بحث عن بيع الاحتكار جاهز وورد doc

مقدمة :

‎الحمد لله الذي يقول الحق وهو يهدي السبيل ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ، جدد الله به رسالة السماء ، وأحيا ببعثته سنة الأنبياء ، ونشر بدعوته آيات الهداية ، وأتم به مكارم الأخلاق وعلى آله وأصحابه ، الذين فقههم الله في دينه ، فدعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، فهدى الله بهم العباد ، وفتح على أيديهم البلاد ، وجعلهم أمة يهدون بالحق إلى الحق تحقيقاً لسابق وعده : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}([1]). فشكروا ربهم على ما هداهم إليه من هداية خلقه والشفقة على عباده، وجعلوا مظهر شكرهم بذل النفس والنفيس في الدعوة إلى الله تعالى.

‎الاحتكار لغة :

‎عرفت مادة حكر فى قاموس لسان العرب لابن منظور كا يتضح فيما يلى :

أولاً : الحَكر بفتح الحاء وسكون الكاف ، ادخار الطعام للتربص وصاحبه محتكر .

ثانياً : الحَكر والحُكر بفتح الحاء فى الأول وضمها فى الثانى ، وفتح الكاف فيها بمعنى ما احتكر تقول : إنهم ليحتكرون فى بيعهم ينظرون ويتربصون ، وأنه يحكر بكسر الحاء وسكون الكاف – لا يزال يحبس سلعته والسوق مادة – أى ملأى حتى يبيع بالكثير من شدة حكره – بفتح الحاء وسكون الكاف الاسم من الاحتكار .

‎ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة ومنه حديث عثمان أنه كان يشترى حكرة ( أى جملة وقيل جزافاً ) وأصل الحكرة الجمع والإمساك .

فائدة :

‎ففى الأول معنى الحكر هو جمع الطعام ونحوه واحتباسه وقت الغلاء ولا يخفى ما يحدثه هذا الحبس من المضرة والإساءة للمحتاجين .

‎وفى الثانى معنى الحكر والحكر هو أن المحتكرين يحتبسون الطعام ينتظرون ويتربصون به الغلاء حتى يبيعون بالكثير من شدة احتكارهم .

‎أما الاسم من الاحتكار هو الحكر والحكر فمعناهما جمع الطعام ونحوه وإمساكه وحرمان الناس منه .

‎وهكذا وضح أن معانى مادة حكر تعنى كلها جمع الطعام ونحوه وحبسه عن الناس وهذا يؤدى إلى ظلم الناس وإساءة معاشرتهم .

لا يختلف معنى الاحتكار الشرعى الاصطلاحى عن معناه اللغوى ، وقد عرف عند الفقهاء بتعريفات متقاربة فى المعانى والألفاظ .

أولاً : عند الحنفية :

‎يقول الحصفكى فى شرح الدر المنتقى : الاحتكار شرعاً اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوماً لقوله صلى الله عليه وسلم ( من احتكر على المسلمين أربعين يوماً ضربه الله بالجذام والإفلاس ) .

‎ويقول الشرنبلالى فى حاشيته على درر الحكام شرح غرر الأحكام : الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشئ إذا استبد به وحبسه عن غيره .

‎ويقول البابرتى فى شرح العناية : إن المراد بالاحتكار \” حبس الأقوات تربصاً للغلاء \” .

‎وقال الإمام الكاسانى فى بدائع الضائع :

‎إن الاحتكار أن يشترى طعاماً فى مصر ويمتنع عن بيعه ، وذلك يضر بالناس وكذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به .

‎هذه هى كلمة الحنفية حول تحديد ماهية الاحتكار وبالتأمل فيها يستطيع الناظر أن يستخلص الآتى

‎1- أن الكاسانى والحصكفى قد قيدوا الاحتكار المحظور بالشراء بينما لم يقيده بذلك الشرنبلانى والبابرتى .

‎2- أشار الكاسانى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر

‎3- قيد غالبية فقهاء الحنفية الاحتكار بالأقوات بينما عداه إلى غير الأقوات البعض ومنهم الحصكفى .

‎4- نبه الكاسانى إلى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الاحتكار : فأضاف إلى التعريف قيد أن يكون ذلك يضر بالناس بدليل قولهم \” إلى وقت الغلاء \”

استدل الجمهور على حرمة الاحتكار بالكتاب والسنة والأثر والمعقول :

‎أما الكتاب : فقوله تعالى{  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

‎قال الإمام القرطبى عند تفسيره لهذه الآية :

‎روى عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه ) وقد فهم من هذا صاحب الاختيار الحنفى أن الآية أصل فى إفادة تحريم الاحتكار .

‎وفى إحياء علوم الدين للغزالى عند تفسيره لهذه الآية :

‎إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته فى الوعيد .

‎وما ذهب إليه الغزالى فى بيان وجه الدلالة هو القول الراجح إذ أن مدلول الآية عام ويدخل تحت النهى كل من أراد محرماً ولا شك أم الاحتكار داخل تحت نطاق هذا العموم الشامل للاحتكار وغيره ، فإن قيل إن الآية نزلت بسبب غير النهى عن الاحتكار قلنا إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

وأما السنة : فقد دلت أحاديث كثيرة فى السنة النبوية على تحريم الاحتكار ومنها :

‎1- ما روى عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) .

‎قال الإمام الشوكانى رحمة الله فى كتابه \” نيل الأوطار \” : والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصى .

‎وقال الصنعانى رحمة الله : الخاطئ هو العاصى الآثم ، وفى الباب أحاديث دالة على تحريم الاحتكار .

‎2- ما روى عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من دخل فى شئ من أسعار المسلمين ليغلبه عليهم كان حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ) .

‎وجه الدلالة من الحديث :

‎دل هذا الحديث على معاقبة من يقدم على ذلك بمكان فى النار ، ولا يكون ذلك إلا لارتكابه المحرم .

‎3- ماروى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ ) .

‎4- ما رواه ابن عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله ) .

‎5- ومنها ما رواه عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس ) رواه ابن ماجة .

‎6- وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون )

وجه الدلالة من هذه الأحاديث :

‎قال الإمام الشوكانى رحمة الله : ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار ، ولو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف وحديث معمر مذكور فى صحيح مسلم ؟ ( نيل الأوطار جـ 5 ، صـ 267 ) .

وأما الأثر : فمنه :

‎1- ماروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال : \” لا حكرة فى سوقنا ، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده فى الشتاء والصيف ، فذلك ضيف عمر ، فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله \”

‎2- ما روى أن عثمان رضى الله عنه كان ينهى عن الحكرة .

‎3- ما روى عن على رضى الله عنه أنه قال : \” من احتكر الطعام أربعين يوماً قسا قلبه \” .

‎4- ما روى عن على رضى الله عنه أنه أحرق طعاماً محتكراً بالنار .

‎وجه الدلالة من هذه الآثار :

‎واضح من هذه الآثار النهى عن الحكرة ، والنهى يفيد التحريم ، ما لم تأت قرينة تصرفة إلى غير التحريم ، ولا قرينة فإن هذه الآثار تفيد ما أفادته الأحاديث السابقة .

وأم المعقول :

‎فقد حكاه الكاسانى بقوله : ولأن الاحتكار من باب الظلم لأن ما بيع فى المصر فقد تعلق به حق العامة ، فإذا امتنع المشترى عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم ، ومنع الحق عن المستحق ظلم وحرام ، يستوى فى ذلك قليل المدة وكثيرها ، لتحقق الظلم .

الحكمة من تحريم الاحتكار

‎يتفق الفقهاء على أن الحكمة فى تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس ، ولذا فقد أجمع العلماء على أنه لو اتحكر إنسان شيئاً ، واضطر الناس إليه ، ولم يجدوا غيره ، وأجبر على بيعه ، دفعاً لضرر الناس ، وتعاوناً حصول العيش .

‎وفى هذا المعنى يقول أفمام مالك رحمة الله :  الحكرة فى كل شئ فى السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الأشياء والصوف ، وكل ما أضر بالسوق … فإن كان لا يضر بالسوق فلا بأس بذلك .

الخاتمه :

‎الحمد لله الذي وفقني لهذا ، وأمدني من العون ما مكنني من إنجاز هذا العمل المتواضع ، الذي أضعه بين يدي القاريء الكريم ، راجياً من المولى تبارك وتعالى أن يعيننا جميعاً على الاستفادة منه ، وذلك بتقبل النصائح والتوجيهات ، واستقبال الانتقادات ، والتصويبات ، بقلوب شجاعة ، وعقول نيرة ، ونفوس على الحق صابرة ، وفي سبيله ماضية ، ومن أجله مضحية . فما أرجوه من قاريء هذا الكتاب هو أن يدلني على الخطأ إن اكتشفه ، ويبصرني على العيب إذا لمحه ، ويوجهني إلى الصواب ، كلما رأني ملت عنه ، وأخذت مسلكاً غيره ، وحدت عن طريق الحق ، وتنكبت عن العلم الذي ينفع الأمة ، ويسدد خطاها ، ويعينها على استعادة عافيتها ، حتى تعود لأداء دورها في العبادة ، والإعمار ، والإنقاذ ، والتعارف كما أمر المولى تبارك وتعالى.

‎إن القاريء الكريم سيلاحظ أفكار هذا الكتاب المتنوعة ، وسيكتشف أن بعضها لم ينضج بالشكل المستوفي للشروط ، وأن بعضها ينقصه العمق ، كما أن بعضها الآخر يفتقر إلى التحليل ، والتمثيل ، والتأصيل .. وهكذا سيسجل ملاحظاته المختلفة ، وأشد الناس حاجة إلى هذه الأمور ، هو المؤلف . ومؤلف هذا الكتاب من أحوج الناس إلى التعلم ، وطلب المعرفة ، وتلقي النصح ، والترشيد من الأساتذة ، والعلماء ، والمفكرين المتخصصين في هذه الحقول العلمية.

‎وفي ختام هذه الدراسة أريد أن أنبه إلى أن هذا الكتاب هو القسم الأول في هذه السلسلة ، التي خصصتها لدراسة قضايا التغيير الحضاري ، في ضوء السنة النبوية . وهي محاولة إنسان مسلم ، مقصده الأساس ، هو المساهمة في تحريك طاقات الأمة الحيوية من الأفكار ، والأشخاص والأشياء ، لتسير على خط (الاستخلاف) . وكما يعلم القاريء الكريم أن الذي يريد أن يخوض معركة الاستخلاف في الأرض ، بحاجة إلى منهج تغييري ، وكما رأى القاريء في الكتاب ، أهمية المنهج النبوي في التغيير الحضاري الجديد .. وعليه فالحركة الإسلامية المعاصرة ، بحاجة إلى فتح فصل كامل من فصول التغيير ، يتعلق بدراسة هذا المنهج الفطري المنسجم مع قانون الحياة السليم.

‎والله من وراء القصد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المراجع :

١- الفقه الإسلامي وأدلته

٢- إسلامي ويب

.
.
.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *