بحث عن الاجتهاد والتقليد جاهز للطباعة وورد docx‎

الاجتهاد والتقليد

لاجتهاد لغة : هو استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة.
ولهذا يقال : اجتهد فلان في حمل الصخرة ، ولا يقال : اجتهد في حمل الخردلة أو النواة.
وهو مأخوذ من الجهد ، بضم الجيم وفتحها .
واصطلاحاً : هو استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية والمراد باستفراغ الجهد أن يبذل المجتهد وسعه على وجه يحس معه من نفسه أنه عاجز عن المزيد فيه وذلك لا يعتبر المقصر في الاجتهاد مجتهداً في الاصطلاح، لأنه لم يبذل وسعه.
وقولنا: الأحكام الشرعية: قيد تخرج به الأحكام العقلية، واللغوية.
وأما المجتهد : فهو الفقيه المستفرغ لوسعه في تحصيل الحكم الشرعي .
ولا يكون المرء فقيها مجتهداً بمجرد الدعوى، أو التشهي والهوى، وإنما يجب أن تتوفر فيه شروط لا بد منها ليصل إلى درجة الاجتهاد بما يتميز المفتي من المستفتي والمجتهد من المقلد.

صفات المجتهد وشروطه:

1- البلوغ والعقل:
فيشترط في المجتهد الذي يفتي في دين الله أن يكون بالغاً عاقلاً لأن الصبي بلغ رتبة الاجتهاد، وتيسر عليه إدراك الأحكام، إلا أنه لا ثقة بنظره فلا بد من البلوغ ليعتمد قوله كما أن المجنون لا يعتد باجتهاده أيضاً، لأنه ليس له تمييز يهتدي به إلى الصواب.
2- العدالة:
فلا يجوز أن يكون المفتي فاسقاً، لأن الفاسق وإن أدرك الأحكام، وعرف طرق الاستنباط إلا أنه لا يعتد بقوله – كالصبي – لفسقه.

3- فقه النفس :
وهو الذي صار الفقه سجية ملازمة له ، وملكة قائمة به ، يستطيع بواسطتها استنباط الأحكام وإدراكها .
قال إمام الحرمين: وهو – أي فقه النفس – رأس مال المجتهد، ولا يتأتى كسبه، فإن جبل المجتهد على ذلك، فهو المراد، وإلا فلا يتأتى تحصيله بحفظ الكتب.

4- العلم بالقرآن :
يشترط في المجتهد أن يكون عالماُ بكتاب الله تعالى، لأنه المصدر التشريعي الأول الذي تستند إليه جميع المصادر الأخرى، مع أنه أصل الأحكام، وأساس معرفة الحلال والحرام.

ولا يكفي المجتهد أن يعرف من القرآن لغته ومعناه الإجمالي فقط، بل يجب عليه أن يحصل لنفسه علماً حقيقياً به يستطيع بواسطته أن يتصور ويتذكر الآيات التي تستنبط منه الأحكام.
وليس مرادنا أن يحفظ هذه الآيات ، بل المراد أن يكون عارفاً بمواقعها ليرجع إليها عند الحاجة لها .
وهي كما قال الغزالي وابن العربي حوالي خمسمائة آية ، وهذا الكلام منهما إنما يصح إذا كان المراد به الآيات ، التي تدل على الأحكام دلالة صريحة .

وإلا فالآيات التي تستنبط منها الأحكام أكثر من ذلك بكثير ، بل أن العالم بالكتاب ، المتفرس فيه يستطيع أن يستنبط الأحكام من الأخبار والقصص ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

ومن نظر في كتب المتبحرين في التفسير وقع في هذا المجال على العجب العجاب.
ومن جملة ما يجب أن يعرفه من كتاب الله :
أ – الناسخ والمنسوخ: فيجب عليه أن يعرف الآيات المنسوخة حتى لا يعمل بها، والآيات الناسخة ليستنبط الأحكام منها.

ب – العام والخاص: كما يجب عليه أن يعرف الآيات العامة، والآيات الخاصة، والعامة التي دخلها الخصوص، والعامة المراد بها الخصوص، ليحمل العام على الخاص بالشروط التي ذكرناها.
جـ – المطلق والمقيد: ويجب عليه أن يعرف الآيات المطلقة والمقيدة، ليتمكن من حمل المطلق على المقيد، عند قيام دواعيه، أو يبقى كلّاً منهما على ما هو عليه عند عدم الدواعي.

د – أسباب النزول: ويجب معرفة أسباب نزول القرآن، لأن بها يتضح المراد من الآية، ويفهم المقصود من الخطاب ويقطع بدخول صورة السبب في الحكم ويمتنع تخصيصها.
5 – العلم بالسنة:
ويجب على المجتهد أن يعرف من السنة مثل ما عرف من القرآن، مما ذكرناه في الفقرة السابقة من عدم اشتراط حفظها بل الواجب معرفة مواقعها ليرجع إليها ويكفي الإنسان في عصرنا أن يرجع إلى الأئمة المشهورين في هذا الفن وإلى مصنفاتهم فيه ، ولا سيما أن الرواية قد انقطعت أو كادت .
فيرجع الإنسان إلى الأمهات الست ، وهي :
البخاري ، ومسلم، وأبو داود ، والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وغير ذلك من السنن ، والجوامع والمصنفات و المسانيد ، كسنن البيهقي ،والدرامي و الدار قطني ، ومسند الإمام احمد ، وغيرها مما لا داعي للإطالة بتعداده .
ولا يكفي الإنسان أبداً أن يقتصر على سنن أبي داود أو الصحيحين، أو الصحاح الست، لأن هذه الكتب وإن جمعت كثيراً من أحاديث الأحكام، إلا أنها لم تستوعبها، وكم من الأحاديث التي تذكر فيها الأحكام لم تتعرض لها هذه الصحاح .

ولذلك كان لابد لمن يريد أن ينصب نفسه مجتهداً مطلقاً أن يكون عارفاً بكل السنن، لاحتمال أن يوجد في بعضها مالا يوجد في بعضها الآخر.
وليس المراد كما ذكرت أن يحفظها، وإنما المراد أن يكون مشرفاً عليها، مضطلعاً على ما فيها.

وإلا فلكل مقام مقال ، ولكل فن رجال ، ومن بطأت به همته ، لا يسرع به جهله ، ولا يرحمه حمقه ورحم الله إمرءٍ عرف قدره فوقف عنده ولقد وددت أن أسهب في هذا الموضوع لولا أن المقام مقام إيجاز.
ومما يجب أن يعرفه في السنة زيادة عما عرفه في القرآن.
أ – الصحيح والضعيف:
فيجب عليه أن يعرف الحديث الصحيح من الضعيف، ليقدم الأول على الثاني، ولينزل كل حديث منزلته.
ب – التاريخ والرجال:
كما يجب عليه أن يعرف ما تمس إليه الحاجة من علم التاريخ، وأحوال الرجال والرواة، ليتوصل به إلى معرفة الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود.
جـ – أسباب الجرح والتعديل:
فيجب عليه أن يعرف أسباب الجرح، وأنواعه، ومتى يقدم على التعديل وغير ذلك من الضوابط الضرورية لمعرفة الصحيح من السقيم والمقبول من المردود.
6 – معرفة مسائل الإجماع:
يجب على المجتهد أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع، حتى لا يفتي بخلافها، فيكون خارقاً للإجماع، معرضاً عن سبيل المؤمنين.
فلا يفتي إلا بشيء يوافق قول بعض الأئمة المجتهدين، أو يغلب على ظنه أن ما يفتي به واقعة جديدة لم يتعرض لها المجمعون، ولم يخوضوا فيها، ليسلم من معارضة الإجماع والخروج عليه.

7 – معرف أصول الفقه:
فيجب عليه أن يكون عارفاً بأصول الفقه ، لأنه أساس الاجتهاد ودعامته ، ولولاه لما تمكن العلماء من نصب الأدلة على مدلولاتها ، ولما تمكنوا من استنباط الأحكام منها

وإنما يجب معرفته ليقدم المجتهد ما يقضي له بتقديم ، ويؤخر ما يقضي عليه بالتأخير ، ولاسيما عند التعارض .
ويجب أن يولي مباحث الألفاظ ودلالتها عناية خاصة كما يجب عليه أن يتقن مباحث القياس ، ويعرف شرائطه المعتبرة ، وشرائط العلة الصحيحة ، ومسالكها ، وقوادحها ، ليسلم قياسه ، وتصح أحكامه .

8 – معرفة اللغة العربية:
فيجب على المجتهد أن يكون عارفاً بلسان العرب، نحواً، وصرفاً، وبلاغة .
وذلك لأن ألفاظ الشرع جاءت بلغة العرب، وما كان كذلك لا يفهم إلا بقواعد اللغة العربية، من النحو، والصرف، والبلاغة، فلا يفهم كتاب الله، ولا سنة رسول الله – r – من لم يعرف قواعد اللغة.
ومن زعم أنه مجتهد ، وهو بهذه اللغة جاهل ، فإنه زعم بهتانا وإفكا ولن يكون الجاهل بالعربية مجتهداً إلا إذا ولج الجمل في سم الخياط.
ولا يشترط في معرفة العربية أن يكون الإنسان متبحراً بها، وإنما يكفيه منها ما يحتاج إليه في الاجتهاد والاستنباط.
وكما قال ابن السبكي: ذو الدرجة الوسطى لغة وعربية .

ما لا يشترط في المجتهد :
ولا يشترط في المجتهد أن يكون عارفاً بعلم الكلام ولا الفروع الفقهية لأنها ثمرة الاجتهاد كما لا يشترط فيه الذكورة ولا الحرية .
وشرط الإمام الرازي أن يكون عالماً بالدليل العقلي، كاستصحاب البراءة الأصلية، فلا ينتقل عنها إلا بالدليل الناقل.

كلام الشافعي في المجتهد :

وفي ختام الكلام على صفات المفتي، يجدر بنا أن نزين الموضوع بما قاله إمام الأصوليين في الدنيا، الإمام الشافعي t في كتابه (( الرسالة )) و (( إبطال الاستحسان )) من كتاب (( الأم )) قال:
ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها ، وهي العلم بأحكام كتاب الله ، فرضه ، وأدبه ، وناسخه ، ومنسوخه ، وعامه ، وخاصة ، وإرشاده .
ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس.
ولا يكون لأحدٍ أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبل من السنن، وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب.

ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به، دون التثبت.
ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه، لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتاً فيما اعتقد من الصواب.
وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك “.

الطريق الواجب إتباعه في الاجتهاد :

قد عرفنا في الفقرات السابقة أوصاف المجتهد، ومن يجوز له الاجتهاد والفتوى، وبقي علينا أن نعرف أن المجتهد لا يجوز له أن يهجم على الفتوى إلا بعد أن ينظر ما يجب عليه النظر فيه من الأمور الآتية :

1- النظر في نصوص الكتاب الكريم، فإن وجد نصاً فهو المراد وإلا ففي نصوص الأخبار المتواترة، وإلا ففي نصوص أخبار الآحاد.

2- فإن عجز عن العثور على نصّ انتقل إلى الظاهر، فينظر في ظواهر الكتاب، فإن وجد فيها ظاهراً عمل به وأفتى بمقتضاه، وإلا انتقل إلى ظواهر الأخبار المتواترة، ثم ظواهر الآحاد.
ويجب عليه أن يراعي فيما ينظر من الكتاب والسنة ما ذكرناه من الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص وغير ذلك من الأمور.

3- فإن لم يجد في الكتاب والسنة القولية ، ثم الفعلية ، ثم التقريرية ، انتقل إلى الإجماع فإن وجد المجتهدين قد أجمعوا على حكم نصوا عليه اكتفى به وعدل عن الاجتهاد .

.
.
.
.
———————————————————————————————————
اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *