بحث عن الطفولة و معوقات الإبداع وورد doc

الإبداع هو تجدّد الحياة ، وهو فعلٌ اجتماعي له شروطه وليس مجرّد هبة فردية .إنه جزْءٌ من صناعة الوجود .” شوقي جلال
جديرٌ بالذكر أن تطوير القدرات الإبداعية لدى الطفل لا ينفصل عن العملية الشاملة للتنشئة الثقافية والتنشئة الاجتماعية على جميع المستويات في المجتمع الواحد .ولمّا كانت
السنوات الأولى من عمر الإنسان تشكّل قاعدة أساسية في تنشئة الطفل وتربيته وتوجيهه وتهذيبه وإبراز القدرات الكامنة عنده ومنها ملكة الإبداع ، فإن أغلب المجتمعات تٌولي العناية لتطوير القدرات الإبداعية في الطفولة ، وحتّى قبل مرحلة التمدرس .
نعم .. الطفل شخص مبدعٌ
الطفل يتمتع بصفات إبداعية ، لأنه يتمتع بذكاء قائم على الدهشة والتعجّب والشغف بالمعارف الجديدة ، وبمغامرات استكشاف المجهول كأساس لتنمية النزوع إلى البحث وكشف المحيط الطبيعي والاجتماعي الذي يحيا فيه ، وذلك من خلال روح اللعب المسيطِرة على حركاته وأنشطته .وتُعدّ هذه الصفات جوهر اكتساب المعرفة ، وتنمية الإثارة والدهشة والتفكير الإبداعي الابتكاري .كما أن الطفل شخصٌ خيالي إلى أبعد مدى ، يمارس أنشطته الخيالية بدون حدود ، ويتعجّب ممّا يراه البالغون عاديا ومألوفا ، كما أنه يمارس أنشطته التعبيرية بطلاقة وتنوّع ويتمتع بالمرونة في أنشطته الحرّة ، خاصة إذا لم تكن موانع ممّن يتولّى أمر تربيته ..حرّية تتجلّى بوضوح مع الأقران وبينهم .(1)
إبداعات طفولية …متميّزة
المتخصّصون في التربية وعلم النفس يضعون معايير يمكن من خلالها تحديد الأعمال والمنتجات الإبداعية للطفل في : الجدّة والأصالة والتميّز . وينبغي ألاّ ننظر إلى الإبداع في فنون الطفل من المنظار العلمي المطلق كنظرتنا إلى أعمال الراشدين وإبداعاتهم ، وإنما يُحدّد ذلك من خلال المقارنة والتميّز على الأقران في نفس العمر. ومن الأمانة العلمية أن يكون المقيِّم لإبداع الطفل مدركا لمراحل النموّ الفنّي لدى الأطفال حتى يمكنه تحديد مستوى هذه الأعمال الإبداعية وما إذا كانت تتماشى مع مستواه العمري أو أعْلى أو أدْنى ..فالطفل خيالي في رسومه ولا يلتزم بالواقع.ونحن آثرْنا أن يكون حديثنا عن الإبداع في الرسم أولا ، لكونه النشاط الأساسي والأول المُمارس من الطفل في سنّ مبكرة قبل تمدرسه وقبل معرفته للحروف
ذلك أن رسوم الأطفال أحد أشكال بناء النفس في المجال المعرفي والعقلي والمزاجي والوجداني ، فهي ليست مجرّد تخطيطات عديمة المعنى ، بل تعني الكثير للطفل أو لمَــنْ يهتمّ به ، فهو يستنطق من خلال رسومه كل ما يعتريه من آمال ومخاوف وأفكار ومفاهيم ..ولذا لا يكون اهتمامنا منصبّا على النواحي الجمالية ، وإنما يتّسع ليكشف الصلة بين خصائص النموّ الفني ونواحي النموّ الأخرى (2)
لئن كان المبدع الراشد حين يبدع يحسّ بحالة ( ألنحن ) تلحّ عليه .فهو وإنْ تكلّم بضمير (الأنا) لكن أناه هذه لا حدود تفصلها عن سائر الأنوات الأخرى في محيطه الاجتماعي .(3) فإن الطفل حين يبدع لا يحسّ بحالة ـ ألنحن ـ إطلاقا .أناه حدودها تنتهي عنده وحده ، ليس في حاجة إلى غيره .
ما سبق ذكره يقودنا إلى أن تكون الأسرة أو المعلم والمعلمة على معرفة وإدراك بأهمية الإبداع وطرق بروزه ومجالاته وتطوّره تبعا لتقدّم الطفل العمري والتحصيل ، فيكون المعلم وتكون المعلمة داعما وداعمة للاتجاهات الإيجابية التي تعين على فِــعْل الإبداع لدى الطفل .ومن المعروف لدى المتخصصين أن القدرات الإبداعية تتواجد لدى كل الأفراد ولكن بدرجات متفاوتة تتّسع أو تضيق وفق استعداداتهم الطبيعية من جهة ، والمحيط الإنساني والطبيعي المتواجدين فيه ونظرته لتلكم القدرات الإبداعية من جهة أخرى .بقدْر ما هو مهمٌّ تواجد هذه القدرات الإبداعية ؛ فما هو أهمّ تشجيع ممارستها عن وعْيٍ .بالرغم من أن الإبداع استعدادٌ ،هناك عوامل أخرى يتوقّف عليها أن يكون الفرد مبدعا أو غير مبدع مثل دوافع هذا الفرد واتجاهاته ، وفرص تنمية هذه الطاقات الإبداعية في البيئة المحيطة ؛ فالقدرات الإبداعية هي عبارةٌ عن مجموعة مهارات قابلة للنموّ والتحسّن عن طريق التكوين والتدريب .
وقد أثبتت الدراسات العلمية والخبرات المكتسبة والمعايشات الميدانية في العديد من البلدان بما في ذلك بلدنا ، وما لمسناه في العديد من المؤسسات التعليمية ولدى العديد من العائلات أن الوالديْن والمعلمين والمعلمات الذين يؤمنون بإبداعية أطفالهم يصبح أبناؤهم أكثر نشاطا ويقظة وطموحا ومغامرة ، وأعْلى قدرة على الإبداع ؛ فالأطفال يؤدون أدوارا إبداعية رائعة نندهش لها إذا ما هيّأنا لهم تفاعلا نشطا ومتجدّدا أثناء اكتسابهم المعارف والخبرات والأنشطة من مصادر المحيط القريب والبعيد .ويتوقّف هذا الدور الإبداعي على كيفية تدريبهم والشروط والإمكانات المسخّرة لاكتساب المعرفة وتنظيمها ، وطرق تفاعلهم مع المثيرات المختلفة التي يتفاعلون معها .

نظرتنا إلى الطفـــــــــولة

يُنظرُ إلى الطفل في المجتمع السليم كطاقة تنبض بالحيوية والنشاط والثقة ..هو متعة الحاضر وطُمأنينة النفس وأمل المستقبل الباسم .والطفل الذي يحصل على تربية متكاملة بالتأكيد تتظافر في شخصيته ، الصحة الفسيولوجية ، والنفسية ، و الذهنية , والروحية ؛ ولمّا كانت الأسرة والأبوان خاصة هما مدخل الإنسان إلى المجتمع ، فإنهما يصوغان البنية الأساس لشخصية إنسان المستقبل ، ولنمط علاقاته بالآخرين .فالأب المتسامح إلى حدٍّ مــا وتسامحه هذا يستند إلى وعْيٍ وفهم يعوّد طفله على الجرْأة والبحث والاستزادة من الخبرات والمعارف ، وينمّي لديه الاعتماد على الذات .وشخصية الأم الواعية ..الأم المتعلّمة ..الأم المثقفة ..الخبيرة بشؤون الحياة تغرس في نفسية طفلها حبّ الله وحبّ الناس وحبّ الحياة والتوغّل في مسالكها ..ممّــا ينمّي لديه حبّ البحث ويُشْبع لديه الفضول ، فتنشط عنده روح المبادرة والتطلّع إلى إثبات الذات من خلال الإبداع .
واقعنا الآن وحتى ونحن في القرن الحادي والعشرين يكذّب ادّعاءاتنا التي نرفعها ونحاول أن نقنع بها أنفسنا ، بأن أبناءنا حالهم أحسن من حالنا لمّا كنّا في عمرهم ..فعلا الظروف المعيشية تحسّنت ومستلزمات الحياة العصرية توفّرت .الوعي الفردي والاجتماعي ارتفع ..المستوى الفكري للفرد تحسّن بفضل التعليم وتيسّر طرق كسْب المعرفة وتنوّعها .لكن بكل أسف أغلبنا يتعامل مع أبنائه وأفراد أسرته نفس معاملة جدّه لجدّته وأبيه لأمه . روح السيطرة والقهر سائدتان في أغلب بيوتاتنا ..كل تحركات أبنائنا هي فوضى لا نطيقها ، كلّ سعي نحو التفتح واكتشاف المحيط مضيعة للوقت ..كلّ طفرة في وضْعٍ كهذا قد تبرز لدى أحد الأطفال تُخنق في المهد لا نلتفت إليها ، بل نحتقرها ونعيّر صاحبها لكونه يتلهّى بما لا فائدة فيه .يحدث هذا في أسرنا وفي مؤسساتنا التعليمية ..أطفالنا اغلبهم في نظر الأساتذة والمعلمين متمرّدون ، عُصّــــاة ، فوضويون ، يكرهون المعرفة هم في حاجة إلى الترويض عن طريق العقاب البدني ، أكثر ما هم في حاجة إلى التهذيب والتعلم والتعليم والتثقّف والتثقيف .

هل للإبـــــــــــــــــــداع بدايــة ؟

إن عملية تنمية الإبداع تبدأ من ما قبل المدرسة ، أي مرحلة ما قبل التمدرس في المنزل من خلال الرعاية الأولية للطفل تحت أنظار والديْه بإحاطته بمثيرات تعمل على تنمية إدراكه الحسّي والعقلي بتوظيف واستغلال ما بالبيئة المحيطة به طبيعيا واجتماعيا وما تزخر به من وسائل وإمكانات خام وغير خام ، وبعض الألعاب الإدراكية ، والتفاعل مع الآخرين .
الطفل في الأسرة يُــدرّبُ على تنظيم بعض الوظائف الحيوية في جوٍّ انفعالي حميمي فيه حبٌّ وتقبّلٌ ممّــا يزرع الثقة في نفسه ويدفعه أكثر إلى الاكتشاف وإشباع فضوله .إن الأسرة لها دورٌ كبيرٌ وفعّالٌ في تشكيل عادات ومهارات تدفع إلى التفتّح والانفتاح ..لنربطْ هذا القول بواقع أطفالنا في أسرنا وفي مؤسساتنا التربوية والتكوينية عامة وليس المدرسة فحسب ..إنه واقعٌ مــرٌّ .نريد من أبنائنا أن يكونوا موهوبين ، متفوّقين ، متحصّلين على أعلى الدرجات ، لا شغفا بالعلم ولا حبّا في المعرفة ولكن من أجل التفاخر بهم أمام المعارف والجيران وزوّارنا ، دون أن نساهم كأولياء في توفير الشروط المعنوية والمادية لهم لكي ينموا على الأقل نموا طبيعيا وعاديا .أغلب الأسر لا تعرف عن كُنه الطفولة شيئا وتجهل مراحلها وخصائص هذه المرحلة عن تلك وحاجيات الطفل ونوعيتها في كل مرحلة ، وتنتظر هذه الأكثرية بفارغ الصبر موعد تمدرس طفلها حتى تتخلص من صخبه وحركاته التي لا تتوقّف ، كي تتولاّه مؤسسة أخرى ليُحشر مع غيره في حجرة تضم ما بين الخمسين والأربعين طفلا .
قبل أن نشخّص معوّقات الإبداع لدى أطفالنا حريٌّ بنا أن نقف قليلا عند مفهوم الإبداع ودواعيه وشروطه .

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *