وأصبحت هذه الحيوانات مهددة بالانقراض.
كما أدى استعمال مركب (دي دي تي) في مصر إلى ظهور العنكبوت الأحمر بكثرة على الذرة، ومنذ بضع سنوات هجم مرض خطير على شجرة الكاكاو في غرب أفريقيا، واتضح أن هذا المرض يسببه فيروس يحمله النمل، وعندما استخدمت المبيدات ضد النمل انخفضت الإصابة بالمرض، ولكن اختل التوازن الطبيعي. وبعد فترة تفشت الإصابات بما لا يقل عن أربعة حشرات جديدة.
وعلى أي حال: فإن قاعدة التوازن تحكم الكون بدقة متناهية مؤكدة على حكمة الخالق المتعالي حتى في كبر الحيوانات وصغرها، فالعصفور لا يصل في حجمه إلى الحمام، والحمام لا يصل في حجمه إلى العصفور صغراً. وفي الذكورة والأنوثة، فلا يخلو جيل من الحيوان عن الذكر أو الأنثى، فلا يزيد الثعلب على الدجاج ولا العكس، وهكذا بالنسبة إلى كل شيء بالقياس إلى نفسه وخواصّه ومزاياه أو بالقياس إلى أعدائه أو أصدقائه، وبالقياس إلى خصوصيات بيئته إلاّ بعارض طبيعي مثل الزلازل أو البراكين أو الفيضانات أو الصواعق أو بعارض إنساني مثل تدخل الإنسان في إزالة الحيوان أو تضعيفه أو تقويته بسبب تلويث البيئة أو ما أشبه ذلك.
طبقة الأوزون
مسألة: لقد أشار القرآن الكريم إلى أن السماء سقف محفوظ بالنسبة إلى الأرض، حيث ورد في القرآن الكريم: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون) ، وربما يكون قوله سبحانه وتعالى: (سقفاً محفوظاً) لاعتبارين، الأول: أنه سبب لمنع ارتطام سطح الأرض بملايين النيازك.
والإنسان الذي ينام في غرفة مسقَّفة يكون مطمئناً من العواصف والأمطار وكثير من الأخطار كذلك الأرض المسقفة التي تجعل البشرية تعيش بمأمن وطمأنينة.
الثاني: منع أضرار أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض، فتأمل.
ومن بين المخاطر التي تنجم عن تدخل الإنسان في النظم الكونية وإخلاله بالتوازن لمكونات الغلاف الجوي للأرض واستنزاف الأوزون في طبقة الجوّ العليا في المنطقة التي تقع على ارتفاع يتراوح بين (20 و40) كيلومتراً فوق منسوب سطح البحر، فإنه يحيط بكوكب الأرض غلاف جوّي سميك يشارك الأرض في دورانها الدائم حول نفسها وحول الشمس
والغلاف الجوي يتكون في الأساس من ثلاث غازات: النيتروجين والأوكسجين والأرجون، ونسبة قليلة تمثل ثاني أكسيد الكربون وتركيزات قليلة من غازات الهليوم والهيدروجين والكلبتون والميثان والنيون والزيون والأوزون. ويتجمع نحو (30%) من الغازات السابقة في طبقة تعرف ب(تروبوسفير) وهي الطبقة اللصيقة بسطح الأرض وتعيش في وسط هذه الطبقة جميع الأحياء الأرضية، وتحدث فيها أغلب الظواهر الجوية مثل تكون السحب والضباب والعواصف والرياح والثلوج والمطر.
وتوجد طبقة ثانية تعرف ب(الأستراتوسفير) وفي هذه الطبقة يوجد غاز الأوزون بنسبة ضئيلة جداً تتراوح بين (10 30) جزءً من كل مليون جزء من الهواء، ويتغير تركيز الأوزون بتأثير كبير كلّما ارتفعنا عن سطح البحر، ورغم أن سُمك طبقة (الأستراتوسفير) تصل إلى عشرات الكيلومترات إلاّ أن عدد ما بها من جزئيات الأوزون لا يتجاوز عدد جزئيات الهواء الموجود في طبقة سُمكها ثلاث مليمترات من الهواء الذي نتنفّسه على سطح الأرض، وذلك نظراً للانخفاض الشديد للضغط في طبقات الجوّ الأعلى، فنستطيع أن نتخيل طبقة الأوزون كبالونة هائلة تحيط بالكرة الأرضية على ارتفاع (30 كيلومتراً).
وغاز الأوزون سامّ للإنسان وللحيوان والنبات على السواء وهو أكثر سميّة من مختلف الغازات.
والتلوث الناجم عن حركة مرور السيارات في المدن المزدحمة يؤدي إلى زيادة تركيزه تزيد نسبة هذا الغاز في المدن خصوصاً المدن الصناعية المزدحمة بالآليات والسيارات وما أشبه ذلك.
والأوزون ذو فعالية عالية في إبادة الجراثيم وقتل البكتيريا والفيروسات والطفيليات الضارة، ولهذا السبب فإن عدة من الدول تفضِّل استخدامه في معالجة مياه الشرب والمياه الصناعية ومياه المجاري وفي تعليب الأسماك وتعقيم المأكولات. إلاّ أن زيادة نسبة هذا الغاز عن الحدّ المقرّر حسب التقدير الإلهي تحولّه إلى عامل ضارّ ومُتلف حيث أنه يسبب في تدمير الحياة بشتى صورها، وفي الوقت نفسه الذي يتولَّد فيه غاز الأوزون في الغلاف الجوي، فإنه يتعرَّض أيضاً لعملية تدمير طبيعية نتيجة لامتصاصه للأشعة فوق البنفسجية التي ترد إلينا من الفضاء فإن إخلال أي توازن في الأرض وبأجوائها يسبب اختلالاً في الأحياء وغير الأحياء، ولقد قال سبحانه: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون).
والأوزون كما أنه يسرع تكونه يسرع زواله أيضاً، وقد أدى الاختلال الصناعي إلى نشوء مشكلة الثقب الأوزوني فوق منطقة القارة القطبية الجنوبية. أما الشمس فهي ترسل أشعتها، وترسل نوعاً من الأشعة فوق البنفسجية، وهذه الأشعة تستطيع إذا ما وصلت إلى الأرض أن تقتل الكائنات الحيّة من بشر ونبات وحيوان.
ويقوم الأوزون الموجود في طبقة الغلاف الجوّي بحجب تلك الأشعة ومنعها من الوصول إلينا، ويقوم الغلاف الجوي بامتصاصها، وبذلك يحول دون تدفقها صوب سطح الأرض ويتسلل مقدار قليل جداً من هذه الأشعة ليساعد على تكوين فيتامين (دي).
واكتشف جماعة من العلماء أنه انخفضت نسبة هذا الغاز (40% ) فوق خليج هالي، وأنه امتدّت في ارتفاعها مسافة تتراوح بين (12 24) كيلومتراً تقريباً، طاغية بذلك على قسم كبير من الجزء الأسفل.
ومعنى ذلك وجود ثُقب أوزوني أي إنّ كثافة غاز الأوزون أصبحت منخفضة جداً عمّا يجب أن تكون عليه.
وقد أوضح العلماء: أنّ هناك عدداً كبيراً من الملوثات التي أدّت إلى استنزاف الأوزون، ومن أهم هذه الملوثات:
أولاً: أكاسيد النيتروجين التي تنطلق من الأسمدة الآزوتية، ومن الطائرات التي تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت وعلى الخصوص الكونكورد(13)، ومن التفجيرات النووية، كما وتنطلق هذه الأكاسيد أيضاً بسبب حرق الوقود الصُلب المستخدم في إطلاق مركبات الفضاء.
ثانياً: من مركبات الإيروسولات المستخدمة في بخّاخات الشعر ومزيلات رائحة العرق وفي جوّ التبريد في الثلاجات وأجهزة التكييف، وفي إنتاج الثلج الصناعي وفي إنتاج الإسفنج الصناعي، وفي صناعة العطور، والمواد الرغويّة، وموادّ التغليف والمذيبات المستعملة في تنظيف القطع الإلكترونية.
ثالثاً: الهالونات التي تستخدم في إطفاء حرائق الأجهزة الكهربائية(14).
ومن الواضح إن هذا الدرع الواقي لو ضعف لأي سبب من الأسباب، فإنّ عواقب ذلك ستكون سيئة على الأحياء التي تدبّ على سطح الأرض أو تسبح في مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، أو التي تتطاير في الجو، إذ يتسرب قدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية على سطح الأرض، وبذلك يتزايد انتشار الأمراض السرطانية وخاصة سرطان الجلد. وتقدِّر الوكالات الغربية لحماية البيئة أن الزيادة في عدد حالات سرطان الجلد نتيجة الثقب الأوزوني الناتج عن تأثير مركبات الكلوروفلوروكربون وحدها سوف تبلغ (40 مليون) حالة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط قبل انقضاء أربعة قرون، كما أن زيادة تسرّب الأشعة فوق البنفسجية بسبب الثقب الأوزوني سيؤدي أيضاً إلى الإصابة بالحروق الشمسية والعمى الجليدي والشيخوخة المبكرة وتجعّد الجلد وأمراض العيون(15) وبخاصة مرض السدّ العيني، وستؤدّي أيضاً إلى تشوّه الأجنّة وإضعاف جهاز المناعة في جسم الإنسان، وبالتالي ستؤدي إلى هلاك مجموعات كبيرة من البشرية بالإضافة إلى هلاك الحيوان والنبات وما أشبه ذلك(16).
ومن المعلوم إنّ الأشعة فوق البنفسجية إذا كانت متوازنة لها أهمية بالغة بالنسبة للإنسان والحيوان، بينما نقصها أو زيادتها تؤدي إلى الأضرار المختلفة. فإن نقصان كميتها يقود إلى زيادة أمراض الكُساح والتشوّهات العظمية وأمراض نقص الفيتامينات، كما وأن لها خواص مضادّة للجراثيم وتحت تأثيرها يتشكل فيتامين (دي) الذي يعتبر من أهم دعائم الصحة، وتقدر كمية الأشعة فوق البنفسجية الممتصة من الدخان والغبار في المدن بأكثر من (50% ) من كمياتها. وهناك علاقة مباشرة بين أمراض الكُساح ونقصان كمية الأشعة فوق البنفسجية في المدن، كما في إنجلترا حيث يُسمى الكُساح في بعض الأحيان بالمرض الإنجليزي، إذ لا تزيد نسبة الأشعة الشمسية في لندن عن (82% ) من نسبتها في المناطق الريفية ؛ ومن هنا جاءت توصية الأطباء لشعوب الدول الصناعية للذهاب ولو لشهر واحد إلى شواطئ البحار وشبهها لتلقّي الكمية اللازمة للجلد من الأشعة فوق البنفسجية.
وكما في المثل القديم كل إفراط وتفريط في أمر يؤدي إلى الخلل فيه، فاللازم أن يكون موزوناً بقدر جعله الله سبحانه وتعالى.
وعلى أيّ حال: فإنّ الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى سطح الأرض من الثقب الأوزوني تكون ذات طاقة عالية تكفي لتحطيم جزئيات مهمة في جسم الإنسان، والتي منها الجزئيات المسؤولة عن نقل الصفات الوراثية(17)، وتحطيم مثل هذه الجزئيات سيؤدي إلى هلاك مجموعات كبيرة من البشرية(18)، بالإضافة إلى أن ازدياد الأشعة فوق البنفسجية المارّة من الثقب الأوزوني من شأنه أن يزيد من خسائر المحاصيل الزراعية، فقد أجريت اختبارات على (200) نوع من أنواع النباتات لقياس حساسيتها نحو هذه الأشعة فتبيّن أن ثلثي هذا العدد تأثر بها حيث تباطأ معدل النمو(19) وفشلت حبوب اللقاح في إحداث الإنبات، كما وأن النباتات والأعشاب سوف تتضرّر بشدة(20) من جرّاء ارتفاع مستويات الأشعة فوق البنفسجية التي تتسرّب من ثقب الأوزون.
وستؤدي الزيادة في هذه الأشعة إلى حدوث الضباب الدخاني والأمطار الحمضية على ما سيق تفصيل ذلك، وستؤدي إلى حدوث تغييرات كبيرة في مناخ الأرض وارتفاع درجة الحرارة في العالم، وكذلك ارتفاع مستوى مياه المحيطات، وهو أمر يهدّد بغرق عدة مدن ومناطق ساحلية في بقاع شتى من العالم. وقد عقدت لدرء هذا الخطر عدة مؤتمرات(21) في عدة دول تقرر فيها تخفيض (50% ) من استهلاك المواد التي تسبب مثل هذه الأمور. وهذا أيضاً لا يكفي بل يلزم أيضاً تخفيضها بنسبة (90% ) لتفادي المخاطر الناجمة عن تدمير الأوزون الموجود في طبقات الجوّ.
الحل الاسلامي
وعلى أي حال: فكما نرى إن الاستعمار لا يهتم بالإنسان، فالساسة والاقتصاديون أيضاً لا يهتمون بهذا الأمر الاهتمام الذي ينبغي، وإنما يريدون حفظ مصالحهم الخاصة وإن كان فيها ضرر كثير للناس، كما يحدث في الحروب الكونية. وقد قال سبحانه: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم)(22)، فالإنسان الذي ينسى الله سبحانه وتعالى لا ينحصر ضرره على نفسه بل على غيره أيضاً.
وقد تحوّل الساسة في هذا النصف الثاني من هذا القرن إلى عمالقة في الاقتصاد والسياسة والسلاح والصناعة، ولكن صاروا أقزاماً في الإيمان بالله والقيم والمبادئ والأخلاق ؛ والمسيحية لم تتمكن من الوقوف أمام ذلك بعد أن انحرفت عن مسيرها الصحيح، حيث قال سبحانه وتعالى: (يحرّفون الكَلِمَ عن مواضعه ونسوا حظّاً مما ذكِّروا به)(23)، أما اليهودية فلم تكن قابلة أصلاً للوقوف بجعل دينها قومياً واقتصادها أهم شيء عندها إضافة إلى عدم أهليتها. فلم يَبقَ إلاّ الالتجاء إلى أحضان الإسلام الذي يجعل لكل شيء قدراً ولكل شيء مخرجاً. وقد قال سبحانه: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين)(24)، وقال سبحانه: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)(25)، وفي آية ثالثة: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)(26) فالإنسان هو المسؤول الأول والأخير عن كل إصلاح كما وإنه المسؤول عن كل إفساد، وقد قال سبحانه: (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)(27)، فصار الجوع في داخلهم والخوف في أنفسهم وكأنهما لباسان على البدن ملاصقان به ملازمان له.
وهذه حالة الدنيا في هذا الوقت، فالجوع ينتشر ليعم مليار إنسان والخوف يتسلل إلى قلوب الجميع من صغار وكبار، من رؤساء الدول حتى الحفاة العراة.
ولا علاج إلاّ بالعودة إلى مناهج الله عز وجل التي وضعها للإنسان لبدنه ونفسه وروحه وأسرته ومجتمعه، والإيمان بالله الذي يدخل إلى أعماق الإنسان وأخلاقه الطيبة وصفاته النفسية الرفيعة.
أضف إلى ذلك المناهج العملية في كل من السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والعائلة والفرد وغير ذلك، حيث بيّنّا جملة من ذلك في بعض كتبنا الفقهية.
الإخلال بالتوازن
مسألة: لا يجوز الإخلال في التوازن الموجود في العالم كما قال سبحانه: (من كل شيء موزون)(28)، فإن الإخلال في التوازن يسبّب خللاً عاماً وضرراً كبيراً في الإنسان والحيوان والنبات. فعلى سبيل المثال زاد المحصول السمكي العالمي بما في ذلك النباتات البحرية من (60 مليون) طن في سنة 1390ه (1970م) إلى (71 مليون) طن في سنة 1409ه (1989م)، وهذا المعدل أيضاً زاد بعد ذلك إلى يومنا هذا، وتدعو تقريرات منظمة الأغذية والزراعة إلى عدم تجاوز المحصول السمكي العالمي بمقدار (100 مليون) طن في السنة لمنع استنفاذ المخزون السمكي بشكل خطير فإنه في السابق كان يحصل على الأسماك البحرية والنهرية بالطرق البدائية السليمة، بينما في الحال الحاضر يكون الصيد بالوسائل الحديثة والتي تتمكن أن تجمع أكثر الأسماك حيث لا يبقى إلاّ جزء ضئيل، بيد إن الضغط على الموارد السمكية في بعض المناطق قد دخل بالفعل دائرة الإفراط في الصيد، ومن نتائج هذا الإفراط انخفاض المحصول السمكي بشكل حاد. وقد أدّى إلى فرض حصص على هذه الأنواع في شمال وشرق الأطلسي في سنة 1390ه ثم فرض حظر تام على صيد بعض الأسماك ريثما تتجدد مخزوناتها.
ويعتبر الإفراط في صيد الحوت والدلفين وسبع البحر والدب القطبي من أوضح الأمثلة على الاستغلال المفرط للموارد البحرية، وسجلت صناعة الحيتان الذروة في الصيد بقتل (66 ألفاً) من الحيتان في سنة واحدة، وكادت أن تباد أنواع كثيرة، وفي سنة 1409ه (1989م) أشارت الأرقام الجديدة الموقتة في اللجنة الدولية لصيد الحيتان أن من مجموع مليون حوت كانت تجوب البحار لم يبق منها سوى (10 آلاف) حوت فقط، فانخفض عدد الحيتان من نوع الحوت الأحدب من (20 ألفاً) إلى (4 آلاف) فقط والحيتان ذات الزعانف من أكثر من (100 ألف) حوت إلى (2000) حوت فقط، والحيتان الزرقاء من (250 ألف) إلى زهاء (500) حوت فقط وفي سنة 1405ه (1985م) فرضت اللجنة الدولية لصيد الحيتان حظراً على الاتجار بالحيتان لمدة (5 سنوات) ومع ذلك قتل منذ ذلك الحين ما يقرب من (11 ألف) من الحيتان. وإذا حسبنا هذا من جانب ومن جانب آخر التلوث الذي سبب موت كثير من الحيوانات سواء كان تلوثاً بسبب المعامل أو ما أشبه أو تلوثاً بسبب الحروب والأطماع كما حدث في الكويت جرّاء تلويث صدام المياه الخليجية أدركنا النقص الهائل في حيوانات البحر والنهر، مما يسبب زيادة ظاهرة الجوع، وقد قرأت في تقرير إنّ مليار إنسان في العالم يبيتونُ وهم جائعون.
وثالث الأثر في تلوّث البحار بسبب الأمطار الحمضية التي تقدمت الإشارة إليها. وهذه الأمور كلها تعد من عذاب الله سبحانه وتعالى للإنسان الذي انحرف عن سبيله حيث قال سبحانه: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون)(29).
التلوث نتيجة الحروب
مسألة: من الملوثات الشديدة، ملوثات الحروب فإنها تفسد البحار والأراضي والأجواء بالإضافة إلى قتلها الإنسان أو جرحه وإعاقته، وإلى هدرها الهائل للطاقات والأموال والإمكانات. ثم إنّ الحروب لها إمدادات حيث إنّ الألغام التي تزرع في الأراضي من جانبي الحرب تكون أيضاً هائلة التدمير والإفساد وهي ليست بشيء قليل. ففي بولندا عثر سنة 1364ه (1945م) على قرابة (15 مليون) لغم أرضي، وزهاء (74 مليون) قنبلة وقذيفة وقنبلة يدوية. والله سبحانه يعلم كم من ذلك اليوم إلى هذا اليوم من قنابل وألغام تم تفجيرها في وجه الإنسان سببت له موتاً أو مرضاً أو علةً. وفي فلندا تمت إزالة أكثر من (6 آلاف) قنبلة وزهاء مليون قذيفة و(66 ألف) لغم وما يقارب من (400 ألف) من قطع الذخيرة شديدة الانفجار الأخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وفي الهند الصينية تركت دون تفجير بعد الحرب قرابة مليونين قنبلة، و(23 مليون) قذيفة مدفعية وعشرات الملايين من قطع الذخيرة شديدة الانفجار الأخرى. وفي مصر وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في سنة 1393ه (1973م) أزيلت قرابة 8 آلاف وخمسمائة قطعة لم تنفجر من قناة السويس، كما أزيل حوالي (700 ألف) لغم أرضي من الأراضي القريبة من القناة إلاّ أن أضعاف هذا العدد من الألغام الأرضية والقذائف التي لم تنفجر ما زالت متناثرة حول خليج السويس وفي شبه جزيرة سيناء وفي الحدود العراقية الإيرانية وفي الحدود العراقية الكويتية في حربيّ الخليج(30). هذا بالإضافة إلى أنه أدت الحروب والمنازعات إلى وجود ملايين من المشردين واللاّجئين ولا يعرف العدد الصحيح للاجئين لكثرتهم وعدم دخولهم تحت إحصاء دقيق، ويرجع ذلك جزئياً إلى الافتقار إلى تعريف مقبول دولي للاجئين ولإحصاء أعدادهم في كل العالم، وتبين التقديرات إن عدد اللاجئين زاد عن (3 ملايين) في سنة 1390ه (1970م) إلى (15 مليوناً) في سنة 1410ه (1990م) بل إنّ بعض الإحصاءات دلت على أن عدد اللاجئين أكثر من (20 مليون)، ولم يعان هؤلاء اللاجئون من خسائر اقتصادية فحسب بل تمزق نسيجهم الاجتماعي وحياتهم بالكامل، بالإضافة إلى موت الألوف منهم خصوصاً من الرجال الكبار السن والنساء الكبيرات السن والأطفال والمرضى، فيعيش هؤلاء اللاجئون في معظم الحالات في مخيمات في مناطق الحدود حيث تقسو الظروف المعيشية وتنتشر الاضطرابات الاجتماعية وفي بعض الحالات تصبح عودة هؤلاء الناس إلى مواطنهم الأصلية مستحيلة من الناحية الفعلية، فيواصلون هم وذويهم العيش في بؤس لعدة عقود.
ومادامت حالة سحق حقوق الإنسان ونقص الإيمان بالله واليوم الآخر ومادام جشع الدول الكبيرة وظلم الحكام واستبدادهم فستستمر هذه الحالة، فقد حدثت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى اليوم زهاء نصف قرن عشرات الحروب بكل كوارثها ولذا فمن الواجب على كل إنسان يشعر أو يخاف الله واليوم الآخر أن يشعر بمسؤوليته إزاء إنهاء الحروب من ناحية وبتنشيط الأمم المتحدة أو تنشيط بديل لها لتتدخل سريعاً إذا وقعت حرب بين دولتين أو في دولة واحدة بين طائفتين أو ظلم الحاكم لشعبه.
الجنوح إلى السلم
مسألة: من أهم الضروريات العقلية والشرعية والعرفية أن تهتم البشرية جمعاء بإنهاء الحروب الذرية وصنع القنابل الذرية فإنها من أكبر ملوّثات البيئة والتي تمتد إلى أكثر من قرن، فقد أضافت الأسلحة النووية إلى الحروب أبعاداً جديدة تماماً، فقد كانت القوة التدميرية للقنبلتين الذريتين اللّتين ألقيتا في هيروشيما وناكازاكي في سنة 1374ه (1954م) تعادل أكثر من (22 كيلو طن) من مادة (تي أن تي). فتمثل الأسلحة النووية التي استحدثت فيما بعد زيادة هائلة في القوة التدميرية ليس على أساس الكيلو طن بل الميجا طن.
ويقدّر عدد الرؤوس النووية في العالم بين (37 إلى 50) ألف رأس ويتفاوت إجمالي قوة تفجيرها من (11 إلى 20) ألف ميجا طن بما يعادل 846 إلى مليون ونصف قنبلة من نوع قنبلة هيروشيما.
وقد قرأت في تقرير إن الاتحاد السوفياتي قبل تفككه، يملك وحده ما يتمكن من إبادة العالم (7 مرات)، وبالرغم من الإدانة الشاملة للأسلحة النووية فإن إنتاجها واختبارها مستمران، فبين سنة 1374 1410ه (1954 1990م) كان العدد الإجمالي للتجارب النووية (1818) تجربة منها (489) تجربة في الغلاف الجوي و(1329) تجربة تحت سطح الأرض.
وفي بداية القرن الخامس عشر الهجري(31) أجريت دراسات عديدة للتنبّؤ بآثار نشوب حرب نووية واسعة النطاق. وبالرغم من أوجه عدم التيقن العديدة فإن الإحصاءات المختلفة للحرب النووية تقدر أن ما بين (30 50%) من البشر يمكن أن يكونون ضحايا مباشرين للحرب النووية. كما إن (50 70%) من البشر الذين قد يجتازون الآثار المباشرة بحرب نووية واسعة النطاق يمكن أن يتأثرون بالشتاء النووي. ففي أعقاب حرب نووية ضخمة ستغطي السحب السوداء مساحات كبيرة من الأرض ربما لأسابيع أو شهور عديدة إذ إنّ ضوء الشمس تحجبه سحب كبيرة وكثيفة من الدخان الناتج من الحرائق وستنخفض درجات الحرارة إلى ما دون درجة التجميد فقد يحدث سقوط الأمطار في أقاليم كثيرة، وستؤثر مثل هذه التغييرات المناخية في الزراعة وفي النظم الرئيسية وفي الأعشاب والنظم البحرية مع حدوث آثار عميقة الأثر في إنتاج الأغذية وشبكات توزيعها.
وعليه فاللازم على البلاد الحرة وشبه الحرّة أن تهتم بهذا الأمر كثيراً في مختلف الأبعاد كمّاً وكيفاً بالتظاهرات والإضرابات لكي لا تحدث تجربة جديدة، وأن تُفنى كل القنابل الذرية وأن تبدل معاملها إلى معامل بناء دون الهدم.
التلويث المعنوي
هذا ما أردنا بيانه في تلوث الهواء بالملوثات المادية وهناك ملوثات أخرى معنوية حيث إنّ قسماً من المحاصيل تلوث الهواء مما يسبب مشكلات للإنسان والحيوان والنبات وسائر مكونات الأرض من ماء وهواء وغير ذلك حال تلك الملوثات المعنوية حال الجاذبية التي لا تشاهد ولا تحس بسائر الحواس لكنها موجودة ولها آثار خارجية.
وفي قِبال الملوثات المعنوية المنظفات المعنوية حيث إنها تنظف الأجواء المعنوية مما تسبب نمواً وبركة وخيراً للكائنات الحية وفي سائر الأمور الأرضية، فلو مثلنا ذلك بالجاذبية أيضاً لم يكن بعيداً، فالجاذبية كما تخرب أحياناً تعمر أحياناً. فالشيء الساقط من فوق، إنساناً أو حيواناً أو إناءً أو غير ذلك يتكسر ويتحطم، وربما أوجب حريقاً أو فيضاناً مدمراً وبالعكس في جانب الإيجابي، فإذا لم تكن الجاذبية موجودة كان حال الإنسان وحال غيره حال من في الفضاء من انعدام الوزن وعدم استقامة الأمور إلاّ بضغوط كبيرة صناعية حتى لا يمكن للإنسان من الأكل والشرب والجماع إلاّ بوسائل خاصة معدة لذلك. ومع ذلك لا يستقيم الولد الذي يكون في الفضاء بل يبقى جنيناً إلى غير ذلك، لكن الملوثات والمنظفات المعنوية لا تُعرف إلاّ بالسماع من الأنبياء والأوصياء ومن إليهم واتباع منهجهم وطريقهم.
وقد أشار إلى ذلك القرآن الحكيم بقوله: (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)(32)، وفي الروايات الاستعاذة من الذنوب التي تظلم الهواء. وفي الحديث: (إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة)(33). وكذلك إن صلة الأرحام تطوِّل العمر بينما إن قطيعة الرحم توجب نقصان العمر، فقد وردت روايات كثيرة في هذا الحقل منها: عن أبي جعفر (عليه السلام): (صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمّي الأموال وتدفع البلوى وتيسّر الحساب وتنسيء في الأجل)(34).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (صلة الأرحام تحسّن الخلق وتسمح الكف وتطيّب النفس وتزيد في الرزق وتنسيء في الأجل)(35).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): (صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتدفع البلوى وتنمّي الأموال وتنسيء له في عمره وتوسّع في رزقه وتحبّب في أهل بيته فليتق الله وليصل رحمه)(36).
فإن كلاًّ من القول والعلم والنية كما في الأحاديث حيث قال (عليه السلام): (على نياتكم ترزقون) وغيره إذا كانت حسنة فإنها تؤثر تأثيرا معنوياً في تطهير البيئة وتنظيفها وفي التعمير والبناء سواء أحسّه الإنسان بإحدى الحواس أو لم يحسّها، كما لها تأثيراتها بالنسبة إلى الآخرة. ثم أنّ الفعل الحسن أو السيئ أو القول أو النية قد يوجب أثراً بالنسبة إلى الشخص أو الأشخاص كما قال سبحانه: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرّيةً ضعافاً خافوا عليهم فليتّقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)(37)، وقال سبحانه: (ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملِهم من شيء)(38) وقد يوجب أثراً حسناً أو سيئاً بالنسبة إلى شيء آخر أو أشياء أخرى. فكما إنّ الأمر في الماديات كذلك في المعنويات، صغيرها وكبيرها، فإن نويرة صغيرة توجب احتراق شيء قليل بينما ما حدث في تشر نوبيل في الاتحاد السوفياتي السابق أوجب مرض وموت الآلاف على ما ذكروه بالإضافة إلى سائر آثاره التخريبية بالنسبة إلى الحيوان والنبات وغير ذلك.
إهلاك الحرث والنسل
مسألة: من أشد المحرمات إهلاك الحرث والنسل. قال سبحانه وتعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)(39). وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير الآية إنها نزلت في الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأظهر الإسلام لكنه كان خبيث النفس منحرف الذات منافق العقيدة، فلما خرج من عند النبي مرّ بزرع فأحرقه وحمر فعقرها فذكره الله سبحانه وتعالى ووصفه بأنه من ألدّ المخاصمين للنبي وللإسلام لما قام به من فساد وإهلاك للحرث والنسل، كما أشرنا إلى ذلك في بعض التفاسير(40) وقد ذكرنا إنه يفهم من هذه الآية عدم جواز إهلاك نسل الحيوان مهما كان حيواناً عادياً سواء كان الإهلاك بالأكل أو بالإتلاف، وهذا ما تعمله الحكومات من الحجر على صيد الحيوانات النادرة الوجود، والمفسد من عادته الإفساد في أَية صورة كانت كفساد فرعون أو قارون أو هامان أو الحجاج أو غيرهم كإدعاء كاذب للألوهية أو البغي في الأرض بغير حق أو إتيان الرجال أو اكتناز المال وعدم إعطائه للمحتاجين والفقراء بالقدر الشرعي.. إلى غير ذلك من صور الفساد والإفساد والتي منها ما ذكره سبحانه: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)(41)، كما ذكر الفقهاء في كتاب الحدود.
وفي الحال الحاضر نجد الانحراف نفسه موجوداً لكن بصورة أعجب وتصحبه مآسٍ وآلام رهيبة أحياناً عديدة مثل اتخاذ الحرب الجماعية التي بسببها يقتل الناس بالأسلحة الميكروبية والجرثومية والقنابل الذرية والقنابل النيتروجينية وما أشبه ذلك.
وقد رأينا في إيران كيف أنّ صداماً قتل الناس الآمنين بصواريخه الفتاكة، فأهلك حتى الأطفال الرضع والنساء والكبار سناً وأحرق المزارع والمصانع وما أشبه ذلك. وقد دكّ مدينة قم المقدسة بالقنابل، فقتل بها رجل الدين والرجل العادي وكبير السن وصغير السن وغيرهم، ولما قيل له إن هؤلاء رجال آمنون وليس في قم ثكنة عسكرية ولا مصنع عسكري ولا أيّ مرفق هام!
أجاب: قم هي بؤرة التخلّف العقلي.
نعم، من الخطوات التي يتبعها الاستعمار لأجل إذلال المسلمين وشق صفوفهم قيامه بحربهم من عدّة جهات: يحارب الإمام الحسين (عليه السلام) وشعائره لأن الإمام الحسين ثورة تتجدد في كل زمان، ويحارب المراجع العظام والحوزات العلمية لأنّ هؤلاء هم الذين يسببون يقظة الناس وهدايتهم إلى العقيدة الصحيحة والأخلاق الصحيحة والعمل الصحيح وهم الذين يحضّون الناس ويحذرونهم من الرضوخ للظلم والظالم، ويحارب الاقتصاد والمال حتى يكون الناس فقراء فيكونون لقمة سائغة في يد المستعمرين، ويحارب الحريات حتى لا يكون هناك نور بل يعيش الناس في ظلام دامس ولا يعرفوا كيف يتصرف عملاء المستعمرين أخذاً وعطاءً ونهباً وإفساداً، ويحارب العلم لأن العلم نور ويسبب علو شأن الناس، والمستعمرون لا يريدون رفعة الناس، فقد رأينا مثل ذلك كثيراً في العراق أيام صدام فإنه قطع نخيل العراق التي هي ثاني ثروة في البلاد بعد النفط وتقدر الأشجار التي قطعها (29 مليوناً) من أصل (32 مليون) فلم يبق إلاّ (3 ملايين). فتراجع العراق من المرتبة الأولى في تصدير التمر إلى المرتبة السادسة، هذا وقد ورد في توحيد المفضَّل خلق الله الإنسان وخلق الأرض لسكناه، كما ورد في القرآن: (ألم نجعل الأرض مهاداً)(42)، (أحياءً وأمواتاً)(43) وجعلها مناسبة وملائمة لحياته بمختلف شعبها وأبعادها فأنبت له الشجر والزرع وأجرى له الأنهار وسخر له الليل والنهار والشمس والقمر وزوده بنعمة العقل وجعل الطبيعة في خدمته وجعل له جميع حوائجه في حال صحته وحال مرضه في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه ومركبه، فقد قال سبحانه: (لم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً وجعلنا نومكم سباتاً جعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً وبنينا فوقكم سبعًا شداداً وجعلنا سراجاً وهّاجاً أنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً لنخرج به حبّاً ونباتاً وجنات ألفافاً(44)، وقال في آية أخرى: (لقد جعلنا في السماء بروجاً وزيّناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إلاّ بقدر معلوم وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون)(45)، ومن الواضح إن خزائن الأرض هي التي تولدها الماء والهواء والأرض والنور والحرارة، ولذا كان عند الله سبحانه وتعالى خزائن كل شيء، ولكنه لا ينزله إلاّ بقدر معلوم يناسب البشر زيادة ونقيصة مع سائر الملاحظات المذكورة في هذا الباب فالكون بمجموعه بيئة كبرى خلقها الله سبحانه وتعالى في حالة توازن واتزان، اتزان في الحركة والسكون واتزان في الحرارة والبرودة واتزان في الجاذبية والقوة الطاردة، واتزان في ما فوق الهواء المحيط بالأرض واتزان في المجالات الكهربائية والمجالات المغناطيسية والمجالات الأخرى في الحركة والسكون، ولذا قال سبحانه: (له ما سكن في الليل والنهار)(46)، وقال سبحانه: (م تر إلى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً)(47).
واتزان بين الماء والتراب واتزان حركة الموت والحياة وكل شيء وشيء.
وعلى أيّ حال فقبل ملوثات الصناعة الحديثة كان الهواء والماء وكل شيء نقياً خالياً من التلوث والفساد، لكن امتدت يد الإنسان إلى مياه الأنهار والبحار والبحيرات والمحيطات والمياه الجوفية فراح يلوِّثها بما يلقيه فيها من مخلَّفات. وهناك بعض الأنهار والبحار التي فسدت تماماً ولم تعد صالحة للاستعمال شرباً أو صناعة أو ما أشبه ذلك، ولا يقتصر خطر تلوث المياه على ذلك فحسب بل إنها تمتد لتكون سبباً في إبادة الأسماك والحيوانات والأحياء البحرية بل والطيور وما أشبه ذلك مما تعيش على حيوانات البحر. بل شمل أيضاً فساد الغابات حيث قام الإنسان الصناعي الذي لا يراعي الله واليوم الآخر بتعرية الأرض من غاباتها الكبرى. وقد ذكروا إنّ الحزام الاستوائي الأخضر الذي كان يمتد عبر القارات بمساحة تبلغ ستة عشر مليون كيلو متراً مربعاً تراجعت الآن إلى ثمانية ملايين كيلومتراً مربعاً فقط، وأخذ أيضاً هذا في التناقص مما أدى إلى جرف التربة وتصحرها بحيث أصبحت غير صالحة للزراعة بتاتاً. والغابات الاستوائية التي كانت تعتبر بمثابة رئة العالم تعرَّضت للاستنزاف والتدمير من وجهة النظر البيئية والاقتصادية. وفي بعض التقريرات إن (14% ) من الغابات الاستوائية ستختفي في نهاية هذا القرن نتيجة لزيادة معدل الاستنزاف، أما إذا أضيف إلى ذلك التغيرات المناخية والحرائق التي لا تفتأ تفتك بمساحات واسعة من الغابات فتبيدها عن بكرة أبيها، فيمكن أن تصل النسبة إلى النصف وما معدله تصحر أكثر من (20 مليون) هكتار سنوياً. وكل ذلك سبب لانقراض (25 ألف) نوع من النبات و(1000) نوع من الحيوانات في غضون العشرة الأعوام القادمة أو أقل من ذلك، كما يحدِّثنا بذلك الخبراء.
الصيد غير المنظم
وإذا كان تلوث البيئة سبباً رئيسياً من أسباب إهلاك الحرث والنسل، فإن الصيد غير المنظَّم للحيوانات البحرية والطيور والغزلان سبب آخر من أسباب إبادة أنواع شتى من النسل، وقد تعرَّضت حيوانات كثيرة لخطر الانقراض بسبب عمليات الصيد غير المسؤول مثل حيوان وحيد القرن والضباع والغزلان وبعض الحيتان وبعض الفراشات والعصافير والطيور.
وقد أسهم التلوث بالمبيدات الحشرية في زيادة المشكلة وفي القضاء على عدد كبير من المخلوقات. ويتفنن الإنسان غير المؤمن بالله واليوم الآخر إيماناً كاملاً في طرق الصيد الجائر من استخدام البنادق الأوتوماتيكية إلى الحراب المسمّمة والمفرقعات والسموم خاصة في صيد الأسماك والأحياء البحرية الأخرى حيث يلجأ بعض هؤلاء إلى استخدام هذه المواد نظراً لوفرة محصول الصيد الناتج عن استعمال هذه المواد. ولجأ بعض الصيادين إلى استعمال المفرقعات في صيد الأسماك وينتج عن التفجير موجة تتخلل في مركز الانفجار، ثم موجة ضغط حول المركز وتستمر الموجة الأخيرة في انتقالها إلى مدى كبير، ويؤدي التخلخل والضغط الناتجين عن تلف الجهاز العصبي للأسماك بمختلف أنواعها وعدم قدرة هذه الأحياء البحرية في السيطرة على مثاناتها الهوائية التي تحافظ على توازنها في الماء فيؤدي إلى اضطراب حركتها وطفوها فوق سطح الماء أو غوصها إلى القاع وموتها، وقد شاهدت في مدينة سامراء قبل ثلاثة عقود من الزمن استعمال المواد السامة في نهر دجلة فكانت الأسماك الكبيرة تطفو على الماء وهي في حالة شبه إغماء فيصيدها الصيادون، ويلاحظ بعد التفجير وجود كميات كبيرة من الأسماك مختلفة الأحجام تطفو على سطح الماء وهي تقوم بحركات عشوائية وقد فقدت السيطرة تماماً على توازنها مما يسهل صيدها.
كما إنّ استعمال السموم يؤدي إلى استهلاك كمية كبيرة من الأوكسجين الذائب في الماء أثناء عملية الانفجار ويؤدي ذلك إلى نقص في كمية هذا العنصر الحيوي مما يسبب اختناق الكائنات البحرية.
كما إنّ التفجير يسبّب ارتفاع درجة حرارة المياه بالإضافة إلى إن موجات الضغط التي تتجه صوب قاع البحر بعد عملية التفجير تؤدي إلى تقليب الرواسب الموجودة في القاع، وهذه الرواسب تحتوي على المعادن الثقيلة كالرصاص، وعندئذ تزداد نسبة هذه المعادن السامة في الماء وبالتالي يزداد تأثيرها الضارّ على الكائنات البحرية، وهي لا تشمل الأسماك وحدها بل تشمل أيضاً بيوضها والأحياء البحرية الأخرى، وهذا ما يؤدي إلى تناقص أعدادها ويعرِّضها للاندثار والانقراض. والطيور التي تأكل أمثال هذه الأسماك الصغيرة أو غير الصغيرة أيضاً تصاب بالأمراض المختلفة، والتي تنتقل إلى الإنسان بالنتيجة، وقد أشرنا سابقاً إلى مخاطر المواد المبيدة مثل انتشار مادة (دي دي تي) وغيرها من المبيدات المؤلفة من مواد الكلور العضوية التي تسبب تناقصاً غريباً في أقسام من الطيور الغواصة، وأصناف عديدة من الطيور اللاقطة وطيور البحر وعدد كبير من أصناف الأسماك، فإن المحيطات هي المستودع النهائي الذي تتراكم فيه مادة (دي دي تي) أو مخلفاتها، وقد انتهى إلى هذه المحيطات ما يقرب من (25% ) من كل المبيدات التي أنتجت حتى هذا اليوم، فإنّ كمية هذه المادة في الأحياء المائية أقل بقليل من الناتج الكلّي.
وقد أثرت هذه المادة في البيئة المائية، وبذلك تناقص أعداد السمك اللازم للغذاء، وتزايد تراكيب (دي دي تي) في لحمه مما يجعله غير مناسب للاستهلاك الإنساني ولابد وأن يتسارع إذا استمرت عملية رمي هذه المادة في البيئة. وحسب بعض الإحصاءات هناك ما يقارب من نصف مليون مركب صناعي في الاستخدام. وفي الوقت نفسه لا يمكن للإنسان التنبؤ بخواص معظم هذه المركبات وتأثيراتها متى أطلقت إلى البيئة. وهي تهدد بقاء ما لا يقل عن (180 نوعاً) من الحيوانات الولودة و(350 نوعاً) من أصناف الطيور و(20 ألف) نوعاً من أنماط النباتات، علماً أن هناك من يتأسّف على هذه النتيجة ولكنه يقول إن حياة الإنسان أهم من بقاء الصقر أو الأزهار أو النباتات الأخرى أو الأسماك. نعم إن حياة الإنسان أهم لكن اللازم أن يُذكَّروا أنّ بقاء الإنسان يعتمد على هذه الشبكة المرتبطة بالكائنات الحية ومقاومتها للفناء والتي يلعب فيها بقاء الصقور والأزهار والحيتان وما أشبه ذلك دوراً هاماً، فإنه ليس تدمير البيئة بالكامل هو الذي يجلب الكارثة للإنسان فحسب، بل إن استمرار الإنسان على الوتيرة الحالية من قطع النباتات واستصلاح المستنقعات وطرح كميات كبيرة من المبيدات والنظائر المشعّة والبلاستيك والفضلات البشرية والمخلَّفات الصناعية في الهواء والماء والتربة من أجل جعلها غير ملائمة للأصناف الحياتية التي تؤثر على استقرار هذه البيئة وبقائها، هو الآخر يدمر البيئة ويسبب الكارثة لكن بالتدريج.
إن دور الإنسان الصناعي الذي لا يلتزم بتعاليم السماء كحيوان هائج في دكان لبيع الخزف مع فارق واحد هو أن الثور إذا امتلك نصف المعلومات عن خصائص الخزف التي نمتلكها نحن عن النظام البيئي سيحاول تعديل تصرّفه بالنسبة إلى البيئة بدل أن يطلب العكس.
وعلى النقيض من ذلك إنّا نرى إنّ الرجل الصناعي اليوم مصمِّم على أن يكيّف الخزف الصيني المحيط به معه. ولذلك فقد وضع نصب عينيه أنّ يحطم هذا النوع من الخزف ويدمِّره إلى قطع متناثرة في أقصر وقت.
وقد ذكر الأخصائيون أنه سوف تنضب الاحتياطيات الحالية لغالبية المعادن خلال ال(50 عاماً) القادمة إذا بقي معدل الاستهلاك كما هو عليه الآن، ومن الواضح أنّ هناك اكتشافات جديدة وتطورات في عمليات التعليم لكن هذا التطور سيعطينا فترة زمنية محدودة فقط ولن تساعدنا المواد الاصطناعية أو البديلة حيث إنها ستصنع من مواد هي في الأصل عرضة أيضاً للنضوب، بينما لن يحلّ المشكلة توفر الطاقة. وقد ذكرنا في السابق علاج أمثال هذه الأمور، وإذا لم تحل فستكون الكارثة والعياذ بالله.
ثم لا يخفى إنّ تلوث الغلاف الجوي مشكلة كبرى تواجه جميع دول العالم بشراً ونباتات وحيوانات إذ تنبعث في الهواء مواد كيماوية عديدة من مصادر طبيعية من صنع الإنسان وتشمل الإنبعاثات من المصادر الطبيعية والمصادر الحية وغير الحية مثل نباتات تحلل الإشعاع وحرائق الأحراج والانفجارات البركانية والإنبعاثات من الأرض والمياه، وتؤدي هذه الإنبعاثات إلى تركيز طبيعي يختلف تبعاً للمصدر المحلي للانبعاث وأحوال الطقس السائدة، فقد تسبب الإنسان في تلوث الهواء من قديم الزمان بسبب استخدام النار، إلاّ أنه ازداد بسرعة منذ بداية عصر التصنيع وخصوصاً في النصف الثاني من هذا القرن.
وكشفت البحوث طوال العقدين الكاملين أنه بالإضافة إلى ملوثات الهواء الشائعة كأكسيد الكبريت والنتروجين والمواد الدقيقة والهيدروكربونات وأول أكسيد الكربون تنبعث من الغلاف الجوي مركبات عضوية متطائرة. وبالرغم من معرفتنا بطبيعة الملوثات للهواء وكميتها وسلوكها وآثارها فقد ازداد استعمالها كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب تدخل السياسة والاقتصاد في هذا الأمر.
ففي سنة 1411ه (1991م) أطلق في الهواء حسب بعض الإحصاءات (99 مليون) طن من أكاسيد الكبريت و(68 مليون) طن من أكاسيد النتروجين و(57 مليون) طن من المواد الدقيقة العالقة و(72 مليون) طن من أول أكسيد الكربون من مصادر ثابتة ومتنقلة، وتساهم بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بنسبة (40%) من أكاسيد الكبريت ونحو (52%) من أكاسيد النتروجين و(71% ) من أول أكسيد الكربون و(23%) من المواد الدقيقة العالقة المنبعثة في الغلاف الجوي ويساهم باقي العالم في النسبة الباقية.
وتوضح البيانات أنه بالرغم من وصول حجم انبعاثات أكاسيد الكبريت إلى ذورتها التي قاربت (115 مليون) طن في سنة 1390ه (1970م) إلاّ أنها انخفضت إلى (99 مليون) طن في سنة 1410ه (1990م) نتيجة الانخفاض الملحوظ في انبعاثات أكاسيد الكبريت في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وبالمقابل فقد ارتفعت انبعاثات أكاسيد الكبريت في بقية العالم من (48 مليون) طن إلى (59 مليون) طن خلال الفترة نفسها.
وقد خلص تقييم النظام العالمي للرصد البيئي إلى أن (900 مليون) شخص تقريباً. يعيشون في مناطق حضارية في العالم يتعرضون الآن إلى مستويات غير صحية من ثاني أكسيد الكبريت، وإن ما يزيد عن مليار شخص يتعرَّضون لمستويات مفرطة من العوالق.
.
.
.
__________________________________
اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة
ما شاءالله رائع هذا العمل وأتمني له الإستمرار