بحث عن الطيور جاهز doc‎

الطيور

الطَّائِرُ أو الطَّيْرُ، وتُجمع على طُيُورٌ أو أَطيَارٌ، هي مجموعةٌ من الفقاريَّات داخليَّة الحرارة، تتميَّز عن غيرها من الكائنات المُعاصرة باكتسائها بِالريش، وامتلاكها منقارًا عديم الأسنان، وبِوضعها بُيوضاً ذات قشرة خارجيَّة سميكة، وتمتُعها بِقلبٍ رُباعيّ الحُجُرات، وهيكلٍ عظميٍّ خفيف البُنية ومتينٍ في آنٍ واحد. تنتشرُ الطُيُور في جميع أنحاء العالم وتقطنُ جميع الموائل الطبيعيَّة، وتتفاوت في أحجامها تفاوتًا كبيرًا، فأصغر الأنواع حجمًا على الإطلاق هو طنَّان النحلة البالغ في حجمه 5 سنتيمترات (إنشان)، وأعظمها قدًا هي النعامة التي يصل حجمها إلى 2.75 متر (9 أقدام). تتربع الطُيُور على عرش طائفة رُباعيَّات الأطراف بوصفها أكثر مجموعات هذه الطائفة عددًا من حيثُ الأنواع الباقية، التي يُقدِّر عددُها بحوالي عشرة آلاف نوعٍ تقريبًا، أكثر من نصفها ينتمي إلى رُتبة الجواثم أو العُصفُوريَّات، الشهيرة أيضًا باسمٍ غير دقيق هو «الطُيُور الغرِّيدة».

يُشيرُ السجل الأُحفُوري وأبحاث الهندسة الوراثيَّة المُتطوِّرة المُعاصرة حول «التطُّور العكسي»،[5] أنَّ الطُيُور هي آخر الديناصورات الباقية، وتحديدًا هي آخر الديناصورات الطيريَّة، نظرًا لِكونها تطوَّرت – وفق رأي العُلماء – من ديناصوراتٍ مُريَّشة تنتمي لِمجموعة الثيروپودات سحليَّة الورك. ظهرت الطُيُور الحقيقيَّة الأولى خِلال العصر الطباشيري مُنذُ حوالي 100 مليون سنة.[6] تُشيرُ الأدلَّة المُستندة على دراسات الحمض النووي أنَّ الطُيُور تنوَّعت وخرج منها أشكالٌ وأنواعٌ كثيرة قُرابة حدث انقراض العصر الطباشيري-الثُلاثي الذي قضى على جميع الديناصورات الأُخرى، مُنذ حوالي 65 مليون سنة. وتُشيرُ تلك الأدلَّة أنَّ الطُيُور في أمريكا الجنوبيَّة تفادت حدث الانقراض سالِف الذِكر بِطريقةٍ ما، ثُمَّ هاجرت إلى سائر أنحاء العالم عبر جُسورٍ أرضيَّة مُختلفة وصلت بين قارَّةٍ وأُخرى خِلال إحدى المراحل الجُيولوجيَّة من تاريخ الأرض، وإنها تنوَّعت وتفرَّعت إلى فصائل مُختلفة خِلال فترات البُرودة العالميَّة التي ضربت الأرض خِلال أدوارٍ مُختلفة.[7] اكتشف العُلماء أنَّ الديناصورات شبيهة الطُيُور البدائيَّة، والتي لا تُصنَّف ضمن رُتبة الطُيُور الحقيقيَّة، وتنتمي إلى مجموعة «طيريَّات الجناح» (باللاتينية: Avialae) الأوسع، تعودُ بأُصولها إلى العصر الجوراسي الأوسط.[1] كثيرٌ من تلك الكائنات الطيريَّة، من شاكلة الطائر الأوَّلي «الأركيوپتركس»، لم تكن قادرة على الطيران بِقوَّة عضلات أجنحتها، بل كانت تنزلق انزلاقًا بين المجثم والآخر، أو تُرفرف رفرفةٍ بينها، كما أنها احتفظت بالكثير من السمات البدائيَّة للزواحف، كالفك المُسنن بدل المنقار، وذُيولٍ عظميَّةٍ طويلة.

لِلطُيُور أجنحة، بعضُها مُتطوِّر ومتين بحيثُ يُمكِّنُ صاحبه من التحليق، وبعضُها الآخر بدائي أو بسيط بحيثُ لا يقوى على رفع صاحبه في الجو على الإطلاق، أو يمسح لهُ بالطيران حتَّى مسافة قصيرة. وحدها طُيُور المُوة وطُيُور الفيل المُنقرضة هي المجموعتين الطيريتين المعروفتين اللتان لم تتمع أفرادهما بِأجنحةٍ على الإطلاق. تطوَّرت الأجنحة من القوائم الأماميَّة لِأسلاف الطُيُور، وهي – كما أُسلف – تمنح مُعظم أنواع الطُيُور مقدرةً على الطيران، على أنَّ المزيد من الانتواع في صُفوف الطُيُور خلال آلاف السنوات أدَّى إلى نُشوء فصائل كاملة لا تُحلِّق، من شاكلة: الرواكض (النعام والإيمو والشُبانم وأنسباؤها)، والبطاريق، وعدَّة أنواع مقصورة في وُجودها على الجُزر المُحيطيَّة. يُلاحظ أيضًا أنَّ جهازيّ التنفُس والهضم لدى الطُيُور مُتأقلمة بشكلٍ فريد مع الطيران. وعند بعض الفصائل المائيَّة، كالبطاريق سالِفة الذِكر وبعض أنواع البط، فإنَّ الجهازين المذكورين مُتأقلمين كذلك مع الغطس والسباحة. لعبت الطُيُور، وبالأخص شراشير داروين، دورًا كبيرًا في جعل تشارلز داروين يستنبط نظريَّة التطوُّر عبر الاصطفاء الطبيعي، التي يأخذ بها جُمهُور المُجتمع العلمي المُعاصر.

بعضُ الطُيُور، وبالأخص الغربان والببغاوات، تُعتبر من بين أذكى الحيوانات على سطح الأرض؛ فالكثير من الطُيُور قادرٌ على استخدام الأدوات البسيطة، والعديد من الأنواع التي تعيش في أسراب تنقل معرفتها هذه من جيلٍ إلى جيل، مما يدفع بعض العُلماء إلى تصنيف هذه المعرفة كثقافة. تُهاجرُ الكثير من أنواع الطُيُور سنويًّا على مدى مسافاتٍ شاسعة هربًا من الظُروف المُناخيَّة الصعبة وسعيًا وراء قوتها. والطُيُور كائناتٌ اجتماعيَّة، تتواصل مع بعضها بصريًّا عبر العلامات الجسديَّة والإيماءات، وصوتيًّا عبر النداءات والتغريدات، كما تتشارك سويًّا في بضعة شؤون اجتماعيَّة من شاكلة الرعاية المُشتركة لِلفراخ والصيد الجماعي والتجمُّع في أسراب وطرد الضواري. الغالبيَّة العُظمى من الطُيُور أُحاديَّة التزاوج، أي تكتفي بِشريكٍ واحدٍ فقط، وغالبًا ما يكون ذلك لِموسم تفريخٍ واحدٍ فقط، ثُمَّ تنتقل إلى شريكٍ آخر في الموسم التالي، على أنَّ بعض الأنواع يظلُّ على إخلاصه لِشريكه طيلة سنوات، وقلَّةٌ من الأنواع تتزاوج مدى الحياة. بعض الأنواع الأُخرى تتزاوج ذُكورها مع عدَّة إناث، وقلَّة نادرة تتزاوج إناثها مع عدَّة ذُكور. الطُيُور بيوضة، تتكاثر عبر وضع البيض، التي يُخصِّبها الذُكور من خلال الجماع. وعادةً ما توضع البُيُوض في عُشٍ حيثُ يتناوب الأبوان على رخمها (حضنها). مُعظم الطُيُور تعتني بِفراخها لِفترةٍ طويلةٍ بعد الفقس، وبعضها الآخر – مثل الدجاج – يضع بيضًا دون أن تكون تلك البُيُوض مُخصَّبة بِالضرورة، على أنها لا تفقس.

الكثير من أنواع الطُيُور شديد الأهميَّة لِلإنسان من الناحية الاقتصاديَّة. فالدواجن وطُيُور الطرائد من المصادر الرئيسيَّة لِلحم والبيض والريش. كما أنَّ بعضها، من شاكلة الطُيُور الغرِّيدة والببغاوات، تُشكِّلُ حيواناتٍ منزليَّة لطيفة. كذلك يُشكِّل ذراقها (برازها) سمادًا لِلزرع، وهي تستقطب هُواة مُراقبتها على الدوام مما يجعلها إحدى أسباب انتعاش السياحة البيئيَّة في الكثير من المناطق. لعبت الطُيُور دورًا كبيرًا في مُختلف الحضارات والثقافات البشريَّة، إلَّا أنَّ مُمارسات البشر الضارَّة أدَّت إلى إيذائها بشكلٍ كبير، فانقرض ما بين 120 و130 نوع منها مُنذ القرن السابع عشر، ومنها 1,200 نوع مُهدد بالانقراض حاليًّا، وَتعمل العديد من المُنظمات والهيئات الدُوليَّة والمحليَّة على الدوام لِلحفاظ على الطُيُور وموائلها الطبيعيَّة وانتشالها من القاع.

التسمية

يُقالُ في اللُغة العربيَّة: «الطَّائِرُ مِنَ الحَيَوَانِ: كُلُّ مَا يَطِيرُ فِي الهَوَاءِ بِجَنَاحَينِ». وقيل أيضًا: «الطَّائِرُ حَيَوَانٌ ذُو جَنَاحَيْنِ يُسَاعِدانِه عَلَى التَّنَقُل فِي الهَوَاءِ». والجمع طُيُورٌ وأَطْيَارٌ وطَير، والطِّيرُ يصلُح لِلجمع والمُفرد، والتصغير «طُوَير».[ْ 1] و«الطير» مصدر «طَارَ»، قيل هو «اِسْمُ جَمْعٍ لِمَا يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ»، وقيل: «يَطِيرُ طَيْرًا وطَيَرَانًا، أي تَنَقَّلَ بِالجَوِّ مَحمُولًا بِالهَوَاءِ»، وتُفيد معنى الانتشار والإسراع والخفَّة.[ْ 2][ْ 3]

النُشوء والتطوُّر والتصنيف

مُستحاثة الطائر الأولي المنقوش (Archaeopteryx lithographica) الذي سُمي هكذا بسبب أُحفوره الذي يبدو وكأنَّهُ صُورة منقوشة على الصخر. غالبًا ما يُنظر إليه على أنَّهُ أعتق الطُيُور الحقيقيَّة.

أوَّلُ تصنيفٍ علميٍّ مُعاصر لِلطُيُور وُضع على يد العالمان الإنگليزيان فرنسيس ويلوغباي وجون ري، في مؤلفهما من سنة 1676م حامل عنوان «علم الطُيُور» (باللاتينية: Ornithologiae).[9] وفي سنة 1758م، أكمل عالم الحيوان السُويدي كارلوس لينيوس عمل سلفيه، وعدَّل بعض ما ذكراه من معلومات، مُضيفًا بهذا المزيد من التنوُّع على التصنيف الأصلي، لِيخرج التصنيف المُعاصر لِلطُيُور إلى حيِّز النور.[10] ووفق نظام لينيوس فإنَّ الطُيُور تُشكِّلُ طائفةً من الحيوانات، وهي تُعرف علميًّا بالاسم اللاتيني «Aves». أمَّا وفق التصنيف النُشوئي، فإنَّ العُلماء يُصنفون الطُيُور ضمن فرع الديناصورات الثيروپوديَّة.

 

التعريف

تضُمُّ طائفة الطُيُور ورُتبة التمساحيَّات الشقيقة الفصائل الوحيدة الباقية المُمثلة لِفرع الآركوصورات الحيوي (الذي يضم أيضًا الديناصورات والزواحف المُجنَّحة وأشباه التماسيح البائدة). خِلال أواخر عقد التسعينيَّات من القرن العشرين، كان العُلماء يعتبرون الطُيور من الجهة الوراثيَّة العرقيَّة مُتحدرة مُباشرةً من أحدث سلفٍ مُشترك لِلطُيُور المُعاصرة وأحد أنواع الطُيُور الأوَّليَّة (الآركيوپتركس) المعروف باسم «الطائر الأوَّلي المنقوش» (باللاتينية: Archaeopterix lithographica).[12] إلَّا أنَّ العُلماء عادوا في بدايات القرن الحادي والعشرين إلى تسليط الضوء على إحدى النظريَّات المُقترحة من قِبل العالم الفرنسي الأمريكي جاك گاوثير، التي لاقت قُبولًا واسعًا في المُجتمع العلمي. وكان گاوثير قد عرَّف طائفة الطُيُور بأنَّها تلك المجموعة من الحيوانات التي تضُمُّ فقط «المجموعة التاجيَّة» أو «الفوقيَّة» من الطُيُور المُعاصرة. والمجموعة التاجيَّة تُعرَّف بِكونها مجموعة الأنواع الباقية التي تُعتبر المُمثلة الرئيسيَّة لِمجموعتها يُضاف إليها أحدثُ سلفٍ مُشتركٍ لها كُلها، مع سائر الأنواع المُتحدرة من هذا السلف والتي تختلف عن الأنواع المُمثلة الرئيسيَّة. وقد طوَّر گاوثير نظريَّته هذه عبر استبعاده أغلب المجموعات الطيريَّة المعروفة فقط من خِلال المُستحاثات والتي لا مُمثل مُعاصر لها، وأعاد إدراجها عوض ذلك في فرعٍ حيويٍ جديد أطلق عليه تسمية «طيريَّات الجناح» (باللاتينية: Avialae)،[13] وكان يهدف جزئيًّا من وراء ذلك إلى تفادي الشُكوك العلميَّة بِخُصوص موقع الطُيُور الأوليَّة وعلاقتها بِأنواعٍ أُخرى غالبًا ما تُصنَّف على أنَّها ديناصوراتٌ ثيروپوديَّة.

الديناصورات وأُصول الطُيُور

شجرة تاريخيعرقية لِلطُيُور وُضعت بالاستناد إلى نتائج دراسة وراثيَّة عرقيَّة قام بها عددٌ من الباحثين سنة 2015م.

يتفق أغلب العُلماء، استنادًا إلى بعض الدلائل الأُحفوريَّة والأحيائيَّة، أنَّ الطُيُور عبارة عن مجموعة فرعيَّة مُتخصصة من الديناصورات الثيروپوديَّة،[20] وتحديدًا مجموعة «سلَّابيَّة الأيادي – المانيراپتورات» (باللاتينية: Maniraptora)، التي تضم أيضًا الكواسر السريعة (الدرومايوصورات) (باللاتينية: Dromaeosauridae) وكواسر البيض (الأوڤيراپتورات) (باللاتينية: Oviraptoridae) وغيرها.[21] ومع اكتشاف العُلماء المزيد من الديناصورات الثيروپوديَّة وثيقة الصلة بالطُيُور، أخذ الفاصل الذي كان يُميِّزُ بين الطُيُور والديناصورات يزول شيءًا فشيءًا، وبدا أنَّ أنسابها مُختلطة لِدرجةٍ كبيرة جدًا مما يجعل من العسير الفصل بينها. ومن أبرز الاكتشافات الحديثة في هذا المجال تلك التي تمَّت في مُقاطعة لياونينگ بِالصين، حيثُ عُثر على مُستحاثات ثيروپوداتٍ صغيرةٍ جدًا مكسوّة بالريش، مما ضاعف من الغُموض الدائر حول أُصُول الطُيُور وعلاقتها بالديناصورات.

يُفيد الرأي السائد والمُجمع عليه حاليًّا في علم الأحياء القديمة بأنَّ الثيروپودات الطائرة، أو طيريَّات الجناح، هي أوثق الكائنات صلة بالديناصورات رهيبة المخالب (الداينونيكوصورات) (باللاتينية: Deinonychosauria) التي تضم أيضًا الدرومايوصورات والترودونتيدات.[25] وتُشكِّلُ هذه الكائنات سويًّا مجموعةً يُطلق عليها «طيريَّات الفقرات» (باللاتينية: Paraves). لوحظ أنَّ بعض الفصائل القاعديَّة من هذه المجموعة، من شاكلة الكاسر الضئيل «المايكروراپتور» Microraptor، كانت تتمتَّع ببعض الميزات البُنيويَّة التي يُحتمل أنها مكنتها من الانزلاق والطيران بين مجثمٍ وآخر. كما تبيَّن أنَّ أكثر الداينونيكوصورات قاعديَّةً كانت شديدة الضآلة. مما يُفيد باحتمال كون جميع أسلاف طيريَّات الفقرات شجريَّة الموطن أو بِأنها كانت قادرة على الانزلاق أو بِكلا الأمرين معًا. كما أظهرت الدراسات الأخيرة أنَّ طيريَّات الفقرات الأولى كانت قارتة (آكلة لِكُل شيء)، على العكس من الطائر الأولي «الآركيوپتركس» والديناصورات المُريَّشة اللاطيريَّة التي كانت لاحمة بالمقام الأوَّل.

يشتهرُ الطائر الأولي «الآركيوپتركس»، الذي عاش خلال العصر الجوراسي المُتأخر، بِكونه أوَّل الأحافير الانتقاليَّة التي عُثر عليها، وقد شكَّل اكتشاف هذه المُستحاثة دعمًا كبيرًا لِنظريَّة التطوُّر في أواخر القرن التاسع عشر، فأضاف دليلًا آخرًا بِصحَّتها. كان الآركيوپتركس الأُحفُور الأوَّل الذي أظهر سمات الزواحف التقليديَّة كالأسنان والمخالب على أطراف الأصابع وذيلًا طويلًا شبيهًا بِذُيول السحالي، إلى جانب سماتٍ طيريَّةٍ واضحة، كجناحين بِريشٍ كاملٍ صالحٍ للطيران. وعلى الرُغم من هذا، فإنَّ الآركيوپتركس لا يُعتبرُ سلفًا مُباشرًا لِلطُيُور، إلَّا أنَّهُ قد يكون وثيق الصلة بِسلفها الحقيقي.

النُشوء والتطوُّر المُبكر

أقدم مُستحاثات طيريَّات الجناح التي عُثر عليها اكتُشفت في تكوينة «تياوجيشان» في الصين، وقد أظهرت الدراسات أنَّها تعود لِأواخر العصر الجوراسي، وتحديدًا لِلمرحلة الأكسفورديَّة، مُنذ حوالي 160 مليون سنة تقريبًا. تشتملُ قائمة الأنواع التي عُثر عليها في التكوينة سالِفة الذِكر على عدَّة أنواع من شاكلة: الديناصور شبه الطائر لِهكسلي (باللاتينية: Anchiornis huxleyi) وديناصور زياوتينگيا زنگي (باللاتينية: Xiaotingia zhengi) والطائر الفجري (باللاتينية: Aurornis xui). أمَّا الآركيوپتركس فقد عُثر على مُستحاثته في ألمانيا. كثيرٌ من طيريَّات الجناح البدائيَّة هذه تشاطرت سماتٍ شكليَّة وتشريحيَّة غير مألوفة عند الطُيُور المُعاصرة، إلَّا أنَّهُ يُحتمل بأنها كانت أصل بعض سماتها الحاليَّة، ثُمَّ اختفت مع تعاقب القُرون وارتقاء الطُيُور لِلسُلَّم التطوُّري. من تلك السمات مخلبان كبيران كانا يقعان على إصبعيّ القدمين الثانيين، ويُحتمل أنَّها كانت تُرفع عاليًا كي لا تحتك بالأرض فتتآكل مع مُرور الوقت، بالإضافة إلى ريشاتٍ خلفيَّةٍ طويلة على الساقين تُعرف كذلك بـ«الجانحين الخلفيين»، يُحتمل أنها كانت تُساعد الحيوان على تبديل مساره خِلال الطيران أو الانزلاق.

تنوَّعت طيريَات الجناح بشكلٍ كبيرٍ خِلال العصر الطباشيري، وحافظت الكثير من مجموعاتها على خصائص بدائيَّة مُختلفة، كالأجنحة ذات المخالب والفك المليء بالأسنان، وبعضُها الآخر فقد السمة الأخيرة كُليًّا واستعاض عنها بالمناقير. كما احتفظت أكثر الفصائل بدائيَّةً، مثل الآركيوپتركس وطائر جيهول بِذيل أسلافها العظمي الطويل، فيما أخذ الذيل يقصر عند الفصائل الأكثر تطوُّرًا تزامُنًا مع بُروز عظم العُصعُص لديها. وبِحُلُول أواخر العصر الطباشيري، أي مُنذ حوالي 95 مليون سنة، كانت أسلاف جميع الطُيُور المُعاصرة قد طوَّرت حاسَّة شمٍّ أفضل من حاسَّة أسلافها.

التنوُّع المُبكر لِأسلاف الطُيُور

أوَّلُ تنوُّعٍ كبير في صُفوف طيريَّات الجناح قصيرة الذيل حصل في أوائل العصر الطباشيري، عندما ظهرت مجموعة «الطُيُور العكسيَّة» (باللاتينية: Enantiornithes)، التي سُميت هكذا بسبب أعظُم أكتافها المعكوسة مُقارنةً بِأعظم أكتاف الطُيُور المُعاصرة. احتلَّت هذه الكائنات مُختلف البيئات الأرضيَّة بِحسب الظاهر، لاعبةً أدوارًا بيئيَّةً مُتنوِّعة، فكان منها أنواعٌ تجوب الشواطئ الرمليَّة وتخوض في الرمال باحثةً عن المحار والأصداف، ومنها من كان سمَّاكًا (آكلٌ لِلسمك)، فيما كانت أُخرى شجريَّة الموطن وآكلةٌ لِلبُزور. اندثرت الطُيُور العكسيَّة مع العديد من مجموعات الديناصورات الأُخرى مع نهاية الحقبة الوُسطى من عُمر الأرض، رُغم أنها كانت أكثر مجموعات طيريَّات الجناح تنوعًا.

كثيرٌ من الأنواع التي ظهرت من مجموعة موجة التنوُّع الثانية، المعروفة بـ«الطُيُور الحقيقيَّة» (باللاتينية: Euornithes) كونها تضم أسلاف الطُيُور المُعاصرة، كانت برمائيَّة، وعاشت نصف حياتها تقريبًا في المياه حيثُ عاشت على افتراس السمك وغيرها من الكائنات المائيَّة الصغيرة. وعلى العكس من مجموعة الطُيُور العكسيَّة، التي كانت تُهيمنُ على البيئات البريَّة والشجريَّة، يبدو أنَّ مجموعة الطُيُور الحقيقيَّة لم تكن أنواعها تتمتع بالقُدرة على الجُثوم، ويظهر أنَّها كانت عبارة عن خليطٍ من الأنواع الشاطئيَّة، والمُخوِّضة، والسبَّاحة، والغطَّاسة. ومن المجموعة الأخيرة يشتهر جنس الطائر السمَّاك (الإكثور) الشبيه ظاهريًّا بِالنورس، والطُيُور الغربيَّة (باللاتينية: Hesperornithes) التي تأقلمت مع صيد الأسماك بالبحار بِشكلٍ كبيرٍ جدًا بحيثُ أنها فقدت قدرتها على الطيران واستحالت كائنات بحريَّة بالغالب. برزت لدى الطُيُور الحقيقيَّة الأولى عدَّة سمات تُربط حاليًّا بالطُيُور المُعاصرة، مثل الأعظم الصدريَّة المتينة والعريضة، وأطراف مناقير على أفكاكها (على أنَّ مُعظم أفراد المجموعة من اللاطيريَّات احتفظت ببعض أسنانها في أنحاء أُخرى من أفكاكها). كذلك تضمَّنت الطُيُور الحقيقيَّة بعض أوَّل طيريَّات الجناح التي ظهر لديها عظمٌ عُصعُصيّ حقيقيّ، ومروحةٌ من ريشات الذيل قابلة لِلتحريك، يُحتمل بأنَّها استبدلت ريشات القوائم أو «الأجنحة الخلفيَّة» من ناحية تبديل مسار الحيوان أثناء تحليقه أو كبحه عند الضرورة.

نسالة الطُيُور المُعاصرة

جميعُ الطُيُور المُعاصرة تُصنَّف ضمن مجموعةٍ تاجيَّةٍ تُعرف بِالطيريَّات أو الطُيُور الحديثة (باللاتينية: Aves)، وهي تنقسم بِدورها إلى مجموعتين رئيسيتين: قديمات الفك التي تضم الرواكض العاجزة عن الطيران (مثل النعام) والتناميَّات ضعيفة الطيران، وحديثات الفك التي تضم سائر فصائل الطُيُور.[11] عادةً ما يُصنِّف العُلماء هاتين المجموعتين ضمن مرتبة الرُتبة العُليا الأحيائيَّة،[37] رُغم أنَّ بعضهم الآخر لا يُوافق على هذا، ويُفضلون اعتبار هاتين المجموعتين مُجرَّد «جماعات» أحيائيَّة.[11] يتراوح عدد أنواع الطُيُور الباقية اليوم، من وجهة نظر تصنيفيَّة محض، ما بين [38] 9,800 و10,050 نوع.

نتيجة اكتشاف جنس طائر ڤيگا (باللاتينية: Vegavis)، العائد إلى أواخر العصر الطباشيري والذي يبدو أنَّهُ من نسالة البط، يميلُ العُلماء إلى الاعتقاد بأنَّ طائفة الطُيُور الحديثة انفصلت إلى عدَّة نسالات مُعاصرة أواخر الحقبة الوُسطى. أظهرت الدراسات وتحليلات أُصول التشكُّل عند الطُيُور أنَّ الأصل الفعلي لِطائفة الطُيُور المُعاصرة ظهر أبكر بعض الشيء من أقدم المُستحاثات المعروفة، وتحديدًا خِلال أواسط العصر الطباشيري.

أقدم مجموعةٍ برزت من حديثات الفك كانت الدجاوزيَّات، وهي الرُتبة العُليا التي تضم الإوزيَّات (البط والإوز والتِّم والصيَّاحات) والدجاجيَّات (التدرُّج والطُيهوج وأنسباؤها، إلى جانب طُيُور الركمة والغواناوات وأنسباؤها). أقدم مُستحاثة عُثر عليها وتعود لِطائرٍ حقيقيّ هي لِدجاجيٍّ مُحتمل عاش مُنذ حوالي 85 مليون سنة، أمَّا تواريخ الانشقاقات والانتواعات الفعليَّة فما زالت موضع جدالٍ بين العُلماء. من المُتفق عليه أنَّ طائفة الطُيُور الحقيقيَّة تطوَّرت خِلال العصر الطباشيري، وأنَّ الانفصال بين الدجاوزيَّات وغيرها من حديثات الفك وقع قُبيل حدث انقراض العصر الطباشيري – الثُلاثي، لكنَّ هُناك خلافٌ حول ما إذا كان التشعُّب التطوُري لِباقي حديثات الفك قد حدث قبل انقراض الديناصورات أم بعده. وسببُ هذا الخلاف هو تشعُّب الأدلَّة؛ فالدراسات والفُحوصات الجُزئيَّة الإشعاعيَّة تُفيد بأنَّ بقايا المُستحاثات تعود لِلعصر الطباشيري، بينما تُشير الأدلَّة الأُحفوريَّة أنَّ تلك البقايا تعود لِلحقبة المُعاصرة. وقد أثبتت مُحاولات العُلماء لِلتوفيق بين الأدلَّة الجُزيئيَّة والأُحفوريَّة فشلها، على أنَّ بعض الأدلَّة تُشيرُ إلى أنَّ جميع مجموعات الطُيُور المُعاصرة تتحدر من بضعة فصائل فقط نجت من حدث انقراض العصر الطباشيري – الثُلاثي.

 

.

.

.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *