ما الاستخارة عمليًّا؟
كثيرًا ما تمُرّ علينا أمور تجعلنا في حيرة شديدة من أمرنا، لا نعرف فيها الخير من الشر، يختلط علينا الأمر فنجد أنفسنا تائهين بين مفترق طرق. هل أسافر وسيُفتح باب الخير هناك أم أظل في عملي بجانب أهلي وأبنائي، هل أتزوج هذا الشخص الرائع أم أسمع صوت قلبي الذي يقول لا يُناسبك، هل أنهي هذه العلاقة المُعقدة وأرتاح أم أن هناك أملًا في التغيير للأفضل.
الكثير من الأمور المُحيّرة والتي تُجهد عقولنا وقلوبنا من التفكير، يميل القلب إلى اتجاه ويميل العقل إلى اتجاه آخر، وحتى إذا حاولنا استشارة أحد المقربين فسنحتار أكثر لأن اختياره متوقف على شخصيته وآرائه وتفضيلاته وميوله ومدى حكمته وفهمه للموضوع من جميع جوانبه. فنجد في النهاية أنه لا بد من الاختيار بمفردنا وأخذ القرار الصائب دون رجوع أو ندم.
في هذه الحالة لا يوجد حل أنسب من الاستخارة. فقد خلق الله الحيرة في نفس الإنسان لكن لم يتركه هكذا، فقد أعطانا الكنز الذي لا يمكننا الاستغناء عنه، فالاستخارة من نعم الله الكبيرة علينا حقيقةً. ومن أهميتها وقدرها؛ يوجد حديث صحيح يقول: “كان النبي يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن”.
1- ما الاستخارة عمليًّا؟
هي ببساطة تفويض كلي في اختيار أمر ما لله -عز وچل- دون أن تدخُل إرادتك وهوى نفسك في الاختيار أبدًا. فقط تُسلّم أمرك لله ليُسيّرك في الاتجاه المناسب لك حتى إذا كان ظاهره شرًّا، أو يخالف المنطق العقلي.
2- كيف تتم الاستخارة جسديًّا وقلبيًّا؟
- جسديًّا: نُصلي ركعتين من غير الفريضة ثم ندعو بدعاء الاستخارة قبل السلام أو بعده، أو ندعو بالدعاء فقط إذا لم نستطع الصلاة في هذا التوقيت. (سأقول لك الدعاء في نهاية المقال).
- قلبيًّا: أن نستشعر الرضا التام لكلا الخيارين، وألّا يكون القلب مائلًا إلى اختيار عن الآخر أبدًا.
3- كيف لا يميل قلبي إلى خيار وأنا في الأصل أريده؟
يُساعدك على ذلك؛ تخيل نفسك في كل طريق على حدة، ثم تحاول أن تتقبل الواقع كأنك فيه، وتستشعر الرضا التام والخير في ذلك الطريق الذي اختاره الله لك، ثم تفعل نفس الشيء مع الخيار الآخر.
أحيانًا يكون من الصعب تخيل بعض الطرق، خصوصًا إذا كان تخيل فراق بينك وبين أهل أو شخص مقرب أو عمل وضعت فيه الكثير من الجهد، لكن صدقني مجرد تخيلك أنك تتخلى وتُسلّم أمرك لله وتستشعر أن في هذا الطريق خيرًا حتمًا ستعلمه فيما بعد، سيُساعدك كثيرًا على تقبل الأمر إذا اختاره الله لك. وهذا ما سيجعل الاستخارة فعليًّا صحيحة؛ أن تكون مستسلمًا ومُتقبّلًا تمامًا ولا يميل قلبك لشيء بعينه.
4- كم مرة أعيد الاستخارة؟
لا يوجد عدد محدد لصلاة الاستخارة، فقط يمكنك أن تُكررها إذا شعرت أنك مازلت حائر ومازلت لم تتخذ القرار.
5- كيف أعلم نتيجة الاستخارة؟
أيضًا لا يوجد طريقة محددة لمعرفة النتيجة، فقد تتمثل في ارتياح قلبك إلى طريق معين، وقد يأتيك حلم، أو يجري الله على لسان أحد معارفك ما يهتدي إليه قلبك وعقلك، وقد لا يحدث كل هذا لكن يُسيّر الله الأمر بالطريقة الأنسب. فقط عليك التسليم ومراقبة تدبير الله وحكمته.
6- هل نكون مسيرين مع الاستخارة؟
نعم، نكون كذلك بالفعل، فقد اختارنا -في هذا الأمر- أن نُسلّم وندع العليم الحكيم يختار بدلًا منّا. فإذا كنا نريد أن نختار فلما الاستخارة إذًا؟
7- ما دعاء الاستخارة؟
لدعاء الاستخارة وقع وجمال على قلبي يُشعرني بالأمان، وأن هناك من يمكنني أن أدعوه وأفوض له أمري كله ليتولاه بدلًا مني، لا داعي للحيرة ولا مزيد من التفكير والقلق فالله يعلم الأنسب وسيرشدني ويأخذ بيدي إليه.
وهو دعاء يسير يمكنك حفظه بسهولة، فهيا بنا نحفظه معًا: “اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللّهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (وقل الأمر) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن (هذا الأمر) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به”.
وفي النهاية أقول لك ما ندم من استخار، فسوف ترى الخير في اختيار الله لك ولو بعد حين. وتأكد أن الله إذا أغلق عليك بابًا بحكمته فتح لك أبوابًا برحمته.