في الركاز الخمس.. الكنز

ـ استدل ّ أبو حنيفة ومن وافقه بقول رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) (في الركاز الخمس ) قالوا المستخرج من الأرض نوعان : أحدهما يسمّى الكنز، وهو المال الذي دفنه بنو آدم في الأرض والثاني يسمّى معدناً، وهو المال الذي خلقه اللّه تعالى في الأرض يوم خلق الأرض ، والركاز اسم يقع على كل واحد منهما الاّ ان ّ حقيقته للمعدن واستعماله في الكنز مجاز.
على حين قال مالك والشافعي وفقهاء الحجاز لعامّة المعدن ليس بركاز بل هو الكنوز المدفونة فى الأرض من عهد الجاهلية بدليل ما رواه الجماعة عن ابي هريرة ان النبي (صلي الله عليه و آله ) قال : ((العجماء جرحها جُبار والبئر جُبار والمعدن جُبار وفي الركاز الخمس )).
فقد فرّق النبي (صلي الله عليه و آله ) في هذا الحديث بين المعدن والركاز بواو العطف فصح ّ انّه غيره .
ولم يوجد من أهل اللغة من يحسم النزاع بين الفريقين فقد كان في فقهاء العراق راسخون في اللغة كمحمد بن الحسن ومن فقهاء الحجاز راسخون فيها كالشافعي .
واستدل ّ الشيخ الطوسي في الخلاف على وجوب الخمس في المعادن كلّها مضافاً إلى آية سورة الأنفال بقول النبي (صلي الله عليه و آله ) : ((في الرّكاز الخمس )) قال : والمعدن ركاز .
واستدل ّ أيضاً على وجوب الخمس في الكنز بقوله (صلي الله عليه و آله ) : ((في الركاز خمس )) .

وفي المبسوط للسرخسي : ان ّ الخمس واجب في المعدن والكنز وان ّ قول النبي (صلي الله عليه و آله ) : ((في الركاز الخمس )) يشملهما .
وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن في تفسير الآية 267 من سورة البقرة : (( يا أيُّهَا الَّذين َ آمَنُوا أنْفِقُوا مِن ْ طَيِّبا ت ِ ما كَسَبْتُم ْ وَمِمّا أخْرَجْنا لَكُم ْ مِن َ الأرْض ِ)):
قوله تعالى وممّا أخرجنا لكم من الأرض يعنى ((النّبات والمعادن والرّكاز)) وهذه أبواب ثلاثة تضمّنتها هذه الآية ، أمّا النّبات فروى الدّارقطني عن عائشة قالت : جرت السنّة من رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) : ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة والوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة ، وقد احتج ّ قوم لأبي حنيفة بقول اللّه تعإلى : (( وَمِمّا أخْرَجْنا لَكُم ْ مِن َ الأرْض ِ )) وان ّ ذلك عموم ٌ في قليل ما تخرجه وكثيره وفي سائر الأصناف ورأوا ظاهر الأمر الوجوب .
وأمّا المعدن فروى الأئمّة عن أبي هريرة عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) انّه قال : ((العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الرّكاز الخمس )) قال علماؤنا: لمّا قال (صلي الله عليه و آله ) وفي الرّكاز الخمس دل ّ على ان ّ الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز لأنّه (صلي الله عليه و آله ) قد فصّل بين المعادن والرّكاز بالواو الفاصلة ولو كان الحكم فيهما سواء لقال : والمعدن جبار وفيه الخمس ، فلمّا قال وفي الركاز الخمس علم ان ّ حكم الرّكاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه ، واللّه أعلم .
والرّكاز أصله في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذّهب والفضّة
والجواهر وهو عند سائر الفقهاء كذلك لأنّهم يقولون في النّدرة الّتي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لاتنال بعمل ولابسعي ولا نَصَب ، فيها الخمس لأنّها ركاز، وقد روي عن مالك ان ّ النّدرة في المعدن حكمها حكم ما يتكلّف فيه العمل ممّا يستخرج من المعدن في الرّكاز، والأوّل تحصيل مذهبه وعليه فتوى جمهور الفقهاء.
وروى عبداللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن جدّه عن أبي هريرة قال : سئل رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) عن الرّكاز قال : ((الذهب الّذي خلق اللّه في الأرض يوم خلق السماوات والأرض )) عبداللّه بن سعيد هذا متروك الحديث ، ذكر ذلك ابن أبي حاتم وقد روي من طريق آخر عن أبي هريرة ولا يصح ّ، ذكره الدّارقُطني ودفين الجاهليّة لأموالهم عند جماعة العلماء ركاز أيضاً لايختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام من الأموال العادية ، وأمّا ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللّقطة .
ثم ّ قال في حكم الرّكاز: واختلفوا في حكم الركاز إذا وجد، فقال مالك ما وجد من دفن في أرض العرب أو في فيافي الأرض الّتي ملكها المسلمون بغير حرب فهو لواجده وفيه الخمس .
وأمّا ما كان في أرض الإسلام فهو كاللّقطة قال : وما وجد من ذلك في أرض العنوة فهو للجماعة الّذين افتتحوها دون واجده ، وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنّه لأهل تلك البلاد دون الناس ولا شي ء للواجد فيه إلاّ أن يكون من أهل الدار فهو له دونهم ، وقيل : بل هو لجملة أهل الصلح .
قال اسماعيل : وانّما حكم للركاز بحكم الغنيمة لأنّه مال كافر وجده مسلم فأنزل منزلة من قاتله وأخذ ماله فكان له أربعة أخماسه .
وقال ابن القاسم : كان مالك يقول في العروض والجواهر والحديد والرّصاص ونحوه يوجد ركازاً ان فيه الخمس ، ثم ّ رجع فقال : لا أرى فيه شيئاً ثم ّ آخر ما فارقناه أن قال فيه الخمس وهو الصحيح لعموم الحديث وعليه جمهور الفقهاء.
وقال أبو حنيفة ومحمّد في الركاز يوجد في الدار: انّه لصاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس ، وخالفه أبو يوسف فقال : انّه للواجد دون صاحب الدار وهو قول الثوري .
وإن وجد في الفلاة فهو للواجد في قولهم جميعاً وفيه الخمس ولا فرق عندهم بين أرض الصّلح وأرض العنوة وسواء عندهم أرض العرب وغيرها، وجائز عندهم لواجده أن يحتبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجاً له وأن يعطيه للمساكين .
ومن أهل المدينة وأصحاب مالك من لا يفرّق بين شي ء من ذلك وقالوا سواء وجد الرّكاز في أرض العنوة أو في أرض الصلح أو أرض العرب أو أرض الحرب إذا لم يكن ملكاً لأحد ولم يدّعه أحد فهو لواجده وفيه الخمس على عموم ظاهر الحديث ، وهو قول اللّيث وعبداللّه بن نافع والشافعي وأكثر أهل العلم ، ثم تعرّض لحكم المعادن وقال : وامّا ما يوجد من المعادن ويخرج منها فاختلف فيه فقال مالك وأصحابه : لا شي ء فيما يخرج من المعادن من ذهب أو فضّة حتى يكون عشرين مثقالاً ذهباً أو خمس أواق فضّة ، فإذا بلغتا هذا المقدار وجبت فيهما الزكاة ، وما زاد فبحساب ذلك ما دام في المعدن نيل ، فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل آخر فإنه تبتدء فيه الزكاة مكانه ، والرّكاز عندهم بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه ولا ينتظر به حولاً.
قال سحنون في رجل له معادن : انّه لا يضم ما فى واحد منها إلى غيرها ولايزكّى إلاّ عن مأتي درهم أو عشرين ديناراً فى كل واحد.
وقال محمد بن مسلمة يضم بعضها إلى بعض ويزكّي الجميع كالزّرع .
وقال أبو حنيفة وأصحابه المعدن كالرّكاز فما وجد فى المعدن من ذهب أو فضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد منهما، فمن حصل بيده ما تجب فيه الزكاة ، زكّاه لتمام الحول ان أتى عليه حول وهو نصاب عنده ، هذا إذا لم يكن عنده ذهب أو فضّة وجبت فيه الزكّاة فإن كان عنده من ذلك ما تجب فيه الزكّاة ضمّه إلى ذلك وزكّاه وكذلك عندهم كل فائدة تضم ّ فى الحول إلى النصاب من جنسها وتزكّى لحول الأصل وهو قول الثوري .
وذكر المزني عن الشافعي قال : وأمّا الذي أنا واقف فيه فما يخرج من المعادن قال المزني : الأولى به على أصله أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يزكّي بحوله بعد إخراجه .
وقال اللّيث بن سعد ما يخرج من المعادن من الذهب والفضّة فهو بمنزلة الفائدة يستأنف به حولاً وهو قول الشافعي فيما حصله المزني من مذهبه وقال به داود وأصحابه إذا حال عليها الحول عند مالك صحيح الملك لقوله (صلي الله عليه و آله ) : ((من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول )) أخرجه الترمذي والدّارقطني واحتجّوا أيضاً بما رواه عبدالرحمن بن أنعم عن أبي سعيد الخدري أن ّ النبي (صلي الله عليه و آله ) أعطى قوماً من المؤلّفة قلوبهم ذهيبة في تربتها بعثها علي ّ من اليمن قال الشافعي : والمؤلّفة قلوبهم حقّهم في الزكاة فتبيّن بذلك ان ّ المعادن سنّتها سنّة الزكاة .
وحجة مالك حديث عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن ان النبي (صلي الله عليه و آله ) أقطع بلال بن الحارث المعادن القبليّة وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى إليوم إلاّ الزكّاة وهذا حديث منقطع الأسناد لا يحتج ّ بمثله أهل الحديث ، ولكنّه عمل يعمل به عندهم في المدينة ، ورواه الدَراوَردى عن ربيعة عن الحارث بن بلال المزني عن أبيه ذكره البزّار ورواه كثير بن عبداللّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جدّه عن النبي (صلي الله عليه و آله ) أنّه أقطع بلال بن الحارث المعادن القَبَليّة جَلْسِيَّها وغوريّها وحيث يصلح الأرض من قدس (القدس بضم ّ القاف وسكون الدال : جبل معروف وقيل هو الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة ) ولم يعطه حق مسلم ، ذكره البزار أيضاً وكثير مجمع على ضعفه .
قال إبن حزم في المحلّى في كتاب الجهاد:
مسألة ، ومن وجد كنزاً من دفن كافر غير ذمّي جاهلياً كان الدّافن أو غير جاهلي فأربعة اخماسه له حلال ويقسّم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة ولا يعطى للسلطان من كل ذلك شيئاً إلاّ أن كان إمام عدل فيعطيه الخمس فقط.
قال اللّه عزّوجل ّ: (( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَأَنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ )) الآية وقال تعالى : (( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُم ْ حَلالاً طَيِّباً )) ومال الكافر غير الذمّي غنيمة لمن وجده .
وروينا من طرق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة ان ّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) قال : ((وفي الرّكاز الخمس )).
ومن حديث رويناه من طرق يحيى بن سعيد القطان حدّثنا شعبة حدّثني إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة اُم ّ المؤمنين إن ّ رجلاً قال لها اصبت كنزاً فرفعته إلى السلطان فقالت له عائشة : بفيك الكثكث ، الكثكث التراب .
وقولنا هذا قول أبي سليمان ولا يكون وجوده في أرض متملّكة لمسلم أو ذمّي موجباً لملك صاحب الأرض له لأنّه غير الأرض فلا يكون ملك الأرض ملكاً لما فيها من غيرها من صيد أو لقطة أو دفينة أو غير ذلك ، وقال الشافعي كقولنا إلاّ أنّه قال إن ادّعى صاحب الأرض التي وجده فيها أنّه قد كان وجده ثم أقرّه فهو له وهذا ليس بشي ء لأنّه دعوى لا بيّنة له عليها فهو لمن وجده لأنّه في يده وهو غانمه إلاّ أن يوجد أثر استخراجه ثم ردّه فيكون حينئذ قول صاحب الأرض حقّاً وأمّا إذا وجد كما وضع أول مرّة فكذب مدّعيه ظاهر بلا شك ، وقال مالك لا يكون لواجده إلاّ أن يجده في صحاري أرض العرب فهو له بعد الخمس فإن وجده في أرض عنوة فهو كلّه لبقايا مفتتحي تلك البلاد وفيه الخمس ، فإن وجده في أرض صلح فهو كلّه لأهل الصلح ولا خمس فيه ، وهذا خطأ ظاهر من وجوه :
أوّلها، أنّه أسقط الخمس عمّا وجد من ذلك في أرض صلح وهذا خلاف قول رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ((وفي الرّكاز الخمس )) فعم ّ (عليه السلام ) ولم يخص ّ أرض صلح من غيرها.
وثانيها، إنّهم إنّما صولحوا على ما يملكونه بأيديهم لا على ما لا يملكونه ولا هو بأيديهم ولا يعرفونه .
وثالثها، إنّهم لو ملكوا كل ركاز في الأرض التي صالحوا عليها
لوجب أن تملكه أيضاً العرب الذين أسلموا على بلادهم ، فيكون ما وجد فيها من ركاز للذين أسلموا على تلك الأرض ، وهذا خلاف قولهم .
وأمّا قوله فيما وجد في أرض العنوة أنّه لورثة المفتتحين فخطأ لأن ّ المفتتحين للأرض إنّما يملكون ما غنموا لاّ ما لم يغنموا والرّكاز ممّا لم يغنموا ولا حصلوا عليه ولا أخذوه فلا حق ّ لهم فيه .
والعجب كلّه أنّهم لا يجعلون الأرض حقّاً للمفتتحين أرض العنوة وهم غنموها ثم يجعلون الرّكاز الذي فيها حقّاً لهم وهم لم يغنموه .
وقال الحنفيّون هو لواجده وعليه فيه الخمس وله أن يأخذ الخمس إن كان محتاجاً إلاّ أن يجده في دار اختطّها مسلم أو في دار الحرب فإنّه إن وجده في دار اختطّها مسلم فهو لصاحب الخطّة وفيه الخمس ، وإن وجده في دار حربي وقد دخلها بأمان فهو كلّه للحربي ، وان وجده في صحراء دار الحرب فهو كلّه لواجده ولا خمس عليه فيه ، وهذا تقسيم في غاية الفساد وخلاف لأمر رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) بأن في الرّكاز الخمس فعم ّ (عليه السلام ) ولم يخص ّ، ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبل أبي حنيفة وهو مع ذلك قول بلا برهان ، وفيه عن السلف آثار منها ما رويناه من طريق ابن عيينة عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي إن ّ عليّاً أتاه رجل بألف وخمسمائة درهم وجدها فى خربة بالسواد فقال علي : (إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم وان كانت لا تحمل خراجها فلك أربعة أخماسه ولنا خمسه وسأطيبه لك جميعاً.).
وهذا خلاف قول الحنفيّين والمالكيين لأن ّ السواد أخذ عنوة لا صلحاً وكان فى أيام علي ّ دار اسلام .
ثم قال : 949 مسألة ، يقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على
خمسة أسهم ، فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبرّ للمسلمين ، وسهم ثاني لبني هاشم والمطّلب بني عبد مناف غنيّهم وفقيرهم وذكرهم وانثاهم وصغيرهم وكبيرهم وصالحهم وطالحهم فيه سواء وسهم ثالث لليتامى من المسلمين كذلك أيضاً، وسهم رابع للمساكين من المسلمين ، وسهم خامس لأبن السبيل من المسلمين .
برهان ذلك قوله تعالى : (( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَأَنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ وَلِذي الْقُرْبى وَالْيَتا مى وَالْمَسا كين ِ وَابْن ِ السَّبيل ِ )) ولقوله تعالى : (( كَيْلا يَكوُن َ دوُلَة ً بَيْن َ الأغْنِياءِ مِنْكُم ْ )) فلا يسع أحداً الخروج عن قسمة اللّه التي نص ّ عليها…
وقال ابن حزم فى حكم زكاة المعادن :
700 مسألة ، قال أبو محمد (وهو كنية ابن حزم ) لا شي ء في المعادن كلّها وهي فائدة لا خمس فيها ولا زكاة معجّلة فإن بقى الذهب والفضّة عند مستخرجها حولاً قمريّاً وكان ذلك مقدار ما تجب فيه الزكاة زكّاه والاّ فلا.
وقال أبو حنيفة عليه في معادن الذهب والفضّة والنحاس والرصاص والقزوير والحديد الخمس ، سواء كان في أرض عُشر أو في أرض خراج ، سواء أصابه مسلم أو كافر عبد أو حرّ، قال : فإن كان في داره فلا خمس فيه ولا زكاة ولا شي ء فيما عدا ذلك من المعادن ، واختلف قوله في الزئبق فمرّة رأى فيه الخمس ومرّة لم ير فيه شيئاً.
وقال مالك في معادن الذهب والفضّة الزكاة معجّلة في الوقت ان كان مقدار ما فيه الزّكاة (وفى نسخة ان كان ما تجب فيه الزكاة ) ولا شي ء في غيرها.
قال أبو محمد احتج ّ من رأى فيه الخمس بالحديث الثابت وفي الرّكاز الخمس وذكروا حديثاً من طريق عبداللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جدّه عن أبي هريرة ان رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) سئل عن الرّكاز فقال : (هوالذهب الذي خلقه اللّه في الأرض يوم خلق السماوات والأرض ).
قال أبو محمد: هذا حديث ساقط لأن عبداللّه بن سعيد متفق على اطراح روايته .
ثم لو صح ّ لكان في الذهب خاصة فإن قالوا قسنا سائر المعادن المذكورة على الذهب قلنا لهم فقيسوا عليه أيضاً معادن الكبريت والكحل والزرنيخ وغير ذلك .
فإن قالوا هذه حجارة قلنا فكان ماذا؟ ومعدن الفضّة والنحاس أيضاً حجارة ولا فرق .
وأمّا الركاز فهو دفن الجاهلية فقط لا المعادن لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك .
والعجب كلّه احتجاج بعضهم في هذا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبي (صلي الله عليه و آله ) في اللقطة : (ما كان منها في الخراب والأرض الميتاء ففيه وفي الركاز الخمس ) وهم لا يقولون بهذا وهذا كما ترى .
ولو كان المعدن ركازاً لكان الخمس في كل شي ء من المعادن كما ان ّ الخمس في كل دفن للجاهلية أي شي ء كان فظهر فساد قولهم وتناقضهم .
وفى كتاب فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي :
المبحث الثاني في المعدن ووجوب حق فيه .
في المستخرج من المعدن حق واجب ،
بيّنا في الفصل الأسبق حكم الزكاة في الثروة الزراعيّة وهي ما تخرج الأرض من زرع وثمر وبقى علينا هنا أن نعرف الحكم في ثروة اخرى تستخرج من باطن الأرض وهي الثروة المعدنيّة وهي تلك الثروة التي ركزها اللّه في الأرض وخلطها بترابها وهدى الإنسان إلى استخراجها بوسائل شتّى حتى يصفيها ويميّزها ذهباً أو فضّة أو نحاساً أو حديداً أو قصديراً أو زرنيخاً أو نفطاً أو قاراً أو ملحاً إلى آخر تلك المعادن السائلة والجامدة ولا شك إن ّ هذه الثروة لها قيمتها وأهميتها في حياة الإنسان وخاصة في عصرنا الحديث الذي تتنافس فيه الشركات العالمية للحصول على امتيازات التنقيب عن هذه المعادن في جوف الأرض بل تصطرع حكومات وقد تشتعل حروب من أجل هذه الثروة المذخورة في التراب وخاصة البترول منها.
ما حكم شريعة الإسلام فيما يحصل من هذه المعادن ؟ وما الحق الواجب فيها؟ ومتى يجب ؟ وفي أي مقدار يجب ؟ وما تكييف هذا الحق ؟ وأين يصرف ؟
أسألة أختلف الفقهاء في الإجابة عنها تبعاً لأختلافهم في تفسير النصوص وفي القياس عليها وان اجمعوا ـ في الجملة ـ على وجوب حق يؤخذ مّما يستخرج من المعدن مستندين الى عموم قوله تعالى : (( يا أَيُّهَا الَّذين َ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن ْ طَيِّبا ت ِ ما كَسَبْتُم ْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُم ْ مِن َ الأَرْض ِ )) .
ولا ريب ان المعادن ممّا أخرجه اللّه تعالى من الأرض .
والذي يبدو للناظر ان كلمة الرّكاز تحتمل المعنيين ففي القاموس وغيره
من كتب اللغة الركاز ما ركزه اللّه أي أحدثه في المعادن ودفين أهل الجاهلية وقطع الذهب والفضّة من المعدن .
وقال ابن الأثير في النهاية الرّكاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض ، وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملهما اللّغة ، لأن كلاً منهما مركوز في الأرض أي ثابت .
واستدل ّ أبو حنيفة على أن المراد بالرّكاز المعدن بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ان رجلاً سأل رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) عمّا يوجد في الخرب العادي (القديم ) فقال : (فيه وفي الرّكاز الخمس ).
فقال : اخبر بدءاً عن المال المدفون ثم عطف عليه الركاز والمعطوف غير المعطوف عليه في الأصل ويستند فقهاء الإماميّة في ايجاب الخمس في المعدن على آية الأنفال : (( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَأَنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ ))
وفي الفقه على المذاهب الأربعة ، كتاب الزكاة ، المعادن والركاز.
الحنفيّة قالوا: المعدن والرّكاز بمعنى واحد وهو شرعاً مال وجد تحت الأرض وتنقسم المعادن إلى ثلاثة اقسام :
ـ ما ينطبع بالنار.
ـ مائع .
ـ وما ليس بمنطبع ولا مائع .
فالمنطبع كالذهب والفضة والرصاص ونحوها فيجب فيه اخراج الخمس ومصرفه مصرف خمس الغنيمة وما بقي بعد الخمس يكون للواجد، وانّما يجب الخمس إذا كان فيه علامة الجاهليّة وامّا ان كان من ضرب اهل الإسلام فهو بمنزلة اللقطة ولا يجب فيه الخمس ، ومن وجد في داره معدناً
أو ركازاً فإنّه لا يجب فيه الخمس ويكون ملكاً لصاحب الدار، وامّا المائع كالقار والنفط فلا شي ء فيه اصلاً، ومثله ما ليس بمنطبع ولا مائع كالنورة والجواهر ويستثنى من المائع الزئبق فإنّه يجب فيه الخمس .
ولا شي ء فيما يستخرج من البحر.
المالكيّة قالوا: المعدن هو ما خلقه اللّه في الأرض من ذهب أو فضّة أو غيرهما فهو غير الرّكاز وحكمه انّه تجب زكاته ان كان من الذهب أو الفضة .
والزكاة الواجبة في المعدن هي ربع العشر، ومصرفها مصرف الزّكاة ويستثنى من ذلك ما يسمّى بالندرة وهي القطعة الخالصة من الذهب والفضّة فيجب فيها الخمس ويصرف في مصارف الغنائم وهو مصالح المسلمين .
وامّا معادن غير الذهب والفضّة كالنّحاس فلا يجب فيها شي ء الاّ إذا جعلت عروض تجارة فيجري فيها تفصيل عروض التجارة .
وامّا الرّكاز فهو ما يوجد في الأرض من دفائن أهل الجاهليّة ويجب فيه إخراج خمسه ويكون الخمس كالغنائم يصرف في المصالح العامّة ، وامّا ما يوجد في الركاز ممّا دفنه المسلمون أو أهل الذمّة من الكفّار فيكون لهم ان عرف صاحبه ويعطي له والاّ يكون كاللقطة .
ولا شي ء فيما يلفظه البحر.
الحنابلة قالوا: المعدن كل ما تولد من الأرض وكان من غير جنسها سواء كان جامداً كذهب وفضّة وبلّور أو مايعاً كزرنيخ ونفط فيجب على من استخرجه العشر بعد النصاب .
ومن وجد مسكاً أو زباداً أو استخرج لؤلؤاً أو مرجاناً أو سمكاً أو نحوه من البحر فلا زكاة عليه في ذلك .
ماوجد على وجه الأرض وكان عليه أو على شي ء منه علامة كفر فيجب على واجده اخراج خمسه إلى بيت المال فيصرفه الإمام أو نائبه في المصالح العامّة .
وان وجد عليه علامة الإسلام فهو لقطة .
الشافعية قالوا: المعدن ما يستخرج من مكان خلقه اللّه تعالى فيه وهو خاص هنا بالذهب والفضّة فلا يجب شي ء فيما يستخرج من المعادن كالحديد والنحاس والرصاص وغير ذلك ويجب فيه ربع العشر كزكاة الذهب والفضة بشروطها المتقدّمة ، إلاّ حولان الحول .
وامّا الركاز فهو دفين الجاهلية ويجب فيه الخمس حالاً بالشروط المعتبرة في الزكاة ، إلاّ حولان الحول وان وجد عليه علامة تدل ّ على انّه اسلامي فحكمه وجوب ردّه إلى مالكه ان عرف والاّ فهو لقطة .

نتيجة ما نقلنا من الروايات والأقوال عن الجمهور
وممّا ينبغي أن يعلم في المقام ان المقصود من نقل الروايات الواردة في الكنز والمعدن من طرق الجمهور ونقل أقوالهم في الإستفادة منها هو التّنبيه باُمور:
الأوّل : ان ّ قولهم بوجوب الخمس في الكنز والمعدن ليس مستنداً إلى آية (( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَأَنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ وَلِذي الْقُرْبى وَالْيَتا مى وَالْمَسا كين ِ وَابْن ِ السَّبيل ِ )) ـ التي هي مورد البحث في الكتاب بل
هو مستند إلى الرّوايات الواردة من طرقهم .
الثاني : انّه ليس المراد من قولهم بوجوب الخمس في الكنز والمعدن هو الخمس المصطلح الّذي هو مورد البحث في الكتاب ، بل المراد منه الزّكاة بمقدار خمس المال .
الثالث : ان مستحق ّ الخمس المصطلح المستفاد من الآية الشريفة غير مستحق الخمس بمقدار الزكاة في الكنز والمعدن عندهم .
وأمّا وجوب الخمس في الكنز والمعدن عند الإماميّة فهو ممّا يستفاد من لفظ ((ماغنمتم )) الواقع في الآية فإنّه لعموم معناه ـ على ما قدّمنا ـ يدل ّ على وجوب الخمس في كل ّ فائدة ماليّة تحصل بالسّعي والإكتساب .
وما ورد من الروايات التي تدل ّ على وجوب الخمس في الكنز والمعدن من طرقنا فهي من باب بيان المصداق للآية الشريفة .
أسئلة تحتاج إلى أجوبة
وإذ قد ثبت ممّا قدّمنا ان ّ قوله تعالى (( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَأَنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ )) يشمل كل ّ فائدة ماليّة تحصل للإنسان بسعيه وعمله فحينئذ تقع أسئلة تحتاج إلى أجوبة :
1 ـ ان ّ الخمس لو كان بمقتضى الآية المتقدّمة من حيث المتعلّق عامّاً لكل ّ فائدة ماليّة يحصل عليها الإنسان بالسّعي والإكتساب من الغنائم الحربيّة والكنوز والمعادن والغوص والأرباح فلأي ّ علّة لم ير في الأحاديث والآثار أثر يدل ّ على وجوب الخمس في أرباح المكاسب في زمن النبي (صلي الله عليه و آله ) وبعده إلى زمان الصادقين (عليهما السلام)؟
2 ـ لأي ّ جهة ما كان يؤخذ الخمس في زمن النبي (صلي الله عليه و آله ) من الأرباح وانما
كان يؤخذ من الغنائم الحربيّة فقط ومن الكنز أحياناً؟
3 ـ ولأي ّ علّة كان النبي الأكرم (صلي الله عليه و آله ) يُرسل عمّالاً لأخذ الزّكوات وما كان يُرسل عمّالاً لأخذ الأخماس من الأرباح ؟
والجواب عن السّؤال الأوّل :
أمّا أوّلاً فبأنّه بعد ثبوت وجوب الخمس في كل ّ ما يصدق عليه الغَنْم بما له من المعنى الوسيع من طريق الثقلين كتاب اللّه وعترة النبي ّ الأكرم سلام اللّه عليهم أجمعين فلو فرضنا عدم الظّفر برواية تدل ّ على وجوب الخمس في غير الغنائم الحربيّة عن النبي (صلي الله عليه و آله ) لما كان مضرّاً في البحث ، إذ من المسلّم والواضح انّه ما كان كل ّ ماصدر عن النبي (صلي الله عليه و آله ) من الأحاديث يضبط ويكتب وينقل ، بل كانت القدرة والسيطرة الّتي تحكم على الناس في عشرات من السّنين بعد النّبي (صلي الله عليه و آله ) بل وفي زمانه (صلي الله عليه و آله ) تمنع من ضبط الأحاديث ونقلها، بل كانت تمحوها وتفنيها وتحرقها كما لايخفى على المطّلع على الأوضاع السياسيّة الّتي كانت تحكم الناس إلى زمان عمر بن عبدالعزيز ولم يوجد كاتب للحديث وناقل له في ذلك التاريخ المظلم إلاّ علي ّ (عليه السلام ) وقليل من شيعته .
قال عبداللّه بن عمرو بن العاص كنت أكتب كل ّ شي ء أسمعه من رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) فنهتْني قريش وقالوا: تكتب كل ّ شي ء سمعته من رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ؟ بشر يتكلّم في الغضب والرّضا فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال : اكتب فوالّذي نفسي بيده ماخرج منه إلاّ الحق ّ .
وكان الخلفاء بعده (صلي الله عليه و آله ) يمنعون من كتابة الحديث ونشره وروى الذّّهبي ان ّ أبابكر جمع الناس بعد وفاة نبيّهم فقال : انكم تحدّثون عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) شيئاً فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه .
وفي كنز العمّال وقد كان أبوبكر أجمع أيّام خلافته على تدوين الحديث عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) فجمع خمسمائة حديث ليلته يتقلّب كثيراً قالت عائشة : فغمّني تقلّبه فلمّا أصبح قال : (اي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك فجئته بها فأحرقها)
وروى عن قرظة بن كعب انه قال لما سيّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر إلى صرار ثم قال : أتدرون لم شيّعتكم ؟ قلنا: أردت أن تشيّعنا وتكرمنا، قال : ((ان ّ مع ذلك لحاجة انكم تأتون أهل قرية لهم دوي ّ بالقرآن كدوي ّ النحل فلا تصدّوهم بالأحاديث عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) وأنا شريككم )).
قال قرظة : فما حدثت بعده حديثاً عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) .
وفي رواية اُخرى : فلما قدم قرظة بن كعب قالوا حدّثنا، فقال : نهانا عمر
وفي لفظ الطبري كان عمر يقول : جرّدوا القرآن ولا تفسّروه وأقلّوا
عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) وأنا شريككم )) .
وأخرج الطّبراني عن ابراهيم بن عبدالرحمن ان ّ عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود أباالّدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال : قد أكثرتم الحديث عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) حبسهم بالمدينة حتى استشهد .
وفي طبقات ابن سعد: ان الأحاديث كَثُرَ على عهد عمربن الخطّاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها .
وعن عروة : ان ّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) في ذلك فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير اللّه فيها مشيراً ثم ّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له فقال : ((انّي كنت اريد أن أكتب السنن وانّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتاباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب اللّه وانّي واللّه لاأشوب كتاب اللّه بشي ء أبداً)) .
ولمّا وصل الدور إلى عثمان أقرّ ذلك حيث قال على المنبر لاأحل ّ لأحد يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا على عهد عمر .
وبالجملة : ان ّ الخلفاء بهذه الآراء أحدثوا سياسة غاشمة وسدّوا على الاُمّة أبواب العلوم ومنعوا شديداً من كتابة الحديث ونشره .
وعليه فإذا دل ّ الكتاب العزيز على وجوب الخمس في كل ّ ما يغنم ـ بالمعنى الّذي ذكرنا ـ سواء كان من غنائم الحرب أو من الموادّ المستخرجة من
المعادن أو ما حصل بالغوص في البحار والأنهار أو بوجدان الكنوز من أعماق الأرض أو بالأرباح في المكاسب ، فليس لنا الإنكار أو التّرديد من جهة عدم ورود حديث يدل ّ عليه عن النبي ّ الأكرم (صلي الله عليه و آله ) مع الإلتفات إلى ما جرى على السنّة النبويّة ، هذا أوّلاً.
وأمّا ثانياً فإن ّ الّذي تدل ّ عليه الآثار الإسلاميّة من الأحاديث والتاريخ ـ وإن كان ما وصل إلينا قليلاً بالنسبة إلى ما لم يصل للعلّة التي ذكرناها ـ ان ّ النبي (صلي الله عليه و آله ) ما كان يخص ّ الخمس بالغنائم الحربية والكنوز والمعادن التي قدّمنا البحث عنها.
بل هو (صلي الله عليه و آله ) كان يأمر بدفع الخمس من كل ّ ما يُغنم ـ بما ذكرنا له من المعنى العام الشّامل لأرباح المكاسب أيضاً.
وتفصيل ذلك انّا نجد في الآثار الإسلاميّة ان ّ النبي ّ الأكرم (صلي الله عليه و آله ) كان يذكُرُ الخمس في عداد الصلاة والزكاة في كتبه وعهوده للوافدين إليه بعد ظهور الإسلام وانتشاره وكذلك نجد ذكره في عداد الصلاة والزكاة أيضاً في الكتب التي كتبها لبعض القبائل والملوك للدّعوة إلى الإسلام ولبيان معالمه وأحكامه .
وسيأتي التوضيح في ان ّ المراد من الخمس في هذه العهود والكُتُب لشهادة القرائن القاطعة هو الخمس من كل ّ ما يُغنم بالمعنى الواسع الذي ذكرناه لا الغنائم الحربيّة فقط.
وقد اتّفق المؤلّفون في سيرة الرّسول الأكرم (صلي الله عليه و آله ) انه (صلي الله عليه و آله ) بعد أن رجع من غزوة تبوك توالت عليه الوفود من جميع الجهات لتعتنق الإسلام ولذلك سمّيت هذه السّنة وهي سنة تسع من الهجرة سنة الوفود.
والنبي ّ (صلي الله عليه و آله ) يستقبل كل ّ وفد منها ويرحّب بهم ويعلّمهم الإسلام احياناً
بنفسه (صلي الله عليه و آله ) واحياناً يأمر واحداً من أصحابه ليتولّى هذه المهمّة ويكتب لهم كتباً تتضمّن أكثر أحكام الإسلام وكان لغزوة تبوك هذا الأثر السّريع حيث تأكّد العرب ان ّ تلك الحشود الهائلة الّتي تزيد على مائتي ألف مقاتل قد دب ّ فيها الخوف والرّعب وانسحبت عن حدود الحجاز بعد أن كان هرقل قد أعدّها للهجوم على المسلمين في بلادهم وحتّى في عاصمتهم إذا اقتضى الأمر ولكنّها بدلاً من ذلك تراجعت إلى معاقلها وحصونها في أواسط البلاد تاركة حدود بلادها المتاخمة لحدود الحجاز فريسة للمسلمين يفرضون عليها سلطتهم وسلطانهم من غير أن يكلّفهم ذلك قطرة من الدّم .
كما ترك هذا الإنسحاب نفس الأثر في نفوس قبائل الجنوب باليمن وحضرموت وعمان وغيرها فأقبلوا على الإسلام وأخذوا يتوافدون على المدينة ليُعلنوا عن طاعتهم واسلامهم وينتظموا في وحدة اسلاميّة شاملة تستظل بعلم الإسلام وتخلّصهم من تحكّم الفرس والرّوم ومن جملة ما نرى في تلك الكتب التي كتبها (صلي الله عليه و آله ) لبيان أحكام الإسلام انه قد ذكر إعطاء الخمس من المغنم في عداد ذكر الصلاة والزكاة وغيرهما.
وإليك عدّة منها:
1 ـ قدم وفد عبدالقيس في هذه السّنة (سنة تسع من الهجرة وهي سنة الوفود كما ذكرنا) وكان فيهم الأشج ّ ـ واسمه المنذر بن الحارث ـ الّذي قال له النبي (صلي الله عليه و آله ) ان ّ فيك خصلتين يحبّهما اللّه ورسوله : الحلم والأناة وكان ممّن فيهم الجارود بن خشن سيّد عبدالقيس ولم تزل رئاسة عبدالقيس بعد ذلك في بيته…
ثم كتب لهم كتاباً هكذا:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من محمّد رسول اللّه لعبد القيس
وحاشيتها من البحرين وماحولها.
وفي صحيحي البخاري ومسلم وسنن النّسائي ومسند أحمد (واللّفظ للأوّل ) ان ّ وفد عبدالقيس لمّا قالوا لرسول اللّه (صل الله عليه و آله) ان ّ بيننا وبينك المشركين من مضر وإنّا لانصل إليك إلاّ في أشهر حرم فمرنا بجمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة وندعو إليه من ورائنا.
قال (صل الله عليه و اله): آمركم بأربع :
((آمركم بالايمان باللّه وهل تدرون ما الايمان باللّه ؟ شهادة أن لاإله إلاّاللّه وأن ّ محمّداً رسول اللّه واقام الصّلاة وايتاء الزّكاة وتعطوا الخمس من المغنم )) .
2 ـ وَفَد إليه (صل الله عليه و آله) بنو البكاء وهم بطن من بني عامر من العدنانيّة وفيهم فجيع بن عبداللّه (وهو رئيسهم ) فكتب (صل الله عليه و آله) هذا الكتاب :((هذا كتاب من محمد النبي ّ للفجيع ومن تبعه : ومن أسلم وأقام الصّلاة وأتى الزّكاة وأطاع اللّه ورسوله وأعطى
من المغنم خمس اللّه ونصر نبي ّ اللّه وأشهد على اسلامه وفارق المشركين فإنّه آمن بأمان اللّه وأمان محمّد)) .
3 ـ وفد إلى النبي (صلي الله عليه و آله ) في سنة الوفود وهي سنة تسع وافد من بني زهير واسمه النّمر بن تولَب وبنو زهير حي ّ خاص من عُكل وعُكْل على وزن قفل أبو قبيلة وهم كانوا من مضر.
فكتب النبي (صلي الله عليه و آله ) كتاباً لبني زهير العُكْليّين :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من محمّد النبي ّ لبني زهير بن اُقَيْش حي ّ من عُكل انّهم إن شهدوا أن لاإله إلاّاللّه وأن ّ محمّداً رسول اللّه وفارقوا المشركين وأقرّوا بالخمس في غنائمهم وسهم النبي ّ وصفيه فإنّهم آمنون بأمان اللّه ورسوله .
4 ـ لمّا خرج رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) إلى تبوك سنة تسع سمع بذلك مالك
بن أحمر فوفد إليه للّه وأسلم فقَبِل إسلامه وسأله أن يكتب له كتاباً يدعو قومه به إلى الإسلام فكتب في رقعة ادم عرضها أربعة أصابع وطولها قدر شبر ـ ومالك بن أحم الجذامي كان من جذام بن عدي بطن من كهلان ـ والكتاب هذا:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من محمّد رسول اللّه لمالك بن أحمر ولمن تبعه من المسلمين أماناً لهم ما أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واتّبعوا المسلمين وجانبوا المشركين وأدّوا الخمس من المغنم وسهم الغارمين وسهم كذا وكذا فهم آمنون بأمان اللّه عزّوجل وأمان محمّد رسول اللّه .
5 ـ وفد صيفي بن عامر وهو سيّد بني ثعلبة على رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) وكتب له كتاباً هكذا: ((بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من محمّد رسول اللّه لصيفي بن عامر على بني ثعلبة بن عامر، من أسلم منهم وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي ّ والصفي ّ فهو آمن بأمان اللّه .
6 ـ وَفَد الحارث بن زهير بن اُقَيس العُكْلي إلى رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) فكتب له ولقومه هذا الكتاب :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من محمّد النّبي لبني قيس بن اُقيش : أمّا بعد فأنتم إن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وأعطيتم سهم اللّه عزّوجل ّ والصفي ّ فأنتم
آمنون بأمان اللّه عزّوجل ّ .
ـ كتابه (صل الله عليه و آله) إلى أهل اليمن
قال البلاذري في فتوح البلدان : ((لمّا بلغ أهل اليمن ظهور رسول اللّه (صل الله عليه و آله) وعلوّ حقّـه أتتْه وفودهم فكتب لهم كتاباً بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأراضيهم وركازهم فأسلموا، ووجّه إليهم رسله وعمّاله لتعريفهم شرائع الإسلام وسننه وقبض صدقاتهم وجزي رؤوس من أقام على النصرانية واليهوديّة والمجوسيّة )).
وذكر هو (أي البلاذري ) وابن هشام والطّبري وابن كثير انّه (صل الله عليه و آله) كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن (واللّفظ للبلاذري ):
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا بيان من اللّه ورسله (( يا أيّها الّذين ا منوا أوفوا بالعقود )) عهد من محمّد النبي ّ رسول اللّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن :
أمره بتقوى اللّه في أمره كلّه وأن يأخذ من المغانم خمس اللّه وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السّماء ونصف العشر ممّا سقى الغرب )) .
وفي سيرة ابن هشام :بعث رسول اللّه (صل الله عليه و آله) إليهم (أي إلى أهل اليمن ) عمرو بن حزم ليفقّههم في الدين ويعلّمهم السنّة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده وأمره فيه بأمره :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا بيان من اللّه ورسوله (( يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود )) عهد من محمّد النبي ّ رسول اللّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى اللّه في أمره كلّه فإن ّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق ّ كما أمره إليه وأن يبشّر النّاس بالخير ويأمرهم ويعلّم النّاس القرآن ويفقّههم فيه وينهى الناس فلا يمس ّ القرآن انسان إلاّ وهو طاهر ويلين للنّاس في الحق ّ ويشتدّ عليهم في الظّلم ، فإن ّ اللّه كره الظلم ونهى عنه فقال : ألا لعنة اللّه على الظّالمين ويعلم الناس معالم الحج ّ وسنّته وفريضته ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ويمسحون برؤوسهم كما أمرهم اللّه .
وأمره أن يأخذ من المغانم خمس اللّه وما كتب على المؤمنين في الصّدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السّماء وعلى ما سقى الغُرْب ُ نصف العشر وفي كل ّ عشر من الإبل شاتان الخ )) .
وذكر اليعقوبي في تاريخه ان ّ رسول اللّه (عليه السلام) أرسل إلى أهل اليمن كتاباً مع معاذ بن جبل :
((بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من محمّد رسول اللّه إلى أهل اليمن فإنّي أحمداللّه إليكم الّذي لاإله إلاّهو، وقع بنا رسولكم مقدماً من
أرض الرّوم فَلَقِيَنا بالمدينة فبلّغنا ما ارسلتم به واخبرنا ما كان قبلكم ونبّّأنا بإسلامكم وان ّ اللّه قد هداكم إن أصلحتم وأطعتم اللّه وأطعتم رسوله وأقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وأعطيتم من الغنائم خمس اللّه وسهم النّبي ّ والصّفي وما على المؤمنين من الصّدقة عشر ما سقى البعل وسقت السماء وما سقى بالغرب نصف العشر إلى آخر الكتاب )) .
ولا منافاة بين هذه الكتب الّتي كتبها لأهل اليمن لإمكان أن يكون قد كتب لهم كتباً متعدّدة والّذي يهمّنا في مورد البحث انّه (صلي الله عليه و آله ) قد ذكر الخمس في جميعها في عداد الصّلاة والزّكاة وغيرها وليس المراد منه خمس الغنائم الحربيّة .
والّذي يظهر من التواريخ الإسلاميّة ان ّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) كتب كتباً إلى جميع أذواء اليمن وأقيالهم ودعاهم إلى الإسلام فلبّوه وأجابوه ووفدت إليه وفودهم وكتب لكل ّ من الوافدين كتاباً بإسلامهم وأمّنهم على دورهم وزروعهم وأموالهم وأنفسهم .
ومن تلك الكتب الكتاب الّذي كتبه إلى ملوك حمير من ملوك اليمن وهو هذا:
((بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من محمّد النبي ّ رسول اللّه (صل الله عليه و آله) إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين وهمدان ومغافر.
وان ّ اللّه قد هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم اللّه ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس اللّه وسهم نبيّه وصفيّه )) .
ومن المعلوم أنّه ليس المراد من المغنم أو ما غنمتم في هذه الكتب هي الغنائم الحربيّة ; إذ قد ثبت لنا بما ذكرنا سالفاً أن ّ لهذه المادّة (مادّة الغنم ) معنى وسيعاً ـ لغة ً وعرفاً ـ وشاملاً لكل ّ ما يفوز به الإنسان ، ويكتسبه في حياته من الأموال فالّلازم حينئذ، هو حمل ماورد في هذه الكتب على هذا المعنى الوسيع وحملها على أحد مصاديقه بالخصوص يحتاج إلى القرينة .
هذا مضافاً إلى أن ّ هذه الكتب إنّما كتبت لقبائل متفرّقة كان كل ّ منها يعيش في ناحية من البلاد، وكانوا غالباً قبائل ضعيفة ـ مثل قبيلة عبدالقيس ـ حتّى لايجرؤون على الخروج من ديارهم إلاّ في مثل الأشهر الحرم ـ كما تقدّم ذكره ـ فهم كانوا لايستطيعون حرباً ولا قتالاً ليقاتلوا ويأخذوا الغنائم في الحرب مع الكفّار مع أنّه لو كان المراد في هذه الكتب إعطاء الخمس من المغانم
بعد الحرب وأخذ المغانم من الكفّار لكان الأنسب بل الّلازم أن يذكر (صلي الله عليه و آله ) في هذه الكتب الجهاد في عداد الصلاة والزكاة دون إعطاء الخمس من الغنائم الحربيّة ; لأن ّ أداء الخمس من الغنائم الحربيّة من متفرّعات الجهاد الّذي هو ذروة سنام الإسلام وتوابعه .
فالمقصود في هذه الكتب ليس إلاّ بيان الوظائف الفرديّة للمسلمين وأن ّ الّلازم لكل ّ فرد منهم أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويؤدّي الخمس من ماله الّذي يكتسبه ويفوز به .
وأمّا المغانم الّتي تؤخذ في الجهاد من أموال الكفّار، فلها شأن وراء ذلك ، فإن ّ أمرها بيد من بيده أمر الجهاد ضدّ أعداء الدين ـ وهو إمام المسلمين وزعيمهم وحاكمهم ـ فهو يأمر بالجهاد إذا اقتضت المصلحة ذلك ، وينظّم الجنود، ويأمر بالحركة والخروج ، فإذا وقع الجهاد، وحصلت الغلبة للمسلمين في معركة الجهاد، ووقعت الغنائم بأيدي المجاهدين ، يأمر بجمعها بأجمعها وتحت سيطرته وحفظه فيأخذ منها صفوها ـ وهو مايصطفيه من الغنائم ـ ثم ّ يأخذ منها قطائع الملوك لو كانت فيها ثم ّ يأخذ الخمس منها ليقسّمه في أهله ويقسّم الباقي ـ وهو أربعة أخماسها ـ بين المجاهدين .
هذا إذا كان الجهاد بأمر الإمام (عليه السلام ) ونظره وإذا لم يكن بنظره وأمره كان كل ّ ما غنموه من الأنفال ، والأنفال كلّها للإمام (عليه السلام ) وليس لغيره منها شي ء.
وهذا ممّا تدل ّ عليه الروايات المتعدّدة الواردة من طرقنا.
ففي الكافي عن علي ّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (في حديث ) قال : ((وللإمام صفو المال إن يأخذ من هذه الأموال ، صفوها: الجارية الفارهة والدابّة الفارهة والثوب
والمتاع ممّا يحب ّ أو يشتهي فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم وغير ذلك ممّا ينوبه ، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله وقسّم الباقي على من ولى ذلك )) .
وفي التهذيب بإسناده عن سعدبن عبداللّه عن أبي جعفر عن علي ّ بن الحكم عن سيف بن عميرة عن داودبن فرقد قال : قال أبوعبداللّه (عليه السلام ): ((قطائع الملوك كلّها للإمام وليس للناس فيها شي ء)) .
وفي الكافي أيضاً عن علي ّ بن إبراهيم عن أبيه عن إبن محبوب عن معاوية بن وهب قال : قال أبوعبداللّه (عليه السلام ): (( أن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين (مع أمر الإمام ) كان كل ّ ما غنموا للإمام )) .

هذه كلّها كتبه وعهوده (صلي الله عليه و آله ) الّتي صدرت منه بمناسبة وفد الوافدين إليه وأمّا ما كتبه إلى بعض القبائل والملوك للدعوة إلى الإسلام ، وبيان معالمه وأحكامه ، وإعطائه الأمان لهم ، وذكر فيه الخمس في عداد سائر الفرائض فكثير.
منها : ما ذكره ابن سعد في طبقاته وغيره :

وكتب (صلي الله عليه و آله ) إلى بعض قبائل العرب : ((إن ّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها على أن ترعَوْا نباتها وتشربوا ماءها على أن تؤدّوا الخمس )) .
وسياق الكلام ظاهر ظهوراً تامّاً في أن ّ المراد ليس خمس غنائم الحرب ; إذ لامناسبة بين جعل بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها لهم وبين رعي نباتها وشرب مائها وبين الخمس إلا أن يكون خمس مايحصلون عليه من ذلك الّذي جعله لهم ويؤيّد ذلك ويؤكّده أنّه قد ذكر بعد الخمس هنا زكاة الغنم .
وفي مجموعة الوثائق السياسيّة هذا الكتاب بهذه العبارة :
كتابه (صلي الله عليه و آله ) للجهينة : ((بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز على لسان رسوله بحق ّ صادق وكتاب ناطق مع عمرو بن مرّة لجهينة ابن زيد إن ّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها على أن تؤدّوا الخمس وفي التيعة والصريمة شاتان وليس على أهل المثير صدقة .)) الكتاب .
كلامه (صلي الله عليه و آله ) : ((إن ّ لكم بطون الأرض ))، قال الراغب في مفرداته : ((البطن ، خلاف الظهر في كل ّ شي ء ويقال للجهة السفلى : بطن وللجهة العليا ظهر.
والمراد أن ّ لكم الوهدة من الأرض .
و((سهولها))، السهل ضدّ الحَزَن فسهل الأرض غير الخشن منها، القابل للحرث والغرس والمعنى لكم مايجري عليها من الأرض ومايحرث ويغرس .
و((تلاع الأودية ))، مسائل الماء من العلو إلى السفل فتلاعها ماانحدر من الأودية .
و((على أن تؤدّوا الخمس )) قد ذكر الخمس في هذا الكتاب مطلقاً وبدون قيد وينصرف إلى ما كان معهوداً في ذلك العصر وهو الّذي يدل ّ عليه الكتاب العزيز والآثار النبويّة وقد قدّمناه .
و((التيعة )) قال ابن الأثير في نهاية اللّغة : التيعة ، اسم لأدنى مايجب فيه الزكاة .
و((الصريمة )): القطيعة من الإبل والغنم وقال : المراد بها أي بالصريمة في الحديث في مائة وإحدى وعشرين شاة إلى المائتين إذا اجتمعت ففيها شاتان وإن كانت لرجلين وفرّق بينهما ففي كل ّ واحدة منهما شاة ، انتهى .
(ولايخفي أن ّ هذا التفسير لايتأتّى على فقه الإماميّة ).
و((أهل المثير))، أهل بقر الحرث الّذي يثير الأرض وليس عليهم فيه صدقة .
ومنها : كتابه (صلي الله عليه و آله ) لبني جوين الطائيّين :
((لمن آمن منهم باللّه وأقام الصلاة وآتى الزكاة وفارق المشركين وأطاع اللّه ورسوله وأعطى من المغانم خمس اللّه وسهم النبي ّ وشهد على إسلامه
فإن ّ له أمان اللّه و محمّدبن عبداللّه )) الكتاب .
ومنها : كتابه (صلي الله عليه و آله ) لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه :
((بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمّد رسول اللّه لجنادة وقومه ومن تبعه ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا اللّه وأعطَوْا من المغانم خمس اللّه وسهم النبي ّ وفارقوا المشركين فإن ّ لهم ذمّة اللّه وذمّة محمّدبن عبداللّه )) .
قد أوجب (صلي الله عليه و آله ) الخمس في ستّة عشر رسالة اُخرى بل أكثر منه إلى القبائل ورؤسائها وهي :
قبيلة بكاء، وقبيلة بني زهير و حدس و لخم ، وبني جديس و للأسبذيين وبني معاوية ، وبني حرقة وبني قيل ، وبني قيس ، وبني جرمز وقومه وقيس وقومه و لمالك بن أحمر و لصيفي بن عامر، شيخ بني ثعلبة و الفجيع ومن تبعه ونهشل بن مالك رئيس بني عامر ولجهينة بن زيد وفي رسالة لليمن ولملوك حمير ولملوك عمّان .
فالبحث المهم ّ في المقام هو ان ّ المقصود من هذه الكلمة
هل هي غنائم الحرب أو معناها اللّغوي العام ؟
وقد ظهر ـ بعد التأمّل في تلك الكتب الّتي أرسلها للوافدين إليه بعد ظهور الإسلام وقدرته والكتب الّتي كتبها لقبائل العرب وبعض الملوك للدعوة إلى الإسلام وبيان أحكامه ومعالمه ـ أن ّ له (صلي الله عليه و آله ) عناية خاصّة بالخمس وأنّه عنده (صلي الله عليه و آله ) من معالم الدين وفرائض الإسلام كالصلاة والزكاة وأنّه (صلي الله عليه و آله ) يعبّر عنه في قبال الزكاة بتعبيرات تدل ّ على أهمّيته .
وحينئذ فالبحث المهم ّ في المقام هو أن ّ المقصود من هذه الكلمة (كلمة الغنائم أو المغانم أو المغنم ) الّتي وقعت في تلك الكتب هل هي غنائم الحرب أو اُريد منها معناها اللّغوي العام ّ؟
والظاهر أن ّ المراد منها الثاني لوجوه :
الأوّل : أنّه قد أثبتنا بما لامزيد عليه أن ّ معنى هذه المادّة لغة وعرفاً عام ّ
يشمل جميع الأموال الّتي تظفر بها السعي والعمل وعليه فلا موجب للحمل على بعض المصاديق وهي الغنائم الحربيّة .
والثاني : أنّه لاشك ّ في أن ّ الجهاد الّذي ندب إليه الإسلام وجعله من أركانه وعرّفه بأنّه عزّ للإسلام وذروة سنامه لم يكن كالحروب الّتي كانت تقع في القبائل العربيّة ، فإنّه كان لكل ّ قبيلة أو فرد مقتدر منهم الاختيار في الإغارة على غير أفراد قبيلته وغير حلفائها لنهب أموالهم كيف اتّفق وإهراق دمائهم كيف شاء ولكن الجهاد في الإسلام كان موكولاً في عصر النبي (صلي الله عليه و آله ) إلى نظره (صلي الله عليه و آله ) وكان يقع بأمره وإرادته وإشرافه ونظارته ولم يكن لأحد من المسلمين ولا لأي ّ جماعة من جماعاتهم شن ّ الحرب من تلقاء أنفسهم وإنّما الأمر إلى الزعيم الإسلامي وكان هو الّذي يشن ّ الحرب إذا اقتضته المصلحة ويقدّره ويقرّره وفق قوانين الشرع الأقدس وكان المسلمون كلّهم تابعين له .
وكان بعد أن وقع الجهاد بأمره (صلي الله عليه و آله ) وقيادته وتدبيره وحصلت الغلبة للمسلمين وفازوا بغنائم الحرب يأمر بجمع الغنائم وحفظها ثم ّ يوزّعها بنفسه بين المجاهدين بعد أخذ الخمس . وما كان لأحد من الغزاة أخذ شي ء من غنائم الحرب بدون إذن الحاكم الإسلامي أو نائبه وإلاّ كان من الغلول الّذي يكون لأهله في الدنيا عاراً وشناراً وفي الآخرة ناراً.
فالحاكم الإسلامي هو الّذي يصطفي من الغنيمة الحربيّة ماشاء أوّلاً ويأخذ منها قطائع الملوك ثانياً، ويرضخ منها لمن يشاء ثالثاً ويخرج منها الخمس ويضعه في بيت ماله المخصوص ليصرفه في مصارفه الّلازمة رابعاً ويقسّم الباقي بين المجاهدين خامساً. وكل ّ ذلك من شؤون الحاكم الإسلامي ولم يُر في التاريخ الإسلامي مورد واحد أقدم فيه المسلمون على الحرب من تلقاء أنفسهم بدون إذن النبي (صلي الله عليه و آله ) ونظره بل كان في عهده جميع الاُمور
الإجتماعيّة من قبيل نصب القضاة والاُمراء وبعث العمّال لجباية الصدقات وغيرها كلّها بأمره وإذنه ونظره (صلي الله عليه و آله ) ، وليس هذا مخصوصاً بالإسلام ، فإن ّ الأمر في جميع الاُمم الراقية أيضاً كذلك ، فإذا كان الحرب والجهاد بجميع خصوصياته بنظره وكل ّ مايغنم فيه تحت سلطته وبإشرافه فلا معنى لطلبه (صلي الله عليه و آله ) الخمس من غنائم الحرب من الناس وتأكيده على ذلك في كتاب بعد كتاب وعهد بعد عهد في طي ّ الكتب الّتي كتبها أماناً لهم أو دعوة لهم إلى الإسلام وحينئذ فحمل الخمس في هذه الكتب والعهود على طلبه (صلي الله عليه و آله ) من الناس أن يدفعوا الخمس من الغنائم الحربيّة إليه (صلي الله عليه و آله ) أو إلى عمّاله (صلي الله عليه و آله ) غير صحيح جدّاً; لأن ّ الغنائم الحربيّة لم تكن بإشرافهم واختيارهم حتّى يدفعوا عنها شيئاً فلامناص حينئذ إلاّ من حمل خمس المغنم أو المغانم أو الغنائم الواقع في هذه الكتب على مقتضى معناها اللّغوي العام ّ الشامل للأرباح والكنوز والغوص والمعادن . فلو كان المراد من الغنائم في هذه الكتب والعهود هي غنائم الحرب كان مقتضاها ترخيص المسلمين بأن يشنّوا الحروب ضدّ أعدائهم من تلقاء أنفسهم في كل ّ مكان وزمان ، وهل هذا إلاّ الهرج والمرج والفوضى حاشا ثم ّ حاشا، والإسلام منه بري ء، لأنّه لايصدر مثل هذا التشريع عن عاقل مدبّر حكيم مضافاً إلى أنّنا لانجد في التاريخ شيئاً من هذه الفوضى المسبّبة عن مثل هذا التشريع .
والثالث : أن ّ غالب الكتب والعهود قد كتبت لقبائل كانت متفرّقة في جزيرة العرب واليمن والشام والبحرين وعمّان ولم يكن لهم غالباً قدرة وسيطرة بل كان بعضهم قليل العدد وضعيف العدّة والقوّة ، فكيف يمكنهم حينئذ إيقاع الحروب حتّى يطلب (صلي الله عليه و آله ) منهم خمس الغنائم الحربيّة ، فإن ّ وَفْد عبدالقيس ـ كما مضى في الكتاب الأوّل من الكتب للوافدين ـ لمّا قالوا له إن ّ
(102)
بيننا وبين المشركين من مَضَر وإنّا لانصل إليك إلاّ في أشهر حُرُم فمرنا بجمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة وندعوا إليه من ورائنا فأمرهم في ضمن أوامره بإيتاء الزكاة وإعطاء الخمس من المغنم ومن المعلوم أن ّ الكتاب الّذي كتبه (صلي الله عليه و آله ) إلى قوم لايستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم من خوف المشركين من مضر لايمكن أن يكون المراد منه طلب الخمس من غنائم الحرب بل لابدّ من حمله على خمس الغنائم بمعناها اللّغوي العام ّ الشامل للأرباح وغيرها.
والرابع : أن ّ ما ذكر في هذه الكتب ـ من الإيمان باللّه ورسوله والصلاة والزكاة والصوم ـ كلّها وظائف فرديّة ، ندب إليها الإسلام جميع المسلمين ، وإعطاء الخمس من المغنم أيضاً، قد جعل في عدادها فيفهم منه بحكم اتّحاد السياق الموجب للظهور العرفي أن ّ كل ّ مكلّف موظّف بأداء الخمس من ماله كأداء الزكاة (مع مراعاة الشرائط الّلازمة فيهما)، وحينئذ فحمله على خمس غنائم الحرب خلاف الظاهر لأنّه من متفرّعات الجهاد، فلو كان المراد، أداء خمس غنائم الحرب لكان الأنسب أن يذكر الجهاد في سبيل اللّه مكان خمس الغنائم الّذي هو كالصلاة والزكاة من الأركان ; لأن ّ أداء الخمس من غنائم الحرب من توابع الجهاد ولوازمه .
والخامس : أن ّ من جملة كتبه للّه ما كتبه (صلي الله عليه و آله ) إلى ملوك حمير على ما رواه البيهقي في ((سننه )) وابن عساكر في ((تهذيب تاريخه )) وأبو عبيد في ((الأموال )) وعلاءالدين في ((كنزالعمّال )) والحاكم في ((المستدرك )).
والكتاب هكذا :
((بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمّد النبي ّ إلى شرحبيل بن
(103)
عبدكلال والحارث بن عبدكلال ، قيل ذي رعين ومعافر وهمدان .
أمّا بعد فقد رجع رسولكم ، وأعطيتم من الغنائم خمس اللّه (عزّوجل ّ) وما كتب على المؤمنين من العشر في العقار ماسقت السماء أو كان سيحاً أو كان بعلاً ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وماسقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق )) .
والمراد من كلامه (صلي الله عليه و آله ) : ((فقد رجع رسولكم وأعطيتم من الغنائم خمس اللّه وما كتب على المؤمنين من العشر في العقار )) هو الخمس والزكاة ، ومن المعلوم أنّه ليس المراد من الغنائم فيه غنائم الحرب لما قد ذكرنا أن ّ جميع الحروب الواقعة بين المسلمين والكفّار في زمانه (صلي الله عليه و آله ) كانت تقع بإذنه وإشرافه وكان إخراج الخمس من غنائم الحرب أيضاً بيده (صلي الله عليه و آله ) وعليه فلم يكن للمسلمين من أهل اليمن كسائر المسلمين أن يشنّوا الحرب من تلقاء أنفسهم حتّى تقع الغنائم في أيديهم ، ولم ينقل في شي ء من كتب التاريخ أيضاً وقوع الحرب بين الّذين أسلموا من أهل اليمن ، وبين الكفّار في زمانه (صلي الله عليه و آله ) فهم قد امتثلوا أمره (صلي الله عليه و آله ) الّذي أرسله إليهم مع عمرو بن حزم ، وأرسلوا إليه الخمس
(104)
وهو يشكرهم على ذلك ، وواضح أنّنا لم نجد في التاريخ أن ّ حروباً قد جرت بينهم وبين غيرهم بعد إسلامهم ، وأنّهم غنموا من تلك الحروب وخمّسوها وأرسلوها مع عمروبن حزم .
فليس المراد من الغنائم في كلامه (صلي الله عليه و آله ) : ((فقد رجع رسولكم وأعطيتم من الغنائم خمس اللّه )) هي غنائم الحرب قطعاً فلا مناص إلاّ من حملها على الأرباح بواسطة القرائن الّتي ذكرناها.
وقد اتّضح بما قدّمناه الجواب عن السؤال الثاني أيضاً وأنّه كما كانت تؤخذ في زمانه (صلي الله عليه و آله ) الزكاة كان يؤخذ الخمس أيضاً من أرباح المكاسب .
هل كان النبي (صلي الله عليه و آله ) يأخذ عمّالاً لأخذ الأخماس أيضاً
وأمّا الجواب عن السؤال الثالث ، وهو أنّه لأي ّ جهة كان النبي (صلي الله عليه و آله ) يبعث عمّالاً لأخذ الزكوات ولايبعث عمّالاً لأخذ الأخماس من الأرباح ؟
فتفصيله أنّه لاريب في أن ّ بعد شيوع الإسلام وانتشاره كان يبعث العمّال لأخذ الصدقات عملاً بقوله تعالى : (( خُذْ مِن ْ أمْوالِهِم ْ صَدَقَة ً تُطَهِّرُهُم ْ وَتُزَكّيهِم ْ بِها )) وقد اشتهر ذلك في التواريخ الإسلاميّة واشتهر جم ّ غفير من العمّال بأسمائهم وألقابهم وأعمالهم ، وأمّا بعثه (صلي الله عليه و آله ) العمّال لأخذ الأخماس فقد توهّم أنّه أمر لم يقع في زمانه (صلي الله عليه و آله ) وأنّه لو وقع لكان الّلازم أن يشتهر كما اشتهر الأوّل ولكنه توهّم لاأساس له لأنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أن ّ دفع الخمس وأخذه (صلي الله عليه و آله ) إيّاه أيضاً كان شايعاً في زمانه (صلي الله عليه و آله ) عملاً بقوله تعالى : (( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ وَلِذي الْقُرْبى
(105)
وَالْيَتا مى وَالْمَسا كين ِ وَابْن ِ السَّبِيل ِ )) والتاريخ كما ضبط بعثه (صلي الله عليه و آله ) العمّال لأخذ الصدقات ضبط بعثه (صلي الله عليه و آله ) العمّال لأخذ الأخماس أيضاً وإن كان الثاني بالنسبة إلى الأوّل قليلاً، لأن ّ أكثر ثروة سكّان شبه الجزيرة العربيّة كانت يومذاك من الأنعام الثلاثة والنخل وقليل من الزرع ، ومن المعلوم أن ّ الأنعام الثلاثة والنخل وكذلك الزرع إذا كان حنطة وشعيراً وكرماً كان ممّا تتعلّق به الزكاة .
وأمّا التجارة فكانت يومذاك منحصرة بأهل مكّة وبعض القبائل دون أغلبها ووجوب خمس الأرباح حيث كان مشروطاً بزيادتها عن مؤنة السنة لم يكن هذا الشرط حينئذ متحقّقاً بالنسبة إلى أغلب الناس .
وأمّا المعادن فلم يكن معرفتها واستخراجها يومذاك شايعاً ومعمولاً في تلك الجزيرة .
وأمّا الغوص والكنوز فهما أمران قد يتّفقان نادراً فلأجل ذلك كلّه لم يكن أخذ الأخماس ودفعها كأخذ الزكوات ودفعها محتاجاً إلى نصب العمّال وبعثهم مستقلاً ولعل ّ المأمورين بأخذ الزكوات كانوا مأمورين بأخذ الأخماس أيضاً في مواردها كما يظهر ذلك من كلامه : ((فقد رجع رسولكم وأعطيتم من الغنائم خمس اللّه عزّوجل ّ وما كتب على المؤمنين من العشر )) في كتابه (صلي الله عليه و آله ) إلى ملوك حمير .
ويحتمل أنّه قد كان له (صلي الله عليه و آله ) عمّالاً مأمورين بأخذ الأخماس مستقلاً وقد أخذوها في مواردها ودفعوها إلى رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) غير أن ّ سياسة الخلفاء بالنسبة إلى أخذ الخمس لمّا لم تكن كسياستهم في أخذ الزكوات وأنّهم
(106)
أسقطوه بعد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ـ كما سيأتي البحث فيه تفصيلاً في باب مستحق الخمس ـ صار عملهم وسياستهم الغاشمة موجباً لإهمال الرواة والمؤرّخين ذكر بعثه (صلي الله عليه و آله ) العمّال لأخذ الأخماس لمخالفته لسياسة الخلفاء في أدوار الخلافة الإسلاميّة الحاكمة على الناس في طي ّ القرون والأعصار.
بعث النبي (صلي الله عليه و آله ) عمّالاً لأخذ الأخماس
ومع ذلك فقد ظفرنا بموارد تحكي عن بعثه (صلي الله عليه و آله ) العمّال لأخذ الأخماس إمّا مستقلاً أو مع أخذ الصدقات أيضاً ولعل ّ المتتبّع يجد أزيد من ذلك وإليك هذه الموارد:
1 ـ أنّه (صلي الله عليه و آله ) بعث إلى أهل اليمن عمرو بن حزم ، ليفقّههم في الدين ، ويعلّمهم السنّة ومعالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم وأخماسهم وكتب له كتاباً وبعض مضمون الكتاب هكذا:
((بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا بيان من اللّه ورسوله عهد من محمّد النبي ّ رسول اللّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن وأمره بتقوى اللّه في أمره كلّه فإن ّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون وأمَره أن يأخذ من المغانم خمس اللّه وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ماسقت العين وسقت السماء وعلى ما سقى الغرب نصف العشر)) .
(107)
وقد تقدّم هذا الكتاب في رقم 7 من كتبه (صلي الله عليه و آله ) للوافدين وقد بيّـنّا في آخر بحث الكتب والعهود أن ّ المغانم في مثل هذه الكتب تشمل جميع الفوائد المكتسبة من الأرباح وغيرها على حسب مقتضى اللّغة والعرف العام ّ في ذلك الزمان .
2 ـ أنّه (صلي الله عليه و آله ) كتب إلى سعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتاباً واحداً ـ تعلّمهم فرائض الصدقة ـ وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه اُبي ّ وعنبسة أو من أرسلاه (وسعد هذيم من بطون قضاعة ينسبون إلى قحطان نسّبهم بجمهرة ابن حزم ص 447 وجذام حي ّ كبير من القحطانيّة نسّبهم بجمهرة ابن حزم ص 420ـ421).
3 ـ قال ابن قيم الجوزيّة في كتاب زاد المعاد في هَدْي خير العباد في فصل اُمرائه (صلي الله عليه و آله ) : ((وولّى علي ّ بن أبي طالب الأخماس باليمن والقضاء بها وذكر في فصل كتبه ورسله (صلي الله عليه و آله ) إلى الملوك : وبعث (صلي الله عليه و آله ) أباموسى
(108)
الأشعري ومعاذبن جبل إلى اليمن عند انصرافه (صلي الله عليه و آله ) من تبوك ، وقيل بل سنة عَشَر من ربيع الأوّل داعيين إلى الإسلام فأسلم عامّة أهلها طوعاً من غير قتال ثم ّ بعث (صلي الله عليه و آله ) بعد ذلك علي ّ بن أبي طالب إليهم ووافاهم بمكّة في حجّة الوداع .
وإذا كانوا أسلموا طوعاً ولم يكن بينهم وبين غيرهم حرب ، تكون الأخماس لغير غنائم الحرب .
وفي عدّة من الكتب كـعمدة القاري في شرح صحيح البخاري ومجمع الزوائد للهيثمي ، ونصب الراية للزيلعي أن ّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) بعث عليّاً عاملاً فأتى بركاز فأخذ منه الخمس ودفع بقيّته إلى صاحبه فبلغ ذلك النبي (صلي الله عليه و آله ) فأعجبه .
ومن المعلوم أنّه (صلي الله عليه و آله ) ما كان يستعمل هاشميّاً على الصدقات قطّ كما في صحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل كما أنّه من الواضح أن ّ بعثه (صلي الله عليه و آله ) إيّاه (عليه السلام ) عاملاً لم يكن لأخذ الخمس من الركاز وحده لأن ّ الركاز ـ بمعنى الكنزـ أمر قد يتّفق فلايصلح للبعث لأخذ الخمس منه فقط.
وإن قلنا أن ّ الركاز بمعنى المعدن كما ذهب إليه بعض الجمهور فاستخراج المعدن لم يكن معمولاً ومتداولاً في ذلك اليوم في مثل اليمن
(109)
فكان بعثه (صلي الله عليه و آله ) عاملاً لأخذ الأخماس مطلقاً .
4 ـ وفي الصحيح من سيرة النبي ّ الأعظم (صلي الله عليه و آله ) : ((كان رجل من بني زبيد اسمه محميّة بعثه رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) لأخذ الأخماس )) .
ومن الواضح في المقام أن ّ بعثه (صلي الله عليه و آله ) عليّاً (عليه السلام ) وعمروبن حزم واُبي ّ وعنبسة ومحميّة لأخذ الأخماس لم يكن للأخذ من الغنائم الحربيّة لأن ّ اُمور الحرب ومايتفرّع عليها قد كانت كلّها بأمره وإشرافه (صلي الله عليه و آله ) وهو (صلي الله عليه و آله ) بنفسه كان يأخذ الخمس من الغنائم الحربيّة ويقسّم البقيّة بين المجاهدين فهذه البعوث كلّها قد كانت لأخذ الخمس من كل ّ مايكتسبه المسلمون ومن جملته أرباح المكاسب بل كانت هي العمدة .
وقد ظهر بما ذكرنا ما كان عليه أمر الخمس في أرباح المكاسب أيضاً في زمن النبي ّ الأكرم (صلي الله عليه و آله ) من كل ّ الجهات وتبيّن بما قلنا الجواب عن كل ّ الإشكالات المتصوّرة في المقام .
(110)

الخمس في زمن خلافة أبي بكر وعمر
بعد أن كان الخمس على الوضع الّذي ذكرنا من أوّل البحث إلى هنا من جهة سعة متعلّقه ومن جهة تقسيمه على مقتضى كتاب اللّه تعالى بإشراف النبي ّ الأكرم (صلي الله عليه و آله ) قد أوجدوا التغيير فيها من جهات (صلي الله عليه و آله )1 ـ من جهة تخصيصهم الخمس بالغنائم الحربيّة مع أن ّ آية ((وَاعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَـأنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ وَلِذِي الْقُرْبى )) إلخ تقتضي ثبوته لكل ّ ما يصدق عليه الغُنم على ما تقدّم مبسوطاً.
2 ـ من جهة قولهم بعدم سهم للّه تعالى في الخمس وأن ّ ذكر اسمه
(121)
تعالى في الآية ليس إلا تبرّكاً وافتتاحاً للمسألة .
3 ـ من جهة مقالتهم بسقوط سهم النبي ّ (صلي الله عليه و آله ) في الخمس بموته ، أو صرف سهمه في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين ، والأكثر على الأوّل .
وقال أبو يوسف في كتاب الخراج وأبو عبيد في كتاب الأموال والجصّاص في أحكام القرآن وأبوقدامة في المغني أن ّ أبابكر وعمر وعثمان كانوا يقسّمون الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل (مع إسقاط سهم النبي ّ (صلي الله عليه و آله )) وسهم ذي القربى ) .
وفي تفسير الكشّاف عن ابن عبّاس : أن ّ الخمس كان على ستّة أسهم للّه وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتّى قبض (صلي الله عليه و آله ) فأجرى أبوبكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء .
وفي تفسير الدرّ المنثور: واختلفوا بعد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) في هذين السهمين (سهم رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) وسهم ذي القربى )، قال قائل : سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة ، وقال قائل : سهم النبي ّ (صلي الله عليه و آله ) للخليفة من بعده واجتمع رأي أصحاب رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) على أن يجعلوا هذين السهمين في
(122)
الخيل والعدّة في سبيل اللّه (تعالى ) فكان كذلك في خلافة أبي بكر وعمر .
4 ـ من جهة قولهم بسقوط سهم ذي القربى بموت النبي ّ (صلي الله عليه و آله ) أو كون المراد منه أقرباء الخليفة والحاكم أي ّ شخص كان لا أقرباء النبي ّ (صلي الله عليه و آله ).
5 ـ من جهة قول جمع بأن ّ الخمس بأجمعه ، لحاكم المسلمين ، ويصنع فيه مايشاء.
قال القرطبي في تفسيره المسمّى بالجامع لأحكام القرآن : واختلف العلماء في كيفيّة قسم الخمس على أقوال ستّة إلى أن قال : الخامس ، قال أبو حنيفة : يقسّم على ثلاثة : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، وارتفع عنده حكم قرابة رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) بموته كما ارتفع حكم سهمه (صلي الله عليه و آله ). السادس ، قال مالك : هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده ، فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي منه القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين ، وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا .
ومثله في تفسير المنار .
6 ـ من جهة قولهم بأن ّ المراد من اليتامى والمساكين وابن السبيل في آية الخمس مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل مع أن ّ المراد منهم ، يتامى بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم وسيأتي التفصيل .
قال في كتاب النص ّ والإجتهاد: قد أجمع أهل القبلة كافّة ، على أن ّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) كان يختص ّ بسهم من الخمس ، ويخص ّ أقاربه بسهم آخر
منه ، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتّى دعاه اللّه إليه واختار اللّه الرفيق الأعلى ، فلمّا ولّى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي ّ وسهم ذي القربى بموته ومنع ـ كما في الكشّاف وغيره بني هاشم من الخمس وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ، ومساكينهم ، وأبناء السبيل منهم .
وبعد أن تمّت الخلافة لأبي بكر; اتّجهت سياستهم نحو إرسال جيوش ; لإخضاع الفئات المعارضة للإسلام والفئات لم تقبلوا خلافة أبي بكر فوضع الخمس حينئذ، وسهم ذوي القربى في السلاح والكراع .
وذكر عدّة من المؤلّفين أن ّ الصحابة بعد وفاته (صلي الله عليه و آله ) قد اختلفوا فقالت طائفة : سهم الرسول للخليفة بعده ، وقالت طائفة : سهم ذوي القربى لقرابة الرسول ، وقال آخرون سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة ، فأجمعوا على أن يجعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح .
وفي سنن النسائي والأموال لأبي عبيد فكانا في ذلك خلافة أبي بكر وعمر .
وفي تفسير النيشابوري بهامش تفسير الطبري : وروي أن ّ أبابكر منع
بني هاشم الخمس .
وفي مسند أحمد وسنن البيهقي : كان أبوبكر يقسّم الخمس نحو قسم رسول اللّه غير أنّه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ما كان النبي ّ يعطيهم منه .
وفي سنن البيهقي عن أبي الطفيل قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر قالت : ((فما بال الخمس ؟ ))فقال : إنّي سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) يقول : ((إذا أطعم اللّه نبيّاً طعمة ثم ّ قبضه كانت للّذي يلي بعده )) فلمّا ولّيت رأيت أن أردّه على المسلمين .
وفي تفسير الطبري ّ عن قتادة أنّه سئل عن سهم ذي القربى فقال : كان طعمة لرسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) فلمّا توفّي حمل عليه أبوبكر وعمر في سبيل اللّه صدقة عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ). وفي رواية اُخرى عنه : كان طعمة لرسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ما كان حيّاً فلمّا توفّي جعل لولي ّ الأمر من بعده .
وفي تفسير الكشّاف في تفسير آية ((وَاعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُم ْ مِن ْ شَي ْءٍ فَـأنَّ لِلّه ِ خُمُسَه ُ وَلِلرَّسُول ِ وَلِذي الْقُرْبى )) إلخ : وروي أن ّ أبابكر منع بني هاشم الخمس وقال : إنّما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيمّكم ويخدم من لاخادم له

منكم فأمّا الغني ّ منكم ; فهو بمنزلة ابن سبيل غني لايعطى من الصدقة شيئاً ولايتيم موسر .
وفي سنن أبي داود عن يزيد بن هرمز أن ّ نجدة الحروري حين حج ّ في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى ويقول : لمن تراه ؟ قال ابن عباس : لقربى رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) قسّمه لهم رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله .
وفي سنن البيهقي أيضاً باب سهم ذي القربى : عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : لقيت عليّاً (عليه السلام) عند أحجار الزيت فقلت له : بأبي واُمّي مافعل أبوبكر وعمر في حقّكم أهل البيت الخمس ; قال (عليه السلام):(( إن ّ عمر قال : لكم حق ّ ولايبلغ علمي إذا كثر أن يكون لكم كلّه ، فإن شئتم ، أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلاّ كلّه ، فأبى أن يعطينا كلّه )) .
وفي كتاب الخراج لأبي يوسف طبعة السلفيّة : استمرّ تقسيم الخمس زمان الرسول (صلي الله عليه و آله ) كما في كتابه تعالى فلمّا جاء أبوبكر وعمر وعثمان وعلي ّ قسّموا الخمس على ثلاثة أسهم فأسقطوا سهم الرسول وذوي القربى
وقسّموها على ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل .
وفي كتاب الخراج ليحيى بن آدم : وجعلوا السهمين الباقيين ـ سهم الرسول وسهم ذي القربى ـ في الكراع والسلاح .
وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عبّاس يسأله عن ذوي القربى فكتب إليه : وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم ؟ وإنّا زعمنا أنّا هم فأبى ذلك علينا قومنا .
مسألة الخمس في زمن عثمان
انتخاب عثمان خليفة للمسلمين بعد عمر بن الخطّاب أوجد فرصة لبني اُميّة طلع فيها فجر ليلهم ، وبرقت فيها آمالهم فساسوا الاُمّة وتلاعبوا بالإمرة وأصبح مروان بن الحكم ـ الّذي طرد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) أباه إلى الطائف وهو طفل ـ أميناً وعامّاً ووزيراً خاصّاً للخليفة وصهراً له .
أعاد عثمان الحكم بن العاص إلى المدينة وأكرمه مع أن ّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) قال : ((ويل لاُمّتي ممّا في صلب هذا)) وقالت عائشة يوماً لمروان : ((أمّا أنت يامروان فأشهد أن ّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) لعن أباك وأنت في صلب وطرده النبي ّ ونفاه إلى الطائف )) .
ونظر إليه علي ّ (عليه السلام) فقال : ((ويلك وويل اُمّة محمّد منك ومن بنيك )) .
وكان مروان يجبى بالأموال من جانب الخليفة ، ويخصّص بالخمس نفسه وكذا سائر أقربائه وقد نقل المؤرّخون أن ّ عثمان في زمان خلافته غزا إفريقيا مرّتين ففي المرّة الاُولى أعطى جميع الخمس لعبد اللّه بن سعد بن أبي سرح وهو أخوه من الرضاعة وفي المرّة الثانية أعطى جميع الخمس لصهره مروان بن الحكم .
ففي تاريخ الذهبي إن ّ عثمان قد أعطى خمس فتوح إفريقيا مرّة
لعبداللّه بن سعدبن أبي سرح واُخرى لمروان بن الحكم .
وقال ابن الأثير في تاريخه أعطى عثمان عبداللّه خمس الغزوة الاُولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية الّتي افتتحت فيها جميع إفريقيا .
والتاريخ يعرّفنا عبداللّه بن سعد بن أبي سرح ومروان بن الحكم .
وذكر ابن أبي الحديد: أن ّ عثمان أعطى عبداللّه بن أبي سرح جميع ما أفاء اللّه عليه من فتح إفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين ، وقال : وافتتحت إفريقية في أيّامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان فقال عبدالرحمن بن حنبل الجمحي :
وأعطيت مروان خمس البلاد فهيهات سعيك ممّن سعى
وروي عن عبداللّه بن الزبير أنّه قال : ((أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين إفريقية فأصاب عبداللّه بن سعدبن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم .
قال العلاّمة الخوئي في شرحه لنهج البلاغة :
قال الشارح المعتزلي : وصحّت فيه فراسة عمر، فإنّه أوطأ بني اُميّة رقاب الناس ، وولاّهم الولايات ، وأقطعهم القطايع وافتتحت أرمينية في أيّامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان ، وطلب إليه عبداللّه بن خلد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمائة ألف درهم وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) قد سيّره ، ثم ّ لم يردّه أبوبكر ولاعمر وأعطاه مائة ألف درهم وحمى المراعي حول المدينة كلّها عن مواشي المسلمين كلّهم إلاّ عن بني اُميّة . وأعطى عبداللّه بن أبي سرح جميع ما أفاء اللّه عليه من فتح إفريقية بالمغرب وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين . وأعطى أباسفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الّذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال وقد كان زوجه ابنته اُم ّ أبان فجاء زيدبن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى ، فقال عثمان : أتبكي إن وصلت رحمي ؟ قال : لا ولكن أبكي لأنّي أظنّك أخذت هذا المال عوضاً ممّا كنت أنفقته في سبيل اللّه في حياة رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) واللّه لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً فقال : ((ألق المفاتيح فإنّا سنجد غيرك )) وأتاه أبوموسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلّها في بني اُميّة وأنكح الحرث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من

بيت المال أيضاً بعد أن صرفه زيدبن أرقم عن خزنته ، انتهى .
وبالجملة كان شأن عثمان في مسألة الخمس ،ما وصفه أميرالمؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الثالثة من نهج البلاغة المسمّاة بالشقشقيّة : ((إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حِضْنَيْه ِ بَيْن َ نثيله ومُعْتَلَفِه ِ وقام معه بنو أبيه يَخْضَمُون َ مال اللّه خضم الإبل نِبْتَـة َ الربيع )).
مسألة الخمس في زمن خلافة أميرالمؤمنين (عليه السلام)
وما ذكرناه هي البليّة الّتي ابتليت بها مسألة الخمس في زمن الخلفاء الثلاث وأمّا إذا وصلت نوبة الخلافة إلى أميرالمومنين (عليه السلام) فهو أيضاً على ما يدل ّ عليه التاريخ ويشهد به الأحاديث والآثار جرى فيها على ما جروا عليه ولم يخرجها عن جادّة الانحراف والخطأ إلى طريق الحق ّ والصواب الّذي نطق به القرآن العظيم .
ففي كتاب الخراج لأبي يوسف عن ابن عبّاس : ثم ّ قسمه (أي الخمس ) علي ّ بن أبي طالب على ما قسمه أبوبكر وعمر وعثمان .
وفي الكتاب المذكور وكتاب الأموال لأبي عبيد وأحكام القرآن للجصّاص : سئل أبو جعفر الباقر(عليه السلام) ما كان رأي علي ّ في الخمس ؟ قال (عليه السلام): ((كان رأيه فيه رأي أهل بيته ولكنّه كره أن يخالف أبابكر وعمر .
وعن محمّد بن إسحاق قال سألت أباجعفر محمّدبن علي ّ (صلي الله عليه و آله )
فقلت : علي ّ بن أبي طالب (عليه السلام) حيث ولى من أمر الناس ما ولى كيف صنع في سهم ذي القربى ؟ قال : ((سلك به سبيل أبي بكر وعمر)) قلت : ((كيف وأنتم تقولون ما تقولون ؟)) فقال (عليه السلام): ((ما كان أهله يصدرون إلاّ عن رأيه (عليه السلام))) قلت : ((فما منعه ؟)) قال : كره واللّه أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر .
وفي رواية اُخرى في سنن البيهقي قال أبوجعفر محمّدبن علي ّ (صلي الله عليه و آله ) ولكن كره أن يتعلَّق عليه خلاف أبي بكر وعمر .
لماذا لم يستطع أميرالمومنين (عليه السلام)
أن يغيّر أمر الخمس ؟
لعلّك تستبعد ما ذكرناه وتسأل عن أن ّ الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) مع كونه حاكماً وأميراً كيف لم يغيّر ما عملوا به في أمر الخمس بعد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ولكنّك لو تأمّلت فيما كان يجري على الأوضاع في عصر خلافته (عليه السلام) الّذي كان عقيب جريان الاُمور على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه لزال استبعادك حيث أن ّ الوضع المظلم الّذي ظهر بعد ارتحال النبي ّ الأكرم (صلي الله عليه و آله ) وامتدّ إلى ربع القرن قد أثّر في الناس أثراً عميقاً ولم يكن تغييره ممكناً بسهولة . ومن تأمّل في كلمات أميرالمؤمنين (عليه السلام) الحاكية لوضع ذلك الزمان الكنود يدرك الوضع .
فهو (عليه السلام) تارة يشكو ويتأسّف ويقول :(( وقد أصبحتم في زمن لايزداد الخير فيه إلاّ إدباراً والشرّ فيه إلاّ إقبالاً والشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعاً فهذا أوان قويت عدّته ، وعمّت مكيدته ، وأمكنت فريسته ، واضرب بطرفك حيث شئت من الناس ، فهل تبصر إلاّ فقيراً يكابد فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمة اللّه كفراً، أو بخيلاً اتّخذ البخل بحق ّ اللّه وفراً أو متمرّداً كأن ّ باُذنه عن سمع المواعظ وقراً أين أخياركم وصلحاؤكم وأين أحراركم وسمحاؤكم ؟ وأين المتورّعون في مكاسبهم والمتنزّهون في مذاهبهم )) .
واُخرى يصف (عليه السلام) أهل عصر خلافته ويقول : ((ولقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيساً)) .
وثالثة يقول (عليه السلام) للأشتر حين يولّيه مصر: ((إن ّ هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا)) .
وبالجملة من تقسيمه (عليه السلام) الناس في عصر خلافته إلى طوائف وبيان أن ّ الطائفة التابعة للحق ّ قليل ، وأنّهم في معرض البلايا والمصائب الشديدة ، يظهر ما كان جارياً على الأوضاع والأحوال في ذلك العصر وهذا كلامه (عليه السلام):
((أيُّهَـا الناس ُ إنّا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن كنود يعدّ فيه المحسن مسيئاً ويزداد الظالم فيه عتوّاً لاننتفع بما علمنا ولانسأل عمّا جهلنا ولانتخوّف قارعة حتّى تحل ّ بنا والناس على أربعة أصناف :
1 ـ منهم لايمنعه الفساد في الأرض إلاّ مهانة نفسه وكلالة حدّه ونضيض وفره .
2 ـ ومنهم المصلت بسيفه والمعلن بشرّه والمجلب بخيله ورجله قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه ، أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً وممّا لك عند اللّه عوضاً.
3 ـ ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولايطلب الآخرة بعمل الدنيا قد طامن من شخصه وقارب من خطوه وشمّر من ثوبه وزخرف من نفسه للأمانة واتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية .
4 ـ ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه وانقطاع سببه فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة وتزيّن بلباس أهل الزهادة وليس من ذلك في مراح ولا مغدى ً .
5 ـ وبقي رجال غض ّ أبصارهم ذكر المرجع ، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد ناد، وخائف مقموع وساكت مكعوم ، وداع مخلص ، وثكلان موجع ، قد أخملتهم التقيّة ، وشملتهم الذلّة ، فهم في بحر اُجاج ، أفواههم ضامزة ، وقلوبهم قرحة ، قد وعظوا حتّى ملّوا، وقهروا حتّى ذلّوا، وقتلوا حتّى قلّوا)) .
هذا وضع زمان خلافته (عليه السلام)، وذاك زمان قبل خلافته ، ولم يكن له (عليه السلام) حيلة إلاّ الصبر وكان ـ بأبي هو واُمّي يقول : ((وصبرت وفي العين
قذي وفي الحلق شجى )) ويتمثّل لأخيه عقيل في الجواب عن كتاب كتبه إليه بهذا البيت :
فإن تسأليني كيف أنت ؟ فإنّني صبور على ريب الزمان صليب
يعزّ علي ّ أن تُرى بي كآبة ٌ فيشمت عاد أو يُساء حبيب
وبالجملة تغيير الأوضاع الفاسدة ، وتقويم الحكم عن جادّة الانحراف إلى الصواب يحتاج إلى القدرة ومساعدة أوضاع الزمان ، وأعوان مخلصين ومترابطين ، فما ترى في جوّ يكون الصلحاء ورجال الحق ّ فيه مشرّدين عن الديار والأوطان ، منفردين عن الأعوان والإخوان ، خائفين ، مغلوبين ، ذليلين ، مغمورين في بحر اُجاج ، أفواههم مقفّلة ، وقلوبهم قرحة ، ملّوا من الوعظ والإرشاد، لعدم التفات المتمرّدين إلى كلامهم ، وعدم تأثيره فيهم ، وصاروا بيد أعدائهم مقهورين ، وقتلهم سيوف الجبّارين والسفّاكين ، ولم يبق منهم إلاّ قليل يعيشون في الانعزال والانفراد، وبقي هو (عليه السلام) وحده وفريداً ويطلع رأسه في البئر ويخاطبه ويقول لميثم :
وفي الصدر لُبانات إذا ضاق لها صدري
نكت ّ الأرض بالكف ّ وأبديت لها سرّي
فمنها تنبت الأرض فذاك النبت من بذري
وقد روى ثقة الإسلام الشيخ الأجل ّ محمّدبن يعقوب الكليني عن علي ّ بن ابراهيم عن أبيه عن حمّادبن عيسى عن إبراهيم بن عمر عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أميرالمؤمنين (عليه السلام) فحمد اللّه وأثنى عليه ثم ّ صلّى
على النبي ّ (صلي الله عليه و آله ) ثم ّ قال :ألا إن ّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان : اتّباع الهوى ، وطول الأمل ، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق ّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة .
ألا إن ّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة ، وإن ّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة ، ولكل ّ واحد بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولاتكونوا من أبناء الدنيا، فإن ّ اليوم عمل ولاحساب وإن ّ غداً حساب ولاعمل ، وإنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبّع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللّه يتولّى فيها رجال رجالاً.
ألا إن ّ الحق ّ لو خلص لم يكن اختلاف ، ولو أن ّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجلّلان معاً فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ونجى الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى إنّي سمعت رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) يقول : ((كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها، ويتّخذونها سنّة فإذا غيّر منها شي ء قيل قد غيّرت السنّة ، وقد أتى الناس منكراً ثم ّ تشتدّ البليّة وتسبى الذرّية وتدقّهم الفتنة كما تدق ّ النار الحطب وكما تدق ّ الرحى بثفالها ويتفقّهون لغير اللّه ، ويتعلّمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .
ثم ّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّـته وشيعته فقال : ((قد

عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها، وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفضل إمامتي من كتاب اللّه (عزّوجل ّ) وسنّة رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ). أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم (عليه السلام) فرددته إلى الموضع الّذي وضعه فيه رسول اللّه (صلي الله عليه و آله )، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (سلام الله عليها) ، ورددت صاع رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) كما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قضى بها .ونزعت نساءاً تحت رجال بغير حق ّ فرددتهن ّ إلى أزواجهن ّ، واستقبلت بهن ّ الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب ، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، وأعطيت كما كان رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) يعطي بالسويّة ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء، وألقيت المساحة ، وسوّيت بين المناكح ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل اللّه (عزّوجل ّ) وفرضه ، ورددت مسجد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) إلى ما كان عليه ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب ، وفتحت ما سدّ منه ، وحرّمت المسح على الخفّين ، وحددت على النبيذ،
وأمرت بإحلال المتعتين ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، وأخرجت من اُدخل مع رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) في مسجده ممّن كان رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) أخرجه ، وأدخلت من اُخرج بعد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) ممّن كان رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) أدخله ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، ورددت سبايا فارس وسائر الاُمم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه (صلي الله عليه و آله ) إذاً لتفرّقوا عنّي واللّه لقد أمرت الناس أن لايجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أن ّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري مالقيت من هذه الاُمّة من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الّذي قال اللّه (عزّوجل ّ) ((إن ْ كُنْتُم ْ آمَنْتُم ْ بِاللّه ِ وَما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْم َ الْفُرْقا ن ِ يَوْم َ الْتَقَى الْجَمْعا ن ِ)) فنحن واللّه عنى بذي القربى الّذي قرننا اللّه بنفسه وبرسوله (صلي الله عليه و آله ) فقال تعالى : ((فَلِلّه ِ وَلِلرَّسُول ِ وَلِذِي القُرْبى وَالْيَتا مى وَالْمَسا كين ِ وَابْن ِ السَّبِيل ِ ((فينا خاصّة )) كَيْلا يَكُون َ دُولَة ً بَيْن َ الأغْنِيا ءِ مِنْكُم ْ وَما
آتا كُم ُ الرَّسُول ُ فَخُذُوه ُ وَما نَها كُم ْ عَنْه ُ فاَنْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّه َ)) في ظلم آل محمّد ((إنَّ اللّه َ شَدِيدُ الْعِقا ب ِ)) لمن ظلمهم ، رحمة منه لنا وغنى أغنانا اللّه ، ووصّى به نبيّه ، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً وأكرم اللّه رسوله (صلي الله عليه و آله ) وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس فكذّبوا اللّه وكذّبوا رسوله ، وجحدوا كتاب اللّه الناطق بحقّنا، ومنعونا فرضاً فرضه اللّه لنا، ما لقي أهل بيت نبي ّ من اُمّته مالقينا بعد نبيّنا (صلي الله عليه و آله ) واللّه المستعان على من ظلمنا ولاحول ولاقوّة إلاّ باللّه العلي ّ العظيم .
وقد ذكر فيه اثنين وثلاثين مورداً ممّا غيّر بعد رسول اللّه (صلي الله عليه و آله ) وهو (عليه السلام) لم يستطع أن يردّها إلى ما كان في عهده (صلي الله عليه و آله ) وتوضيح كل ّ واحد من هذه الموارد يحتاج إلى بسط في الكلام ونحن نذكر واحداً منها ليكون نموذجاً عمّا جرى بعد ارتحال النبي ّ الأقدس (صلي الله عليه و آله ) وهي مسألة التراويح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *