بحث عن الخط العربي وورد doc

المقدمة:

قال الله عزّ وجل ( ن والقلم وما يسطرون )

وقال تعالى (إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم)

وقال صلى الله عليه وسلّم: ( عليكم بحسن الخط فإنه مفاتيح الرزق )

إنَّ العرب أول من فكر في البحث عن أصل الكتابة وإليهم يُعزى هذا الفضل، وقد ذكر المؤرِّخون أنَّ أول من كتب بالعربية ووضعها إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام فقد ورد عن ابن عباس ( أنَّ أول من كتب بالعربية ووضعها إسماعيل بن إبراهيم على لفظه ومنطقه ) ويقال أنّ الله تعالى أنطقه بالعربية المبينة وهو ابن أربع وعشرين سنة، ولايخفى عليكم أنَّ العرب قبل الإسلام أقرب إلى الأميّة منهم إلى العلم والثقافة وليس معنى ذلك أنه لايوجد فيهم من يُحسن القراءة والكتابة وإنما كانت نسبة المتعلمين منهم قليلةً جداً حتى لتشير بعض المصادر إلى أنّ الذين كانوا يمارسون القراءة والكتابة عند ظهور الإسلام لا يتجاوزون بضعة عشر رجلاً في المدينة وحدها …. ويقول البلاذري ( دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً يستطيعون الكتابة ومنهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبو عبيدة وطلحة، وغيرهم أمَّا النساء اللواتي كنَّ يكتبن فمنهنَّ: الشفاء بنت عبد العدوية من رهط عمر بن الخطاب وحفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلَّم وأمُّ كلثوم بنت عقبة وغيرهنّ..وكانت عائشة تقرأ المصحف ولا تكتب وكذلك أمّ سلمة )……. ولقد انتشر الخطُّ العربي في صدر الإسلام في بداية رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم حيث أنه يٌعدُّ بحقٍّ أول من عمل على نشر تعليم الكتابة بين المسلمين نساءً ورجالاً، وليس أبلغ شاهداً على ذلك من الرواية التاريخية التي تشير أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من بعض أسرى قريش في معركة بدر من الذين لم يقدروا على فداء أنفسهم بالمال أنْ يعلِّم كل منهم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ولقد بلغ كتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم اثنين وأربعين كاتباً وأول من كتب له أُبي بن كعب ومن كتّابه علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان و زيد بن ثابت و عبد الله بن الأرقم و خالد بن سعيد بن العاص و العلاء بن عقبة ومعاوية بن أبي سفيان و مُعيقب بن أبي فاطمة … وغيرهم الكثير، ولقد أرسل صلى الله عليه وسلَّم عدداً من الرسائل إلى ملوك وأمراء الدول المجاورة يدعوهم فيها إلى الإسلام ومنهم قيصر ملك الروم وكسرى ملك فارس والنجاشي ملك الحبشة والمقوقس حاكم الإسكندرية وملك عمان جيفر الجلندي وثمامة ابن أثال ملك اليمامة وكذلك المنذر ابن ساوي ملك البحرين والحارث الحميري ملك اليمن، ثُمَّ إنَّ الخطَّ تطوَّر بشكلٍ واضحٍ في عهد بني أمية حيث اشتهر رجلاً يدعى ( قطبة المحرر ) بحسن الخطِّ وكان يُعتبر أكتب أهل زمانه، ثُمَّ إنَّ الخطَّ قفز قفزةً كبيرةً في العهد العباسي وأدخلت عليه العلامات كالفتحة والضمة والكسرة والسكون والشدة وذلك على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثُمَّ إنه وفي كلِّ زمنٍ يقيّض الله رجلاً يطوّر من شكل الخط أو يخترع خطاً جديداً حتى وصل الخط العربي إلى ما وصل إليه حالياً من تطور وإبداع، ومن هؤلاء الرجال إبراهيم الشجري وأخوه يوسف والأحول المحرر، وكان ينافس الأحول الخطاط محمد بن معدان الذي كانَ يُعرف بوجه النعجة ومحمد بن حفص ثم الوزير ابن مقلة وأخيه عبد الله ثم محمد السمسماني ومحمد بن أسد وابن البواب وغيرهم كثير.

تعريف الخط:

لقد جعل الله التفاهم بين الناس باللسان والقلم، وجعل الكتابة وسيلة الإقرار وتبرئة الذمم وتوثيق العقود وحفظ العلوم والتراث الثقافي والحضاري للأمم عبر التاريخ وهي وسيلة هامة للمعرفة والتواصل بين البشر.

وقد قال ابن خلدون في مقدمته عن الخط: ( إنه صناعة شريفة يتميز بها الإنسان عن غيره، وبها تتأدى الأغراض؛ لأنها المرتبة الثانية من الدلالة اللغوية ) .

وقد عرَّفه بقوله: هو رسوم وأشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس الإنسانية من معانٍ ومشاعر.

ليس هناك تشريفٌ أرفع لعلم الخطِّ من إضافة الله سبحانه تعليم الخطِّ لنفسه وامتنانه بذلك على عباده. قال صاحب كتاب زاد المسافر: الخط لليد لسان، وللخَلَد ترجمان، فرداءته زمانة الأدب، وجودته تبلغ شرائف الرتب، وفيه المرافق العظام التي منّ الله بها على عباده، فقال جل ثناؤه:
{ وربك الأكرم، الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان مالم يعلم }.

أول من خط بالعربية:

أول من خَطَّ الخطَّ العربي ـ كما قال ابن عباس ـ إسماعيل عليه السلام وزاد أنه كان موصولاً حتى فرّق بينه ولده.
وقيل: مَرامر بن مرَّة، وأسلم بن جَدْرة، وهما من أهل الأنبار.
وقيل: أول من كتب بالعربية حرب بن أمية بن عبد شمس، تعلَّم من أهل الحيرة، وتعلَّم أهل الحيرة من أهل الأنبار…

ويقول ابن دريد في أمالية: عن عوانة قال: أول من كتب بخطِّنا هذا وهو الجزم مَرامر بن مرَّة وأسلم بن جَدْرة الطائيان، ثم علَّموه أهل الأنبار، فتعلَّمه بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل، وخرج إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، فعلَّم جماعةً من أهل مكة، فلذلك كَثُرَ من يكتب بمكة…
ولذلك يقول رجل من كندة يمنّ على قريش بتعليم بِشْرٍ لهم:

لا تجحدوا نعماء بِشْرٍ عليكـمُ = فقد كان ميمـون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتموا = من المال ماقد كان شتى مبعثرا

1

2
لا تجحدوا نعماء بِشْرٍ عليكـمُ
فقد كان ميمون النقيبة iiأزهـرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتموا
من المال ماقد كان شتى مبعثرا

البعد الآخر للخط العربي في تراثنا العلمي:

لا يشكل الخطُّ العربي فقط أداة تجسيد اللغة الحاملة للخصائص الحضارية والتاريخية والثقافية للأمة العربية بل يحمل هذا الخطُّ أقدس رسالة خُصِّ بها العرب إلى جميع بني البشر في كل زمان ومكان، وهي القرآن الكريم وبهذا المعنى أضحى الخطُّ العربي يتمتع بميزة مقدَّسة لم تتوفر لغيره من الخطوط لكل اللغات المتعارف عليها في العالم اليوم. ولهذا الغرض اجتهد العرب وجهدوا ليمنحوا الأحرف العربية المكانة الأعلى والمنزلة الأرفع التي منحها القرآن الكريم للغتهم السامية.

نشأة الخط العربي وتطوره:

أولاً في الجزيرة العربية:

على إيقاع آيات الوحي يتردد صدى إيقاع الكلمات المكتوبة ليحتل الخطُّ العربي في جوٍّ من الصمت مكانة الكلام الشافي ويصل بالنص النهائي إلى ذروة الكمال والجمال الفني للمعاني والصور القرآنية.

ويزيد من جمال هذا الفن الرائع شكل الخط العربي القابل أكثر من أي خطٍّ آخر لجمال الحرف وأناقته ونجد قصة تطوُّر الكتابة العربية التي يمارسها الخطاطون في كلِّ أنحاء العالم الإسلامي.

كما نجد أنَّ عربية القرآن تعود في منشئها إلى لهجة عرب الشمال(شمال الجزيرة العربية) التي اشتُقت بدورها من اللغة النبطية التي كانت مشتقةً بدورها من اللغة الآرامية. وأقدم أصلٍ معروفٍ للكتابة في الجزيرة العربية هو ذلك المدعو بالجزم وقد انتشرت كتابة الجزم شيئاً فشيئاً حتى أصبحت لغة كلِّ العرب عندما نزل القرآن بها وخلّدها.

لقد أدَّى انتشار الإسلام في الأمصار البعيدة بعد الفتوحات إلى تأسيس مدنٍ جديدةٍ مثل الكوفة في العراق وقد تم تأسيسها عام 638 م/39 هـ في ظلِّ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثُمَّ ازدهرت هذه المدينة وأصبحت موئلاً للعلم والعلماء وولّدت بذلك نوعاً جديداً من الكتابة دعيت: بالخط الكوفي

كانت النُّسخ الأولى من مصحف عثمان رضي الله عنه قد كُتبت بالحرف السائد في مكة والمدينة والذي هو عبارة عن تنويعٍ محليٍّ على خطِّ الجزم ثُمَّ أصبح المصحف يُكتب بعدئذٍ بالخطِّ الكوفي وغيره من الخطوط العربية التي انتشرت وتطوَّرت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وإنَّ خطي المشتق والحجازي المشتقين من الجزم يشهدان على الأساليب الأولى التي أدَّت إلى تثبيت كتابة النص الموحى.

لقد اكتسب الخط الكوفي نوعاً من الرفعة والاعتلاء وأصبح الخطُّ الديني الوحيد الذي يستخدم في نسخ القرآن.
ويتميَّز الخطُّ الكوفي بسمتين أساسيتين هما: الحروف العمودية القصيرة والحروف الأفقية الطويلة.
وهذا ما جعل الخطاطين يكتبونه على صحائف طويلةٍ أكثر مما هي عريضة. من هنا تنتج الأشكال الطويلة لمعظم نسخ القرآن المكتوبة بهذا الخط اللهمَّ إلا بعض الاستثناءات القليلة. لم تكن المصاحف المكتوبة بالخط لكوفي تحظى بالزخرفة إلا قليلاً جداً حتى القرن التاسع الميلادي وبعدئذٍ ابتدأت الزخارف والتزيينات تظهر وتأخذ دوراً نفعياً في الغالب. هذا وقد نشأ الخط الكوفي المغربي في مدينة القيروان تلك المدينة التي أسسها العرب عام 670 م وقد كان مسجدها الكبير مركزاً ثقافياً يضمُّ مدرسةً لفنِّ الخطِّ تمَّ فيها نَسْخُ العديد من المصاحف. إنَّ الخطَّ الكوفي المغربي يبدو أكثر تقليداً ومحافظةً ويتميَّز بوجود الدوائر النصفية تحت خطِّ الكتابة، هذه الدوائر التي تشكل حروفها الواطئة المبسوطة وهذه المكورات أو الدوائر تعدّل هيئة النص وتجعله يسيل طبقاً لإيقاعٍ مرنٍ متسلسل.

أمَّا كتابة حروف العلَّة والحركات التشكيلية التي تتيح التفريق بين حرفين صوتيين يتَّخذان نفس الرسم فقد تطوَّرت بتطوُّر أساليب الخطِّ وذلك ضمن إطار إصلاح الكتابة العربية الذي تحقَّقَ على مراحل متعددةٍ من خلال بعض الأسماء اللامعة لكبار النحاة العرب.

ونستعرض فيما يلي أهمَّ هذه المراحل والشخصيات:

أبو الأسود الدؤلي: توفي عام (688هـ ) وهو المؤسس الشهير للنحو العربي بتكليفٍ من الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويكاد اسمه أنْ يكون أسطورة ويُقال أنه هو الذي اخترع نظام التشكيل للتعويض عن حروف العلَّة الناقصة وقد ارتبط نظام التشكيل هذا بالخط الكوفي ومشتقاته. وأمَّا المشكلة بتمييز الحروف الصوتية عن بعضها البعض فقد حلَّت من قِبَلِ الحجاج بن يوسف الثقفي والي الأمويين والمنطقة الشرقية من المملكة بين عامي (694-714 هـ) وكانت الرموز التي تميِّز الحروف في البداية عبارة عن نقاطٍ صغيرةٍ سوداء بعدد واحد أو اثنين أو ثلاثة موضوعة تحت الحرف أو فوقه.ولكنَّ استخدام النقاط السوداء مع النقاط الملونة الأخرى قد أوقع الخلط والارتباك ولهذا السبب استُبدلت الحركات المائلة القصيرة بالنقاط ولكنَّ المشكلة لمْ تحلّ إلا بظهور ذلك العبقريّ
الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم النحو المتوفى عام (786 م) فقد حافظ الخليل على النقاط التي اقترحها الحجاج من أجل التمييز بين الحروف المتشابهة ولكنه وضع مكان رموز حروف العلَّة التي اكتشفها أبو الأسود الدؤلي ثمانية رموز للحركات الجديدة (مثل الفتحة، الكسرة، الضمة..).وهكذا تَمَّ توحيد التنقيط الذي اخترعه الحجاج مع رموز الحركات التي اخترعها الخليل في نظامٍ واحدٍ أعطى للخطِّ العربي شكله الجميل الذي نعرفه حالياً.

تطوّر أنواع الخط العربي:

لقد كانت الكتابة منذ أصولها في الحجاز ولا تزال حتى الآن تنقسم إلى نوعين كبيرين:

1- المقوَّر والمدوَّر: أو الكتابة العادية السريعة.

2- المبسوط المستقيم: أو الكتابة الكوفية المائلة (على شكل الزاوية)

إنَّ هذا الخطَّ الثاني الذي استُخدم تقليدياً في نسخ القرآن الكريم طيلة القرون الخمسة الأولى بَطُلَ استخدامه لاحقاً إلا فيما يخصُّ عناوين السور والبسملة والمصحف الشريف. ثم حَلَّت بعده الكتابة العادية السريعة، وقد تعرضت عبر القرون وفي مختلف المناطق الإسلامية إلى تنوعياتٍ أسلوبيةٍ عديدةٍ جداً.

إنَّ الكتابة العادية السريعة الخاصَّة في المغرب تُدعى بالخطِّ المغربي وقد ظهر هذا الخطُّ بالقرن الحادي عشر الميلادي وهو يتميَّز على شاكلة الخطِّ الكوفي المغربي بمظهرٍ منسابٍ متسلسلٍ عن طريق لعبة خطوطه المقوَّسة المفتوحة التي تنتهي عادةً بحلقةٍ ذهبيةٍ أو بحلقةٍ من الحبر مرسومةٍ على الورق أو الجلد، ونجده أحياناً بشكلٍ استثنائي مكتوباً بحبرٍ ذهبي أبيض على أرضية أرجوانية داكنة. إنّ أناقة الخطِّ المغربي ورقَّته تتعارض غالباً مع سماكة الخط الكوفي المزخرف الذي يستخدم عادةً في رسم العناوين الكبيرة فقط، إنّ أقواسه الدقيقة التي تميل إلى اليسار كالكتابة العربية والتي تكاد تمسُّ الحروف الأخرى للكلمات المجاورة تخلع عليه سمةً فريدةً من التداخل والانسجام. وقد أدَّى نجاحه إلى طول عمره وانتشاره في كلِّ أنحاء إفريقيا الشمالية والغربية وصولاً إلى إسبانيا الإسلامية حيث ظهر تنويعٌ جديدٌ عليه.إنَّ الخطَّ المغربي الأندلسي الذي نشأ في قرطبة قد فرض نفسه على كلِّ إسبانيا الإسلامية. وهو مصحوبٌ بالحركات والتشكيلات، كما أنَّه يبدو أكثر رقَّةً وتماسكاً عن طريق صَفِّ حروفه الصغيرة على طول الخطوط الرفيعة المكثفة.

وفي ذات الوقت أي في القرن العاشر ظهرت في المشرق أيام الحقبة العباسية ستة أساليب من الكتابة العادية السريعة وذلك تحت اسم ‘الأقلام الستة’ وهي ما يلي: خطُّ الثلث، والنسخ، والمحقَّق، والريحاني، والرقعة والتوقيع. وقد استُخدمت كلُّ هذه الخطوط بكثرة من قبل الحكومات و الإدارات الإسلامية. ولم تُستخدم إلا أربعةً منها لنسخ القرآن وهي الخطوط الثلاثة الأولى المشار إليها بالإضافة إلى الأخير.

وكان مُكتشف هذه ‘الأقلام الستة’ شخصٌ عبقريٌ يُدعى:أبو علي ابن مقلة الخطاط والوزير وقد أدّت كفاءته ومعرفته الدقيقة بعلم الهندسة إلى تدشين المرحلة الأهمِّ في الخطِّ العربي العادي وهي اختراع القواعد الأساسية لفنِّ الخط التي تعتمد على الوحدات القياسية الثلاث التالية:

1- النقطة المربعة

2- حرف الألف

3- المستديرة الخط أو الدائرة

وقد توصَّل إلى النقطة المربعة عن طريق ضغط القلم بشكلٍ مائلٍ على الورق من أجل تناسب الأضلاع الأربعة المتساوية الطول للنقطة من حجم اتساع القلم.

وأمَّا الألف فهي عبارة عن شكلٍ عموديٍ منتصبٍ يصل قياسه إلى خمس أو سبع نقاطٍ مربعةٍ مصفوفةٍ الواحدة فوق الأخرى.

أمَّا المستديرة الخط فهي عبارة عن دائرةٍ نصف قطرها بطول الألف وقد استُخدمت أيضاً كشكلٍ هندسيٍّ أساسيٍّ.

ثُمَّ جاء بعده خطاطٌ آخر اسمه ابن البواب توفي (عام 1022م ) وقد أغنى هذا النظام وأضاف إليه أسلوباً جديداً أكثر رشاقةٍ يُدعى ‘ المنسوب الفائق ‘.

وبعد حوالي قرنين ونصف اخترع ياقوت المستعصمي (1298م)طريقةً جديدةً لصنع الأقلام القصبيّة (الريشة) عن طريق بريها بشكلٍ مائلٍ، وقد أغنى ذلك الأساليب الستة، ثُمَّ بلور ياقوت هذا أسلوباً جديداً لخطِّ الثلث وخلع عليه اسم الياقوتي.

أنواع الخطوط الستة:

الثلث:

يُستمد هذا الأسلوب في الكتابة اسمه من المبدأ الذي ينصُّ على أنه يجب إمالة ثلث كلِّ حرف من الحروف المكتوبة، وقد عاش هذا الخطُّ أكثر من غيره من بقية الأقلام الستة, وهو خطٌّ دينيٌ وفخمٌ.

النسخ:

ويعني المحو أو الإزالة وتعود نشأة هذا الخطِّ إلى القرن الثالث عشر ثُمَّ انتشر وشاع في القرن التالي وقد ساعد على انتشاره اعتماد الورق في الكتابة بدلاً من الرقّ أو الجلد وذلك في كلِّ أنحاء المشرق الإسلامي. وبعد أنْ تَمَّ تحسينه على أيدي نظام ابن مقلة وابن البواب أصبح خطاً لائقاً لكتابة القرآن، وبفضل نوعيته العالية هذه أصبحت المصاحف المكتوبة بالنسخ أكثرَ عدداً من كلِّ المصاحف المكتوبة بالخطوط العربية الأخرى مجتمعة.

إنّ هذا الخطُّ يتميَّز بالكتابة الأنيقة والملائمة التي تَصفُّ الحروف والكلمات على السطر بشكلٍ واضحٍ وتترك مسافاتٍ معقولةٍ بينها وهذا ما يزيد من جمال تناسقها.

المحقَّق:

وتعني التسمية في الأصل الخطُّ المرسوم بقوةٍ ووضوحٍ أو الناتج عن فرط العناية والتدقيق وقد شاع هذا الخطُّ كثيراً في زمن خلافة المأمون (813-833هـ) ثُمَّ اكتسب بمرور الزمن بعض الاستدارة والنضج ولكن تَمَّ تعديله من قِبَلِ ابن مقلة ووصل إلى درجة الكمال على يَدِ ابن البواب. إنَّ المحقَّق خطٌّ رشيقٌ ومتَّسقٌ وهو يتوصَّل إلى تحقيق التوازن ما بين خطّه الأفقي الرفيع المستطيل وبين خطوطه العالية المليئة بالشموخ والجمال وكانَ هذا الخطُّ قد استُخدم طيلة أكثر من أربعة قرونٍ في كتابة المصاحف ذات الحجم الكبير.

التوقيع:

وقد اختُرع هذا النوع من الخطِّ زمن الخليفة المأمون وهو يتميَّز بأنه شديد التلاحم والتماسك، سريع، وقريب من خطِّ الثلث الذي يُقال أنه مشتق منه ويُقال أنه قد اشتقَّ من الخطِّ الرياسي، الذي كان الخلفاء العباسيون يستخدمونه في كتاباتهم ومعاملاتهم الرسمية ويوقعون عليه أسماءهم وألقابهم ونلاحظ أنَّ استخدامه نادرٌ جداً في النصوص الدينية إلا استثناء واحد مصحف أفغانستان الضخم الذي تَمَّ نسخه بين عامي(111 – 1112م).

وتوجد هناك أربع أساليبٍ أخرى للخطِّ العادي بالإضافة إلى الأقلام الستة وهي الغبار، التمار، التعليق، النستعليق.

الغبار:

وهو معروفٌ أيضاً باسم الكتابة المجهرية نظراً لدقَّة حروفه؛ وقد ظهر في القرن التاسع الميلادي وهو مشتق من الخطِّ الرياسي وله حروفٌ مدوَّرةٌ صغيرةٌ جداً استعارت بعض خصائصها من خطي الثلث والنسخ.

النستعليق:

وهي كلمة مركبة من كلمتين هما النسخ والتعليق؛ وهذا الخطُّ عبارة عن كتابةٍ معلَّقةٍ اخترعها الفرس واشتقوها من خطِّ التعليق الذي تشكَّل هناك في نهاية القرن الخامس عشر، وقد أصبحت هذه الكتابة منذ ذلك الوقت بمثابة الخطِّ القومي الفارسي ولكنْ نادراً ما لجأ الخطاطون إلى النستعليق من أجل نسخ القرآن وقد وجدناه فقط في مصحفٍ بالهند يعود للقرن الثامن عشر ولكنه غير مستخدم لكتابة النص العربي الموحى وإنما تَمَّ استخدامه فقط على الهوامش وبين السطور .

ثانياً الخطُّ العربي في البلاد الإسلامية :

انطلق الخط العربي الذي كُتِبَ به القرآن غازياً ومعلِّماً مع الجيوش الفاتحة إلى الممالك المجاورة والبعيدة . فكتب الفرس لغتهم بالحروف العربية وابتكروا الخطَّ الفارسي”التعليق’ بيد مير علي التبريزي المتوفى سنة 919هـ كما حوَّروا الخطَّ الكوفي فأصبحت المدَّات فيه أكثر وضوحاً .
أمَّا الترك فحوَّلوا خطَّ الرقاع وابتكروا الهمايوني (الديواني) بيد الأستاذ إبراهيم منيف كما وضع ممتاز مصطفى بك قواعد الرقعة سنة 1270هـ وقد ورد في كتابِ مصوَّرِ الخطِّ العربي رسالةً كتبها الوزير يوسف باشا للسلطان عبد الحميد الأول ـ والرسالة والشرح كانا بخطِّ الرقعة ـ وفي حياة ممتاز مصطفى – المولود عام 1225هـ في اسطنبول – أنه كانَ يقوم بتعليم الخطِّ للسلطان عبد الحميد . وفي الأندلس رأينا صوراً أخرى من الحفاوة التي لقيها الخطُّ العربي بعيداً عن موطنه فقد اهتمَّ الحكَّام بالخطِّ العربي وتعلَّموه ونسخوا به الكتب لا سيما المصاحف كما اهتمَّ سواد الناس بالمخطوطات ذات الخطِّ الجميل، ويذكر المقري قصةً عن الحضرمي، قال: أقمت مرَّةً بقرطبة ولازمت سوق كتبها مدَّةً أترقَّب وقوع كتابٍ كانَ لي بطلبه اعتناءً إلى أنْ وقع وهو بخطٍّ جيدٍ وتسفيرٍ مليحٍ ، ففرحت به أشدَّ الفرح فجعلت أزيد في ثمنه فيرجع إلى المنادي بالزيادة علي إلى أنْ بلغ فوق حدِّه فقلت له يا هذا أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى أبلغه إلى ما يساوي قال : فأراني شخصاً عليه لباس رياسةٍ فدنوت منه وقلت له : أعزَّ الله سيدنا الفقيه إنْ كان لك غرضٌ في هذا الكتاب تركته لك فقد بلغتْ به الزيادة بيننا فوق حدها . فقال لست بفقيه ولا أدري ما فيه ولكني أقمت خزانة كتب واحتفلت فيها لأتجمَّل بين أعيان البلد وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب فلما رأيته حسن الخطِّ جيد التجليد استحسنته ولم أبال بما أزيد فيه.

ثالثاً الخط العربي في ما وراء النهر :

دخل الإسلام بلاد ما وراء النهر (وسط آسيا) مع الفتوحات العربية التي تمَّت في القرن السابع الميلادي، وقد اعتنقت شعوب تلك المنطقة الدين الإسلامي ومِنْ هذه الشعوب كانَ الشعب الأوزبكي الذي تمثَّل هذا الدين كما تمثَّل اللغة التي جاءت معه اللغة العربية ، فأقبل أفراد الشعب عليها تعلُّماً ودراسةً ، ومن ثُمَّ أصبحت العربية سائدةً بين الناس، حتى إنهم ألَّفوا بها كتبهم وعلومهم إلى جانب اللغتين الفارسية والتركية، وتدارسوا مختلف فنون الأدب العربي ومنها الشعر ومن أهمِّ المؤلفات في هذا المجال كتاب الشاعر الخوارزمي شير محمد مؤنس (1829-1878م)، الذي ألَّفه بعنوان ‘سوادي تعليم’ أي (مبادئ تعليم الكتابة والقراءة)، وهو كتاب مدرسي،وكان لهذا الكتاب أهميةً بالغةً في المجال التعليمي والتنويري، وقد وصف بمهارةٍ تامَّةٍ كلَّ الحروف المبنية على الأبجدية العربية كتابةً وقراءةً على السواء، وكانَ هذا الكتاب يتميَّز بإبداعه حيث أنه في بداية الأمر يتناول حَمْد الله والثناء عليه، ثُمَّ الصلوات على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلَّم، ثُمَّ مَدح حكَّام عهده، ووصْفِ الأساتذة والخطاطين الذين اخترعوا أنواعاً مِنَ الخطِّ، وخلال وصفه لهم كانَ دائماً يذكر أشهر علماء النحو والصرف العربي، ومن بينهم ابن الحاجب الذي اخترع أروع أنواع الخطِّ العربي، وكتب عنه ما يلي:‏ جمع الفضل في كل العلوم‏، وفي كل حكم كان نافذ القول،‏ وفي علمه كان يُوجب احترام أهل العلم.‏
وقام الشاعر مؤنس بشرح كتابة كلِّ حرفٍ في الأبجدية وصيغته وعلاقته بالحروف الأخرى،.‏ وبفضل انتشار الكتابة العربية عند شعوب وسط آسيا تطوَّر في المنطقة فنُّ الكتابة وفنُّ الخطِّ العربي، وقَدْ كانَ هذا الخطُّ من الذخائر المعنوية، وكانَ الخطاط يُقدَّر تقديراً عالياً لإتقانه هذا الفنَّ الرائع ،
وقام العالم الأوزبكي ‘مرادوف’ ببحوثٍ علميةٍ في دراسة تاريخ الخطِّ العربي وفنّه في وسط آسيا، معتمداً على الرسالة العلمية لخطِّ العلامة ‘محمد ابن حسين الطبي’ و ‘الحبيب’، فقد أشار إلى أنَّ أنواع الخطِّ العربي كانَ عددها يناهز الستة والثلاثين خطاً، علماً بأنها كانت هي نفسها خطوط الكتابة الأوزبكية القديمة المبنية على الأبجدية العربية، وعدَّدها كما يلي:‏
الكوفي، والتمار، والجليل، والمجموع، والرئاسي، والثلثان، والنصف، والجوانهي، والمثلث، وغباري الحلية، والمنصور، والمقترن، والحواشي، والأشعار، واللؤلؤ، والمصاحف، وفزاح النسخ، والغبار، والأحد، والمعلَّق، والمؤامرات، والمعماة،والمحدث، والمدمّج، المكوّر، والممزوج، والمفتاح، والمؤلف، والمخفف، والمرسال، والمبسوط، والتوءمان، والمعجز، والمخلع، والديواني، والسياقة.

‏ يظهر مما سبق أنَّ الخطَّ العربي تطوَّر في منطقة وسط آسيا تطوُّراً كبيراً، وفي أثناء حكم الأمير تيمور اختُرع نوعٌ من الخطِّ الأوزبكي القديم المبني على الأبجدية العربية سمِّي بخطِّ النستعليق ، فقد قام كبير الخطاطين ‘مير علي التبريزي’ و ‘سلطان علي مشهدي’ باختراع هذا الخطّ، وشاع استعماله في فنِّ صناعة الكتب في وسط آسيا ، وقد أسس الخطاط ‘مير علي هراوي’ -من هراة- مدرسة بخارى للخطِّ، وتعلَّم عليه خطاطون كبار مثل: حلوان، ومير عبيد، والمولى ساقي محمد، وقولنكي، وعبد الله كاتب، الذين ألَّفوا العديد من كتب الخطِّ العربي في البلاد، واشتُهرت مؤلفاتهم حتى وصلت إلى الشرق العربي أيضاً.‏
وكان ثمّة عاملٌ مهمٌ لتصبح بخارى من أكبر المراكز للخطِّ العربي، فبعد الفتوحات الإسلامية في وسط آسيا تحوَّلت هذه المدينة إلى مكانٍ مهمٍ للحضارة الإسلامية والثقافة العربية، وشُيِّد فيها الكثير من المدارس والمساجد والمراكز العلمية، وقام أغلب العلماء والفقهاء والمحدِّثين والمؤرخين بتأليف كتبهم في مسائل الدين الإسلامي الحنيف في هذه المدينة بالذات، كما أتى إليها الطلاب من جميع أقطار الشرق للحصول على العلم والمعرفة، فساعد هذا في تطوُّر فنِّ الكتابة والخطِّ العربي، وهكذا أصبحت بخارى من أكبر المراكز العلمية لفنِّ الخطِّ العربي في منطقة وسط آسيا وبلاد السند والهند أو ما وراء النهر .
——————————————————————————–

أهل الخط:

أوائل الكتبة من المسلمين: لقد سمِّي خطُّ هؤلاء الأوائل بالخطِّ الحجازي ، وهو أصل خطّ النسخ.

وقد كان من كتّابه بعض أسرى النبي صلى الله عليه وسلَّم من أهل قريشٍ في بدر، فاشترط على كلِّ واحد منهم تعليم عشرةٍ من صبيان المدينة، فانتشرت الكتابة بين المسلمين، وحضَّ صلى الله عليه وسلَّم على تعليمها.

وكانَ من أشهر كتّاب الصحابة رضي الله عنهم عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

ولمَّا فتح المسلمون الممالك ونزلت جمهرة الكتّاب منهم الكوفة، عنوا بتجويد الخطِّ العربي وهندسة أشكاله، حتى صار خطَّ أهل الكوفة ممتازاً بشكله عن الخطِّ الحجازي، واستحق أنْ يسمَّى باسمٍ خاصٍّ وهو ( الخطُّ الكوفي) وبه كانت تكتب المصاحف وتحلّى القصور والمساجد وتسكُّ النقود.
——————————————————————————–

الخطاطون الأوائل:

ورد في كتاب (أبجد العلوم) لصاحبه صدّيق بن حسن القنوجي كلامه في علم الخط _ فصل في أهل الخط العربي _ قال ابن إسحاق: أول من كتب المصاحف في الصدر الأول ـ ويُوصف بحسن الخطِّ ـ خالد بن أبي الهياج ، وكان سعد ابن أبي وقاص والي الكوفة أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قد نصَّبه لكتابة المصاحف ، وكان الخطُّ العربي حينئذٍ هو المعروف الآن بالكوفي، ومنه استُنبطت الأقلام كما في كتاب (شرح العقيلة).

ومن كتّاب المصاحف خشنام البصري، والمهدي الكوفي، وكانا في أيام الرشيد.ومنهم أيضاً أبو حُدى وكان يكتب المصاحف في أيام المعتصم وهو من كبار الكوفيين وحُذَّاقهم،
وأول من كتب في أيام بني أمية ( قطبة المحرر ) وقد استخرج الأقلام الأربعة، واشتقَّ بعضها من بعضٍ وكان أكتب الناس في زمانه . ثُمَّ كان بعده الضحاك بن عجلان الكاتب في أول خلافة بني العباس فزاد على قطبة. ثُمَّ كان إسحاق بن حماد في خلافة المنصور والمهدي، وله عدَّة تلاميذٍ كتبوا الخطوط الأصلية الموزونة..

وحين ظهر الهاشميون استُحدث خطٌّ يسمَّى العراقي، وهو المحقَّق، ولم يزل يزيد حتى انتهى الأمر إلى المأمون فأخذ كتّابه بتجويد خطوطهم، وظهر رجلٌ يُعرف بالأحول المحرِّر، فتكلَّم على رسومه وقوانينه وجعله أنواعاً.

ثُمَّ ظهر قلم المرصَّع وقلم النساخ، وقلم الرياسي اختراعُ (ذي الرياستين: الفضل بن سهل)، وقلم الرقاع، وقلم غبار الحلية.

ثُمَّ كان إسحاق بن إبراهيم التميمي المكنَّى بأبي الحسن معلِّم المقتدر وأولاده أكتب أهل زمانه، وله رسالةٌ في الخطِّ أسماها ( تحفة الوامق).

ومن الوزراء الكتّاب أبو علي محمد بن علي بن مقلة المتوفَّى سنة ثمانٍ وعشرين وثلاثمائة، وهو أول من كتب الخطَّ البديع وخطَّ النسخ الذي انتشر في مشارق الأرض ومغاربها وهندس الحروف وأجاد تحريرها . ثُمَّ ظهر صاحب الخطِّ الجميل علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفَّى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، ولم يُوجد في المتقدمين من كتبٍ مثلَه ولا قاربَه، وإنْ كان ابن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خطِّ الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة، وله بذلك فضيلة السبق، وخطُّه في غاية الحسن ، لكنِّ ابن البواب هذب طريقته ونقّحها وكساها حلاوةً وبهجةً، وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد الكاتب.

ثُمَّ ظهر أبو الدرِّ ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي المتوفَّى سنة ستٍ وعشرين وستمائة، ثُمَّ ظهر أبو المجد ياقوت بن عبد الله الرومي المستعصمي المتوفَّى سنة ثمانٍ وتسعين وستمائة، وهو الذي سار ذكره في الآفاق وعجز الكتّاب والخطاطون عن مداناة رتبته.

ثُمَّ اشتُهرت الأقلام الستة بين المتأخرين وهي: الثلث والنسخ والتعليق والريحان والمحقَّق والرقاع… ثُمَّ ظهر قلم التعليق والديواني والدشتي، وكان ممن اشتُهر بالتعليق سلطان علي المشهدي، ومير علي، ومير عماد، وفي الديواني تاج وغيرهم.

وقفة مع بعض الخطاطين الأوائل :

الخطاط ابن مقلة :

لابد من ذكر جهود الوزير ابن مقلة وأخيه الخطاط أبي عبد الله الحسن، فهما اللذان تمَّت على أيديهما هندسة خطِّ النسخ والجليل وفروعه على الأشكال التي نعرفها الآن، وهما اللذان قدَّرا مقاييس الحروف وأبعادها وضبطاها ضبطاً جيداً وأنشأا لعلم الخطِّ القواعد المعروفة . وابن مقلة هو الوزير أبو علي محمد بن علي بن مقلة ولد ببغداد في شوال سنة 272 هجرية ، نشأ في أسرةٍ متواضعة الحال ذات فضلٍ وعلمٍ وفنٍّ، اشتُهر عميدها وبعض أبنائها بجودة الخطِّ ،ولقد وصلت أنواع الخطِّ في عصره إلى عشرين نوعاً إختصرها إلى ستة أنواعٍ رئيسيةٍ هي : الثلث ، النسخ ، التعليق ، الريحان ، المحقَّق ، الرقاع ، .. ولقد كتب ابن مقلة المصحف مرتين وله رسالتان في الخطِّ الأولى هي ( ميزان الخطِّ ) وهي موجودةٌ في مكتبة العطارين في تونس والأخرى هي ( رسالة في علم الخطِّ والقلم ) وهي موجودةٌ في دار الكتب المصرية .

الخطاط ابن البواب:

هو أبو الحسن علي بن هلال من أعاظم الخطاطين بالعربية وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد الكاتب ، لُقِّب بابن البواب لأنَّ أباه كان بوَّاباً لدى آل بويه ، أقام الخطَّ على قواعدَ جماليةٍ وخلق بعده مدرسةً في الخطِّ تجري على آثاره … ولم يُوجد في المتقدمين ولا في المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه وإنْ كان ابن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خطِّ الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة وبذلك كانت له أفضلية السبق ، كتب ابن البواب 64 مصحفاً وتوفي سنة 413 هجرية . وقد هذّب طريقة ابن مقلة ونقَّحها وكساها حلاوةً وبهجةً، فقد أكمل ابن البواب وتمَّم قلم التوقيع وأحكم قلم النسخ وحرَّر قلم الذهب وأتقنه ووشَّى الحواشي وزيَّنه وبرع في الثلث وخفيفه وأبدع في الرقاع والريحان وميَّز قلم المتن والمصاحف وكتب بالكوفي.

الخطاط ياقوت الرومــي :

هو جمال الدين ياقوت المستعصمي الطواشي البغدادي أحد مماليك الخليفة المستعصم بالله العباسي كنيته أبو الدرّـ وأبو المجد أصله من مدينة أماسية في بلاد الروم ، أخذ الخطَّ عن الكاتبة زينب وقلّد خطوط ابن البواب ومن تلاميذه نجم الدين البغدادي وعلم الدين سنجر ، توفي ياقوت في سنة 698هجرية ببغداد.

الخطاط البوصيري :

هو شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري (608-695)هـ صاحب البردة كان جيد الخطِّ و قد تعلَّم على يده أكثرُ من ألف طالبٍ .

الخطاطون المتأخرون :

ومن أشهر هؤلاء الشيخ حمد الله الأماسي، وجلال الدين، ودرويش علي، والحافظ عثمان، وعبد الله زهدي، وهو الذي خطَّ بالقلم الجليل جدران المسجد النبوي الشريف، ومحمد مؤنس أفندي، وعلى يديه وعلى يدي تلميذه محمد جعفر بك تخرَّج جميع خطاطي مصر فيما بعد.

ومن أشهر الخطاطين في الحقبة الأخيرة: الشيخ عبد العزيز الرفاعي وسامي أفندي، وأحمد كامل، وهاشم محمد البغدادي، وحامد الآمدي، ومحمد عارف، وبدوي الديراني، وحسنى البابا.

لقد عاش الخطُّ العربي في مصر حقبةً تاريخيةً طويلةً . امتدت من 297 هـ إلى 917 هـ لاقى فيها هذا الفنُّ عنايةً فائقةً فانتشر على يد عفيف الدين وطبقته . وبرز الخطاط طبطب الذي يُنسب إليه تجويد مدرسة الخطِّ العربي في مصر خلال العصر الطولوني ثُمَّ ظهر بعد ذالك ابن أبي رُقيبة وشمس الدين الرفتاوي وابن الصايغ الذي أحبَّ طريقة عفيف الدين . وكان لهؤلاء أثرٌ بالغٌ في تطوير الخطِّ العربي.
وبعد هذه الفترة التاريخية عانت مصر كغيرها من البلدان العربية من تخلُّفٍ كان من نتائجها أنْ بسط الاستعمار نفوذه على البلاد وعمل جاهداً على طمس كلِّ ما هو حضاريٍّ وتراثيٍّ ؛ وكان منها هذا الفنُّ الجليل، غير أنَّ مصــراً أبت إلا أنْ تكون رائدةً باهتمامها بتراث الأمة الفنية . فعمدت سنة 1921م إلى استقدام الخطاطين البارزين من الأتراك لتعليم أبناء مصــر . وفتحت المدارس والمعاهد الخاصَّة بذلك،مما أدَّى إلى ظهور مجاميعٍ كبيرةٍ من الخطاطين المصــريين ممَّا أوجب الإشارة إلى أبرز المبدعين منهم والذين هم من خطاطي الفترة المتأخرة :
يوسف أحمد- غزلان بك- محمد حسني- محمد علي المكاوي – محمد إبراهيم- سيد إبراهيم .

الخطاطون المعاصرون :

إنَّ تجويد الخطِّ العربي والدقَّة والكمال في الكتابة, ميدانٌ واسعٌ من ميادين الفنون الإسلامية اشتُهر فيه الكثير من الخطاطين في العصر الحديث ونذكر فيما يلي لمحةً موجزةً عن حياة عددٍ منهم :

الخطاط محمد أوزجاي :

ولد الخطاط محمد أوزجاي بمدينة جاي قره التابعة لولاية طرابزون بتركيا في صيف عام 1961م وتخرَّج عام 1986 من كلية الشريعة التابعة لجامعة أتاتورك بأرضروم ، وتعرَّف هناك على الخطاط فؤاد بشار عام 1982م فتعلَّم على يديه خطَّ النسخ ثُمِّ الثلث ، بعد ذلك تعرَّف على الدكتور مصطفى أوغور درمان فكان الدليل والمرشد له في هذا المجال .

كتب محمد أوزجاي ما يقارب الخمسين حلية نبوية شريفة حازت على إعجاب محبي الخطِّ العربي أينما جال بها في معارضه زيادةً في شرف كتابة المصحف الشريف الذي طُبع عدَّة مراتٍ ، وله مقتنياتٌ كثيرةٌ داخل تركيا وخارجها ، وطُبع العديد من أعماله ونُشر في الدوريات والتقاويم السنوية .

الخطاط إسماعيل حقي :

في عاشر ذي الحجة عام 1289هـ وفي محلة تعرف باسم ‘قورو جشمة’ في استنبول ولد الخطاط القدير أباً عن جد ‘إسماعيل حقي’ وكان والده تلميذاً لقاضي العسكر مصطفى عزت أفندي وعمل إسماعيل حقي بعد دراسة الرسم والنقش في ‘ مدرسة الصنايع النفسية ‘ موظفاً بقلم الديوان الهمايوني فتعلم فيه الخط الديواني والديواني الجلي والثلث الجلي والطغراء على يد الخطاط الأشهر سامي أفندي ، ثم أصبح كاتب الطغراء الثاني ، ثم الكاتب الأول .عمل بتدريس الزخرفة عقب صدور قانون أتاتورك بتغيير الحروف العربية إلى اللاتينية .ولُقب ‘بآلتون بَزَرْ ‘ أي نقاش الذهب ، لتدريسه فن الزخرفة خارج الأسلوب التقليدي .وقد ترك إسماعيل حقي تراثاً غزيراً متميزاً – خاصة في الثلث الجلي والديواني والطغراء – وتشهد له بذلك الجوامع والقباب باستنبول .

الخطاط جلال أمين صالح :

ولد الخطاط جلال أمين صالح بالأردن عام 1946م ، وحصل على الليسانس في الجغرافيا ، وكذلك درجة الدبلوم في الخط العربي ، عمل بتدريس الخط سنوات عديدة وأقام المعارض الكثيرة في الرسم والخط العربي وله كتاب في الخط بعنوان ‘مذكرات في الخط العربي’ . عمل خطاطاً لإدارة المراسم الملكية بالمملكة العربية السعودية أثناء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بالطائف عام 1401هـ . فاز أكثر من مرة بالمسابقة العالمية للخط العربي التي تقام باستنبول في تركيا .

الخطاط بدوي الديراني :

ولد الخطاط السوري الكبير محمد بدوي الديراني عام 1894 بدمشق ، ودرس قواعد التعليق الذي اشتهر به وصار فيه صاحب مدرسة خاصة على يد الخطاط مصطفى السباعي ، ثم درس النسخ والثلث والرقعة والديواني على يد الأستاذ يوسف رسا ، كما درس الكوفي والديواني الجلي على يد الأستاذ ممدوح الشريف الذي صاحبه مدة سبعة عشر عاماً . له زيارات كثيرة إلى مصر واستنبول . وكان ورعاً في كتابة الخط ، فلم يكن يمتهنه أو يبذله لغير هدف أسمى وقد رفض أن يكتب الخط العربي داخل كنيسة مع كل الإغراءات ، وبذل أضعاف ثمن الكتابة ، لأنه كان يؤمن بأن الحرف العربي شريف ولا يكتب به ما لا يرضي الله عز وجل .توفي بدمشق في 25 يوليو 1967 م .

الخطاط مختار البابا :

ولد مختار البابا في بيروت عام 1938 ، تعلم أصول الخط على يد والده الخطاط كامل البابا ، وخرجت أوائل لوحاته في أوائل السبعينيات وأسلوبه تقليدي في توجهه الفني رغم تجربته في ( الحروفية ) التي حاول من خلالها استخراج مكامن الجمال في الحروف العربية التي يجعلها مزيجاً من التماثل الهندسي والتناسق اللوني ، وإلى جانب كونه فناناً فهو خبير خطوط بالمحاكم العدلية اللبنانية . شارك مختار البابا في كثير من الفعاليات التعليمية الهادفة لتطوير مهارات الكتابة العربية، لدى معلمي اللغة العربية طبع عدداً من الأمشق التدريبية لأساليب الكتابة الصحيحة للأطفال والناشئة، ويعمل حالياً معلماً للخط العربي واللاتيني في مدارس جمعية المقاصد كما أنه يعلم الخط والزخرفة العربية في مدرسة عبد الهادي الدبس التقنية. أقام مختار البابا عدة معارض فنية بالعالم العربي له مرسم فني في بيروت.

الخطاط مأمون صقّال:

مأمون صقّال سوري الأصل تلقى دروس الرسم والطباعة بمعهد حلب للفنون بسوريا ثم حصل على درجات علمية من جامعتي حلب وواشنطن.بدأ صقال الرسم في سن مبكرة جداً وتدرب على الأنماط الأوروبية، بعد ترحاله إلى أمريكا عام 1978أمضى وقتاً طويلاً في تعلم وفهم التراث والثقافة العربية، وشيئاً فشيئاً تحولت رؤيته من الفن الأوروبي إلى الفن العربي الإسلامي بدأ تجاربه باستخدام الخط بطريقة تشكيلي وذلك منذ منتصف الستينيات، ونفذ لوحات مائية مجردة مستفيداً من فهمه الذاتي ورؤيته الخاصة بالحرف العربي وتشكيلاته. أخذ في الآونة الأخيرة يستخدم الكومبيوتر لتنفيذ تصميمات خطية معتمدة على أشكال الحرف التقليدية وأصدر مجموعته الأولى من المقتطفات الكمبيوترية للتصميمات العربية عام 1992 والتي ستظل تجارة رائجة بسبب طبيعتها الكلاسيكية. دمج صقال في إنتاجه الأخير الحروف العربية بالقطع المعمارية للمباني التي ترجع إلى العصور الوسطى خاصة تلك القطع التي وجدت في مدينته حلب التي نشأ فيها، حاز صقال جوائز عديدة على إنتاجه الفني وأعماله التصميمية كان آخرها حصوله على المركز الأول في الخط الكوفي بالمسابقة العالمية الثالثة لفن الخط التي عقدت باستانبول في تركيا، بالإضافة لذلك فإن صقال يعمل بالتصميمات الداخلية المعمارية وإعمال الجرافيك بالإستديو الذي يملكه مدينة ‘بوذل’ بأمريكا ويحاضر في الفن الإسلامي بجامعة واشنطن.

الخطاط محمد عبد القادر:

ولد الأستاذ محمد عبد القادر بالقاهرة عام 1917م، بدأ تعلم فن الخط العربي بمدرسة خليل آغا على يد الأستاذ / محمد رضوان الذي كان مشرفاً فنياً على مدرسة تحسين الخطوط حينذاك. حصل على المراكز الأولى في سنوات دراسته كما نال المركز الأول بدبلوم الخطوط عام 1935 ومنح جائزة الملك السابق فؤاد وعمره ثمانية عشر عاماً. عمل خطاطاً بمصلحة المساحة، كان أول الجمهورية بدبلوم التخصص عام 1937م ومنح جائزة الملك السابق فاروق وعمره عشرون عاماً.عمل أستاذاً منتدباً بمدرسة تحسين الخطوط العربية بالجيزة، كذلك بكلية الفنون التطبيقية.منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

توفي محمد عبد القادر بعد أن ترك أجيالاً من التلاميذ ما يزال عطاؤهم مستمراً بمدارس تحسين الخطوط العربية بمصر.

العلوم المتعلقة بعلم الخط:

وإننا ونحن نسرد نبذة مختصرة عن علم الخط يهمنا أن ننبه إلى ماسماه بعض العلماء علوماً متعلقة بكيفية الصناعة الخطيّة.

فمن ذلك علم أدوات الخط : من القلم، وطريق بريه، وأحوال الشق والقط، ومن الدواة والمداد والكاغد. وقد ذُكر أنّ ابن البواب نظم في هذا العلم قصيدة رائية بليغة استقصى فيها أدوات الكتابة، أي معرفة كيفية نقش صور الحروف والبسائط، وكيف يوضع القلم، ومن أي جانب يُبدأ في الكتابة، وكيف يسهل تصوير تلك الحروف. ومن المصنفات في علم أدوات الخط (الباب الواحد) من كتاب صبح الأعشى.

ومن ذلك علم تحسين الحروف : الذي قيل عنه في كتاب (مدينة العلوم): هو علم يعرف منه تحسين تلك النقوش، وما يتعلق به من كيفية استعمال أدوات الكتابة وتمييز حسنها عن رديئها وأسباب الحسن في الحروف آلةً واستعمالاً وترتيباً، ومبنى هذا الفن الاستحسانات الناشئة من مقتضى الطباع السليمة وتختلف صورتها بحسب الإلف والعادة والمزاج، بل بحسب كل شخص، ولهذا لايكاد يوجد خطان متماثلان من كل الوجوه.

ومنها أيضاً علم كيفية تولد الخطوط: عن أصولها بالاختصار والزيادة، وغير ذلك من أنواع التغيرات… الخ.

ومن أهم علوم الخط علم ضبط المصحف الشريف الذي هو مجمع اهتمام الخطاطين جميعا، فللمصحف خط خاص حسبما اصطلح عليه الصحابة رضوان الله عليهم عند جمع القرآن على ما اختاره زيد بن ثابت وفي هذا العلم قصيدة (العقيلة) الرائية للشاطبي.

قال في الكشاف: وقد اتفقتْ في خط المصحف أشياءً خارجةً عن القياس، ثم ما عاد ذلك بضير ولا نقصان، لاستقامة اللفظ وبقاء الخط، وكان إتباع المصحف سنة لا تخالف…

وقال ابن درستويه في كتاب ( الكتّاب): خطان لا يقاسان: خط المصحف لأنه سنة، وخط العروض لأنه يثُبت فيه ما أثبته اللفظ ويسقط عنه ما أسقطه.
——————————————————————————–

تطور الخط العربي في كتابة المصحف الشريف:
المصحف الشريف له مكانة مقدسـة في نفوس المسلمين لما يتضمنه من كلام الله تعالى.. لهذا فقد لقي رعاية بالغة منهم عبر التاريخ من ناحية الشكل والخط والتزيين، فضلاً عن المواد المستخدمة في ذلك من صحف وعسب وورق ولخاف (بعض أنواع الحجارة ) وغير ذلك من مواد الكتابة وفنـون التجليد.

رحلة الخط العربي في أرقى مستوياتها عكسها وأشعها المصحف الشريف عبر العصور من خلال تنافس وتباري الخطاطين في كتابته ونسخه وإجادة خطه وهي تخلد ذكراهم وتقربهـم إلى الله تعالى.يرجع الفضل إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جمع المصحف الشريف من صدور الحفظة بعد استشهاد عدد كبير منهم في معركة اليمامة، واستجابة لاقتراح من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال له: ‘إن القتل قد استحرَّ بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحرِّ القتل بالقراء في المواطن كلها وأرى أن نأمر بجمع القرآن ‘
ولكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تردد في البدايـة خشية أن يفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد فترة شرح الله صدره لما اقترحه عمر بن الخطاب فكلّف زيد بن ثابت وقال له: ‘ إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فتتبع القرآن ‘.

يقول زيد بن ثابت: ‘ فتتبعت القرآن أنسخه من الصحف والعسب واللخاف وصدور الرجال. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ من ذلك ‘.
ومن هنا جُمع المصحف على صحائف من الرقّ متشابهة في الطول والعرض متفقة في النوع مرتبة بين دفتين بعد أن كان مدوناً على قطع كبيرة وصغيرة من العظم والعسب والألـواح واللخـاف.

كان شكل كتابة زيد بن ثابت بأن يترك فراغاً بين كل آية وأخرى أوسع قيلاً من الفراغ الذي كان يتركه بين كل كلمة وأخرى، كذلك كان يترك فراغاً أوسع قليلاً من الفراغ الذي كان يتركه بين كل سطرين متتاليين في حالة الفصل بين السـور وكان يستخدم الخط الجاف الذي يميل إلى التربيع أو الخط ذا الزوايا والخط اللين الذي يميل إلى الاستدارة وكان الخط الأول (الجاف) يستعمل عادة في الشـئون الهامة، بينما يستعمل الخط الثاني في الشئون اليومية العادية، وقد استخدمه الصحابة حينما كان يمليهم الرسول شيئاً من القرآن لسهولته ويسره، والراجح أنّ الخط الذي كتب به زيد بن ثابت صحائف أبي بكر كان من النوع الجاف الذي يمتاز بجلالته وفخامته، والذي تمثله المصاحف المكتوبة بالخط المعروف (الخط الحجازي) والتي وصلت إلينا تطوراً له في شـكل المصاحف المعروفـة.

بعد الفتوحات تعددت اللهجات وحدثت مشكلات من خلال تعدد المصاحف الأمـر الذي جعل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه يوحّد المصحف. ويكتب المصحف العثماني المتداول حتى الآن.

لقد حسـم عثمان بن عفان رضي الله عنه هذه القضية بعد استشارة الصحابة فأجمعوا على ضرورة نسخ القرآن نسخة موحدة منطلقة من صحف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مكتوبة بلسان قريش تكون مرجعاً، ونسخ منها عدة نسخ وأرسل منها إلى الأمصار، أهل الشام ومصر والبصرة والكوفة ومكة واليمن، وأقرّ بالمدينـة مصحفاً، وهذه المصاحف يقال لها (المصاحف الأئمة )، وكلها بخط زيد بن ثابت، ويقال لها المصاحف العثمانية برغم أنها ليست بخط عثمان رضي الله عنه لكن ذلك نسبة إلى أمـره وعهـده.
وقـد أرسل عثمان بن عفان مع كل مصحف من المصاحف المرسلة إلى الأمصار إماماً قارئاً، فكان زيد بن ثابت مقرئ المصحف المدني، و عبد الله بن السائب مقرئ المصحف المكي، والمغيرة بن شهاب مقرئ المصحف الشامي، وأبو عبد الرحمن مقرئ المصحف الكوفي، وعامر بن عبد قيس مقرئ المصحف البصري،
ويرجّح أن هذه المصاحف كتبت بالخط المدني الذي كان في المدينة على الرقوق المصنوعة من الجلد حيث أجمع الصحابة على كتابة القـرآن على الـرقّ لطـول بقائه ولأنه الموجود عندهم حينئذٍ.

مصيـر المصـاحف الأئمـة: يـروي ابن كثير أنّ أشهر هذه المصـاحف بجامع دمشق شرقي المقصورة، وقد كان بمدينـة طبرية ثم نُقل إلى دمشق سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وقد رآه ابن كثير (كتاباً عزيزاً جليلاً ضخماً بخطٍ حسن مبين قـوي بحبرٍ محكم في ورقٍ يظنـه من جلود الإبـل ).
بالنسبة للمصحف الذي كـان يقرأ فيه عثمان رضي الله عنه عندما قتل عام 35 هجري كان موجوداً في مطلع القرن الثالث الهجري كما يقول أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 222 هجري: ‘رأيت المصحف الذي يقال له الإمام، مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، استُخرج لي من بعض خزائن الأمراء وهو المصحف الذي كان في حجـره حين أصيـب ‘.

أول مـن كتب المصـاحف:

ذكر ابن النديم في كتابه الفهرست أنّ أول من كتب المصاحف في الصدر الأول للإسلام ووصف بحسن الخط هو (خالد بن أبي الهياج)، حيث رأى ابن النديم مصحفاً بخطه وكذلك أيضاً شخص يدعى (سعد خصه) كان يكتب المصاحف للخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86-96هـ /705 –715م)،
ويذكر أنه هو الذي كتب الآيات القرآنيـة الموجودة في قبلة المسجد النبوي في المدينة بالذهب من{ والشمس وضحاها} إلى آخر القرآن،
أما المصحف المعروف بـ(مصحف أماجور) في العصر العباسي بين سنتي (256-264هـ) فيعدّ أقدم المصاحف التي تحمل تاريخاً محـدداً. ويتعـرف الخبراء على المصاحف الحجازية أو الكوفية المبكرة من خلال طريقة شكل كلماتها وغياب الأعجام عن أغلب حروفها المتشابهة، كما تتميز كذلك بأن عرضها أكثر طولاً من ارتفاعها.

مسيرة تطور الخط العربي من خلال المصحف الشريف:

نشـأ الخط العربـي متأثراً بالخـط النبطـي وكان التطور الأول للخط العربي في الحجاز في القرن الأول متمثلاً فيما يطلق عليه الخط الحجازي، هو خط مائل إلى طرف اليد اليمنى، وفي القرن الثاني أصبح الخط الكوفي- نسبة إلى الكوفة – هو الخط الذي كتبت به المصاحف، وهو خط جاف، ولمـا بدأت حركة التأليف والترجمة لجـأ الورّاقون إلى ابتكار أسلوب جديد للكتابة أُطلق عليه الخط الوراقي أو الخط المحقَّق، وهذا الخط هو الذي أَدخَل عليه بعد ذلك إصلاحات مهمة كل من ابن مقلة في القرن الرابع الهجري، وابن البواب في القرن الخامس الهجري، فقد جعل ابن مقلة للخط العربي نِسَباً هندسيّـة بالقياس إلى حرف الألف، ثم أضفى ابن البواب مسحة جمالية على الخط طوّرهـا بعد ذلك ياقوت المستعصمي حيث بلغ الخط العربي في مدرسة بغـداد قمة ازدهـاره. وبعـد سقوط بغـداد ورثت القاهرة عملية تطوير الخط العربي مع ابن الوحيد وابن الصائغ والطيبي حتى ظهور المدرسة العثمانية التي أدخلت تطوراً مهماً على الخط النسخ والثلث، وأصبح خط النسخ يعرف بخادم المصحف بحيث أصبح المصحف لا يكتب إلا بالنسخ.

مجموعـات المصاحف النـادرة:

توجـد أكبر وأروع مجموعات المصاحف في العالم دون شك في مكتبة متحف باستنبول، وهي المصاحف التي كانت في الخزانة الخاصة بالسلاطين من آل عثمان،
كما توجد مجموعات أخرى في إيران بقبـة الإمام الرضي ،
ومجموعة ثالثة بدار الكتب المصرية بالقاهـرة، وكذلك في الهند والقيروان،
ومع الأسف توجد مجموعات خارج العالم الإسلامي في المكتبـة البريطانية بلندن والمكتبة الوطنية بباريس ومكتبة الفاتيكان بروما، ومكتبة شيستربتي بدبلـن، ومع الأسف الشديد أيضاً فإنه باستثناء مجموعة مكتبة شيستربتي التي جُمعت بعناية فائقة فإن اقتناء بقيـة المكتبات خارج العالم الإسلامي لهذه المصاحف لم يكن بشكل منظم ودقيق مثل مخطوطات الأدب والتاريخ والعلـوم.

ونستطيع أن نضيف إلى هذه المجموعات مجموعتين خاصتين ذاتـي قيمة كبيرة: الأولى المجموعة التي بدأ في تكوينها ناصر خليلي منذ أكثر من عشرين سنة وتوجد الآن في لندن )، والثانية التي جمعها الدكتور عبد اللطيف جاسم كانو وأهداهـا (بيت القرآن) الذي أسسه في البحرين 1990ميلادية.•
كما تميـز العصر المملوكي بالثـراء الثقافي وخلف العديد من نسخ المصحف المخطوطة ومن بينها المصاحف التي تحتفظ بها دار الكتب المصرية ( مصحف السلطان الناصر محمد بن قلاوون) الموقوف على جامعة بالقلعة سنة 730هـ، وهو مكتوب بالخط المحقق بماء الذهب المشعر بالأسود مقاسه(54×38سم ) ثمانية أسطر، ومصحف أمر بكتابته السلطان الناصر بن محمد بن قلاوون سنة( 575هـ /1356م ) ثم وقفـه السلطان أبو المظفر شعبان على المدرسة المعروفة بأم السلطان بخط التبانة في ذي القعدة سنة 769هـ. ومصحف السلطان 778هـ على مدرتـه وهو بالخط المحقق كتبه في (5) محرم سنة 477 علي بن محمد وذهّبـه إبراهيم الآمدي مقاسه (73 ×52سم ) 13 سطراً ومصحف في جزأين بالخط الريحان وقفـه السلطان شعبان سنة 770هـ وهو من تذهيب إبراهيم الآمدي مقاسه 75.5× 56سم ) 7 أسطر ، ومصحف السلطان برقوق كتبه عبد الرحمن بن الصائغ بقلم واحد في مدة ستين يوماً وفرغ منه في (6) ذي الحجة 801هـ مقاسه (105×80سم ) 11 سطراً ، ومصحف السلطان فرج بن برقوق كتبه أيضاً عبد الرحمن بن الصائغ سنة 814 هجري مقاسه ( 95×75سم ) 11 سطراً ، ومصحف السلطان المؤيد شيخ 820هـ (98×78سم ) 11 سطراً ، و9 مصاحف للسلطان الأشرف برسباي ما بين سنتي 821و841هـ وعدد من المصاحف للسلطان الأشرف أبي النصر قايتباي 889هـ. ومصحف الغوري سنة 908هـ.

مسيرة المصحف في الدولـة العثمانية: بعد سقوط دولة المماليك في مصر في مطلع القرن العاشر الهجري، أصبحت اسـتانبول عاصمة الخلافة الإسلامية بمقر الخلفاء العثمانيين هي مركز الفكر والفن في العالم الإسلامي الأمر الذي سـاعد على انتشار أسلوب الخط الجديد الذي طوره الخطاط التركي الشيخ حمد الله الأماسي. ومن ثم أصبح خط النسـخ منذ هـذا التاريخ هو الخط المفضل لكتابة المصاحف ووصفتـه المصادر العثمانية بأنـه خادم القـرآن فقد كانت المصاحف قبل ذلك تكتب بخطوط المحقق والريحان وأحياناً الثلث، بالإضافة إلى النسخ، فكتب ياقوت على سبيل المثـال المصاحف بخط النسخ وخط الريحان، كما أنه استخدم جميع هذه الخطوط في الصحيفة الواحدة في المصاحف ذات الحجـم الكبير، وقد أطـلق العثمانيون على المصاحف المكتوبة بهذا الشكل (طريقة ياقوت)، واستمرت نفس الأساليب عند التيموريين بالإضافـة إلى المدرسـة المصرية، ولم يستمر من هذه الخطوط سـوى الخط المحقق فقط الذي اسـتخدم في كتابـة البسملة، ثم هجر استعماله نتيجـة لعـدم قبوله للتراكيب لقـلة حـروفـه المقوسـة والمسـتديرة.

الخط العربي فن وعلم وإبداع:

ليس الخط العربي مجرد رسم وكتابة فقط وإنما هو فن وعلم في آن معا وعادة ما يتوصل الخطاط إلى ذروة الإتقان والكمال الفني عن طريق معرفته العالية ببنية اللغة العربية ومدلولها الحرفي، ولهذا السبب احتلّ كبار الخطاطين مكانة كبيرة في المجتمع الإسلامي وذاع سيطهم ليس فقط كخطاطين وإنما أيضا كفنانين وعلماء جديرين بالاحترام، وقد قال عبد الحميد الكاتب ـ الوزير في عهد مروان بن محمد آخر خليفة في الدولة الأموية ـ ( أجيدوا الخط فإنه حلية كتبكم )، لقد ساعدت بنية الخط العربي، وما يتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمدّ والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب على ارتقاء الخط العربي إلى فن جميل، يُعنى فيه بالجماليات الزخرفية للحروف والكلمات. والخط العربي يعتمد فنًا وجمالاً على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتستخدم في أدائه فنيًا العناصر نفسها التي نراها في الفنون التشكيلية الأخرى.

لقد انصرف الناس منذ القدم إلى تعلم هذا الفن ودراسته، معتمدين بذالك على استعداداتهم الفطرية ومواهبهم الطبيعية, فبرز فيه أناس قديرون كشفوا كنوزه الفنية وأوضحوا مقاييسه ونسبه، فكثر بذلك الخطاطون الذين مارسوا هذا الفن، ولما كانوا على درجات متباينة من الملكة في ضبط الخطوط العربية, فقد خلقت هذه الحالة التباين والتفاوت في قدراتهم وأوضحت لنا نموذجين من الخطاطين: الأول: الخطاط الاعتيادي.والثاني: الخطاط المبدع. الخطاط الاعتيادي هو من أدرك أساسيات الخطوط العربية وتعرف على أنواعها و بقي في حدود معرفته الضيقة، ولم يتمكن من مسايرة روح عصره وظل خطه دون غاية قدرته وتوقفت تجربته وتعسّرت لديه ولادة أنماط جديدة فأصبح فنه اعتيادياً لا يؤثر في وسطه.

الخطاط المبدع هو من أدرك أساسيات الخطوط العربية وتعرف على أنواعها فكان ولعه بها غريباً وإنتاجه جيداً وتراكيبه جميلة, يتمتع بالقدرة على ابتكار أشكال جديدة تفصح عن مهارته وحذقه وقدرته على الحفاظ على أصالة الخط، واستطاع أن يجد لنفسه أسلوباً مميزاً ويمتلك نظرة فاحصة وملاحظة دقيقة متجردة عن الأنانية واستطاع أن يؤثر في وسطه الفني. والإبداع لغة هو المحدث الجديد ويقال (فلان بدع في الأمر) أي أول ما فعله، والإبداع والابتداع هو عند الحكماء إيجاد شيء غير مسبوق بمكان وزمان، وإذا كان الإبداع يتمثل في الكشف عن زوايا جديدة لم يلتفت إليها أحد فمن الطبيعي أن تكون حالة الإبداع في الخط العربي حالة غير عفوية بل وتمكن وراءها جملة أسباب منها:
مهارة الخطاط المبدع: قدرة الخطاط على ابتكار نماذج فنية جديدة في الخط العربي أو إضافة مبدعة لتكويناته أو معالجة حديثة ومناسبة كل حالة تعبر عن مهارته وحذقه كما أنه يستشعر نشوة الانتصار بالتغلب على مشكلة واجهته للوصول إلى تآلف محبب بين عناصر لوحته ويتمتع الخطاط المتميز برغبة الميل إلى الاستحداث والابتكار وخاصة في فنه وهذا الميل خلق لديه نظرة فاحصة للأشكال والنماذج التي استحدثتها وأثرى بها الخطوط العربية كما أنها ساعدت بنفس الوقت على بثّ روح التطور والنماء في الخط العربي والقضاء على السأم والملل، فالإثارة والإعجاب ناتجة عن مقدرة الخطاطين المبدعين لسعة إطلاعهم وكفاءتهم للوصول إلى أنماط جمالية فريدة أثارت إعجاب الناس وشدت انتباههم، فالخطاط المبدع ينزع إلى الجديد المبتكر الذي يتحدى الخيال ويثير الإعجاب وكان يجمع بين الحيوان والطير والإنسان في صياغة تشكيلية جذابة، كذلك فإن التدريب المستمر والتركيز الذهني الجيد وحالة الإبداع التي يسعى وراءها الخطاط تطلّب منه تدريباً دقيقاً وتركيزاً ذهنياً جيداً لتنمو لديه ملكة الملاحظة الدقيقة، وإن حيوية الخطوط العربية وميزة التعبير الفني في الحرف العربي جعلته عرضة لمحاولات العاملين في الحقل الفني الهادفة لتقديم أشكال جديدة مبتكرة للخطوط العربية منها المقروءة ومنها المجردة، واستطاع الخطاطون أن يستوعبوا هذه الميزات بفهم ودراية عندما اكتشفوا إمكانية كتابة عبارة واحدة بأشكال مختلفة وكل ذالك ترك باب التجديد والخلود اللذين هما شرطان أساسيان لكل فن مفتوحاً أمام مواكبة روح العصر. والتطور الواسع للخطوط العربية يشير وبدلالة واضحة إلى قدرة الخطاطين لمواكبة روح العصر الذي عاشوا فيه حيث تشير إليه المصادر التاريخية علماً أنّ الخطوط اللينة تولّدت من الخط الكوفي وإن الخطاطين العرب الأوائل ينسب إليهم اختراع هندسة الخطوط وإيجاد أنواع جديدة في الخط العربي كالطومار وخفيف الثلث وثقيل الثلث وغبار الحلية التي اندثر معظمها. كما أن الخطاطين الأتراك أوجدوا الخطوط الهيمايونية (الديواني والجلي الديواني ) واخترعوا كذالك الطغراء والسياقة، كما ينسب إلى الإيرانيين اختراع خط النستعليق، كل هذه التطورات عاشت عصرها وجعلت من الخط العربي أبهى جمالاً وأحلى حلة.

التنافس المشروع: لحالة التنافس الشريف والمشروع أثرها البالغ في تطور أي جانب من جوانب الحياة والتنافس الذي حصل بين الخطاطين أدى إلى إتقان الخطوط العربية وتجويدها واستنباط حالة التجديد منها فكان من جرّاء ذلك أن وُلدت خطوط عربية جديدة واندثرت أخرى، وبرزت في مصر حركة إحياء الخط الكوفي واختراع التاج، ومن ثم الشروع بابتكار أساليب فنية مبسطة لتعليم الخط كما حصل في العراق وانتشار كراريس خطية لتعليم الناشئة وانتشار حركة المعارض الخطية هذه الأسباب وغيرها كانت وراء ظاهرة الابتكار والإبداع في الخط العربي.

يعتبر الخط العربي أول الفنون في المجتمع الإسلامي لالتصاقه الوثيق بالثقافة ولسمو معانيه ودقة مراميه. وكانت رتبة الرسام والمهندس دونه بكثير، وكان الخطاط يكتب أولا ويملأ المساحة التي تناسب الكتابة لأنها هي المقصود الأول، ثم يأتي المزخرف فيرسم حول الكتابة الزخارف المناسبة، إلي أن جاء كمال الدين بـهزاد معاصر الدولة التيمورية والدولة الصفوية فكان يرسم أولاً ويترك محلاً مناسباً ليأتي دور الخطاط، وبهزاد كان خطاطاً بالإضافة إلى كونه أعظم رسام أنجبته تلك البلاد فكان بمقدوره أن يترك المساحة المناسبة للخط. ومن الأدلة على أنّ الخطاط كان أعلى الفنانين في المجتمع الإسلامي؛ أنه هو الفنان الوحيد الذي يوقّع على عمله وكان غيره نادراً ما يوقع، وأنّ المؤرخين اهتموا بحياة الخطاطين أكثر من غيرهم، بل إنّ الملوك كانوا يقرّبون الخطاطين ولا يستغنون عنهم ساعة واحدة، ونُقِلَ عن بعضهم أنهم كانوا يحملون الدواة والخطاط يكتب بحضرتهم، كالشاه عباس الأول الصفوي كان يحمل الدواة للخطاط علي رضا، والسلطان بايزيد الثاني العثماني كان يحمل الدواة للخطاط حمدان الأماسي، وكان بعض الملوك خطاطين كالشاه طهماسب الصفوي والسلطان أحمد والسلطان محمود الثاني والسلطان عبد الحميد والسلطان عبد العزيز من العثمانيين. وكان مرتب رئيس الخطاطين في الدولة العثمانية مرتب وزير، وما يزال الخطاط في إيران يُعتبر في طليعة الفنانين، وكان الملوك يحبون أن يستقطبوا الخطاطين في ممالكهم ويزينوا عرائس عواصمهم.وقد ذكر في التاريخ أنّ الشاه إسماعيل الصفوي حبس الخطاط محمود النيسابوري، والرسام بهزاد في مغارة حين شبت الحرب بينه وبين السلطان سليم الأول العثماني خوفاً من فرارهما إلي الدولة العثمانية. وحين استولى عبيد أزبك خان على هراة أخذ الخطاط الكبير والشاعر الشهير مير علي الهروي إلى بخارى بدون رضاه فأقام في بخارى إلي أن مات سنة 951هـ، وهكذا فعل السلطان سليم حين استولى على تبريز فقد أخذ منها ستين فناناً إلى استانبول ليجمّل بها عاصمة ملكه. حتى وصل الأمر بالخطاط أن يتيه دلالاً أمام الرؤساء بفنه وهو مرفوع الرأس عالي المكانة. وأذكر في ذلك قصة الخطاط سنكلاخ أحد خطاطي مدينة تبريز ومؤلف كتاب ( تذكرة الخطاطين ) كان قد طلب منه محمد علي باشا في مصر أن يكتب له قصيدة البردة لتنقش في جامعه الذي أنشأه في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وحين أرسل سنكلاخ الخط قال لرسوله: إن قام محمد علي باشا لخطي فسلم إياه و إلا فلا، وحين وصل الرسول إليه قام محمد علي باشا ومن معه تعظيماً لخط سنكلاخ فدفع إليه الخط. والذي عُرف أنّ محمد علي باشا أعظم رئيس في العصر الحديث ظهر في البلاد العربية أنجز ما لم ينجزه غيره في السلم والحرب.
الخط العربي هو فن تشكيلي: إن من وصفه وصنفه في قائمة الفنون التطبيقية كان ذلك حين رأى الجمعيات الحرفية للخط العربي فظنه حرفة كباقي الحرف الوضيعة ولم يستيقظ هؤلاء من غفلتهم إلا بعد أن رأوا تقدير الغربيين للخط العربي ولا أدل على ذلك من طلب فرنسا من الحكومة السورية إقامة معرض للخط العربي في صالة العرض الكبرى في باريس عام 1976. وقد رأى الجميع كيف كان إعجاب ودهشة الزوار باللوحات المعروضة وكيف ينظرون إليها بعيون مسحورة لجمال تلك اللوحات، وقد طلبتْ أربع دول أوروبية إقامة ذلك المعرض في بلادها. ذلك أنهم وجدوا في الخط العربي ما توصلوا إليه أخيراً من أنّ الفن كل الفن يكمن في الفن التشكيلي التجريدي وأنّ الفن التطبيقي الواقعي مبتذل، وما يرسمه الفنان منه في سنة تصوِّره المصوِّرة في لحظة.

وإذا أردنا أن نعرف حقيقة الخط العربي وعظمته في أعين الغربيين فلنستمع إلي بيكاسو زعيم الرسم الحديث إذ يقول: ‘إن أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد.’

فالفن التشكيلي إذن هو الفن الذي تحقََّق به أشكال جديدة علي يد الفنان التشكيلي فهو يبتكر ويبدع وينوّع في الأشكال ويحلّق في هذا التنويع دون محاكاة لأعمال الآخرين أو تقليد، ودون تقيّد بطريقة معينة أو قواعد مدونة وهذا يحتاج إلي خيال واسع ومراعاة لمقتضى الحال وتكيّف مع الحاجة المطلوب سدّها. ومن الفنون التشكيلية الرسم والنحت وكل عمل فيه تصميم وابتكار.أما الفن التطبيقي فهو الفن الذي يتقيّد فيه الفنان بتقليد عمل معين من أعمال غيره حتى يكون صورة مطابقة للأصل حتى كأنه قد طبّق صورة علي صورة ونقل منها. وهذا يحتاج إلي دقة في الملاحظة وقوة في اليد وإتقان في الأداء والتنفيذ. والفنان فيه تابع لأصله الذي ينقل منه دون أن ينصبَّ خياله في الجري وراء الجديد أو في انتقاء الأفضل من عدة خيارات، ومن الفنون التطبيقية التصوير والزنكوغراف والطباعة وكل عمل فيه محاكاة وتقليد.وتجدر الإشارة إلي أن العمل الفني يكون تشكيليا إذا كان بكراً لم يسبق إليه فإذا أُعيد مرّة ثانية بجملته وتفصيله كان عملاً تطبيقياً.

فالخط العربي هو فن تشكيلي إذ لا بد فيه من توزيع كثافة الخطوط توزيعاً عادلاً، ولا بدّ فيه من اختيار الشكل الأنسب إذا كان هناك أمامه خيارات عدة. ولا نسلّم أنَّ الحرف في الكتابة لا يتبدل ولا يتغير بل إنّ الحرف الواحد تختلف أبعاده حسب موقعه من الكلمة وحسب موقعه من الشكل العام، فالحاء الأولية في خط الثلث مثلاً إذا جاء بعدها امتداد طالت إلي ست نقاط، والنون المفردة أو الأخيرة تكون أكثر من خمس نقاط إذا كان في جوفها حرف كالواو أو غيره، فإن كان جوفها فارغاً كانت بمقدار خمس نقاط فحسب. والخطاط قد يغير في شكل الحرف تغييراً يسيراً في بعض المواطن للحاجة وهو ما يسمّى في عرف الخطاطين بالتصرف. وقد يحتاج إلي تسمين الحرف تسميناً زائداً على ما تقتضيه قواعد الخط المتبعة إذا كانت الكتابة كبيرة وفي موضع بعيد عن الناظر وهو ما يسمّى بالخط الجلي، فإن كانت الكتابة صغيرة وقريبة من العين كانت نحافتها عادية على حسب القاعدة وهذا ما يسمى بالخط الخفي. وقد يعمد الخطاط إلي صبّ الكتابة في إطارٍ عام كالدائرة والمثلث والمربع والمستطيل والشكل البيضي أو الملّوز. وقد يخترع أشكالاً أخري لا حدَّ لها ولا حصر. وقد يحتاج إلي أن يركّب الحروف في طبقات متداخلة ثلاثة أو أكثر، وقد يفضّل التماثل والتناظر في بعض الحروف إن ساعده النص كالألفات واللامات والجيمات والحاءات والخاءات المفردة أو الأخيرة وكالميمات القائمة أو المائلة وكالكافات المنبسطة أو القائمة وغير ذلك مما ليس له حصر. فيقع الحرف في جهة اليسار نظير الحرف في جهة اليمين مما يكّون شكلاً عاماً رائعاً يأخذ بالألباب وينتزع الإعجاب. والأشكال والأوضاع للجملة الواحدة كثيرةٌٌٌٌ جداً لا تكاد تنتهي. وبذلك يمكن تركيب البسملة من مئات الأشكال. ولو طُلب من عدة خطاطين كتابة عبارة واحدة لكتبوها بأشكال مختلفة. ويندر جداً أن تتفق الخواطر على شكلٍ واحدٍ مما يدلُّ دلالةً قاطعةً على أنّ مجال الإبداع مفتوحٌ في الحروف ومفتوحٌ أكثر في الشكل العام الذي يتألف من الحرف. ولا يغيب عن البال أن الأبنية في البلد تختلف في الشكل والمساحة وإن كانت كلها مبنية من لَبِِن كله بمقاس واحد، فلا غرابة أن يختلف الشكل العام وإن كانت الحروف واحدة الشكل والنص واحد. فإن زاد التصرف والتغيير في الحروف حتى نكوِّن منها خطاً جديداً كان هذا الخط من الفن التشكيلي بغير نزاع.

وقد مالت كثيرٌ من نقابات الفنون الجميلة في البلاد العربية إلي اعتباره واحداً من الفنون التشكيلية الرفيعة.

وعلى الرغم من أن الخط العربي فن تشكيلي فإن هذا لا يمنع أن تكون هناك قواعد عامة للتشكيل في الخط كمراعاة أن تكون الكثافة في جميع النص واحدة وجعل الحروف الطويلة مثل الألف واللام والجيم المفردة ونحوها في الأسفل والحروف القصيرة مثل السين والدال والباء والفاء في الأعلى فتكون الطويلة حاضنة للقصيرة. ولا بدَّ من مراعاة ترتيب الحروف في النص بقدر الإمكان لاسيَّما إن كانت العبارة غير مشهورة بين الناس، ويستحسن مراعاة التناظر إن ساعدت الحروف في النص المراد كتابته، ومن القواعد كذلك أن تكون الكثافة في الأسفل أكثر منها في الأعلى قليلاً لأن الأسافل حوامل للأعالي كما في المباني يراعى فيها أن يكون أسفل البناء أقوى من أعلاه لأنه الحامل له. إلى اعتبارات كثيرة تكون في ذهن الخطاط بحسب ما يستدعيه المقام ولكل مقام مقال.

وينبغي أن يعلم أنَّ قواعد التشكيل غير القواعد التي وضعها الخطاطون لكتابة الحروف وهي أيضاً قواعد مرنة في بعض الأحيان للمتمكن في الخط أن يتصرف فيها بما يناسب المقصود ولا يُخلُُّ بالجمال.

الخصائص الجمالية لهذا الفن: إنّ تنوّع الخطوط العربية وتعدّد أشكالها منحها خصائص جمالية قلّما نشاهدها في خطوط الأمم الأخرى. فالخط العربي يعتبر أرقى وأجمل خطوط العالم البشري على وجه البسيطة فإنّ له من حسن شكله وجمال هندسته وبديع نسقه ما جعله محبوباً حتى لدى الأجانب الغربيين.

إن البدايات الأولى للاهتمام بالخط العربي كان مبعثها المعرفة والتعلم ثم بعد ذلك وُضعت له القوانين والأسس الموضوعية والعلمية واختُرعت له الطرق والأساليب الابتكارية التي أضافت جمالية جديدة إليه

وللتعرف على الأساسيات التي تدخل في صميم هذه الجمالية وخاصة تلك التي هي من طبيعة الخطوط العربية أو ناتجة عن عقلية الخطاط المسلم والعربي أو نابعة من وجدان وروح البيئة التي عاشها، ومعرفة هذه الأساسيات توضح لنا الجوانب الجمالية في هذا الفن وأهمها:
مفردات وأشكال الخطوط العربية

المرونة والمطاوعة

المقياس والنسب

الامتزاج الفني والروح في الخط

قابلية الخطوط العربية على التشكيل

التوثيق والتدوين

كما أن هناك جمالاً معنوياً مضافاً يدركه المرء ببصيرته قبل البصر وهذا الجمال المعنوي هو فوق القواعد الخطية وهو أيضاً غير تناسب الحروف والكلمات، تلك هي روح الجمال أو بعبارة أخرى عبقرية الجمال ولا يدرك هذا الجمال المعنوي ولا يفهم جاذبيته إلا من علا حسّه المعنوي وذوقه الفني. لقد أدرك الفنان المسلم ما للجمال من وقع في النفوس فسخّر أقلامه لتزيين الآيات الكريمة فأطرب العيون بروعة إبداعاته التي استلّها من جمال روحه ورقة عاطفته.

لكلّ عصرٍ خطاطيه المبدعين حيث تحمل الأنباء تجويدهم وامتيازهم على مدى الأيام ولكل عصر متقدم ميزة التجويد عن العصور التي سبقته وظهور مجاميع مميزة من الخطاطين لم تكن سهلة ميسورة بل جاءت بعد أن قضى هؤلاء شبابهم في الدأب والتحصيل والعناية بتجويد الحرف العربي وتهذيبه والتفنن بوصفه وتركيبه، عاشوا بسطاء مغمورين لذا كان من الأجدر الإشارة إلى قدراتهم الفنية العالية والتي تُنبىء عن مقدار ما بذلوه من جهود مضنية تجاه هذا الفن، وهؤلاء الخطاطون الذين نتناولهم بالبحث والدراسة ينتمون إلى أزمان وأماكن مختلفة ومدارس متنوعة لكنهم ينتظمون كاللآليء في سلك واحد هو الإبداع ويجمعهم جيد واحد هو ما أجادت أناملهم من روائع خطية سواء أكان على صعيد الابتكار في أساسيات الخط وأشكاله الجيدة أو على مستوى الإضافة النادرة الذكية في التكوين والإخراج فاقترنت بذلك أسماؤهم بأعمالهم تميزاً فيما عن غيرهم.

لقد كان للمبدعين من الخطاطين في العصرين الأموي والعباسي اليد الطولى في ظهور الناحية الفنية والتي أخذت مساراً تصاعدياً في أزمان لاحقة.
ومن أبرز الخطاطين المبدعين في العصرين الأموي والعباسي هم:

خالد بن أبي الهياج:
اشتهر هذا الخطاط بكثرة كتابته للمصاحف والتجويد بها بحيث أصبحت مؤشراً بارزاً في حياته الفنية.

قطبة المحرر:

لمع نجم هذا الخطاط في العصر الأموي, ويكاد أن يكون نموذجاً فريداً عند أهل الخط في زمانه, ينسب إليه الخروج من الشكل الكوفي إلى ما يقارب الشكل الذي هو عليه الآن, وكان المذكور أكتب أهل زمانه, وهو الذي اخترع القلم الطومار والقلم الجليل وهو ما نسميه الآن بالخط الجلي { الواضح}ْ

لقد فتح قطبة بعلمه هذا باب الاستنباط والاختراع فأخذ كل كاتب يستخدم مواهبه الفنية في إيجاد قاعدة جديدة في الخط حتى كثرت أشكال الكتابة وتنوعت الخطوط أصولاً وفروعاً.

ميزة إبداعه الفني: يبرز الإبداع الفني لدى الخطاط قطبة في قدرته على اختراع وابتكار قلمي الطومار والجليل

الضحاك بن عجلان وإسحاق بن حماد:

اشتهر هذان الخطاطان في جودة خطيهما, وهما من أهل الشام}الأول عاش في خلافة السفاح, وعاش الثاني في خلافة المنصور حتى أدرك المهدي{.

ميزة إبداعهما الفني: يمتاز هذان الخطاطان بأنهما يخطان الجليل، فزاد الضحاك وزاد غيره وبلغ عدد الأقلام إلى أوائل الدولة العباسية اثني عشر قلماً، كما أنهما استطاعا أن يتعرفا وبصورة تفصيلية على ما يحمله ابتكار قطبة في الخط العربي من نواحي الإبداع الفني ويكشفا عن هذا الإبداع، وقد برزوا على من سبقهم من الخطاطين.

إبراهيم الشجري:

أخذ عن اسحق بن حمادة قلمه الجليل وهو أكبر الأقلام الذي كان يكتب بها واخترع منه خط الثلث وخط الثلثين.

أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة:
خطاط بارز من خطاطي العصر العباسي. ولد في بغداد سنة 272 للهجرة, فهو الذي ابتكر القوانين والقواعد لكل حرف من حروف الخط العربي. وتتجلى ميزة إبداعه الفني في أنه أول من أطلق على قلم النسخ اسم البديع وأجاد خطاً عُرف بالدرج وكتب المصحف مرتين.

علي بن هلال البغدادي :
أخذ الخط في حداثة زمانه من محمد بن أسد ومن محمد بن السمسماني , من خطاطي العصر العباسي , بلغ الذروة في الإبداع والتطوير , وقد ملأ الدنيا بإبداعه وقوة قلمه كما امتاز خطه بالتنسيق وجمال التركيب.

كما كانت لديه مواهب متعددة إلى جانب الخط كالتهذيب والتصفيح بنفس الوقت, ينسب إليه الخط المعروف بالمحقَّق.

ياقوت المستعصم:

ويلقّب بأبي الدر جمال الدين ياقوت المستعصم، اشتراه الخليفة العباسي المعتصم بالله، نشأ في دار الخلافة و بلغ مرحلة عالية فقصده الناس من كل حدب وصوب، أخذ عنه الكثيرون منهم نجم الدين البغدادي، شقّ هذا الخطاط طوراً جديداً في قاعدة سلفه ابن البواب، وكتب المصاحف والدواوين والأحاديث، توفي في بغداد سنة 698للهجرة بعد أن عمّ خطه في الآفاق.

هذه اللمحات عن حياة أبرز الخطاطين في العصرين الأموي والعباسي توضح حالة الإبتكار لديهم وبنفس الوقت تفتح الطريق للكشف عن إبداعات خطاطين آخرين تم الكشف عنهم والإشارة إليهم وهم من أزمان مختلفة وأماكن متعددة انفردوا بابتكارات نادرة ميّزت أساليبهم عن بعضهم وكان تأثيرهم واضحاً في الحياة الفنية التي تواجدوا فيها مع قدراتهم العالية في ضبط الحروف والوعي بأشكاله المبتكرة.

لقد كان من احتفاء الأتراك وتقديرهم للفنون أعظم مشجع للأساتذة الخطاطين على بذل همهم ومواصلة جهدهم لخدمة الخط والتفنن فيه وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ أول انتقال للخط من العرب إلى الأتراك كان عن طريق الخطاط الشيخ حمد الله الاماسي، وقد تخرج على يد هذا الخطاط جيل من الخطاطين المبدعين الذين وصلوا هم وتلامذتهم ذروة الإبداع في مجال الخط العربي وبرز منهم خطاطون كبار ذاع صيتهم في العالم الإسلامي، لقد ابتكر هؤلاء الخطاطون أشكالاً وأنماطاً جديدة تنبض بالجمال والإبداع واستطاعوا أن يخترعوا خطوطاً لم تكن معروفةً سابقاً، وكانت تلك الإبداعات من أمهات أفكارهم وعبقرياتهم، ولم تنطفىء شعلة الخط العربي في الأتراك إلا عند استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني سنة 1347 للهجرة ورغماً عن ذلك فلا يزال للخط العربي مكانته ولايزال يتخرج من بينهم خطاطون مبدعون، وبهذا يكون الخط العربي قد عاش بين الأتراك أكثر من خمسة قرون؛
وعلى الرغم من كل ما حدث لهذا الفن فلا بد من الإشارة إلى أولائك الخطاطين المبدعين الذين لازالت آثارهم خالدة على مرّ التاريخ وشاهداً على عظمة إبداعهم واقتصرنا بالدراسة على أبرز الخطاطين المبدعين من الأتراك ويأتي في المقدمة منهم:
حمد الله الأماسي- أحمد قره حصاري- مصطفى راقم- محمد شفيق بك – سامي محمد عبد العزيز- أحمد كامل- عبد القادر أحمد – عارف حكمت – مصطفى حليم- ماجد الزهدي- حامد الآمدي.

أنواع الخط العربي:

بحلول القرن الثامن الهجري أخذ الخط العربي يستقر على أشكال خاصة، وهي الخطوط التي تعرف اليوم، وأهم هذه الأنواع هي :
الثلث
النسخ
والكوفي بأنواعه المتعددة
والديواني
والديواني الجلي
والتعليق
والنستعليق
والرقعة
والتوقيع ( الإجازة )
وخط المحقًّق
والطغراء
وخط التاج.

خط الثلث:

من الخطوط العربية الأساسية المهمة، وهو يعتبر من الخطوط اللينة، جميل وصعب، يتمتع بقابلية كبيرة على التكوين والتشكيل يستعمله الخطاطون في الكتابات التي تزيّن جدران المساجد وواجهاتها ومحاريبها، رافقه التطوير والتحسين لفترة طويلة وعلى أيدي أساتذة بارزين منهم الخطاط ابن مقلة ( سنة 328هـ ) ومن بعده الخطاط المشهور علي بن هلال المعروف( بابن البواب ) ( سنة 618هـ ) وقد بلغ به الخطاطون المسلمون درجة عالية من الإجادة والضبط حتى استقرّ على شكله المعروف حالياً وتعتبر قوانين هذا الخط وإتقانها من أصعب القوانين، وتحتاج إلى وقت طويل كي يتقنها الخطاط، حتى اعتبر من لا يتقن هذا الخط بأنه ليس بخطاط ؛ من باب أنه إذا أتقن هذا الخط على صعوبته سَهل عليه إتقان ما هو دونه.
وقد اشتهر بإتقان هذا الخط كثيرون، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ـ الخطاط حامد الآمدي ـ الخطاط سامي ـ الخطاط أحمد الكامل ـ الخطاط رسا ـ الخطاط شوقي ـ الخطاط مصطفى راقم ـ عبد الله ألزهدي ـ الخطاط هاشم البغدادي ـ الخطاط التشكيلي خليل الزهاوي ـ الخطاط يوسف ذنون ـ الخطاط رضوان بهيه ـ الخطاط عباس البغدادي ـ الخطاط محمد حسني ـ الخطاط محمد مؤنس ـ الخطاط عبد العزيز الرفاعي ـ الخطاط سيد إبراهيم .

الخط الكوفي:

هو من أقدم الخطوط إطلاقاً، وبلغ أعلى منزلة في العصر العباسي، وأُدخلت عليه تحسينات في الرسم والشكل، ويُستخدم في الكتابات التي تحتاج إلى مساحات كبيرة مثل المساجد، ومن الخطاطين القدامى الذين اشتهروا به هم: مالك بن دينار وبديع الزمان الهمذاني، ومن النساء أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وشهدة بنت الإبرى وأم السلطان عبد المجيد خان.وممن اشتهر به حديثاً : الخطاطين ( يوسف أحمد ، ومحمد عبد القادر ، ومحمد خليل وحسن برعي ، وحسن قاسم حبش … ) ونظراً لأن الخط الكوفي كُتب به عدة قرون منذ القرن الأول، فقد لاقى اهتماماً واسعاً لدى الخطاطين .
ولهذا الخط أنواع كثيرة أهمها :
1ـ كوفي المصاحف البسيط ـ الكوفي الفاطمي ـ الموصلي ـ الإيراني
2ـ الكوفي المورق ـ المخمَّل ـ المضفر .
3ـ الكوفي الزخرفي ـ ذو النهايات العلوية المزخرفة ـ ذو الإطارات الزخرفية .
4ـ الكوفي الهندسي الأشكال ـ المعماري
5ـ الكوفي المربع .

الخط الديواني :

كان الخط الديواني وجلي الديواني والطغراء تسمّى بمجموعة الخط الهمايوني أي الخطوط المقدسة ، ويرجع ذلك لأنها كانت سرّاً من أسرار القصور السلطانية ، لا يعرفها إلا كاتبوها ، وكانت تُستعمل في كتابة التعيينات والأوسمة والنياشين والمناصب الرفيعة والأوامر الملكية والتوقيعات . ثم بعد ذلك سمّي ذلك الخط بالخط الديواني لاستعماله في الدواوين الرسمية الحكومية ، وأول من وضع قواعده هو إبراهيم منيف التركي .ثم جاء الخطاط المصري ( مصطفى غزلان ) المتوفى سنة ( 1356هـ ) فجوّده وزاده جمالاً وحسنا ورونقاً ، حتى أنّ الخط الديواني سمّي باسمه بالخط الغزلاني نسبةً إليه و وضع كرّاسةً تعليميةً فيه .
وممن اشتهر بالخط الديواني من المصريين حالياً الخطاط محمد عبد القادر- والحاج زايد- والخطاط محمد عبد العال.

الخط الديواني الجلي:

الخط الديواني الجلي هو من فروع الخط الديواني الذي يحمل خصائصه ومميزاته. وهو الخط الذي عُرف في نهاية القرن العاشر الهجري وأوائل القرن الحادي عشر . ابتدعه ‘شهلا باشا’ ، وقد روّج له أرباب الخط في أنحاء البلاد العثمانية وأولوه العناية بكتابته في المناسبات الجليلة الرسميّة .
وهو يمتاز على أصله الذي تفرّع منه ببعض حركاتٍ إعرابيةٍ ونقطٍ مدوّرةٍ زُخرفيّة رغم أنّ حروفه المفردة بقيت مشابهة أصلها الديواني كما تبدو للناظر لأول وهلة. وقد ضُبطت بقواعد ميزان النقط على غرار حروف الخط الثلث.وممن اشتهر بتجويد هذا القلم في مصرغزلان .
والخط الديواني الجلي يكتب بين خطين متوازيين، العرض بينهما هو طول الألف ، ثم تحشى الكتابة بين الخطين ـ ويكتب بقلمين الأول عريض والثاني ربع عرض الأول ـ ، وتُملاً الفراغات بين الحروف بالتشكيل ونقط مدورة وزخارف عديدة ، وهو خط نادر ما يكتب به الخطاطون ، ولذا فلوحاته قليلة وليست بكثرة اللوحات الأخرى ..

خط الطغراء:

هي شبيهة بأن تكون شارةً أو ختماً أو توقيعاً للملك أو السلطان أو الحاكم .
وهو رسم خاص يدخل فيه الكتابة ، ويتمثل في إدخال الكتابة في الرسم بشيء من التصرف في شكل الخط والخروج على قواعده أحياناً ـ ولا يكتب به إلا نادراً إذ أصبح خطاً مندثراً .
و للطغراء قصة طريفة تفسر نشأتها ؛ تتلخص في أنه :
عندما توترت العلاقات بين تيمورلنك وبايزيد العثماني أرسل تيمورلنك للسلطان بايزيد إنذاراً لم يمهره بتوقيعه لأنه كان يجهل الكتابة ، بل بصمه بكفه بعد تحبيره بالمداد ،
ومنذ ذلك الحين بدأنا نرى توقيع الطغراء شائعاً عند سلاطين آل عثمان
وكان أول من استخدم توقيع الطغراء السلطان سليمان بن بايزيد في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي ـ والمفهوم الآن أن الطغراء العثمانية

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *