بحث عن الزواج في ظل الإسلام وورد doc
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
وبعد فقد اطلعت على كثير من مشاكل البيوت والأسر، وأحمد الله سبحانه إذ حقق على يدي حلولاً لكثير من المشاكل التي اعترضت بعض إخواني وأصدقائي وزملائي.
وقد رأيت أن كثيراً من هذه المشاكل هي بسبب الجهل بالقواعد والأحكام الشرعية لعقد الزواج وأنه بمجرد العلم بهذه القواعد والأحكام وتطبيقها يستقيم نظام الأسرة ويتماسك بناؤها. وكذلك وجدت أن من أسباب الخلاف والتفكك الأسري تنقسم إلى ثلاث القسمان الأول والثاني هما الجهل بالتكوين النفسي وبالخصائص الذاتية لكل من الذكر والأنثى وأن الرجل عندما يتزوج المرأة دون العلم بهذه الخصائص الذاتية وبهذه المكونات النفسية فإنما يتعامل مع المجهول، وكذلك الحال بالنسبة لإقدام المرأة على الزواج بالرجل وهي لا تعرف خصائصه الذاتية ومكوناته النفسية، ويعود القسم الثالث من أنواع المشاكل بين الزوجين إلى الجهل بالأخلاق الواجبة التي يجب أن تسود علاقات الزوجية، ومن أعجب ما رأيت في هذا الصدد أن يكون الرجل لطيفاً كريماً مع الناس جميعهم إلا مع زوجته. وأن تكون الزوجة متزنة عاقلة في تصرفاتها مع جميع من تعاشر إلا مع الزوج.
هذه هي أصول المشاكل في الأسر وقد رأيت من واجبي أن أقدم لإخواني هذه الرسالة أرجو أن يجد المتزوجون فيها ضالتهم المنشودة التي تفتح لهم آفاقاً جديدة من السعادة والسلام والاستقرار، وأن يجد الذين لم يتزوجوا بعد دراسة كاملة في هذا الصدد يستطيعون بها أن يؤسسوا بيوتاً ملؤها السعادة والحب.
وكنت قد نشرت هذا الكتاب في جريدة الوطن الكويتية وقد وفق الله نشره الآن في كتاب لتتم به الفائدة ولله الحمد أولاً وأخيراً.
ولقد حاولت -بحمد الله- ما أمكنني أن أيسر موضوع عقد الزواج لكل قارئ حتى تفهم شروط هذا العقد ومواقعه وآثاره، وذلك أني أكتب هذا الكتاب للعامة وليس للعلماء والمتخصصين. إني أكتب هذه الرسالة لإخواني وأخواتي رغبة في تمكينهم من أن يؤسسوا بيوتاً صالحة وأن يحافظوا على هذا العهد المقدس والميثاق الغليظ كما وصفه الله في كتابه: {وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً}!!. وكذلك ليحافظ المسلمون على بقاء هذا العقد لأنه آخر ما بقي بأيدينا اليوم من قوانين الإسلام وتشريعاته، وضياع هذا العقد من مجتمع المسلمين يعني ضياع آخر أحكام الشريعة الإسلامية من مجتمعنا المعاصر.
ولا شك أن معرفة العامة بهذا العقد، وصيانة أحكامه والعمل بهدي الله الذي جاء فيه صيانة عظيمة لمجتمعنا من الفساد والانحلال الذي اجتاح دول العالم شرقاً وغرباً بعد أن فرطوا في عقد الزواج فانهدم النظام الأسري وانهدمت تبعاً لذلك كافة الأخلاق والقيم.
والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب المبارك كل ناظر فيه ودارس له وأن يجعل ثوابنا عنده الجنة. {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}، والحمد لله أولاً وأخيراً.
عبدالرحمن عبدالخالق
الكويت في 17 محرم 1399هـ.
الزواج نعمة
امتن الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه أن خلقنا معشر الرجال والنساء من نفس واحدة. وهذه النفس الواحدة هي آدم. والمنة في هذا أن نوع الرجال ليسوا خلقاً مستقلاً وكذلك نوع النساء ليس أصل خلقهم مستقلاً فلو كان النساء خلقن في الأصل بمعزل عن الرجال كأن يكون الله قد خلقهم من عنصر آخر غير الطين مثلاً أو من الطين استقلالاً لكان هناك من التنافر والتباعد ما الله أعلم به ولكن كون حواء قد خلقت كما جاء في الحديث الصحيح من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام كان هذا يعني أن المرأة في الأصل قطعة من الرجل، ولذلك حن الرجل إلى المرأة وحنت المرأة إلى الرجل وتجانسا: حنين الشيء إلى مادته وتجانس المادة بجنسها.
ثم كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل التكاثر من التقاء الرجال والنساء لقاء يكون فيه الإفضاء الكامل، والالتصاق الكامل واللذة الكاملة وذلك ليحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: [النساء شقائق الرجال]، فالرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة. أو شقان لشيء واحد.
وهذا الخلق على هذا النحو من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: {وهو الذي خلقكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}.
ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بمراعاة هذه الوحدة في الأصل عند تعامل الرجال والنساء فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
بل أمرنا بما هو أكبر من ذلك أن نتذكر نعمته في خلقنا على هذا النحو، وبأن خلق فينا هذا الميل من بعضنا لبعض وغرس في القلوب الحب والرحمة بين الزوجين كما قال سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
وهكذا يصبح أمام المسلم أمور يجب أن يضعها نصب عينيه وهو يبحث في العلاقة بين الرجل والمرأة:
أولاً: أن الرجال والنساء جنس واحد وليسوا جنسين، فأصلهم واحد وهو آدم وزوجته قطعة منه، والرجال والنساء في الأرض بعضهم من بعض لا توجد نسمة إلا وفيها جزء من الرجل وجزء من المرأة وقد تحملت المرأة في الخلق والتكاثر ما لم يتحمل الرجل حيث كان رحمها مستقراً ومستودعاً للنطفة، ومكاناً لاكتمال الخلق من البويضة النطفة إلى الطفل. وقد تحمل الرجل في مقابل ما تحملت المرأة الكدح في سبيل العيش والرعاية وبهذا توزعت الاختصاصات وتحمل كل شق من هذا الجنس الواحد جانباً من جوانب استمرار الحياة وبقاء الحضارة: تحملت المرأة وهيأها الله أن تكون مستقراً ومستودعاً للنسل حتى يخرج إلى الحياة، وأن يكون الرجل مكافحاً وعاملاً وكادحاً في سبيل الحصول على الرزق وبهذا تكتمل الصورة الواحدة.
ثانياً: أن خلق الرجال والنساء على هذا النحو من أكبر آيات الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم الأدلة على قدرته. وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة إلى التفكير في هذا الخلق كما قال تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب}، والصلب في لغة العرب هو فقار الظهر (عند الرجل)، والترائب هي عظام الصدر، قال الفراء في هذه الآية (يعني صلب الرجل وترائب المرأة) والمعنى عند ذلك أنه من مجموع جسدي الرجل والمرأة بل ومن مخ عظامهما أوجدك الله أيها الإنسان. وذلك لتتم اللحمة والتعاطف والحب بين الأزواج والزوجات والآباء والأمهات والأبناء بعضهم مع بعض فمن فرق بين الذكر والأنثى لصفات الذكورة والأنوثة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لازماً لاستمرار النوع والنسل فقد فرق بين الشيء نفسه وجنسه، ومن افتعل معركة بين ذكور الجنس البشري وإناثه فإنما هو مبطل يريد هدم الكيان البشري والوصول إلى الإباحية والشيوعية الجنسية، ومن قال بما قال به الرب سبحانه من توزيع الحقوق والوجبات على الجنسين اعتباراً بالذكورة والأنوثة فقد وافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأراد أن يعم السلام والخير بين الرجال والنساء.
انظر إلى قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون}.
فالزوجة من النفس لأنها بضعة من الرجل، والأولاد وأولاد الأولاد من اجتماع الذكور والإناث، والراحة النفسية ومتاع الدنيا هو في الحب الحقيقي بين الزوج وزوجته وبين الأب والأم وأولادهما، وبين الأبناء وآبائهم وجدودهم، فكم يسعد الجد بأحفاده سعادة لا تعدلها سعادة الطعام الجيد والشراب اللذيذ، وصلة القرابة هذه وصلات النسب والتمتع بذلك لا يكون إلا في ظل النكاح الشرعي، وأما في أنكحة السفاح فإن أول حرمان لأصحابها هو حرمانهم من هذا الحب الشريف النقي بين الأرحام إذ مع السفاح واختلاط الأنساب لا أرحام وإنما يبغي لذة واحدة هي لذة الحيوان فهل يراد للبشر الذين كرمهم الله أن يكونوا كذلك؟..
حكم الزواج في الإسلام
الزواج شرعه الله سبحانه وتعالى لبقاء النسل، ولاستمرار الخلافة في الأرض كما قال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، والخليفة هنا هم الإنس الذين يخلف بعضهم بعضا في عمارة هذه الأرض وسكناها بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، وقال تعالى أيضا: {وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض}، ولا يمكن أن نكون خلائف في الأرض إلا بنسل مستمر، وليس كل نسل مرادا لله سبحانه وتعالى ولكن الرب يريد نسلا طاهرا نظيفا، ولا يتحقق ذلك إلا بالزواج المشروع وفق حدود الله وهداه.
ولما كان الإسلام دين الفطرة، ودين الله الذي أراد عمارة الأرض على هذا النحو فإن الإسلام قد جاء بتحريم التبتل والحث على الزواج لكل قادر عليه ويدل على هذا أحاديث منها:
1- حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: [رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو آذن له لاختصينا]، والتبتل هو الانقطاع عن الزواج عبادة وتدينا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى بالصبر على ذلك والبعد عما في الزواج من متعة وأشغال ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى، ومعنى هذا أن هذه العبادة غير مشروعة في الإسلام. بل قد جاء حديث آخر يبين أنها مخالفة لسنة الإسلام وهديه وهو الحديث الآتي:
2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: أصلي ولا أنام، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني] (متفق عليه). وهذا صريح في أن هذه الشريعة أعني التبتل والرهبانية ليست من دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء.
وقد جاءت الأحاديث التي تحث على الزواج وتبين أن الزواج عون على طاعة الله ومرضاته من ذلك:
1- حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء] (رواه الجماعة).
وفي هذا الحديث ما يدل على أن الزواج معين على العفة وصون الجوارح عن زنا الفرج كما في الحديث:
[إن العين تزني وزناها النظر، وإن اليد تزني وزناها البطش، وإن الأذن تزني وزناها السمع، وإن الفرج يصدق هذا أو يكذبه]، وإعفاف النفس وصونها عن كل ذلك من أفضل ما تقرب به المتقربون إلى ربهم سبحانه وتعالى كما لا يخفى ما في ترك الزواج من الآثار السيئة النفسية المدمرة على كل من الرجل والمرأة وهو ما عبر عنه القرآن بالعنت حيث قال تعالى في شأن إباحة الزواج من الإماء: {ذلك لمن خشي العنت منكم}، وهو الإرهاق النفسي الذي يصاحب الكبت الجنسي.
2- ومن هذه الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في معرض بيان ما يثاب به العبد وتكتب له به الحسنات: [وفي بضع أحدكم صدقة]، والبضع هو من المباضعة -والمباضعة: هي الجماع- قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: [أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر]، وهذا الحديث غاية في بيان المراد في هذا الصدد وأن الزواج ليس من المباح الملهي وإنما هو من المباح الذي يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
3- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: [دينار تنفقه على أهلك، ودينار تنفقه على مسكين، ودينار تنفقه في سبيل الله،أعظمها أجراً الذي تنفقه على أهلك] (رواه مسلم).
وفي هذا بيان أن النفقة على الأهل أحب النفقات وأعظمها أجراً عند الله سبحانه وتعالى وبالطبع هذا كله إذا ابتغى المسلم وجه الله سبحانه وتعالى لما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [واعلم أنك لن تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة تبتغي بذلك وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك] (متفق عليه).
وقد استدل ببعض الأحاديث المتقدمة من يرى وجوب الزواج وأن من تركه مع القدرة عليه فهو آثم وهذا رأي ابن حزم وقول من أقوال الإمام ابن حنبل وعموم الفقهاء والأئمة على استحباب ذلك ولكن لا يخفى مع هذا أن من تركه زهادة فيه وهو آمن على نفسه من الفتنة وانشغالاً بأعمال أخرى من البر والدعوة والجهاد فنرجو أن لا يكون مثل هذا آثماً بتركه.
حكمة الزواج وأهدافه
لماذا نتزوج:
سؤال ينبغي أن يسأله كل شاب وشابة لنفسه بل كل مريد للزواج قبل أن يقدم عليه. لماذا نتزوج؟ وما الحكمة من هذا الزواج؟
وهناك أربعة حكم أو أهداف اجعلها نصب عينيك قبل أن تقدم على الزواج.
1- النسل:
جعل الخالق سبحانه استمرار النوع الإنساني على الأرض منوطاً بالتزواج، واستمرار النوع هدف وغاية للخالق سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا عن نفسه: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}، ولذلك أيضاً جعل الله سبحانه وتعالى الإضرار بالنسل من أكبر الفساد في الأرض كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}.
والنسل الذي يصلح لعمارة الأرض وخلافتها وسكناها هو النسل الذي يأتي بطريق نكاح لا بطريق سفاح، فالنسل السوي هو نسل النكاح. وأما نسل السفاح فهو مسخ يشوه وجه الحياة ويشيع فيها الكراهية والمقت. ولا يغيب عن بال قارئ مثقف في عصرنا ما يعانيه العالم الآن من أولاد السفاح الذين خرجوا إلى الأرض بأجسام بشرية وبنفوس حيوانية مريضة ملتوية، قد فقدت الحنان في طفولتها ولم تعرف الأرحام والأقارب فغابت عنها معاني الرحمة.
والنكاح بأصوله وحدوده وقواعده كما شرعه الله سبحانه وتعالى هو الوسيلة السليمة لاستمرار النوع الإنساني وبقائه وقد أمرنا سبحانه بابتغاء النسل عند معاشرة النساء حيث قال سبحانه: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن – علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم..} الآية، وابتغاء ما كتب الله هو طلب الولد (على وجه من وجوه التفسير لهذه الآية: {وابتغوا ما كتب الله لكم} أي من قيام رمضان فلا تنشغلوا بالمباح في ليلة من معاشرة النساء عن قيام ليلة وخاصة في العشر الأواخر كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتزل نساءه فيهن) ولذلك جاء في حديث ابن عباس في الصحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً].
2- الإمتاع النفسي والجسدي:
يهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين: سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم:21).
والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحل والهداية إلى الفطرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة ولم ينقصها شيء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق، وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع، والسكن بالزواج مطلوب شرعاً كما قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها}، وهذا عن زينب رضي الله عنها والوطر هو حاجة الإنسان كالأرب، والاستمتاع بالنساء لا ينافي التعبد الكامل بل هذا النبي صلى الله عليه وسلم سيد العابدين والمتقين يقول: [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة]. فمحبة الطيب والنساء لم تمنعه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين وأن يكون سيد العابدين المتقين، ولذلك فقد وسع الله عليه في ذلك، حيث قال: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين..} الآية.
وبين سبحانه وتعالى أنه لا حرج ولا ضيق على النبي في هذا المباح والذي أوجب الله عليه بعضه أحياناً كما أوجب عليه أن يتزوج بزينب وأمره بذلك حيث قال: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها..} الآية، فالآمر بالزواج هنا هو الله سبحانه وتعالى وبين أنه لا حرج عليه في هذا حيث قال: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً}.
والشاهد من هذا كله أن متع الزواج الحسية والنفسية من خير ما خلق الله من متاع لعباده في الدنيا، وابتغاء هذا المتاع وفق تشريع الله وهديه من الأسباب التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه.
3- بلوغ الكمال الإنساني:
الحكمة الثالثة من حكم الزواج هي بلوغ الكمال الإنساني فالرجل لا يبلغ كماله الإنساني إلا في ظل الزواج الشرعي الذي يتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعاً ربانياً قائماً على العدل والإحسان والرحمة لا توزيعاً عشوائياً قائماً على الأثرة وحب الذات وافتعال المعارك بين الرجال والنساء وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات بالشد والجذب والتصويت في (البرلمانات).
فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها وحيث ينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقي القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة وبلوغ اللذة دون وجود الوفاء والرحمة. فمشاعر الزناة والزواني لا يمكن أن تكون كمشاعر الأزواج والزوجات فالأولى مشاعر حيوانية شهوانية حدها محدود بوجود هذه اللذائذ الحسية ومنته بانتهائها، ولا يمكن أن يكون فيها ومعها أي شعور بالاحترام والود والوفاء بل على العكس من ذلك، هناك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان احتقار الزواني لمن وافقته على عمله الخبيث، واحتقار الزانية لمن استغل حاجتها أو جمالها أو ضعفها الأنثوي وميلها الطبيعي. ولذلك فمشاعر الزناة والزواني متضاربة، ساقطة، ومشاعر الأزواج
__________________________________
اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة
تنزيل “الزواج.docx” الزواج.docx – تم التنزيل العديد من المرات – 23.06 كيلوبايت