بحث عن الجناية على مادون النفس
الجناية على ما دون النفس هي كل اعتداء على جسد الإنسان من قطع عضو أو جرح أو ضرب، مع بقاء الإنسان على قيد الحياة، وتفسيرها عند الحنفية والمالكية إما عمد أو خطأ، والعمد يكون فيه الجاني متعمد الفعل قاصدًا العدوان على النفس، كمن يقوم بضرب شخصًا بحجر لإصابته، والخطأ هو ما تعمد فيه الجاني الفعل دون قصد العدوان، كالشخص الذي يقوم بإلقاء حجر من النافذة فيصيب رأس إنسان، أو الإنسان الذي يقع وهو نائم فتنكسر أحد أضلاعه.
الجناية على ما دون النفس
ليس للجناية على دون النفس عند الحنفية شبه عمد، ولكنه إما أن يكون عمد أو يكون خطأ، لأن شبه العمد يعني الضرب بما ليس بسلاح كالضربر بالمثقل أو الضرب بعصا كبيرة، ووجوده يعتمد على آلة الضرب، والقتل هو الذي يختلف حكمه باختلاف الآلة، وينظر إليه بناء على النتيجة الحاصلة، وهي حدوث الإتلاف أو قصد الاعتداء، ولكن عندهم يكون الفعل إما عمدًا أو خطأ وعقوبة شبه العمد عندهم هي عقوبة العمد.
أما الشافعية والحنابلة فهم يتصورون شبه العمد فيما دون النفس، مثل أن يضرب رأس إنسان بلطمة أو بحجر صغير لا يشج غالبًا، ولكنه ينتج عنه تورم مكان الضرب إلى أن يتضح العظم، حيث يقولون ” لا قصاص إلا في العمد، لا في الخطأ وشبه العمد”، وتكون عقوبة شبه العمد لديهم كعقوبة الخطأ.
عقوبة الجناية العمدية على ما دون النفس
تكون العقوبة العمدية على ما دون النفس إما على الأطراف بقطعها أو تعطيل منافعها، أو تكون بإحداث جرح في غير الرأس وهي الجراح، أو الرأس أو الوجه، وتكون العقوبة في تلك الجناية أنه كلما أمكن تنفيذ القصاص فيه وهو الفعل العمد الخالي عن الشبهة وجب القصاص، وكل ما لا يمكن فيه القصاص هو الفعل الخطأ وما فيه شبهة وجب فيه الدية أو الأرش.
وعلى هذا تكون عقوبة إبانة الأطراف أو قطعها هو القصاص أو الدية والتعزيز، وعقوبة تعطيل منافع الأعضاء في الواقع العملي هو الدية أو الأرش، وعقوبة الجراح والشجاج القصاص أو الأرش أو حكومة العدل.
وعلى هذا تكون عقوبة إبانة الأطراف أو قطعها هي :
ـ الأطراف عند الفقهاء هي اليدان والرجلان، ويلحق بها أو يجري مجراها الأصبع، والأنف والعين والأذن والشفّة والسن، والشعر والجفن وغيرها، وعقوبة إبانة الأطراف إما القصاص أو الدية والتعزيز بدلًا منه في حالة امتنع القصاص لسبب من الأسباب.
الشروط الخاصة بعقوبة القصاص
هناك بعض الشروط العامة والخاصة للقصاص والتي لابد من توافرها للقصاص في النفس، وهي :
ـ عند الحنفية أن يكون الجاني عاقلًا بالغًا متعمدًا مختارًا، غير أصل للمجني عليه، وكون المجني عليه معصومًا ليس جزءًا للجاني ولا ملكه، وكون الجناية مباشرة لا تسببًا، وأن يكون القصاص ممكنًا بإمكان المماثلة.
ـ أضاف الجمهور شروط إضافية أن يكون المجني عليه مكافئًا للجاني، ولا فرق عندهم بين أن تكون الجناية مباشرة أو تسببًا.
ولذلك فأن موانع القصاص العامة هي :
الطرف، ويعني ماله حد ينتهي إليه كأذن ويد ورجل، والجُرح هو أثر الجراحة وليس المراد به نفس الجرح لأنه هو الفعل.
الأبوة، حيث يمتنع القصاص من الوالد لولده فيما دون النفس كالنفس، باتفاق المذاهب الأربعة، فالضرب عدوانًا أي تعديًا لا على وجه اللعب أو التأديب الذي ينشأ عنه جرح، وفي تلك الحالة يكون لا قصاص فيه عنده لأنه من الخطأ.
إنعدام التكافؤ، وتعني أن لا يكون هناك تكافؤ بين الجاني والمجني عليه فيما دون النفس في حالتين أو ثلاث عند الحنفية وفي حالتين أخريين عند غير الحنفية.
يمنع القصاص في حالة كون الاعتداء على ما دون النفس شبه عمد عند الشافعية والحنابلة، كان يلطم شخص غيره فيفقأ عينه أو يرميه بحجارة فيشل يديه، أو يحدث ورمًا، فلا قصاص في تلك الحالة ولكن تجب الدية المقررة شرعًا للعين أو اليد، ولكن يقتص من الجاني عند المالكية والحنفية في تلك الحالة، لأن شبه العمد فيما دون النفس له حكم العمد لديهم، لتوافر صفة الاعتداء، وما دون النفس يكفي فيه مجرد قصد الاعتداء، والاعتداء بأي آلة أمر متصور وممكن بعكس القتل، فلا يكون إلا بآلة مخصوصة.
أن يكون الفعل تسببا عند الحنفية لا يتم القصاص، حيث أنهم يشترطون للقصاص بالجناية على النفس أو ما دون النفس أن تكون الجناية مباشرة لا تسببًا.
أن تكون الجناية واقعة في ضرار الحرب عند الحنفية لا قصاص في هذا الوقت في النفس أو ما دونها لعدم ولاية الإمام عليها، وهذا بالاختلاف مع باقي الأئمة.
يمتنع القصاص في حالة تعذر استيفاء القصاص، لأن القصاص يتطلب المماثلة، فإذا لم يتحقق التماثل فلا قصاص، ويتنقل إلى الدية، فلا تقطع إبهام اليد اليمنى ذات المفصلين من الجاني بقطعه إبهامًا مفصل واحد من المجني عليه، لكونها كانت مقطوعة المفصل الأول قبل الجناية لعدم التماثل.