بحث عن العدالة وورد doc

إن العدل من أهم المبادئ الإسلامية التي تحقق سعادة الفرد والجماعة وهو من المفاهيم الإدارية العظيمة التي ينبغي تفهمها وإدراك معانيها وأهميتها في نجاح العمل الإداري سواء كــان ذلك تربوياً أو غير ذلك ، يقول الزهراني ( 1405هـ ) : (( الإنسان يحتاج إلى العدل في شتى جوانب حياته فهو يتعامل مع أفراد مختلفين لا تجمعه بهم صلة أو قرابة ، أو معرفة فإذا كان شعار أفراد المجتمع العدل ، فإنه سيعيش وهو مطمئن لأنه لن يظلم وسيأخذ كل حقوقه ومطالبه بدون عناء مهما كانت منزلته )).

المقصود بالعدل :

يقصد بالعدل لغوياً ما ذكره مجد الدين الفيروز آبادي ( 1407 هـ ) (( العدل : ضد الجور ، وما قام في النفوس أنه مستقيم )) ، ص 1331 ، أما جبران مسعود ( 1401 هـ ) : (( عدل : انصاف ، وكان عادلاً في الأمر ، استقام فيه )) ، ( جـ 2 ، ص 1010 ) .
نال مفهوم العدل اهتمام العديد من المفكرين فصدوا لتعريفه وتحديده . من هذه التعريفات لمفهوم العدل ما عرفه الجرماني ( 1403 هـ ) بقوله : (( العدل مصدر يعني العدالة وهو الاعتدال والاستقامة وهو الميل إلى الحق ) ص 147 .
يقول ابن قيم الجوزية ( ت 597 هـ ) : (( إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله ، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات ، فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه )) ص 14 ،
والأمة الإسلامية مكلفة بتحقيق العدل في الأرض وأن تبني حياتها كلها على أصول العدل حتى تستطيع أن تحيا حياة حرة كريمة ، ويحظي كل فرد في ظلها بحريته ، وينال جزاء سعيه ، ويحصل على فائدة عمله وكده .

أدلة من القرآن الكريم :

العدل مما أمر به الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، إذ تستقيم الأمور وتسير في مسارها الصحيح ، وبه تطمئن النفوس إلى نيل حقوقها واستيفائها والوفاء بها .
1 ــ قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) سورة النحل آية 90 .
يقول القرطبي ( 671هـ ) في تفسيره لهذه الآية :
(( روي عن عثمان بن مظعون أنه قال : لما نزلت هذه الآية قرأتها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتعجب فقال : يا آل غالب ، اتبعوه تفلحوا ، فوا الله إن الله أرسله لأمركم بمكارم الأخلاق ( جـ 10، ص 109) .
يقول قطب ( 1412هـ ) في هذه الآية :
(( جاء ( العدل) الذي يكفل لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم قاعدة ثابتة للتعامل ، لا تميل مع الهوى ، ةلا تتأثر بالود والبغض ، ولا تتبدل مجاراة للصهر والنسب والغنى والفقر ، والقوة والضعف . إنما تمضي في طريقها تكيل بمكيال واحد للجميع ، وتزن بميزان واحد للجميع وإلى جوار العدل .. ( الإحسان ) .. يلطف من حدة العدل الصارم الجازم ، ويدع الباب مفتوحاً لمن يريد أن يتسامح في بعض حقه إيثاراً لود القلوب ، وشفاء لغل الصدور . ولمن يريد أن ينهض بما فوق العدل الواجب عليه اليدوي جرحاً أو يكسب فضلاً )) ، ( جـ 14 ، ص 2190) .
2ــ قال تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات , إلى أهلها إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به ، إن الله كان سميعاً بصيرا ) سورة النساء آية 58.
وهنا في هذه الآية الكريمة أمر من الله سبحانه وتعالى للحكام وكل من رعى رعية أن يحكم بينهم بالعدل وقد ذكر سيد قطب ( 1412هـ ) في هذه الآية :
(( فأما الحكم بالعدل بين الناس ، فالنص يطلقه هكذا عدلاً شاملاً ( بين الناس ) جميعاً لا عدلاً بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه (( إنساناً )) فهذه الصفة ــ صفة الناس ـ هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني . والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل ـ حتى حكمت في أمرهم ـ هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط ـ في هذه الصورة ـ إلا على يد الإسلام . وذلك هو أساس الحكم في الإسلام )) الجزء الخامس ، ص 689.
3ــ قال تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) سورة المائدة آية8.
وفي هذه الآية الكريمة بين الله سبحانه وتعالى أن العدل أقرب إلى التقوى .
4 ــ قال تعالى : ( وضرب الله مثلاً رجلين أحدهم أبكم لا يقدر على شيء وهو على كل مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) سورة النحل آية 76 .
في هذه الآية الكريمة أشار الله سبحانه وتعالى إلى أن من يحكم بالعدل ويتوخاه فإنه على صراط مستقيم ، ومن يسكت عن إعلان الحق فهو أبكم لا يقدر على شيء ولا يستفاد منه شيء .

أدلة من السنة النبوية الشريفة على العدل :

1 ــ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )) رواه مسلم ، ( جـ 12 ، ص 211 ) .
2 ــ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل ، وشاب نشا بعبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) رواه مسلم . ( جـ 7 ص 121 ) .
3 ــ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الإمام جُنة يقاتل من ورائه ويتقى به ، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل ، كان له بذلك أجر ، وأن يأمر بغيره كان عليه منه )) رواه مسلم ، ( جـ 12 ، ص 230 9 .
4 ــ عن النعمان بن بشير قال : (( تصدق عليّ أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهد على صدقتي فقال له رسول الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال لا قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة )) رواه مسلم ، ( جـ 11 ، ص 67 ) .
5 ــ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : (( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً ، فقلت : يا رسول الله ، ترسلني وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال : إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر ، كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضياً أو شككت في قضاء بعد ، )) أخرجه أبو داود ، ( جـ 3 ، ص 301 ) .
تطبيق مفهوم العدل في صدر الإسلام :
لا غرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يطبق ما يوحي إليه من ربه سبحانه وتعالى ، فقد روت عائشة رضي الله عنها ، أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول صلى الله عليه وسلم ؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أتشفع في حد من حدود الله ؟ )) ثم قام فخطب ، فقال : (( يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد , وايم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ، لقطع محمد يدها )) رواه البخاري ، ( جـ 7 ، ص 329 ) .
فكان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قمة العدالة وتنفيذ لأوامر الله سبحانه وتعالى على الشريف الضعيف وتدريباً عملياً لأصحابه على تطبيق العدل .
ومن صور العدل ما أورده أبن هشام ( 218 هـ ) :
(( عن أحد أصحاب رسوا الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه القصاص لأنه يعرف أنه عادل وكيف لا يكون كذلك وهو يدعوا إليه (( إن رسول الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر وكان في يده قدح يعدل به وكان (( سواد بن غزية )) خارجاً من الصف فطعن بطنه بالقدح وقال استو يا سواد . فقال سواد : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل قال : فاقدني . فكشف الرسول صلى الله عليه وسلم على بطنه وقال استقد ( اقتص ) يا سواد ثم قام سواد وقبل بطن المصطفى عليه الصلاة والسلام حباً له حتى يكون آخر العهد أن يمس جلده جلد النبي صلى الله عليه وسلم )) ، ( جـ 2 ص ، 202 ) .
أورد ابن الأثير في جامع الأصول الواقعة التالية عن عمر بن الخطاب ( ت 606 هـ ) : (( عن سعيد بن المسيب يرحمه الله (( أن مسلماً ويهودياً اختصما إلى عمر ، فرأى الحق لليهودي ، فقضى له عمر به ، فقال له اليهودي : والله لقد قضيت بالحق ، فضربه عمر بالدرة ، وقال : وما يدريك ؟ فقال اليهودي : والله إنا نجد في التوراة أنه ليس من قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ، ويوفقانه للحق ، ويوفقانه للحق ما دام مع الحق ، فإذا ترك الحق عرجاء وتركاه )) جامع الأصول ، ( جـ 10 ، ص 170 ) .

وللعدل ثمرات طيبة يوضحها الجزائري ( د . ت ) :

(( روى أن قيصراً أرسل إلى عمر بن الخطاب رسولاً لينظر أحواله ويشاهد أفعاله ، فلما دخل المدينة سأل عن عمر وقال : أين ملككم ؟ فقالوا : مالنا ملك بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة ، فخرج في طلبه فرآه نائماً فوق الرمل ، وقد توسد درته ، وهي عصاً صغيرة كانت دائماً بيده يغير بها المنكر ، فلما رآه على هذه الحال وقع الخشوع في قلبه وقال : رجل يكون جميع الملوك لا يقر لهم قرار من هيبته ، وتكون هذه حالته ، ولكنك يا عمر عدلت فنمت وملكنا يجور ، فلا جرم أنه لا يزال ساهراً خائفاً )) ، ص 211 .

العدل في مجال الإدارة التربوية

والقيادة التربوية تتعامل مع مجموعة كبيرة من المعلمين مختلفي الطباع والحاجات والرغبات ، وكذلك طلاب عديدين ذي فروق مختلفة ، فمنهم الأسوياء ومنهم كثيري المشاكل ، كما أن منهم المجتهد والمثابر ، هذا التنوع الشديد في طبيعة الأفراد التي تتعامل معها القيادة التربوية ، سواء في السن أو الرغبات أو الموقع الوظيفي يمثل صعوبة بالغة في تطبيق مفهوم العدل بين هذه الجماعات المختلفة ، الأمر الذي يثقل كاهل رجال الإدارة التربوية المسئولية عن قيادة هذه الجماعات أو الأفراد المنتمين داخلها .
إن من واجبات كل مسؤول تحقيق مبدأ العدل مع العاملين حتى يمكن إشاعة الطمأنينة في النفوس وخلق روح الأسرة الواحدة المتماسكة ، فتختفي ظواهر الحسد والبغض بينهم . ومتى ما تمكن مدير المدرسة من تحقيق ذلك فإن أعباء المدرسة سوف يمكن إنجازها بسهولة وبصورة جيدة طالما حرص على توزيعها بشكل عادل بين العاملين مراعياً في ذلك قدراتهم وعدم اضطهادهم أو ظلمهم فيوزع أنشطة العمل بين العاملين بالعدل مراعياً فروقهم الفردية وقدراتهم العملية وظروفهم الصحية .
المدير العادل يميز بين المعلم الكفء وغير ذلك وبالتالي استمرار رفع مستوى المعلم الكفء طالما شعر باهتمام المدبر كما أن المعلم غير المجد يجد من يأخذ بيده حتى يرتفع مستواه .
فمن العدل إعطاء كل ذي حق حقه ، فالمعلم المجتهد المثابر والقادر على التميز فإنه من غير العدل مساواته بالمعلم المقصر غير المكترث بالمدرسة وأنظمتها وواجباته الوظيفية ، وكذا بالنسبة للطلاب فإنه من غير العدل إهمال تميز بعض الطلاب عن الآخرين المقصرين ، فإنه من واجب القيادة التربوية العمل على مكافأة الطالب المتميز المجتهد والحاصل على التفوق وكذلك متابعة الطالب المقصر والبحث على الأسباب التي جعلته ينتمي إلى مجموعة المقصرين حتى يمكن العمل على وضع برنامج علاجي لهم .
والمعلم الكفء فإنه يلزم الإدارة من باب العدل على مكافآته وتشجيعه للاستمرار في معدلات التميز التي هي هدف الإدارة التربوية ، والعمل أيضاً على تقصي أسباب تقصير بعض المعلمين حتى يمكن علاج هذه القصور فليس من العدل التساوي في مكافآتهم ، لهذا فإن العدل من المفاهيم التي يجب إدراكها إدراكاً جيداً حتى يمكن ممارستها بالشيء المطلوب حتى تتحق السعادة لجميع العاملين في الإدارة المدرسية وبالتالي تحقق أهدافها بالشكل المطلوب .
كما يجب على مدير المدرسة الحرص على توزيع الجدول المدرسي بالعدل فيساوي بين المعلمين ذوي التخصص الواحد ، وكذلك الحرص على توزيع الأعباء المدرسية الأخرى من أنشطة وعضوية مجالس وريادات على المعلمين بشكل عادل حتى لا يتسبب ذل في وجود خلافات حادة بين المعلمين ، وبالتالي يشعر المعلم بالضيق ، والجور في هذا الشعور فشلاً للإدارة المدرسية في تحقيق أهدافها التي ترمي إلى تحقيقها .
والمساواة في الإدارة المدرسية تكون بإتاحة الفرصة المتساوية للعاملين للإنجاز ثم العدل في التقييم بمعنى أن المساواة في الحقوق العامة وكذلك فإن المدرس مطلوب منه المساواة بين الطلاب داخل الفصل وخارجه والتعامل معهم على أنهم سواسية ويكون العدل في عملية التقويم المستمر لمستوياتهم العلمية .

ولتطبيق مبدأ العدل وتحقيقه في بيئة العمل المدرسي فإنه يقع على عاتق مدير المدرسة الحرص على أمور هامة منها :

1 ــ توزيع مقررات وحصص الجدول المدرسي بين معلمي التخصص الواحد بالعدل .
2 ــ تكليف جميع المعلمين بالأنشطة المدرسية حسب رغباتهم وميولهم وإمكانياتهم المتاحة .
3 ــ عدم تكليف المعلم الواحد بأكثر مما تحمل طاقته على القيام به .
4 ــ توزيع ريادة أعمال الفصول على المعلمين بالتساوي دون محاباة وإذا كان عدد المعلمين أكبر من عدد الفصول الدراسية ، فإنه يتم تكليف المعلمين الزائدين على أعمال الريادة للقيام بأعمال أخرى مثل الإشراف المدرسي .
5 ــ توزيع عضوية المجالس المدرسية على جميع المعلمين بالمدرسة بالتساوي مع الحرص أن يكون الاختيار وفق اهتمامات المعلمين وتخصصاتهم .
6 ــ بحث أسباب القصور لدى المعلمين ووضع العلاج اللازم لهم ومحاسبة المقصرين .
7 ــ بحث أسباب قصور الطلاب ومعالجته حتى ينالوا حقهم من الرعاية والاهتمام

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *