بحث عن تقدير أتعاب التقاضي جاهز doc‎

المقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

فإن شريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – هي الشريعة الخالدية والرسالة الخاتمة ، التي جاءت لتحقيق مصالح الأمة ودفع المفاسد عنها في العاجل والآجل ، وإن من صلاحية هذه الشريعة العظيمة معالجتها لسائر القضايا التي تعرض للمسلم في حياته كلها ، وقد وضح فقهاء الإسلام منذ كانوا الأحكام الشريعة في كل الحوادث التي عرضت عليهم ، ولما كان من واجب الفقهاء المعاصرين الاستمرار في تحمل الأمانة -كما فعل أسلافهم – فإن من المتعين عليهم بيان الحكم الشرعي لما يستجد في أزمانهم من نوازل وحوادث معاصرة .

وقد سنحت لي الفرصة – بعد توجيه شيخنا معالي الدكتور / خالد بن محمد اليوسف بالتدريب على البحث العلمي في مسألة “تقدير أتعاب التقاضي ” وقد وقع اختياري عليها لأسباب من بينها :

  • أنها من مسائل التي لم يسبق لي البحث فيها ، ولهذا وجدتها فرصة طيبة لمعرفة كيفية البحث في أمثالها .
  • أنها مسألة متعلقة بعدالة بين الناس التي هي مفتاح لأهم استقرار وأمان المجتمع .
  • أنها من المسائل التي تقع في حياة الناس اليوم ولهذا فمعرفة حكمها مهم بمقدار تكرر وقوعها .

وحين عزمت على الكتابة في هذا البحث وضعت له خطة تمثلت في : مقدمة وتمهيد وثلاثة  مباحث وخاتمة.

أما المقدمة ففي أهمية الموضوع وخطة البحث ومنهجه .

والتمهيد : في  المراد بتقدير أتعاب التقاضي .

والمبحث الأول : في حكم تقدير أتعاب التقاضي .

والمبحث الثاني : في جهة تقدير أتعاب التقاضي .

والمبحث الثالث: في كيفية تقدير أتعاب التقاضي .

والخاتمة في تلخيص أهم نتائج البحث .

وقد وضعت لهذه الدراسة منهجاً بحثياً ، حرصت على السير عليه ما أمكنني ، تمثل في الآتي:

  • جمعت ما قيل في هذه المسألة حسب الوسع والطاقة وبما أسعف به الوقت والجهد سواء في المواقع الإلكترونية أو ما قيل في أصولها الفقهية من مصادر الفقه الأصيلة والمعاصرة .
  • صغت البحث بأسلوبي ما أمكن ، وبما يتناسب مع البحث من غير تطول.
  • عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها ، بذكر رقم الآية والسورة .
  • خرجت الأحاديث من مواضعها فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به ، وإن لم تكن كذلك فمن مصادر السنة الأخرى مع الحكم عليها من كتب التخريج .
  • وضعت في نهاية البحث فهرسين فنيين : أحدهما للمصادر والثاني للموضوعات .

وإني أشكر – بعد شكر الله – معالي الدكتور المشرف على بحوثنا على اهتمامه بإنجازها ، ومتابعته سير العمل في هذا البحث المتواضع فجزاه الله تعالى خير ما جزى أستاذاً عن طلابه وجعل ذلك في ميزان حسناته  .والحمد لله رب العالمين.

التمهيد

 المراد بتقدير أتعاب التقاضي

لما كان الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، رأيت أنّ من المتعين بيان المراد بهذه المسألة قبل معرفة حكمها ، من خلال بيان معاني ما تركب منه من مصطلحات على النحو التالي :

أولاً معنى التقدير:

التقدير من مادة ” قدر ”  والقاف والدال والراء في اللغة : أصل صحيح يدل على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته. فالقدر: مبلغ كل شيء. يقال: قدره كذا، أي مبلغه. وكذلك القدر. وقدرت الشيء أقدره وأقدره من التقدير، وقدرته أقدره. والقدر: قضاء الله تعالى الأشياء على مبالغها ونهاياتها التي أرادها لها .

والتقدير التعظيم ، ومنه قوله تعالى :{وما قدروا الله حق قدره}[1] أي : ما عظموه حق تعظيمه.

والتقدير اليسار ، ومنه : رجل ذو قدرة أي: يسار.

والتقدير التحديد والتعيين ومنه : قولهم : وقدرت عليه الثوب بالتخفيف فانقدر. أي : جاء على المقدار.

وتقدر له الشيء أي: تهيأ. والاقتدار على الشيء القدرة) عليه.[2]

ولا يكاد يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي ، فإنه يستعمل عند الفقهاء بمعنى طلب معرفة مقداره ومبلغ نهايته .

وقد بينت اللائحة (26/1) من نظام المحاماة أن المراد بالتقدير بيان قدر أتعاب المحامي .

ثانياًمعنى الاتعاب :

الأتعاب من مادة ” تعب ”  والتاء والعين والباء في اللغة : بمعنى شدة العناء. ضد الراحة، تقول: تعب يتعب تعبا بمعنى : أعيا هو ، وتقول: وأتعبه لغيره . ومصدره تعب. ولا يقال: متعوب.

والإتعاب بمعنى : الإعجال في السير والسوق والعمل.

وإذا أعتب العظم المجبور، وهو أول برئه قيل: أتعب ما أعتب[3].

والأتعاب عند الفقهاء : مقابل مادِّيّ لعمل ما ، ومنه  : أتعاب المحامي والطبيب[4] .

ثالثاً- معنى التقاضي:

التقاضي من مادة ” قضى ” والقاف والضاد والألف الممدودة في اللغة : أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته ، ومنه قوله تعالى:{فقضاهن سبع سماوات في يومين}[5]  أي: أحكم خلقهن . والقضاء: الحكم . ولذلك سمي القاضي قاضياً ؛ لأنه يحكم الأحكام وينفذها. وسميت المنية قضاء لأنه أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق . وأصله قَضايٌ لأنه من قضيت، إلا أن الياء لما جاءت بعد الالف همزت. والجمع الأقضية . والقضية مثله ، والجمع القضايا على فعالى ، وأصله فعائل .

وبمعنى القطع ومنه قولهم : قضى القاضي بين الخصوم ، أي : قد قطع بينهم في الحكم . وتفسير ذلك فيمن قال: قضى فلان دينه ، بمعنى قطع بالعزيمة عليه وأداه إليه ، وقطع ما بينه وبينه .

وقد يكون بمعنى الفراغ ، ومنه قولهم: قضيت حاجتي . وضربه فقَضى عليه، أي: قتَلَه، كأنه فرغ منه .

وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء . تقول: قضيت ديني ، إذا أديته .

فالتقاضي : هو الترافع إلى القضاء للفصل في النزاع وإنهاء الخصومة [6].

فتحصل أن المراد بتقدير أتعاب التقاضي : تحديد العوض والمقدار المناسب للوكالة والمحاماة في القضايا .

  المبحث الأول

                                  حكم تقدير أتعاب التقاضي

في هذا المبحث بيان التأصيل الشرعي والنظام لتقدير أتعاب التقاضي ، وذلك من خلال المطلبين التاليين :

المطلب الأول : في حكم تقدير أتعاب التقاضي في الفقه .

والمطلب الثاني: في حكم تقدير أتعاب التقاضي في النظام .

المطلب الأول

حكم تقدير أتعاب التقاضي في الفقه

أقرت الشريعة المطهرة قاعدة التقدير والتعويض مقابل ما يبذل من جهود من قبل المحامي أو الوكيل وكذا لمن وكلّهما مضطراً بسبب مماطلة الخصم .

جاء في كشاف القناع :” ولو مطل المدين رب الحق حتى شكى عليه ، فما غرمه رب الحق فعلى المدين المماطل ” [7] .

وفي شرح المنتهى :” وما غرم رب دين بسببه أي بسبب مطل مدين أحوج رب الدين إلى شكواه فعلى مماطل “[8] .

حتى أن الجاني يتحمل أجرة الوكيل في استيفاء القصاص [9] .

وقال العز بن عبدالسلام:” إذا لزم المدعى عليه إحضار العين لتقوم عليها البينة فأحضرت ، فإن ثبت الحق كانت مؤونة الإحضار على المدعى عليه ، وإن لم يثبت كانت مؤونة الإحضار والرد على المدعي لأنه مبطل ” [10].

وقد بيّن الفقهاء أن التعويض يمكن أن يكون أكثر مما استفاد من ثبت عليه ، كما جاء في شرح المقنع :” فإن غصب شيئاً فبعده لزم رده وإن غرم عليه أضعاف قيمته ؛ لأنه جنى بتبعيده فكان ضرر ذلك عليه ” .

المطلب الثاني

حكم تقدير أتعاب التقاضي في النظام

أكد النظام السعودي مشروعية تقدير أتعاب المحامي والوكيل وكذا من اضطر إلى توكيل ومن ذلك ما جاء في المادة السادسة والعشرين من نظام المحاماة :”تحدد أتعاب المحامي وطريقة دفعها باتفاق يعقده مع موكله ” وجاء في المادة المائتين وستة وثلاثين من نظام المرافعات الشرعية: ” لكل مدع بحق على آخر أثناء نظر الدعوى أو قبل تقديمها مباشرة أن يقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع دعوى مستعجلة لمنع خصمه من السفر … ويشترط تقديم المدعي تأميناً يحدده القاضي لتعويض المدعى عليه متى ظهر أن المدعي غير محق في دعواه ، ويحكم بالتعويض مع الحكم في الموضوع ويقدر بحسب ما لحق المدعى عليه من أضرار لتأخيره عن السفر ” فأصل التعويض والتقدير ثابت في الفقه والنظام .

 

 

المبحث الثاني

                                  جهة تقدير أتعاب التقاضي

في هذا المبحث بيان الجهة التي لها الصلاحية الفقهية والنظامية في تقدير أتعاب التقاضي ، وذلك أن الأصل في تحديد أتعاب التقاضي بعقد بين المحامي مع موكله كما جاء في المادة السادسة والعشرين من نظام المحاماة :”تحدد أتعاب المحامي وطريقة دفعها باتفاق يعقده مع موكله ” فإن لم يتفقا على أتعاب معينة أو اتفاق على ما لا يصلح الاتفاق عليه بأن كان باطلاً كانت الجهة التي تقدر أتعابه هي المحكمة ، كما جاء في نص المادة السابقة :”فإذا لم يكن هناك اتفاق أو كان الاتفاق مختلفاً فيه أو باطلاً قدرتها المحكمة التي نظرت في القضية عند اختلافهما “.

ويكون تقدير المحكمة إما بطلب المحامي أو بطلب الموكل ، جاء في نص المادة السابقة: “بناء على طلب المحامي أو الموكل بما يتناسب مع الجهد الذي بذله ” وبيّنت بعض الأنظمة أنه يمكن ان تقدر المحكمة ذلك بغير طرف من أطراف الخصومة ، كما في أصول المحاكمات المدنية: “وتحكم بها المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يطلب ذلك منها أي طرف من أطراف الخصومة”[11].

 

 

المبحث الثالث

                                  كيفية تقدير أتعاب التقاضي

في هذا المبحث بيان الطريقة التي يمكن بها تقدير أتعاب المحاماة والتوكيل من قبل المحكمة التي نظرت القضية ، وذلك أن المحكمة سوى تصدت للتقدير بنفسها أو بطلب المحامي أو الموكل تنظر إلى الجهد الذي بذله المحامي والنفع الذي حصله الموكل سواء في القضية الأصلية أو ما تفرع عنها من دعاوى .

وقد بيّن ذلك المادة السادسة والعشرين من نظام المحاماة :” قدرتها المحكمة التي نظرت في القضية عند اختلافهما ، بناء على طلب المحامي او الموكل بما يتناسب مع الجهد الذي بذله المحامي والنفع الذي عاد على الموكل ، ويطبق هذا الحكم كذلك إذا انشأ عن الدعوى الأصلية آية دعوى فرعية ” .

وعلى المحكمة أن تعتمد في تحديد التعويض من المستندات كالشيكات والفواتير والسندات والإيصالات والتقارير والمسيرات والمحاضر مع الاستعانة بأهل الخبرة وأهل النظر .

 

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة لكافة البريات ، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

مما استفدت منه من هذا البحث المتواضع ما يلي :

  • أن التقدير من مادة ” قدر ”  والقاف والدال والراء في اللغة : أصل صحيح يدل على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته. فالقدر: مبلغ كل شيء.
  • لا يكاد يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي ، فإنه يستعمل عند الفقهاء بمعنى طلب معرفة مقداره ومبلغ نهايته .
  • أن الأتعاب من مادة ” تعب ”  والتاء والعين والباء في اللغة : ومعناها من شدة العناء ضد الراحة .
  • فالأتعاب عند الفقهاء : مقابل مادِّيّ لعمل ما ، ومنه  : أتعاب المحامي والطبيب .
  • أن التقاضي من مادة ” قضى ” والقاف والضاد والألف الممدودة في اللغة : أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته .
  • فالتقاضي : هو الترافع إلى القضاء للفصل في النزاع وإنهاء الخصومة.
  • أن المراد بتقدير أتعاب التقاضي : تحديد العوض والمقدار المناسب للوكالة والمحاماة في القضايا .
  • أن الشريعة المطهرة أقرت قاعدة التقدير والتعويض مقابل ما يبذل من جهود من قبل المحامي أو الوكيل وكذا لمن وكلّهما مضطراً بسبب مماطلة الخصم .
  • بيّن الفقهاء أن التعويض يمكن أن يكون أكثر مما استفاد من ثبت عليه .
  • أكد النظام السعودي مشروعية تقدير أتعاب المحامي والوكيل وكذا من اضطر إلى توكيل.
  • أن الأصل في تحديد أتعاب التقاضي بعقد بين المحامي مع موكله .
  • وإن لم يحددا أتعاباً فالمحكمة هي المختصة بتقدير أتعاب التقاضي .
  • يكون تقدير المحكمة إما بطلب المحامي أو بطلب الموكل ويمكن للمحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يطلب ذلك منها أي طرف من أطراف الخصومة تقديرها .
  • أن المحكمة سوى تصدت للتقدير بنفسها أو بطلب المحامي أو الموكل تنظر إلى الجهد الذي بذله المحامي والنفع الذي حصله الموكل سواء في القضية الأصلية أو ما تفرع عنها من دعاوى .

هذا وأسأل الله تعالى الكريم رب العرش العظيم أن يجعل هذا العمل المتواضع متقبلاً وأن يتجاوز عما كان فيه من خطأ وزلل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

.

.

.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق    

[1] سورة الأنعام ، الآية (91) .

[2] تنظر مادة ” قدر ” في : مقاييس اللغة 5/62، مختار الصحاح 1/248.

[3] تنظر مادة ” تعب ” في : العين 2/77، تاج العروس 2/73 .

[4] ينظر : معجم اللغة العربية المعاصرة 1/293 .

[5] سورة فصلت الآية (12) .

[6] ينظر مادة “قضى ” في : تهذيب اللغة 9/170، مقاييس اللغة 5/99 ، الصحاح 6/2463.

[7] كشاف القناع 3/348 .

[8] شرح المنتهى 3/441.

[9] ينظر: شرح المقنع 25/174 .

[10] قواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام 2/25 .

[11] أصول المحاكمات المدنية ص 456 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *