بحث عن رحلة ابن بطوطة الى افريقيا جاهز وورد doc

رحلة ابن بطوطة الى افريقيا :

بدأ ابن بطوطة رحلته إلى «جوف إفريقيا» كما قال، في 18 فبراير 1352 م وعمره 48 سنة، أي بعد تجربة طويلة وخبرة هائلة اكتسبها أثناء رحلة حافلة استمرت سنين عديدة تجول خلالها في معظم بلدان العالم المعروف في وقته. وقد استغرقت رحلته إلى السودان عشرين شهرا عاد بعدها إلى مدينة فاس في أواخر سنة 1353 م.

وبمجرد وصوله أعطى السلطان أبو عنان أوامره لكاتبه محمد بن جزي لكتابة ما يليه عليه ابن بطوطة من وصف لرحلاته، وبذلك ظهر إلى الوجود كتاب« تحفة النظار في غرائب الأمطار وعجائب الأسفار». وقد أملى ابن بطوطة عن ظهر قلبه ما يذكره على كتاب السلطان، وهذا يفسر لنا ما نلاحظه في سياق رحلته من بعض المبالغات والهفوات الجغرافية، وهذا ينطبق بصفة خاصة على رحلته الأولى إلى الشرق. وبسبب هذه المبالغات والهفوات تعرض ابن بطوطة لكثير من النقد، وفي بعض الأحيان لكثير من التجريح حتى بالنسبة لما ذكره من معلومات عن السودان الغربي، على الرغم من أن ما تلاه على ابن جزي كان ما يزال طريا وحاضرا في ذهنه نظرا لقرب حدوثه، وقد شك الكثير في بعض الأخبار والمعلومات التي أعطاها عن بعض البلدان، بل اتهم بأنه لم يزر إطلاقا بعض المناطق التي ذكر أخبارها في رحلاته (8) وقد هاجمه أيضا معاصروه، وأشير هنا إلى أن ابن خلدون وقد سمعه والتقى به شخصيا في مدينة فاس، استنكر ما يحكيه ابن بطوطة، بل وتحادث مع وزير السلطان أبي عنان المر يني في شأن إنكار أخباره وفضحه، إلا أن الوزير. وهو فارس بن وردار المشهور، نصحه إلا يفعل ذلك لأنه لا يستطيع استنكار شيء لم يره وكان ذلك درسا بليغا لابن خلدون الذي لم يكن عمره يزيد حينئذ على 21 سنة، وقد ذكره فـي مقدمته في الفصل الذي يبحث «في أن آثار الدولة كلها على نسبة قوتها في أصلها». وربما يكون هذا هو الذي جعل ابن خلدون يكتب في هذا الفصل ما يلي :«…ولا تنكرن ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله …فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار بادر بالإنكار، وليس ذلك من الصواب …».(9).

ورغم ذلك لم يعتبر ابن خلدون أحاديث وحكايات وروايات ابن بطوطة ولم ينظر إليها نظرة جدية، وفيما عدا هذه الإشارة الوحيدة التي ذكرناها، لم يشر ابن خلدون إطلاقا في مقدمته ولا في أي صفحة من صفحات كتاب العبر لتحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار».

وبالنسبة لنا، فإن ما جاء به ابن بطوطة من معلومات وأخبار عن منطقة السودان الغربي يعتبر في الدرجة الأولى من الأهمية، وذلك لأن هذا الرجل لم يكن جغرافيا نقالة، أو من أصحاب الموسوعات أو من الأدباء، بل كان شخصا عاديا للغاية، لا يتمتع بأي مواهب خاصة، ولا تنعكس في رواياته أفكار عميقة أو ملاحظات دقيقة، إلا أنه شخص شاهد الكثير وعرف كيف يصور ما شاهده بدقة وبساطة، وقد جعلت منه الأقدار جغرافيا على الرغم منه إن صح هذا التعبير، وصنعت منه لونا من الرحالة نادرا عند المسلمين، ذلك هو الرحالة الذي يستهدف الرحلة لذاتها ويضرب في مجاهل الأرض استجابة لعاطفة جياشة لا تقاوم، ورغبة جارفة في التعرف على الأقطار والشعوب. وهو ـ على نقيض الغالبية العظمى من الجغرافيين المسلمين ـ لم يجمع مادته من صفحات الكتب، بل جمعها عن طريق التجربة الشخصية وعن طريق محادثاته مع شخصيات تعرف عليها عرضا خلال رحلاته. وبصفة عامة فإنه لم يعتمد كثيرا على الرواية الشفوية كما سيفعل ابن خلدون فيما بعد. وقد شغل الاهتمام بالأماكن الجغرافية مكانة ثانوية بالنسبة لاهتمامه بالناس، وهو بالطبع لم يفكر في أن يجري أي نوع من البحث والتحقيق في مجال الجغرافيا، ولعله ـ ونتيجة لهذا بالذات ـ أصبح كتابه تحفة النظار تحفة حقيقية، إذ أنه صورة معبرة وصادقة للمجتمع الإسلامي في السودان الغربي في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، فهو زانة تمتلئ بمادة غنية لا في مجال الجغرافيا التاريخية أو تاريخ عصره فحسب، بل عن جميع حضارة ذلك العهد، فتراه يعرض لجميع الظواهر الاجتماعية بالسرد حتى تلك التي يهملها المؤرخون عادة، فتمر أمام أنظارنا مراسيم البلاط في مملكة مالي وأزياء الناس المختلفة وعاداتهم وتقاليدهم وحرفهم وأصناف الأطعمة والمواد الغذائية.

والحقيقة أن ابن بطوطة تحدث حديثا صادقا أمينا عن كل شيء شاهده في رحلته السودانية، وهو في نهاية الأمر لم يكن يستطيع غير ذلك، لأن الحديث عن الرحلة وتسجيل هذا الحديث بيد كاتب السلطان، كان بشكل أو بآخر تقريرا مقدما للسلطان أبي عنان، وهذا بالذات هو الذي جعل الباحثين في مختلف مجالات البحوث والدراسات الإفريقية يهتمون بما قاله اهتماما شديدا ويدرسونه دراسة دقيقة أدت في نهاية الأمر على رد الاعتبار إليه وإلى إعلان الثقة في رواياته، وبصفة خاصة تلك التي تربط برحلته في السودان الغربي. وقد بلغت ثقة بعض الباحثين في ابن بطوطة الحد الذي أصبحوا يشكون في صحة بعض المعلومات التي جاءت في مصادر أخرى ولم يذكرها ارحالة في رحلته. وهكذا أصبح « المسكوت عنه» في رحلة ابن بطوطة يثير الشك ويحتاج إلى إعادة النظــــر(10).

ولابد من الإشارة هنا إلى أن رحلة ابن بطوطة لقيت ما تستحقه من عناية واهتمام عند عبد الرحمن السعدي صحاب كتاب تاريخ السودان، فقد ذكر هذا المؤرخ الإفريقي الفذ اسم ابن بطوطة في كتابه، ولاشك أنه أطلع على رحلته واعتمد على بعض ما جاء فيها من معلومات، وهذا وحده رد اعتبار لا مثيل له من مثقف سوداني لرحالة مغربي زار وطنه وتحدث عنه بأمانة وصدق.

ويمكن القول في نهاية الأمر، أن ابن بطوطة ترك لنا منجما من المعلومات القيمة التي استغلت وتستغل حاليا لتوضيح بعض جوانب التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والفني لمملكة مالي، ويكفي أن نذكر أن هذه المعلومات قد استعملت في تحديد موقع نياني عاصمة مملكة مالي(11) » ومدى استغلال الملح والنحاس في السودان الغربي، ومراكز إنتاج الذهب، ودور الفن الشعبي في الاحتفاظ بتاريخ الشعب في ذاكرة الناس،وانتشار اللغة العربية ومدى انتشار الإسلام والتقاليد الإسلامية، ومدى اختلاط الإسلام كعقيدة بالتقاليد الوطنية القديمة، وعلاقات مملكة مالي بالمشرق من ناحية وبالمغرب من ناحية أخرى، وتحديد الطريق الذي كان يربط منطقة السودان الغربي بمنطقة شمال إفريقيا. ويذكر ابن بطوطة في رحلته أن سلطان مالي منسا سليمان أقام حفله عزاء بمناسبة وفاة السلطان المريني أبو الحسن، وقد حضرها الأمراء والفقهاء والقاضي والخطيب الذين فرأوا القرآن ودعوا للسلطانين أبي الحسن رحمه الله ومنسي سليمان(12). أليس في هذا وحده الدليل على الرابطة الإسلامية القوية التي كانت تربط بين المغرب والسودان الغربي في هذا العصر؟

هذا عن ابن بطوطة، أما ابن خلدون، فقد كتب هذا المؤرخ مقدمته بعد إملاء ابن بطوطة لرحلته بحوالي 23 سنة (13)، وإذا كان هذا الأخير قد قام بذلك في وقت كان فيه السودان الغربي مزدهرا، فقد كتب ابن خلدون مقدمته ثم باقي كتاب العبر فيما بعد في وقت كان الانهيار قد بدأ يصيب ليس السودان الغربي فحسب، بل أيضا المغرب ومصر على حد سواء، وبدأت العلاقات تتأثر والتجارة تتعثر، ولم يعد ملوك مالي يزورون القاهرة ويذهبون للحج كما كان يفعل ملوك الفترة من عام 1260م إلى عام 1351م، حيث كان الحج إلى بيت الله الحرام قد أصبح من الفضائل العظمى التي تذكر للملوك الكبار(14).

لقد استكمل ابن خلدون معلوماته عن السودان الغربي عندما انتقل إلى القاهرة سنة 1382 م وأطلع على ما كتبه ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار وممالك الأمصار(15)، ثم ظل يستكمل معلوماته ويضيف معلومات جديدة كان يستقيها من الحجاج السودانيين القادمين للحج والمارين على القاهرة، أي أنه اعتمد الرواية الشفوية في ما كتبه عن السودان الغربي، أي أنه اعتمد الوسيلة التي يعتمدها حاليا المؤرخون الأفارقة والمتأفرقون باعتبارها أحد العناصر الأساسية لكتابة تاريخ مملكة مالي. ونظرا لقيمة المعلومات التي جاء بها ابن خلدون، والسياق الذي قدمت فيه تلك المعلومات، وما جاء في المقدمة من تفسير للتاريخ على ضوء تطور الأوضاع الاقتصادية للمجتمع البشري في صورته البدوية والحضرية والمدنية، فقد اعتبره المؤرخون الأفارقة مؤرخا إفريقيا عظيما بل ومؤسس علم التاريخ الإفريقي، ليس فقط لأنه خصص في مقدمته حيزا هاما لجغرافية إفريقيا ولتاريخها، وإنما أيضا لأنه أثار مسائل وقضايا لم يحدث أن أخضعت قبله لفحص منظم، وكذلك لأنه تميز عن كل من سبقه من العلماء المسلمين، ليس فقط بكونه قد وضع فلسفة للتاريخ، وإنما – وبصفة خاصة – لأنه لم يكن يصدق كل المعلومات التي كانت تصله عن السودان الغربي، بل كان يغربل تلك المعلومات ويحاول الوصول إلى الحقيقة خطوة، مستعملا في ذلك النقد والتحليل والمقارنــــــــة (16).

ولهذا – ولهذا بالذات – يعتبره المؤرخون الأفارقة مؤرخا إفريقيا معاصران وإليه يرجع الفضل في معرفة كثير من الحقائق عن السودان الغربي وبصفة خاصة عن مملكة مالي وعلاقاتها مع الأقطار الإسلامية شمال الصحراء الكبرى.

والحقيقة أن ما كتبه ابن خلدون عن مملكة مالي يعتبر القاعدة الصلبة المتينة التي يقوم عليها تاريخ هذه المملكة ، ولابد من الإشارة إلى أن ابن خلدون توقف في حديثه عن مملكة مالي عند عام 1390 م، فهو لم يذكر الأحداث التي جاءت بعد ذلك، بل سكت عنها رغم أنه ظل يجمع الروايات الشفوية عن هذه المنطقة حتى قبيل وفاته سنة 1406 م. ومن العجيب أن المصادر الأخرى كلها نهجت نهج ابن خلدون ولفها الصمت فيما يتعلق بأخبار ملوك مالي بعد سنة 1390 م، بما في ذلك تاريخ السودان للسعدي وتاريخ الفتاش لمحمود كعت التنبوكتي.

وقد اهتم ابن خلدون بإبراز العلاقات التي كانت بين المغرب في عهد السلطانين أبي الحسن وابنه أبي عنان من بني مرين، ومملكة مالي في عهد ملكيتها الكبيرين منا موسى ومنسا سليمان اللذين زارا مصر وذهبا للحج وتركا وراءهما سيلا من الأخبار التي أصبحت أساطير وحكايات في حوليات المشرق العربي.

ونفهم من حديث ابن خلدون أن العلاقات بين المغرب ومملكة مالي بلغت أوج ازدهارها بصفة خاصة في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، وهو يشير إلى ذلك بقوله : «…كان بين هذا السلطان منسا موسى وبين ملك المغرب لعهده من بني مرين السلطان أبي الحسن مواصلة ومهاداة سفرت بينهما فيها الإعلام من رجال الدولتين واستجاد صاحب المغرب من متاع وطنه وتحف ممالكه مما تحدث عنه الناس …وتوارثت تلك الوصلة أعقابهما»(17).

وتجب الإشارة إلى أن ابن خلدون أورد في مقدمته معلومات في منتهى الأهمية عندما تحدث عــــــن « الجزر الخالدات » (18)،وقد اعتبرها ضمن منطقة السودان الغربي، وهذه المعلومات التي ذكرها تهم الباحثين في الانثروبولوجيا، ولكنها تهم أيضا وبالدرجة الأولى الدارسين المهتمين بالمحاولات المبكرة التي قام بها الأوروبيون للتغلغل في جنوب المحيط الأطلسي في محاذاة الشواطئ الغربية للقارة الإفريقية (19).

أما عن المعرفة التي أضافها ابن بطوطة وابن خلدون إلى ما كان يعرفه الناس عن السودان الغربي، فبالنسبة لابن بطوطة فقد أشرت إلى موقف ابن خلدون منه، والواقع أن عامة المؤرخين والجغرافيين المسلمين الذين عاصروه أو جاءوا بعده، نظروا إليه نظرة استخفاف شديد لا يستحقها، وقد اعتبرت رحلته وربما حتى الآن عند الأغلبية الساحقة من المثقفين والمتعلمين المسلمين رحلة مغامرات وتسلية فقط لا غير، بينما على العكس من ذلك، فقد استفاد منها الأوروبيون استفادة كبرى، إذا ترجم الألمان في سنة 1808 م الجزء الخاص بمالي من موجز للرحلة كان قد وضعه شخص اسمه البيلوني في القرن السابع عشر الميلادي، وقد سمى الألمان هذا الجزء ب« الرحلة الإريقية ». ولاشك أن الرحلة هنريش بارث ( BARTH) أطلع عليه قبل أن يبدأ رحلته المشهورة إلى السودان الغربي في سنة 1850 م، وأنه استفاد من وصف ابن بطوطة الدقيق للطريق الصحراوي الرابط بين شمال إفريقيا وغربها.

ولكن يبدو أن الفرنسيين هم الذين استثمروا الرحلة واستفادوا من معلوماتها أكثر من غيرهم، فقد عثروا على مخطوطة كاملة لتحفة النظار في إحدى مكتبات الجزائر عندما احتلوها سنة 1830 م، وقام (20)، ثم استطاع المستشرقون الفرنسيون في عام 1858 م إخراج أول طبعة كاملة للرحلة مصحوبة بترجمة فرنسية في أربعة أجزاء، ولاشك أنها أعطتهم حينئذ صورة واضحة عن المناطق الصحراوية جنوب المغرب وعن منطقتي نهر النيجر وتمبكتو التي احتلوها في نهاية القرن التاسع عشر.

أما عن ابن خلدون، فإنني أحيل القارئ الكريم على أعمال ندوة ابن خلدون الممتازة التي عقدتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في فبراير 1979، وبصفة خاصة على البحث القيم الذي قدمه أستاذنا الكريم العلامة سيدي محمد المنوني، فإن في ذلك ما يكفي للاطلاع على مدى استفادة الذين جاءوا بعد ابن خلدون من المعرفة الجديدة التي قدمها للإنسانية.

1) سنستعمل في هذه الدراسة عبارة «السودان الغربي» لأنها أكثر تحديها من كلمة «السودان» ولأنها هي المنطقة التي جرت فيها الأحداث التي اهتم بها وأشار إليها ابن بطوطة وابن خلدون في كتاباتهما.

2) هذا هو الذي دفع ابن فضل الله العمري إلى الاهتمام في كتابه «مسالك الأبصار من مسالك الأمصار» بذكر أخبار مملكة مالي وأفراد لها الباب العاشر بأكمله، ويدل على ذلك ما ذكر» في فاتحة كتابه أنه لم يقصد »… من المعمورة سوى المسالك العظيمة…».

(ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ـ القاهرة، دار الكتب المصرية، 1924. ص 4).

3) وكنموذج أذكر ما كتبه ابن خلدون في مقدمته عن حكاية أوردها أبو عبيد الله البكري في كتابه «المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب»: «…وهذه الحكاية من مذاهب العامة ومباحثهم الركيكة، والبكري لم يكن من نباهة العلم واستنارة البصيرة بحيث يدفع مثل هذا أو يتبين خرقه فنقله كما سمعه » ( ابن خلدون : المقدمة ـ بيروت، دار الكتاب البناني، 1967).

.
.
.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *