التعليم التقليدي والتعليم المتطور و جائحة كورونا
التعليم التقليدي…اعتمد على ترسيخ اللغة الأم وتلقين الطفل أبرز ما يحتاجه في سنواته الأولى، كالإدراك الجيد للحروف، ولغة الحوار، وطرح الأسئلة، والنشاطات، العمل الجماعي والمطالعة….. وكثيرًا من الأشياء الجميلة التي درسناها ولا نزال نذكرها، وكذلك ذلك طريقة إلقاء المعلم أو المعلمة المشوقة وحبهم للمادة التي يدرسونها.
لزمن قريب كان المنهاج نفسه والتحصيل تراوح بين الممتاز والجيد والمتوسط، أما الفاشل في بعض المواد فيحسن لغته العربية ويملك ثقافة عامة حول بلده ورموزها ويعرف بعض الأنبياء والرسل والصحابة ومعلوماته جيدة عن تعاليم ديننا الحنيف، لاعتماد البرنامج على السرد وهذا ما يحبه كل طفل في مراحل تعليمه الأولى، وحقق بذلك مقولة (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر)
التعليم المتطور والحشو الزائد
الطفل في سنوات عمره الأولى يسهل عليه تعلم عدة أشياء، ومن هذا المبدأ جعلت وزارة التعليم برنامجًا مكثفًا ومواكبًا لعصر التكنولوجيا، وغزارة المعلومات أفقدت الطفل تركيزه وبعض الأشياء لا يستوعبها سوى الأذكياء ويصعب على أولياء الأمور تبسيطها، وبالتالي مساعدة أبنائهم لأنهم لا يملكون أسلوب المعلم في إيصال المعلومة، وكما نعلم ليس بمقدور معظم الأسر توفير مصاريف الدروس الخصوصية.
ومع صعوبة الوضع يحاول الأولياء دائمًا البحث عن حلول، ووضع خطط ليبقوا أبناءهم دائمًا في المجال الدراسي، ولكن ماذا عن الطفل نفسه؟
الطفل بين كثافة البرنامج الدراسي وحلاوة الألعاب
كما نعلم هذا التغيير الجذري في نمط الحياة طغى على العالم، والكل تأثر صغيرًا وكبيرًا، ومع وجود الكثير من الابتكارات المغرية، أصبح الطفل لا يعطي قيمة للدراسة ومعظم اهتمامه بوسائل التواصل الاجتماعي وألعاب يلتقي فيها بأطفال من معظم الدول الأخرى، فاقتحم عالمًا افتراضيًّا وجده مسليًّا وسهلًا وأدمن عليه، وتفاقم الوضع في ظل جائحة كورونا التي غزت العالم والتوقف الدراسي الذي دام طويلًا وهذا كان كافيًا لإعاقة التعليم المريض أصلًا.
فبعض الأطفال حتى قبل الجائحة كان رصيدهم المعرفي في تدنٍّ، أما الآن فأضاعوا مفردات اللغة وسط اللغة الحديثة المبتكرة لمواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيره من المواقع الشبيهة.
أبناؤنا في خطر
التغيير لم يشمل التلميذ فقط، فقد كان لأساتذة التربية دور كبير فيما آل إليه أبناؤنا، وبدأت القصة قبل الجائحة بكثير، حين هَوِس بالدروس الخصوصية وأتقن الشرح فيها وحين أصبحت رسالته مادية بالدرجة الأولى، فهذا حال معظم الأساتذة والمعلمين، وماذا عن أبناء الأسر الفقيرة؟ فقد سبّب هذا في ضعف معرفتهم. يدخل التلميذ القسم ينتظر الشرح الوافي بينما يكتفي الأستاذ بفهم أطفال شرح لهم في درسه الخصوصي، فأصبح لديهم تراكمات لدروس غير مفهومة وحين لا يفهم الدرس لا يعرف حل التمارين ومن هنا بدأت رحلته مع التراجع والفشل الدراسي.
ولكن ما الحل؟ مع أبناء تلهيهم الآن التكنولوجيا ليستفيقوا على مستقبل كاذب، ليس لهم أهداف ولا علم ولا شيء ينتفعون به سوى ذكريات لأوقات فراغ حتى في المدارس، وفي فصول التعليم، وانحرافات وسلوكيات غير لائقة بمجتمع عربي له تاريخه وعظماؤه. في هذا الوضع لا نحتاج لجيل متعلم بقدر ما نحتاج لجيل فطن وأصيل محب لدينه ووطنه وغيور عليهما كما كان الحال في عصر الحروب والأمية، نحتاج لجيل لا يردد مقولة (ماذا أفعل بشهادة لا توفر لي عملًا في بلدي)
السلوكيات المكتسبة الجديدة
ساعات الدراسة قليلة جدًّا، يعود ابني للبيت يحمل كيس فشار وشيبس، بذور يقطين أو بذور عباد الشمس، وهي أمور مشتركة بينه وبين أقرانه، أي ليست حالة استثنائية، بعد الغذاء تنطلق رحلتهم في عالمهم الجديد، يقولون لعبة فري فاير، الابتكارات الخطيرة في تزايد مستمر تستنزف عقل ووقت الطالب ومصروفه لأجل الشحن في اللعبة، شيء مؤسف أننا أصبحنا مغلوبين على أمرنا ورضخنا لطلبات أبنائنا السخيفة، من أجل مواكبة التطور.
والحقيقة أننا نفتقر لشد انتباه أبنائنا بأشياء أو شخصيات من صنعنا تؤثر فيهم وتبقيهم في عالمهم العربي مبهورين بما صنع أهلهم وذويهم، أو بمفهوم آخر هجرة العقول المبدعة تزرع في أماكن غير أوطانها وتعمل لصالح غيرها هو ما أوصلنا لهذا الحال، أصبحنا أُسَرًا مستهلكة وكل ما يهمنا العيش بسلام مع أننا نقبع فوق فوهة بركان.
أحلام وردية
نحلم بدعم أبناءنا وتغيير نمط حياتهم ومفهومهم الخاطئ، وإعادة النظر في محتوى البرنامج الدراسي. نحلم دائمًا بأبناء مثاليين مع أننا لم نكن كذلك، ولكن لم نكن بتلك القسوة التي تتربى في قلوب أبناءنا اللذين صاروا مشحونين بألعاب شرسة خلقت فيهم ظاهرة جديدة أطلقوا عليها اسم التنمر. فلذلك نحلم بعودة البرنامج الدراسي القديم، والعمل على الطفل بكل ما أوتينا بقوة ومعرفة واتحاد بين الأولياء والمعلمين، لغرس القيم والمبادئ واللغة العربية السليمة وأحكام الدين البسيطة، ذاك المكتشف الصغير بقدرته على امتصاص الإيجابيات في سنواته الأولى، واستغلال فطرته السليمة، حتى لا يضيع في متاهة التكنولوجيا حين يقتحمها.
نحتاج لدمج شبابنا الواعد والاهتمام بمواهبه وقدراته، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، وكذلك تعليمهم الزراعة والإبداع والابتكار والعمل الجماعي، والشاب الطموح يصنع لنفسه مجال شغل، وبعدها لن نضطر لبناء سجون.