منهج القرآن الكريم فى إثبات وجود الخالق ووحدانيته

منهج القرآن فى إثبات وجود الخالق ووحدانيته , هو المنهج الذى يتمشى مع الفطر المستقيمة , والعقول السليمة , وذلك بإقامة البراهين الصحيحة , التى تقتنع بها العقول , وتسلم بها الخصوم.

لقد جاءت الأدلة العقلية في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثبات وجود الله وربوبيته، وهي كثيرة ومتنوعة وسهلة وواضحة؛ لأن الناس أحوج ما يكونون إلى معرفة ربهم وخالقهم، وحاجتهم إلى معرفته أشد من حاجتهم للماء والهواءوالطعام والشراب. ‏

‎‎ ويمكننا أن نقول ابتداء: إن كل شيء يدل على وجود الله سبحانه وتعالى، إذ مامن شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه، وما ثم إلا خالق ومخلوق، وقد نبه القرآن الكريم إلى دلالة كل شيء على الله تعالى، كما في قوله عز وجل: }قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء {  سورة الأنعام (164).

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. ‏

‎‎ وقد سئل أحد الأعراب سؤالاً موجهاً إلى فطرته السليمة، فقيل له: كيف عرفت ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وجبال وأنهار، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟ ‏

‎‎ وقد ذكر لنا القرآن استدلالات لأنبياء الله ورسله حين كانوا يناظرون ويجادلون بعض الملاحدة الذين ينكرون وجود الله، وإن كانوا في قرارة أنفسهم ليسوا كذلك، وإنما كانوا يقولون هذا تكبراً وعناداً واستعلاءً في الأرض.

ملامح القرآن الكريم فى إثبات وجود الخالق ووحدانيته:-

1– من المعلوم بالضرورة أن الحادث لابد له من محدث

هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة ؛ حتى للصبيان ؛ فإن الصبى لو ضربه ضارب , وهو غافل لا يبصره لقال : من ضربنى ؟ فلو قيل له : لم يضربك أحد ؛ لم يقبل عقله أن تكون الضربة حدثت من غير محدث ؛ فإذا قيل : فلان ضربك , بكى حتى يضرب ضاربه ؛ ولهذا قال تعالى : ( أم خلقوا من غير شيئ أم هم الخالقون ) – سورة الطور آية : 35

وهذا تقسيم حاصر , ذكره الله بصيغة إستفهام إنكارى , ليبين أن هذه المقدمات معلومة بالضرورة , لا يمكن جحدها , يقول : ( أم خلقوا من غير شيئ ) أى : من غير خالق خلقهم , أم هم خلقوا أنفسهم ؟ كلا الأمرين باطل , فتعين أن لهم خالقا خلقهم , وهو الله سبحانه , ليس هناك خالق غيره , قال تعالى : ( هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه ) – سورة لقمان آية : 11

( أرونى ماذا خلقوا من الأرض ) – سورة الأحقاف آية : 4

( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيئ وهو الواحد القهار ) – سورة الرعد آية : 16

, ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) – سورة الحج آية : 73

( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهو يخلقون ) – سورة النحل آية : 20

( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) – سورة النحل آية : 17

ومع هذا التحدى المتكرر لم يدع أحد أنه خلق شيئا , ولا مجرد دعوى – فضلا عن إثبات ذلك – , فتعين أن الله سبحانه هو الخالق وحده لا شريك له

2 – أنتظام أمر العالم كله وإحكامه

أدل دليل على أن مدبره آله واحد , ورب واحد لا شريك له ولا منازع

قال تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من آله إذا لذهب كل آله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض ) – سورة المؤمنون آية : 91

فالآله الحق لابد أن يكون خالقا فاعلا , فلو كان معه سبحانه آله آخر , يشاركه فى ملكه – تعالى الله عن ذلك – لكان له خلق وفعل , وحينئذ فلا يرضى شركة الآله الآخر معه ؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرد بالملك والآلهية دونه , فعل . وإن لم يقدر على ذلك , أنفرد بنصيبه فى الملك والخلق ؛ كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم على بعض بملكه , فيحصل الإنقسام

فلابد من أحد ثلاثة أمور :

أ – إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفرد بالملك دونه

ب – وإما أن ينفرد كل واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه ؛ فيحصل الإنقسام

ج – وإما أن يكونا تحت ملك واحد يتصرف فيهما كيف يشاء ؛ فيكون هو الآله الحق وهم عبيده

وهذا هو الواقع , فإنه لم يحصل فى العالم إنقسام ولا خلل ؛ مما يدل على أن مدبره واحد , لا منازع له , وأن مالكه واحد لا شريك له

3 – تسخير المخلوقات لأداء وظائفهما , والقيام بخصائصها

فليس هناك مخلوق يستعصى ويمتنع عن أداء مهمته فى هذا الكون , وهذا ما أستدل به موسى – عليه السلام – حين سأله فرعون : ( قال فمن ربكما يا موسى ) أجاب موسى بجواب شاف كاف فقال : ( ربنا الذى أعطى كل شيئ خلقه ثم هدى ) – سورة طه آيات : 49 , 50

أى : ربنا الذى خلق جميع المخلوقات , وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته , ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له , وهذه الهداية هى هداية الدلالة والإلهام وهى الهداية الكاملة المشاهدة فى جميع المخلوقات , فكل مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع , وفى دفع المضار عنه , حتى إن الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك ؛ ما يتمكن به من فعل ما ينفعه , ودفع ما يضره , وما به يؤدى مهمته فى الحياة , وهذا كقوله تعالى : ( الذى خلق كل شيئ خلقه ) – سورة السجدة آية : 7

فالذى خلق جميع المخلوقات , وأعطاها خلقها الحسن – الذى لا تقترح العقول فوق حسنه – وهداها لمصالحها , هو الرب على الحقيقة , فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا , وهو مكابرة وهو مجاهرة بالكذب , فالله أعطى الخلق كل شيئ يحتاجون إليه فى الدنيا , ثم هداهم إلى طريق الأنتفاع به , ولا شك أنه أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له , وأعطى كل ذكر وأنثى الشكل المناسب له من جنسه , فى المناكحة والألفة والأجتماع , وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به , وفى هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رب كل شيئ , وهو المستحق للعبادة دون سواه …

وفى كل شيئ له آية ** تدل على أنه الواحد

ومما لا شك فيه أن المقصود من إثبات ربوبيته – سبحانه – لخلقه وأنفراده لذلك : هو الأستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له ؛ الذى هو توحيد الألوهية , فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يقم به على الوجه الصحيح ؛ لم يكن مسلما , ولا موحدا ؛ بل يكون كافرا جاحدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *