بحث عن منهج الادب الاسلامي جاهز doc‎

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فللأدب الإسلامي أهميته الكبيرة ومكانته العظيمة، وقد اهتم العلماء به وأولوه عناية بالغة، فجاءت مصنفاتهم تخدم هذا النوع من العلم.

وأما أسباب اختيار هذا الموضوع فللأسباب الآتية:

1-وضوح معالمه وسهولة تناوله ووفرة مراجعه مما يعود على الباحث بالفائدة والنفع الكبير.

2-خص الله هذه الأمة بدين الإسلام وكل موضوع يتناول هذا الدين فهو خير وبركة.

وقد قسمت خطة البحث إلى ما يلي:

التمهيد:

للأدب الإسلامي أهمية كبيرة ، فهو يعد وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، ولون من ألوان الجهاد في سبيل الله، فهو من جهاد البيان.

اهتم الإسلام به وأشادت نصوص الوحيين به وأعلت من منزلته، لما له عظيم الأثر على البشر.

وقد حرص الإسلام على الاستفادة من الأدب وتوظيفه في الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله.

ولما له من الأهمية الكبيرة، والحاجة الماسة لتحديد معالمه وتمييزه كعلم مستقل كانت هذه الدراسة، والتي أسأل الله تعالى أن يوفقني فيها للإخلاص والصواب والسداد… اللهم آمين.

المبحث الأول : تعريف الأدب الإسلامي وغاياته وفنونه.

تعريف الأدب لغة:

لقد جاء في “لسان العرب” إلماع إلى معنى الأدب في اللغة؛ فقد ورد فيه: أن أصل الأدب هو الدعاء، ومنه قيل للصنيع يدعى إليه الناس: مدعاة ومأدبة. والأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس سمّي أدباً، لأنه يأدِب الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح[1]

ويتضح من المعنى اللغوي للأدب أنه يقود إلى محامد الخصال، ويرشد إلى فضائل الأمور، كما ينهى عن مساوى ء العادات، وينفر من قبائح الصفات وذلك من خلال فنونه المختلفة ، وعن طريق صوره المتعددة.[2]

تعريف الإسلام لغة:

قال ابن فارس رحمه الله تعالى:(سلم):السين واللام والميم معظم بابه من الصحة والعافية؛ فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى.

ومن الباب أيضاً:الإسلام، وهو الإنقياد؛ لأنه يسلم من الإباء والامتناع.[3]

تعريف مصطلح الأدب الإسلامي.

وقد عرّف عبدالرحمن رأفت الباشا الأدب الإسلامي فقال عنه :”هو: التعبير الهو التفني الهادف عن وقع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب تعبيراَ ينبع من التصور الإسلامي للخالق عزّ وجلّ ومخلوقاته.[4]

غايات الأدب:

إن أدباً ينبع من التصور الإسلامي ويصدر عنه ، يصبح جليل الغاية ، سامي الهدف ؛ وذلك لأن غايات الإسلام نفسها صارت هي غاياته وأهدافه ، وذلك بمقتضى وصفه بأنه (إسلامي) ، فصارمن جملة غاياته – التي تتخلل فنونه ووسائله – إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتربية ناشئتهم ، وإسعاد نفوسهم وإدخال البهجة والمسرّة عليهم ، وتسليتهم بكل ماهو نافع ممتع. كما يهدف هذا الأدب إلى إشاعة الخير في أوساط المسلمين ، وتزيينه في قلوبهم ، وعرض الشرّ أمام أعينهم في صورة منفّرة محذّرة ، ومحاربة قبيح الفكر، وساقط العادات ، وتزكية كل ما فيه حق وجمال. ويتصدر غاياته -أيضاً- التصدي لأعداء الأمة المسلمة ، الذين يتربصون بها الدوائر، ومناقشة شبههم الضالة ، ومقارعة آرائهم المنحرفة، ودحضها ببرهان القرآن الدامغ ، وتعريتها بضوء السنة اللامع ، وذلك حتى يسلم لأمة الإسلام كيانها ، ويستقيم شبابها ، ويعلو مجدها ، فتعود -كما كانت – خير أمة أخرجت للناس. ولم تنل الامة المسلمة هذه التزكية الشريفة -من بين الأمم- لشرف في نسبها ، أو لتميز في خلقها ، وإنما حظيت بذلك وفازت بها لكونها تأمر بالمعروف وتنتهي عن المنكر، وتومن بالله، فإذا تخلت عن ذلك وتجردت منه وسادت فيها الأداب القبيحة والأخلاق الذميمة….فقد آذنها الله سبحانه بسلب تلك التزكية عنها ومحق كيانها ، واستبدالها خير منها  بألا تكون على شاكلتها، وفي هذا تحذير ونذير؛ فقد قال عزّ وجلّ: ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم﴾[5].[6]

فنون الأدب:

إن فنون الأدب كثيرة متعددة ، وجميعها يسهم في تحقيق تلك الغايات المتقدمة ، فتارة تكون الخطابة منبراً رائداً ، يعلوه الخطيب ، فيهز الأسماع ، ويأخذ بالألباب ، ويشحذ الهمم ، ثم ينفذ إلى مراده في عزم ومضاء. وتارة يكون القصة ميداناً فسيحاً ، يتظافر أشخاصها على حبك أحداثها ، كل بحسب مركزه ، حتى تصل القصّة إلى العقدة ، ثم تنفرج عن مغزى لطيف ، يصحح عادة قبيحة ، أو يزيل شبهة رائجة ، أو يغرس فكرة نيّرة . وتارة أخرى تكون المسرحية أنسب حالاً ، وأخصب مجالاً من غيرها وأقدر على المعالجة والتأثير ، وبخاصة لدينا _نحن المسلمين-فإنا تراثنا الإسلامي ثرّ غني بالمغامرات المثيرة ، عامرة بالبطولات النادرة ، التي تشكل مادة المسرحية ، وتجعل أحداثها مثيرة ممتعة ، وقد يكثر الأشخاص ، ويطول النفس وتتعدد الفصول ، وهذا ما يسمّى بفن الرواية. ومن حق الأديب المسلم أن يتجه إلى فن آخر من فنون الأدب ، يجمع بين التحري التاريخي ، والإمتاع القصصي ، ويراد به تناول حياة فرد من الأفراد ورسم صورة دقيقة لشخصيته[7] ، مادة صالحة ، لأن تكون سيرة ذاتية يكتبها الأديب نفسه عن نفسه ، وهذه هي السيرة الذاتية[8] ، وإذا سطر الأديب قطعة نثرية ؛ فعالج فيها ناحية من نواحي المعرفة ، أو شأناً من شؤون الحياة ، فقد ركب فن المقالة . قد تعبّر القطعة النثرية عن فكرة طارئة ، أو لمحة  عابرة ، تجاه أمر ما ، ينتهي فيها الكاتب إلى فكرة أو عبرة ، وهذا ما يطلق عليه فن الخاطرة ، التي قد لا تتجاوز الأسطر. وأما إذا عاني الأديب تجربة شعرية ، وانفعل بأمر ما ، ثم جادت قريحته بتلك المشاعر والانفعالات ، وبرزت في قوالب شعرية مؤثرة ، فهذا هو فن الشعر.[9]

المبحث الثاني: تاريخ، ومرجعية الأدب الإسلامي.

تاريخ الأدب الإسلامي:

إن الجديد في الأدب الإسلامي ، إنما هو المصطلح فقط ، واستحداث مصطلح لموضوع ما ، ليس بدعاً ؛ فقد استحدثت آلاف المصطلحات في العلوم الإسلامية والعربية ، مما لم يكن لها وجود في عصر النبوة والخلافة الراشدة. فأصول التفسير مثلاً قد استقيت مادته ، وقواعده من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وفتاوى الخلفاء الراشدين ، والصحابة والتابعين -رضي الله عنه- ؛ لكنه لم يتشكل في صورة علم ، ولم يأخذ هذا الاسم إلا في عصور متأخرة ، ومثل ذلك أصول الحديث ، وغيره كثير جداً في العلوم الشرعية .والذي يرفض مصطلح الأدب الإسلامي بحجة عدم وجوده في الماضي ؛ يلزمه أن يرفض مصطلح (الأدب العربي) ؛ لأنه مُحْدَث ، ولم يعرفه الأقدمون ، ولم يستعمل إلا في العصر الحديث.[10]

لقد رأينا أن الأدب الإسلامي قديم قدم الإسلام نفسه ، وأن الجديد هو المصطلح نفسه ، الذي يمثل وجوده دعوة ملحة إلى إيجاد مذهب أدبي يتعامل مع مدارس الأدب وقضاياه ، وفق رؤية إسلامية.

ولقد تأخرنا كثيراً في إيجاد هذا المذهب ، في الوقت الذي سبقنا فيه الكثيرون إلى إيجاد مذاهب أدبية ، تعكس قيمهم ، ومبادئهم ، وتدافع عنها ، وتقدمها تقديماً مؤثراً يُغري بها ، ويشجع على قبولها.

ويُعدُّ أبوا لحسن النّدوي (1333هـــ-1419هـــ) أول من نبّه إلى قراءة مكتبة التراث العربي من جديد ، والخروج من إطار الأدب المتكلف المتصنع إلى الأدب العفوي الذي يصدر عن أدباء الفطرة ، الذين يجيدون التعبير البلاغي الجميل ، سليقة ، وفطرة ، من دون تكلف ، أو تعنت.

وفي هذا السياق يرى النّدوي ألا تقتصر على مراجع الأدب ، ومصادره  المعتادة ، بكل نكتشف روائع القول البليغ المؤثر في آفاق أخرى مثل : كتب الحديث النبوي ، والسيرة النبوية ، والمغازي ، والتاريخ ، والسير ، والتراجم ، والطبقات ، ونبّه إلى أن في هذه المؤلفات كنوزاً من النصوص الأدبية الفائقة ، التي تجمع بين جمال الشكل ، وسلامة المحتوى.

كانت هذه الدعوة من أبي الحسن النّدوي إرهاصاً لضرورة البحث عن الُهوية الإسلامية في الأدب المعاصر ، وتطورت هذه الدعوة إلى عقد أول ندوة للأدب الإسلامي ، وكان ذلك في عام 1400هــــ في مدينة لكنو بالهند.

وهناك من يربط دعوة الشيخ النّدوي بظروف الأقلية المسلمة في الهند ، لكن الحقيقة أن شواهد النّدوي في طرح قضية الأدب الإسلامي مستقاة من واقع الأدب في البلاد العربية ، فقد كان يعيش همَّ العرب ، أكثر بكثير من بعض مثقفيه ، ونقاده. هذا مع أبا الحسن النّدوي نفسه عربي هاشمي ، فصيح اللسان والقلم[11].

مرجعية الأدب الإسلامي:

المرجعية في الأدب الإسلامي للنص الذي اجتاز شرط الفنية بنجاح ، وانطلق من منطلق إسلامي ، بشرط أن يكون الأديب مسلماً ، أما النص الذي يكون موافقاً لقيم الإسلام وصادراً عن أديب غير مسلم ، فإننا نقبله تحت اسم (الأدب الموافق ) كما قبل الرسول صلى الله عليه وسلم شعر أمية بن أبي الصلت المتفق مع قيم الإسلام مع أن صاحبه غير مسلم .

فللأدب العربي قيمة خاصة ميزان الأدب الإسلامي ، وغالب الأدب العربي أدب إسلامي ، والانحراف في تراثنا العربي يمثل – بحمد -استثناءً محدوداً ، على أن عروبة الأدب ، لا تعني كونه إسلامياً بالضرورة ، فهناك نصوص عربية تضمنت مخالفات شرعية ، وعقدية ، وأخلاقية ، مثل أشعار الخمريات ، والمجون.

كل أدب منحرف فن الإسلام انحرافاً عقدياً ، أو أخلاقياً ، فهو أدب غير إسلامي ؛ حتى وإن كُتب بحروف عربية.[12]

المبحث الثالث : خصائص الأدب الإسلامي.

إن للأدب الإسلامي خصائص تميزه عن غيره من الآداب ، ويمكن تحديد هذه الخصائص في طائفة من الأمور.

أولها : أنه أدب غائيّ هادف ؛ ذلك أن الأديب الإسلامي لا يجعل الأدب غاية لذاته – كما يدعو أصحاب “الفن للفن” – وإنَّما يجعله وسيلة إلى غاية.

وتتخلص هذه الغاية في ترسيخ الإيمان بالله عز وجل في الصدور ، وتأصيل القيم الفاضلة في النفوس ، وتفجير ما يكمن  في الذات الإنسانية من طاقات الخير والصلاح.

ثانيها: أنه أدب ملتزم ، ولكن التزامنا مغاير لالتزام الشيوعيين والوجوديين.

فهو التزام بالإسلام وقيمه ، وتصوراته ، وتقيد بمبادئه ومثله وغاياته.

وهو مسئولية وريادة في وقت معاً  ؛ فالمسئولية إنما هي أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء .

والريادة إنما هي إخلاص التوجيه لعامة المسلمين وخاصيتهم ، وكبارهم وصغارهم .

ثالثها : أنه أدب أصيل ، وتتجلى هذه الأصالة في انصباب أدب الأديب على الأصيل من خصائص أمته ، والنقي الصافي من صفاتها ، والرفيع الثمين من قيمها ومزاياها.

رابعها : أنه أدب متكامل ، ولا يتم هذا التكامل إلا بتآزر المضمون مع الشكل ؛ ذلك لأن المضمون وحده لا يبدع أدباً إسلامياً يغني الأفئدة ويثير المشاعر…ولا الشكل وحده ينتج أدباً إسلامياً ثميناً يثري العقول.

والأديب الإسلامي لا يستطيع تحقيق هذا الغرض السامي إلا إذا كان ممن اتسعت ثقافتهم ، وغنيت أفكارهم ، وملكوا في الوقت نفسه الطاقات الفنية المبدعة والمشاعر الإسلامي النبيلة .

خامسها : الاستقلال ، وذلك حين يتخلص الأدباء الإسلاميون بعامة والشباب منهم بخاصة من تأثير الأدباء والنقاد المشهورين الذين يجذبون إليهم من دونهم جذباً شديداً ، ويتحكمون في رؤيتهم للأشياء ، ونظرتهم إلى الحياة والكون ومبدعهما نظرةً تجافي الإسلام.

وهذا الاستقلال يتم بالتصميم من جهة ٍ، وبتكوين الشخصية الأدبية الإسلامية من جهة ٍأخرى ، بحيث لا يرى الأديب المسلم إلا بعين الإسلام ولا يحس إلا بإحساسه.

وإن ذلك يصدق – مثلاً – على حسان بن ثابت رضي الله عنه حين عمل على أن يتخلص من الشخصية الأدبية الجاهلية ، وأن يستبدل  بها الشخصية الإسلامية الجديدة.

كما ينطبق في عصرنا الحديث على “سيد قطب ” في نقلته الكبيرة التي محض فيها طاقاته الأدبية الثمينة لما يرضي الله ورسوله وقصرها عليه.

فإذا حركت أعماله الأدبية المشاعر العليا عند القراء ، وأثارت تفكيرهم السامي ، وأيقظت الروح الإسلامية في نفوسهم حظي بالانتساب إلى الأدب الإسلامي ، وعُد من الأدباء الإسلاميين.[13]

المبحث الرابع : مفهوم الشكل، وسماته في الأدب الإسلامي.

مفهوم الشكل: يراد بالشكل الصياغة الأدبية للفكرة، والقالب الفني الذي تصاغ به، وقد يطلق الشكل على الجنس الأدبي فيعد الشعر شكلاً، والقصة شكلا، والسيرة شكلاً، والمسرحية شكلاً، ويطلق الشكل أحياناً ويراد به النوع داخل الجنس الواحد، فتسمى القصة التاريخية شكلاً، والقصة الواقعية شكلاً، والقصة الفلسفية شكلاً، ومثل ذلك الأنواع المختلفة للشعر، الشعر الموزون، والشعر الحر، وشعر التفعيلة ، والموشحات.[14]

سمات الشكل:

الشكل منطقة محايدة للآداب كلها ، والأدب الإسلامي يهتم بالشكل ، ويسابق إلى توظيف الرائع منه . لكنه ليس مدرسة فنية خالصة حتى يطالب بخصائص ينفرد بها عن غيرها ، ومع ذلك فله بصماته حتى يطالب بخصائص ينفرد بها عن غيرها ، ومع ذلك فله بصماته الخاصة في مجال الشكل ، ومن ذلك تميزه بالسمات التالية :

1-انفتاحه على جميع فنون الأدب.

إذا أخذنا بمفهوم أن الفن الأدبي شكل من الأشكال فإن الأدب الإسلامي يفتح صدره لفنون الأدب كلها ، ولا ينحاز إلى فن دون آخر، في حين نجد أن الكلاسيكية تفضل المسرحية ، والرمزية تفضل الشعر ، والواقعية تفضل القصة .

أما الأدب الإسلامي فكل هذه الفنون لديه سواء ،لا ينحاز إلى واحد منها ، بل يوظفها جميعاً دون أن يقيد نفسه بفن واحد على حساب الفنون الأخرى .

2-توظيفه لجميع عناصر الأدب.

يقوم النص الأدبي على أربعة عناصر هي : الفكرة ، والعاطفة ، والخيال ، والأسلوب. ويتعامل الأدب الإسلامي بكفاءة عالية مع هذه العناصر كلها ، ويجعل ذلك شرطاً في نصوصه الإبداعية ، بينما نجد الاتجاهات الأيديولوجية تركز على المضمون ، والرمزية تركز على الخيال ، والرومانسية تركز على العاطفة ، والألسنية تركز على اللغة .

وبذا يخرج الأدب الإسلامي عن إشكالية التحيز إلى عنصر أدبي واحد ، مؤمنا بضرورة أن يعطي كل ذي حق حقه ؛ لتتكامل الفنية في الأدب ، وهي سمة قل أن توجد في غيره من الآداب .

3-الإفادة من القرآن الكريم والحديث النبوي.

وضعت الكلاسيكية في أوربا الأدب اليوناني القديم نموذجا لها ، ونسجت أدبها على منواله ، فكان ذلك سبباً في ثورة الرومانسية عليها ، واتهامها بالجمود والتحجر. ووضع الحداثيون العرب الحداثة الغربية نموذجاً لهم ، فلم ينل الأدب العربي المعاصر إلا الضعف الشديد ، والتخلف المهين .

أما الأدب الإسلامي فإنه يهتدي بأساليب القرآن والحديث النبوي ، ويجد فيها نموذجاً فذاً لا نظير له ، يحمل الأدب على الارتفاع في معارج الإبداع إلى مكانة عالية رفيعة .

ولن يفرط الأدب الإسلامي في هذه الكنوز العظيمة ، بل سوف يستثمرها ، ويجعلها عنصراً مؤثراً في النص الأدبي ، وبخاصة في الفنون النثرية : كالرواية ، والمسرحية .

4-السلامة الشرعية للألفاظ.

الأدب الإسلامي يبتعد عن الألفاظ والعبارات التي نُهي المسلم عنها مثل ألفاظ : سب القدر ، أو الاعتراض عليه ، أو سب الريح ، أو الدهر ، أو القسم بغير الله تعالى ، أو العبارات الفاحشة البذيئة ، التي تخدش الحياء العام ، وتخرم المروءة.[15]

كما يدعو إلى احترام الألفاظ وعدم ابتذالها في سياقات منحرفة ، كأن يخاطب المحب محبوبته بقوله : يا معبودتي ، وأعبدك ، أو نحو ذلك ، وأرى من ذلك ضرورة احترام لفظة (الخلق) التي تستعمل في سياقات مختلفة كقولهم (الخلق الفني) ؛ فمصطلح (الخلق) اختص الله به قال تعالى : ﴿ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ ﴾[16]، وقوله تعالى﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء﴾.[17]

5-السلامة اللغوية للألفاظ.

الأدب الإسلامي يرفض اللغة الضعيفة ؛ لأن ضعفها سيؤدي إلى ضعف النص الأدبي كله ، كما يرفض اللهجات العامية التي يمثل نشرها تهديداً للغة الفصحى ، ويضيق من دائرة انتشار أدب الأديب ، وتجعله في حدود منطقة معينة ، من مناطق بلاده ، لا يكاد يتجاوزها إلى غيرها ، فاللهجة العامية يجب أن تبقى في إطار مستواها المعيشي الشفهي ، الذي يعد ضرورة لا بد منها ، بيد أن من الخطورة بمكان جعلها لعة الثقافة .

6-رفض العبث والغموض.

هنالك من الآداب المعاصرة من وقعت أسيرة الغموض الذي تحول إلى هدف مقصود بذاته ، جعل الأدب بلا معنى ، ولا فكرة ، ولا غاية. فهو أشبه بالطلاسم والألغاز ، وبالهذيان المحموم . فلا يخرج  القارىء منه بجملة مفيدة ، وهذا العبث دفع القراء إلى سحب ثقتهم بالأدباءـ، وتقليل اهتمامهم بالأدب ، والأدب الإسلامي يرفض ذلك ؛ لأنه أدب هادف يحترم القارى ء ويقدره.[18]

المبحث الخامس: مفهوم المضمون، وسماته في الأدب الإسلامي:

مفهوم المضمون: المضمون هو الفكرة التي يعبر عنها بالنص، ويسمى المحتوى، وهو الرسالة التي يريد أن ينقلها الأديب إلى القارىء.[19]

سمات المضمون:

للمضمون في الأدب الإسلامي عدة سمات منها :

1-سعة المضمون.

أن المضمون في الأدب الإسلامي يمنح الأدب فرصا واسعة للخروج عن نطاق الموضوع الواحد ، الذي يدفن الأديب فيه نفسه ، ويبقى أسيراً له ، وإن شاعراً مثل نزار قباني فوّت فرصا رائعة ليكون شاعراً عظيماً حين بقي كثير من شعره في إطار الحديث عن الزناة ، والبغايا ، ولذا فخروجه إلى موضوعات سياسية ، ووطنية ، كانت هي السبب في زيادة شهرته ، وجماهريته. يقول الدكتور محمد الشامخ : إن موضوعات الأدب الإسلامي واسعة لسعة الخيال الإنساني الذي يحلق في الأعالي ولا يسف نحو الوهاد والسفوح ، عريضة كعرض الكون الذي خلقه الله ، وهي عميقة مثل عمق الحياة التي أبدعها الله .

والأديب المسلم يعلم أن الله لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، وأن الله لم يخلق الإنسان إلا ليرقى إلى مقام عبوديته ، ويبلغ منرلة الخيرية ، ولذلك فإن أدبه ينطلق من هذه الحقيقة فيتنكب طريق الباطل ، وينأى بنفسه عن اللهو والعبث ، ليتلاءم صوته مع رسالة الكون ، وليتفق سعيه مع غاية الخلق ، وحكمة الوجود.

2-الأفق الروحي والإيماني.

في الأدب الإسلامي آفاق رحبه واسعة ، لموضوعات لا تخطر في بال كثير من الأدباء ، أو قد تخطر في أذهانهم ، لكنهم يعرضون عنها جهلاً بما توفره من مجالات رائعة للإبداع ، فمعرفة الله سبحانه وتعالى أفق يتيه في عظمته الشاعر ؛ فمن عرف الله هان عليه ما سواه ، ومن ذلك تقليب النظر في الكون والتفكر في آيات الله ومخلوقاته ، وهو أفق آخر من الآفاق الكبيرة التي يبدع فيها الأدب الإسلامي، وينقل القارىء من النظر في موطئ قدميه ؛ ليحمله إلى أجواء الفضاء ، وليجد نفسه في عالم من الطهر، والنقاء ، والصفاء ، فيرى الأرض …كل الأرض كحبة رمل في الصحراء.

وبذا تزول الفكرة السائدة من أن الإبداع لا يعيش إلا في مستنقع الجرائم الخلقية القذرة ، فعالم الروح أوسع مدى من عالم الحس الضيق النطاق الذي لا يرفضه الأدب الإسلامي ، ولا يهمله، لكنه لا يقتصر عليه .

3- مخاطبة الفطرة.

 الأدب الإسلامي قادر على النجاح خارج جمهوره المعتاد ، وقادر على أن يغرد خارج سربه ، وأن يضيف إلى جمهوره الخاص جمهوراً أوسع ، وذلك حينما يعزف على وتر الفطرة النقية التي لها صداها عند كل إنسان ، وفي كل أرض ، كالتعبير عن الرحمة ، والصدق ، والتضحية ، وبذا يثبت قدرته على التواصل ، وإقامة الجسور مع الآخرين . فلغة الفطرة لغة عالمية ، يجيدها كل الناس ، ويحبون الإصغاء إليها وسماع الحديث بها .

4-أخلاقيته وسموه.

إن المضمون في الأدب الإسلامي بعيد عن الفحش ، والخناء ، وسفاسف الأمور، ومن هنا تعظم قيمته ، وجعل النقاد العرب شرف المعنى أول شرط في عمود الشعر العربي ؛ تأكيداً منهم لأهمية المضمون الأخلاقي ودوره في رقي النص الأدبي ، حيث يكون بعيداً عن الدناءة ، بعيداً عن البذاءة ، وبذا يحقق سمواً وارتفاعا ، وعلواً في الأهداف لكي يكون الإنسانُ إنساناً.

5-إيجابيته.

الأدب الإسلامي أدب إيجابي يبنى ولا يهدم ، ويجمع ولا يفرق ، ويصلح ولا يفسد ، يفتح أبواب الأمل الموصدة في أعين البائسين ، ويثير الهمم إلى معالي الأمور ، ويساعد في تشكيل عقل القارىء وقلبه ؛ لكي يكون قادراً على صناعة الحياة ، والنجاح فيها بذلك يختلف عن الآداب الأخرى ، التي يركز مضمونها على إثارة الغرائز، ودغدغة المشاعر، وتهييج النفوس ، مما يؤدي إلى وقوع القراء بالفواحش والآثام التي يغريهم بها ، ويزينها في عيونهم ، وأي أدب يسعى إلى ذلك فهو أدب عدائي للإنسان ، والحياة.[20]

المبحث السادس : حاجتنا إلى الأدب الإسلامي:

عبَّر القرآن الكريم عن مسؤولية الكلمة بقوله تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[21]، وعبَّر عنها الحديث الشريف بقوله ﷺ : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يريد بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار).[22]

وإذا كان ذلك التحذير الشديد مختصاً بالكلمة (العادية) المحدودة الأثر التي يتكلم بها الإنسان (العادي) ؛ فهو في حق الكلمة الأدبية المؤثرة، في النفوس ، وفي حق الأديب المؤثر في الناس من باب أولى .ولذا يجيء الأدب الإسلامي ليؤكد مسؤولية الكلمة الأدبية ، ويدعو الأديب أن يعي أهميتها ، وتأثيرها ، وخطورتها .

لقد تعرض الأدب العربي المعاصر – وما يزال -إلى رياح التغريب العنيفة التي أودعته قيماً غريبة، ومفاهيم منحرفة في : الحرية ، والمرأة ، والأسرة ، والمجتمع ، والمال ، والتعليم ، قيما مخالفة كل المخالفة لما جاء به الإسلام الحنيف ، فأصبح من الضروري التأكيد على إسلامية الأدب ، والدعوة إلى أدب يعكس قيم الأمة المسلمة ومبادئها ، ويحدد علاقة هذا الأدب بالآخر ، وعلاقته بالقضايا النقدية ، والمدارس الأدبية ، وكيف يتم التعامل معها .

الأدب الإسلامي يرفض الآداب التي تصادم العقيدة ، ويتصدى لظاهرة الطعن في الدين ، أو تهميشه في الفنون الأدبية .

الأدب الإسلامي يوقف إشاعة ثقافة الزنا ، والشذوذ ، من خلال القصص ، أو الأشعار ، أو المسرحيات ، أو المقالات ، التي تجعل من الانحراف الخلقي نمطاً من أنماط السلوك الاجتماعي ، وتنظر إلى مرتكبي الفواحش على أنهم أبطال متحررون ، وتنتقد المجتمع الذي يرفض تلك المنكرات ، وتحرض المرأة المسلمة على الخروج على حجابها ، وعفا فها ، وحيائها .

الأدب الإسلامي يمنع انتشار أدب العبث ، والغموض ، الذي يفسد الذوق الأدبي العام ، ويقطع الصلة بتراث الأمة العظيم .

الأدب الإسلامي يبتعد عن إثارة الشبهات الفكرية التي تدعو إلى الانحراف العقدي ، أو الأخلاقي ، وتغير المفاهيم والقيم ، وتهز الثوابت والمسلَّمات.[23]

.
.
.

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *