بحث علمي عن سوء الخلق جاهز للتحميل doc

مقدمة

ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا علم شرًا إلا حذر أمته منه، ومن جملة الشر الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه: سوء الخلق.

فالخلق السيئ خلق فاسد متصف بالشر، لا يتفق مع الواجبات الشرعية والخلقية، وهو فعل منكر وسلوك غير صالح ينتج عن مرض القلب في الغالب.

قال ابن القيم رحمه الله:

       ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان : الجهل والظلم والشهوة والغضب. فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن. والكمال نقصا والنقص كمالا. والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضى ، ويرضى في موضع الغضب ، ويجهل في موضع الأناة ، ويبخل في موضع البذل ويبذل في موضع البخل ، ويحجم في موضع الإقدام ويقدم في موضع الإحجام ، ويلين في موضع الشدة ويشتد في موضع اللين ، ويتواضع في موضع العزة ويتكبر في موضع التواضع.

والشهوة : تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والنهمة والجشع والذل والدناءات كلها.

والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه.

ويتركب من بين كل خلقين من هذه الأخلاق: أخلاق مذمومة. وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس في الضعف وإفراطها في القوة.

فيتولد من إفراطها في الضعف: المهانة والبخل والخسة واللؤم والذل والحرص والشح وسفساف الأمور والأخلاق.

ويتولد من إفراطها في القوة: الظلم والغضب والحدة والفحش والطيش.

ويتولد من تزوج أحد الخلقين بالآخر: أولاد غية كثيرون (أي أخلاق سيئة كثيرة). فإن النفس قد تجمع قوة وضعفا. فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر، وأذلهم إذا قُهر، ظالم عنوف جبار، فإذا قهر صار أضعف من امرأة. جبانا عن القوي، جريئا على الضعيف.

فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضًا.

التعريف

سوء الخلق لغة

السوء اسم من ساءه سوءا، بالفتح- ومساءة، ومسائية. نقيض سره، يقول ابن فارس: «فأما السين والواو والهمزة فهي من باب القبح، تقول: رجل أسوأ، أي قبيح، وامرأة سواء، أي قبيحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«سواء ولود خير من حسناء عقيم» ولذلك سميت السيئة سيئة» وقولهم ساءه يسوءه أي فعل به ما يكره وأساء إليه نقيض أحسن، والسواى: نقيض الحسنى، وفي القرآن ثم كان عاقبة الذين أساؤا السواى (الروم/ 10) والسوأة: العورة، والفاحشة، وسؤت الرجل سواية ومساية:- مخففان-، أي ساءه مارآه مني.

وتقول من السوء استاء الرجل، كما تقول من الغم اغتم.

ويقال: ساء ما فعل فلان، أي قبح صنيعه صنيعا. والسوء: الفجور والمنكر، وسؤت له وجهه قبحته، ويقال: أسأت به، وإليه، وعليه، وله.

وقال- عز من قائل- إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها (الإسراء/ 7) ، ويقال: هو سيىء إذا قبح والأنثى سواء أي قبيحة. والسواء: المرأة المخالفة، والسوأة السواء، الخلة القبيحة، وكل كلمة قبيحة أو فعلة قبيحة فهي سواء.

وأساء الرجل إساءة خلاف أحسن، وأساء الشيء، أفسده، ولم يحسن عمله، وفي المثل: أساء كاره ما عمل.

والسيئة: الخطيئة، والسوء اسم جامع للآفات والداء، ويقال: لا خير في قول السوء. وقيل:

هو الفجور والمنكر «1» .

سوء الخلق اصطلاحا

يؤخذ مما ذكره الجرجاني عن الخلق- حسنه وسيئه- أن سوء الخلق: عبارة عن هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال القبيحة بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية «2» .

ويرى ابن تيمية في نظرته الخلقية، أن مفهوم الأخلاق يرتبط بالإيمان، وما ينبثق عنه. ومن ثم يقوم هذا المفهوم عنده على عدة عناصر وهي:

1- الإيمان بالله وحده خالقا ورازقا بيده الملك.

2- معرفة الله- سبحانه وتعالى- معرفة تقوم على أنه وحده- سبحانه- المستحق للعبادة.

3- حب الله- سبحانه وتعالى- حبا يستولي على مشاعر الإنسان بحيث لا يكون ثمة محبوب مراد سواه سبحانه.

4- وهذا الحب يستلزم أن تتوحد إرادةالخالق والمخلوق في اتجاه واحد هو تحقيق رضا الله- سبحانه وتعالى- والالتزام بتحقيق هذا الرضا في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة.

5- وهذا يستلزم من الإنسان سموا في أخلاقه، وترفعا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب في الدنيا. 6- ويأتي العمل بعد ذلك محققا أو في طريق بلوغ الكمال الإنساني «1» .

والأمر كذلك فإنه إذا لم تتحقق هذه الشروط الموضوعية فإن الناتج عن الإنسان يكون خلقا سيئا؛ لأنه تعبير عن الإيمان بالله وتعبير عن الرؤية الموضوعية للأشياء والحقائق. وعلى هذا يكون الخلق السيىء فعلا إنسانيا لا ترتبط فيه الأفعال بالطاعة، أي أنه فعل تنفصل فيه الطاعة عن الأخلاق، ويصبح الفعل شكليا أو مظهريا.

كما أنه فعل لا يدرك الغائية الخلقية، من حيث إنها تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والحياة الآخرة، الأمر الذي يجعل العمل الذي يقوم به الإنسان فاقدا لقيمته الخلقية ودلالته الإنسانية، كما أن هذا الفعل فاقد للتمحيص والتدقيق اللازمين كي يكون موافقا لما أمر الله سبحانه وندب إليه في وقته الملائم والمناسب.

وفي هذا الوضع يكون هذا العمل استجابة لا خلقية، وبذا يكون صاحبه متصفا بسوء الخلق «2» .

فالخلق السيىء، خلق فاسد متصف بالشر، لا يتفق مع الواجبات الدينية والخلقية، ولا يتفق مع ما شرع الله أمرا، ونهيا، وهو فعل منكر، وسلوك غير صالح «3» ، وهذا ناتج عن مرض القلب.

الفرق بين الخلق والعادة

الخلق يقال في القوى المدركة بالبصيرة، وتارة يجعل للقوة الغريزية، وتارة اسما للحالة المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء كمن هو خليق بالغضب لحدة مزاجه، ولهذا خص كل حيوان بخلق في أصل خلقته، كالشجاعة للأسد، والمكر للثعلب، ويجعل الخلق تارة من الخلاقة وهي الملابسة، وكأنه اسم لما مرن عليه الإنسان بالعادة، وقد روي «ما أعطى الله أحدا أفضل من خلق حسن» فجعل الخلق مرة للهيئة الموجودة في النفس التى يصدر عنها الفعل بلا فكر «4» ، وجعل مرة اسما للفعل الصادر عنه باسمه، وذلك نحو: العفة، والشجاعة؛ فإن ذلك يقال للهيئة وللفعل جميعا، وربما تسمى الهيئة باسم، والفعل الصادر عنها باسم آخر كالسخاء، والجود؛ فإن السخاء اسم للهيئة التى يكون عليهاالإنسان، والجود اسم للفعل الصادر عنها، وإن كان قد يسمى كل واحد باسم الآخر، وأما العادة فاسم لتكرير الفعل أو الانفعال، وبها يكمل الخلق، وليس للعادة فعل إلا تسهيل خروج ما هو بالقوة في الإنسان إلى الفعل «1» .

بين الخلق والتخلق

قال الراغب: الفرق بين الخلق والتخلق أن التخلق معه استثقال واكتئاب ويحتاج إلى بعث، وتنشيط من الخارج، والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج، والتخلق ضربان:

الأول: محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتدرب، ويتحراه صاحبه سرا وجهرا على الوجه الذي ينبغي، وبالمقدار الذي ينبغي.

الثاني: مذموم، وذلك ما كان على سبيل المراءاة، ولا يتحراه صاحبه إلا حيث يقصد أن يذكر به، ويسمى ذلك رياء، وتصنعا، وتشيعا، ولن ينفك صاحبه من اضطراب يدل على تشيعه، وعلى ذلك قول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: «من تخلق للناس بغير ما فيه فضحه الله- عز وجل- «2» » .

هل يمكن تغيير الخلق السيىء إلى خلق حسن

يقول الجاحظ ما خلاصته: إن الأخلاق المذمومة موجودة في كثير من الناس، غالبة عليهم، مالكة لهم، بل قلما يوجد فيهم من يخلو من خلق سيىء أو مكروه، ويسلم من جميع العيوب، ولكنهم يتفاضلون في ذلك، وكذلك في الأخلاق المحمودة قد يختلف الناس ويتفاضلون، إلا أن المجبولين على الأخلاق الحسنة قليلون جدا، وأما المجبولون على الأخلاق السيئة فأكثر الناس وما ذلك إلا لأن الإنسان إذا استرسل مع طبعه، ولم يستعمل الفكر ولا التمييز، ولا الحياء ولا التحفظ، كان الغالب عليه أخلاق البهائم، لأن الإنسان إنما يتميز على البهائم بالفكر والتمييز؛ فإذا لم يستعملهما كان مشاركا للبهائم في عاداتها، ولما كان الناس مطبوعين على الأخلاق السيئة منقادين للشهوات الرديئة، وقع الافتقار إلى الشرائع والسنن، والسياسات المحمودة «3» ، ولكن، هل يمكن للإنسان أن يغير خلقه؟ على هذا التساؤل أجاب الإمام الراغب فقال:

اختلف الناس في الخلق فقال بعضهم: هو من جنس الخلقة، ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه إن خيرا وإن شرا كما قيل:

وما هذه الأخلاق إلا غرائز … فمنهن محمود ومنهن مذمم ولن يستطيع الدهر تغيير خلقة … بنصح ولا يسطيعه متكرم «4»

أسباب سوء الخلق

     سوء الخلق كغيره من الأدواء؛ فله أسباب تجلبه، وبواعث تحرّكه.

     فمن ذلك ما يلي:

1- طبيعة الإنسان:

     فهناك من الناس من جبل على القحة، والبذاءة، وسوء الخلق، فتغلب عليه هذه الطبيعة، ويؤثّر فيه، وتوجّهه إلى مساوئ الأخلاق، وتصرّفه عـن محاسنها. خصوصًا إذا استرسـل مع طبيعتـه، و لم يسع إلى إصلاح نفسه.

2- سوء التربية المنزلية:

     فالتربية المنزلية لها دور عظيم في توجيه الأولاد سلبًا أو إيجابًا؛ فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، والولد قبل أن تربّيه المدرسة والمجتمع يربّيه البيت والأسرة. والولد مدين لوالديه في سلوكه المستقيم، كما أن والديه مسؤولان إلى حد كبير عن فساده وانحرافه. فإذا تربّى الولد في المنزل على مساوئ الأخلاق، وسفاسف الأمور، وتربّى على الميوعة، والترف نشأ ساقط الهمـة، قليـل المروءة، فهذه التربية تقضي على شجاعته، وتقتل استقامته ومروءته(1).

     أضف إلى ذلك أن الأولاد يرثون طباع والديهم كما يرثون أشكالهم، ولذلك قيل: إذا أردت ولدًا صحيحًا فتخيّرْ له آباء أصحّاء أقوياء.

3- البيئة والمجتمع:

     فلهذين الأمرين أهمية كبرى في حسن الخلق وسوءه؛ فإذا نشأ المرء في بيئة صالحة، من بيت طيب، و مدرسة تعنى بدين الطلاب وأخلاقهم، وكان في مجتمع تشيع فيه الفضيلة ومحاسن الأخلاق نبت خير منبت، وتربّى خير تربية، وإلّا فما أحراه أن يكون سافل القدر شرّيرًا لا خير فيه. قال تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف:58].

4- الظلم:

     فالظلم يحمل صاحبه على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضى، ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل، ويبذل في موضع البخل، ويُحجم في موضع الإقدام، ويُقدم في موضع الإحجام، ويلين في موضع الشدة، ويشتد في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزة، ويتكبر في موضع التواضع(3).

5- الشهوة:

     فهي تحمل على الحرص، والشحّ، والبخل، وعدم العفّة، والنهمة، والجشع، والذل، والدناءة(4).

6- الغضب:

     فهو يحمل على الكبر، والحقد، والحسد، والعدوان، والسفه(7)، وهذه الأوصاف تتنافى مع حسن الخلق.

7- الجهل:

     فالجهل يورد صاحبه المهالك، وينزع به إلى الشرور والبلايا. والجاهل عدو لنفسه، يسعى في دمارها من حيث لا يشعر. ولهذا قيل:

     لا يبلغ الأعداء من جاهل

                           كمبلغ الجاهل من نفســه

     فالجهل بعواقب الأمور، وبمحاسن الأخلاق ومساوئها يؤدي إلى فساد عريض، وشرّ مستطير، ويحمل صاحبه على ارتكاب مالا ينبغي.

8- الولاية:

     فالولاية قد تحدث في الأخلاق تغيرًا، وعلى الخلطاء تنكّرًا، إما من لؤم طبع، وإما من ضيق صدر؛ ولهـذا قيل: «من تاه في ولايته ذلّ في عزله»(8).

9- العزل:

     فكما أن الولاية تحدث في الأخلاق تغيرًا فكذلك العزل؛ فقد يسوء به الخلق، ويضيق به الصدر، إما لشدة أسف، أو لقلّة صبر(12).

     ولهذا فمن مقوِّمات صاحب المروءة ألا تطيش به الولاية في زهو، ولا ينزل به العزل في حسرة.

10- الغنى:

     فقد تتغير به أخلاق اللئيم بطرًا، وتسوء طرائقه أشرًا، وقد قيل: من نال استطال، وقال بعضهم:

     فإن تكـن الــدنيا أنالتك ثـــروة

فأصبحت ذا يسر وقد كنت ذا عسر

     لقد كشف الإثراء منك خلائقا

                          من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر(13).11-

الشهرة وبعد الصيت:

     فهناك من إذا ذاعت شهرته، وبعد صيته إما بسبب علمه، أو ماله، أو نحو ذلك تغير أحواله، وتبدلت أخلاقه وطباعه، فازدرى من حوله، وتنكّر لمن كان معه في بداية طريقه.

الخاتمة

إن التعاون بين المسلمين غاية حميدة وصفة نبيلة، تعود عليهم بالنفع.

لو انتشر سوء الخلق بين الناس كان ذلك مدعاة إلى ترك التعاون فيما بينهم، فلا يثق بعضهم ببعض، بل يؤول ذلك إلى إساءة الظن بالغير.

ألا فليحدر سيء الخلق من مغبة تصرفاته وأفعاله ففي الحديث :”إن الله ليبغض الفاحش البذيء “.فالمسارعة إلى تحسين الأخلاق فهي رفعة في الدنيا والآخرة، وليسارع سيئ الخلق إلى تعديل أخلاقه وتعديلها، وإلا خسر الدنيا والآخرة. وكما قيل :”مثل السيئ الخلق كمثل الفخارة المكسورة لا ترفع ولا تعاد طينا “.

استبيان:

السؤال نعم لا لا أعلم
انتشرت الاخلاق السيئة في المجتمع بشكل كبير يستدعي القلق      
يعاني المجتمع من ازمة اخلاقية يصعب الخروج منها الا بالرجوع الى الدين .      
قد يتغير حسن الخلق الى سوء الاخلاق لاسباب كثيرة      
الازمة الاخلاقيه التي نعاني منها منبعها الاول هو اهمال الوالدين      
من اضرار مساوئ الاخلاق انتشار الظلم في كافة اوساط المجتمع      
التوعيه باهمية الاخلاق الحسنه منتشرة في منطقتك      
انعكست الموازين واصبح سيء الخلق هو من يبجل ويحترم      
ان المسؤول الاول والاخير عن سوء الخلق لدى الابناء هما الوالدان      
الاصدقاء هم من يقودون الفرد الى مساوئ الى الاخلاق      
قد علمنا الدعاة والعلماء اخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقصروا في ذلك      

_______________________________________________________________________________________________

حمل المرفق للحصول على البحث كاملاً!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *