بحث عن الحياة الإجتماعية جاهز doc‎

الحياة الإجتماعية

أولا : التعريف بالمجتمع :
المجتمع لغة: مشتق من الفعل ” اجتمع ضد تفرق”، و المجتمع ” موضع الاجتماع أو الجماعة من الناس “.

المجتمع اصطلاحا : ” كل مجموعة أفراد تربطهم رابطة ما معروفة لديهم و لها أثر دائم أو مؤقت في حياتهم و في علاقاتهم مع بعض “.

فالمجتمع إذن يطلق على جماعة المسلمين، و جماعة المسيحيين، و جماعة اليهود، وعلى أفراد الأمة، و المدينة، و القرية، و الحي، و الأسرة. كما يطلق لفظ المجتمع على من تتألف منهم جماعة، أو كلية، أو مدرسة، أو فصل، أو جمعية، أو مؤسسة، أو نقابة، أو حزب ، أو مجلس تشريعي أو تنفيذي أو قضائي ، و يطلق على القائمين بشؤون مشروع صناعي أو تجاري، كما يطلق على الناس يجتمعون عرضا في الطريق لمشاهدة حادث ، أو في ملعب لحضور مباراة رياضية ، أو مسرح لرؤية تمثيلية، أو في قاعة للاستماع إلى محاضرة عامة ، أو في مسجد أو كنيسة لأداء عبادات، أو في قطار أو سيارة أو باخرة أو طائرة للوصول إلى مقاصدهم.

من خلال هذا التوضيح و الشرح نجد أن الدكتور وافي علي عبد الواحد بيّن أنواعا كثيرة من المجتمعات باعتبارات عدة: فمن جهة النشوء و التكوين نجد ثلاثة أنواع من المجتمعات وهي:

1- مجتمعات مستقرة مقصودة، كالجامعة، و المدرسة، و الفصل، و الجمعية، والمؤسسة، و النقابة، و الحزب.
فهذه الأنواع تكونت بصورة مقصودة مدبرة مستقرة .
2- مجتمعات غير مستقرة و غير مقصودة، كالنـاس يجتمعون عرضا في الطريق لمشاهدة حادث أو في ملعب لمشاهدة مباراة؛ فهذه الأنواع سرعان ما تتفكك بعد انتهاء الحادث.
3- مجتمعات مستقرة تلقائية، وذلك كمجتمع الأمة والمدينة و القرية ؛ فهذه مجتمعات مستقرة تكونت في صورة تلقائية لا في صورة مقصودة ، كما تتكون الجمعية والحزب ، وهي أهم أنواع المجتمعات ، و هي التي توجد فيها أكثر الظواهر الاجتماعية التي تتمثل في شرائع و نظم و تقاليد تتعلق بشؤون السياسة والاقتصادي والقضاء و الدين والأخلاق و الأسرة و اللغة و التربية و غير ذلك.

إذا نظرنا إلى أنواع المجتمعات المستقرة التلقائية من ناحية أفرادها ، رأينا أن منها ما يبلغ عدد أفرادها الملايين كمجتمع الأمة الكبيرة و المدينة الواسعة، و منها ما يبلغ مئات الآلاف ، أو عشرات الآلاف كمجتمع الأمة الصغيرة و المدينة الضيقة ، و منها ما يبلغ الآلاف أو المئات كمجتمع القرية أو القبيلة أو العشيرة، كما أن منها ما لا يتجاوز بعضة أفراد كمجتمع الأسـرة في نطاقها الضيـق الذي يتألف من الزوج و زوجه و أولادهما الصغار المقيمين معهما في المنزل الواحد.
كما أننا إذا نظرنا إلى المجتمع من ناحية مدة بقائه ، رأينـا أن منه ما يكتب له دوام البقاء أو طول البقاء كالمجتمع الإسلامي و المجتمع العربي و الإفريقي ، و مجتمع الأمة والمدينة و القرية ، كما أن من المجتمعات ما لا يبقي إلا سنين معدودة كمجتمع الأسرة في مدلولها الضيق ، و منها ما هو وسط بين هذا و ذاك .

وإذا نظرنا إلى المجتمعات المستقرة التلقائية نظرة أخرى، من حيث البساطة والتعقيد، رأيناها تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول : يتمثل في مجتمعات بسيطة التركيب ساذجة التكوين لا تكاد تتميز فيها الوظائف ، و لا تتنوع بين أفرادها الأعمال ، كالمجتمعات البدائية في أبسط مظاهرها .

القسم الثاني : يتمثل في مجتمعات معقدة التكوين متميزة الوظائف موزعة الأعمال ، كالأمم المتحضرة الحديثة ؛ ففي كل أمة من هذه الأمم تتميز الأعمال الاجتماعية بعضها عن بعض، و يشرف على كل وظيفة منها جهاز أو أجهزة خاصة.

ويمكن النظر إلى المجتمعات المستقرة التلقائية من حيث التفاعل اليومي أو الانتماء أو وجود الرباط القدسي ، فنجد ثلاثة أنواع أخرى و هي :
1- المجتمع المحلي ( Communauté locale ): أو المجتمع الصغير، و هو ذلك الذي يعيش فيه الإنسان و يتفاعل كل يوم و كل لحظة، و الذي يمارس فيه شؤون حياته.
2- المجتمع الكبير (Société ): و هو الذي ينتمي إليه الإنسـان جغرافيا و تاريخيا ووجدانيا.
3- المجتمع الأكبر أو الأمة ( Nation ): مثل مجتمع المسلمين جميعا، حيث ارتبط بهم الفرد المسلم برباط قدسي متين، و هو رباط العقيدة؛ فهو يشعر بهم، و يفرح بفرحهم و يتألم لآلامهم[7].
و نحن في بحثنا هذا نقصد تنمية المجتمعات المستقرة التلقائيـة ، و ذلك بإبراز دور المرأة المسلمة فيها حيثما وجدت ، و لا يهمنا كثيـرا أن يكون المجتمع الذي توجد فيه المرأة المسلمة مجتمعا بدائيا أو متحضرا ، بل المراد من المرأة المسلمة السعي و العمل والبذل و العطاء من أجل تنمية مجتمعها والنهوض به إن كان بدائيا، و المشاركة الفعالة في جميع أنواع الأعمال الخيرية الاجتماعية إن كان مجتمعها متحضرا.

ولا شك في أهمية العمل و النهوض بجميع هذه الأنواع كلها من المجتمعات المستقرة التلقائية و جعلها ترتقي بأهلها و سكانها، إلا أن هذه التنمية تأخذ منهج التدرج؛ فتنمية المجتمع الصغير أولا، ثم المجتمع الكبير، ثم الأكبر. و ينبغي أن تشارك المرأة المسلمة في جميع أنواع التنمية في المجتمعات التي تعيش فيها والتي تتفاعل معها أو التي تنتمي إليها ، و أخيرا مجتمع المسلمين جميعا . فالمسلمة مأمورة بفعل الخيرات حيث حلت ، و لا تفسد في الأرض بعد إصلاحها ؛ فالإنسان – رجلا كان أو امرأة – مأمور بتعمير الأرض و أن يكون خليفة الله فيها سواء كان في مجتمعه الصغير أو الكبير أو الأكبر ، أو كان في خارج دائرة مجتمعه ، فلا يكـون مصلحا في مجتمعه و مفسـدا في مجتمع غيره، فالإنسانية تجمع الناس جميعا ، و التكريم الإلهي يشمل الناس جميعا من بني آدم.

لكن مشاركة المرأة المسلمة في تنمية مجتمعها تأخذ سلم الأولويات أيضا ، و تتكيف في الأعمال التي لا تصطدم مع خلقتها و رقتها و أنوثتها و تتناغم مع طبيعتها الخُلقية والخَلقية ، و لكن لا يعني ذلك حبسها داخل الجدران الأربعة مدى الحياة بدعوى عدم قدرتها على المشاركة المباشرة في تنمية المجتمع .

ثانيا : ضرورة الحياة الاجتماعية :

إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبّر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنيـة في اصطلاحهم و هو العمران ، و بيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان و ركبه على صورة لا يصح حياتها و بقاؤها إلا بالغذاء و هداه إلى التماسه بفطرته ، و بما ركب فيه من القدرة على تحصيله ، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه. و لو فرضنا منه أقبل ما يمكن فرضه و هو قوت يوم من الحنطة، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن و العجن و الطبخ ، و كل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين و آلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد و نجار … و هب أنه يأكله حبا من غير علاج فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبـا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد و الدرس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل ، و يحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة و صنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير ، و يستحيل أن يفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد ، فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف.

و كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه ، لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم أكمل من حظ الإنسان ، لكن جعل للإنسان عوضا من ذلك كله الفكر و اليد ؛ فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر[8].

فظاهرة التجمع ظاهرة ثابتة و ضرورية لحياة الإنسان ، حيث يرتبط فيه الفرد بغيره عن طريق علاقات متعددة في الجانب الأسري ، أو القبلي ، أو القومي ، أو غير ذلك . والتجمع في ذاته تشيع بين الأحياء من المخلوقات، و لكنها في الإنسان تأخذ شكلا خاصا أكثر انضباطا وتنظيما من غيره وأعظم سموا وتفاعلا في التأثير والتأثر. ويكاد الإنسان ينفرد باستحداث الوسائل الصناعية للحياة، و اكتسـاب العلوم و المعارف، و استخدام نتائج التجارب و الثقافات[9].

فالفرد لا يستطيع أن يستغني عن المجتمع لكي يعيش، و لا يمكن تصور مجتمع بدون أفراد، فالأسرة مجتمع من أفراد ، و كذلك الحي و المدينة والدولة ، بل و الإنسانية كلها مكونة من أفراد أو جماعات ، بينها علاقات متبادلـة ، بل المجتمع في حاجة إلى أفراد في تفاعلهم معه . و المجتمع يعول أفراده و يربيهم و يأخذ بأيديهم ، و بذلك يستمر في الوجود، و نظرا لذلك ، فالفرد في حاجة ماسة إلى الحياة وسط أفراد المجتمع – رجالا ونساء – تنشأ بينهم علاقات ثقافية واقتصادية واجتماعية، ويتعاونون و يتبادلون المنفعة، و يجد الفرد في الاجتماع بالناس و التحدث إليهم ما يسعده و ما يجعله يحس بوجوده ؛ فالإنسان يتزاور مع أصدقائه و أهله ، و يشترك في النوادي و يسهم بمجهوده و ماله في الأعمال الاجتماعية و أنواع الأنشطة المختلفة[10].

و من الأسباب الداعية إلى ضرورة الحياة الاجتماعية ما يلي :

1- قانون الزوجية الطبيعية العام المتمثل في التركيب الغريزي للمرأة و الرجل، فهما عنصرا البناء الاجتماعي و أساس البنية الحيوية من الناحيتين العضوية و النفسية ؛ فهذه العلاقة الغريزية التي تسعى غائيا لحفظ النوع و تدفع بالجنس بدافع اللذة و المتعة ، تقوم في جانبها النفسي و الإنساني على أساس الود و الرحمة و توفير الطمأنينة أو السكن ، لذا اعتبر القرآن المرأة قاعدة السكن عبر الاستقرار النفسي و الاجتماعي للرجل والحياة الاجتماعية بأسرها، ذلك لأن الإشباع النفسي من حب الجنس الآخر والغريزي والجسدي منه ينتج عنه إفراغ حالة التوتر النفسي و العصبي و ملء الفراغ النفسي و تصريف الطاقة الغريزية والنفسية لتحقيق مبدأ الاتزان لدى الجنسين القائم على أساس التكامل من خلال قانون الزوجية الكوني العام.

و من هنا تتحد أبرز مسؤولية المرأة في بناء المجتمع السوي السليم نفسيا و اجتماعيا ووظيفيا ، لأنها مصدر السكن و الود و الحنان و الرحمة في الحياة الاجتماعية.

ويعلق الشيخ الطاهر ابن عاشور على قوله تعالى:” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” بأن “هذه الآية فيها عظة و تذكير بنظام الناس العام ، و هو نظام الازدواج و كينونة العائلة وأساس التناسل، و هو نظام عجيب جعله الله مرتكزا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذوذ… و جعل أزواج الإنسان من صنفه و لم يجعله من صنف آخر ، لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالف … و جعل في ذلك التزاوج أنسا بين الزوجين و لم يجعله تزاوجا عنيفا أو مهلكا … و جعل بين كل زوجين مودة و محبة … فهذه الآية كائنة في خلق جوهر الصنفين من الإنسان : صنف الذكر و صنف الأنثى ، و إيداع نظام الإقـبال بينهما في جبلتهما “.

بل إن قانون الازدواج يتعدى الكائنات الحية ليشمل الجمادات، كالكهرباء ، فإننا رأينا أنها تتكون من موجب وسالب، فالشحنات المتشابهة في النوع تتنافر، والشحنات المختلفة في النوع تتجاذب.

“كما نجد قانون الازدواج في دورة الحياة اليومية، من الليل والنهار. يقول الله سبحانه و تعالى : ” و الليل إذا يغشى و النهار إذا تجلى و ما خلق الذكر و الأنثى “. فكما خلق الليل و النهار خلق الذكر و الأنثى ، و كما يتقابل الليل و النهار يتقابل الذكر و الأنثى ، وكما أن الحياة لا تتم إلا بليل و نهار … فلا بد من ذكورة و أنوثة ، ” و من كـل شيء خلقنا زوجين “.

فالمرأة ليست ضد الرجل و لا خصما، و ليست هي نفس الرجل، لذلك قال تعالى: “فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض”. أي أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة، و لا يستغني الرجل عن المرأة ولا تستغني المرأة عن الرجل، و لا يصح أن تجعل المرأة نفسها عدوا للرجل ولا خصما ولا منافسا للرجل، بل هي تكمل الرجل.

2- قانون التعارف: فعنصر التعارف هو الدافع الثاني الذي دفع الإنسان لتكوين الحياة الاجتماعية بين أبناء النوع البشري القائم على أساس غريزة حب الاجتماع التي عبّر عنها الفلاسفة بقولهم: ” الإنسان مدني بالطبع ” كما أسلفنا.

فقد أثبتت التجارب النفسية و الاجتماعية أن الإنسان لا يشعر بالاستقرار و الراحة ، ولا تكتمل إنسانيته إلا بالاجتماع ، و بالعيـش مع الآخرين ؛ فهو يشعر بحاجة نفسية عميقة إلى الآخرين ، قال تعالى : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم “.

3- قانون تبادل المنافع : فقد شاء الله سبحانه أن يتكامل الأفراد – ذكورا و إناثا – بقابلياتهم وطاقاتهم الفكرية والجسدية والنفسية عن طريق تبادل المنافع المادية والمعنوية بين الأفراد؛ فللذكر حاجات و متطلبات متعددة ليس بوسعه أن يوفرها جميعا لنفسه، فهو يحتاج إلى الآخرين و يحتاجون إليه ، و هذا الاختلاف في القابليات ينتج عنه الاختلاف في نوع الإنتاج و الخدمات التي يستطيع أن يوفرها الفرد للآخرين ، وتبادل تلك المنافع و الخدمات لإشباع الحاجات عبّر عنه القرآن الكريم بقولـه : ” و رفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا “.

يقول الطاهر ابن عاشور معلقا على هذه الآية الكريمة:” لما قسمنا بين الناس معيشتهم فكانوا مسيرين في أمورهم على نحو ما هيأنا لهم من نظام الحياة ، و كان تدبير ذلك لله تعالى ببالغ حكمته ، فجعل منهم أقوياء و ضعفاء ، و أغنياء و محاويج – فقراء – فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة ، و ربع بذلك بعضهم فوق بعض ، و جعل بعضهم محتاجا إلى بعض و مسخرا له “.

فالحاجة إلى الآخرين إذن هي الدافع الأساسي لدخول الفرد في تجمع الأفراد و تكوين البنية الاجتماعية ليدخلوا في عملية تبادل المنافع، فيوفر الفرد – ذكرا كان أو أنثى – من خلال ذلك حاجته الفردية و ليساهم في تكامل الحياة البشرية.
.
.
.
———————————————————————————————————
اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *