نصائح من د.مصطفى محمود
بشخصية باحث ومفكر مستقل استطاع العالم العربي د.مطصفى محمود أن يقدم إضافة ليس في تخصصه الطبي فقط، بل تجاوز ذلك في أكثر من فن أنتج فيها 89 كتابًا و400 حلقة تلفزيونية في برنامجه (العلم والإيمان) في 87 عامًا عاشها، أيّ: إن عدد مؤلفاته أكثر من عدد سنوات حياته. ولقد ولد بمصر في العشرينيات (1921م )وبعد عام من ولادته كانت مرحلة المملكة المصرية واستقلالها في عهد محمد علي باشا ولقد عاش حياته وتوفى بمصر أيضًا .
والده كان موظفًا، ووالدته ربة بيت وكان هو الطفل الذي يمرض بشكل متكرر وهذا أمر ظاهري غير مطمئن لمستقبل جيد، أما واقعيًا فنموذج الطفل المريض الذي يتحول إلى عالم يفيد البشرية تكرر في تراجم بعض العلماء، ولعلها إشارة مهمة تعطي الأمل لكل والدين لديهما طفل ضعيف. ومن خلال اطلاعي على سيرة ورحلة حياة د.مصطفى استنتجت سبعة أمور مستفادة من هذه الشخصية العظيمة.
1. احلم
كان د. مصطفى طفلاً انطوائيًّا كما أن ضعف جسمه لم يجعله يقضي الوقت في اللعب كبقية الأطفال، فكان حالمًا، يحلم ويتخيل العظماء من العلماء أمثال: ” نابليون، كرستوفر كولمبوس ، وأديسون وغيرهم …” كذلك كانت لعبته صناعة سفن من الورق تعوم وتبحر في بحيرة من تجمع مياه الأمطار في فناء مدرسته ولكنها في خياله رحلات عالمية لبلاد الهند والسند.. الخيال المتسع والتأمل سمة العلماء منذ الطفولة.
2. “3سنوات” رسوب متكرر
تكرر رسوب د. مصطفى في السنة الأولى لثلاث مرات خوفًا من العصا “ضرب الأستاذ للطلبة” وحاول أن يتغلب على هذا الخوف بعد ذلك، وأصبح من الطلبة المجتهدين المتفوقين ومارس كتابة الشعر والرسم وعزف الموسيقى وهو في سن الثامنة، ولم يكتف بذلك، بل قام بتشريح الصراصير ومحاولة عمل مبيد حشري، كان لديه شغف علمي نحو الكيمياء والتجارب العلمية استمر شغفه إلى أن أصبح في المرحلة الجامعية واختار تخصص الطب. أحيانًا البدايات لا تكون مبشرة بل صادمة ولكن العبرة في الاستمرار مع التغلب على المعوقات ومواجهتها حتى وإن استغرق ذلك وقتًا طويلا.
3. “3 سنوات” من العزلة صنعت الفرق
بسبب مرض ألمّ به في سنواته الأولى الجامعية انقطع عن الدراسة ثلاث سنوات، وقد ابتكر قبل هذا الانقطاع جهازًا لقياس النبض، فقد كان طالب الطب النابغة بشهادة معلميه الذين جعلوا لها معملًا خاصًّا لينفذ تجاربه، ولكن يريد الله للدكتور مصطفى أمرًا آخر لا يعلمه، فكانت العزلة لثلاث سنوات في غرفة مغلقة، توجه أثناء ذلك إلى القراءة الحرة، فقرأ الأدب العالمي بكل ما يحوي من فن القصة والمسرحية وغيرها.. فكانت الحكمة الالهية التي حولت المحنة إلى منحة، وجعلته شخصية متأملة ومفكرة.استفد من عزلتك بالتأمل والتفكر بعلم وإيمان واستقبل الخير الذي لا تعلمه.
4. حلّق مع الصقور
التقى د.مصطفى بالمفكر والأديب عباس محمود العقاد بعد أن كتب 30 قصة، وأراها إياه فقدمه لأحمد الزيات، وقام الزيات بنشر قصصه في الأربعينيات آنذاك بمجلة الرسالة، وكانت هذه بداية انطلاقة الكاتب والأديب مصطفى محمود “. تنقل د.مصطفى بين الشعراء والصحفيين مثل : مصطفى الشناوي فذاع صيته.
5. كتابه الأول في قائمة “الكتب الممنوعة”
لم يمر مولوده الأول بسلام، فقد كانت ضجة كبيرة لكتابه (الله والإنسان) ولقد تم منعه، كان ذلك في فترة الخمسينات، ولقد اتُّهم بالإلحاد حينها وتعرض للمحاكمة. كان الكتاب نتيجة لتفكيره المتواصل في الإنسان وما هو؟ وما الكون؟ والبحث في معرفة الله، خاصةً وأنه يعمل في نفس الوقت على تشريح الجثث فيتأمل أثناء ذلك الإنسان ويتعجب .
وقد قال د. مطصفى في معرفة الله : “إن الله أقرب إلى الذين يجتهدون في فهمه من الذين يؤمنون به إيمانا أعمى” وفي نفس الوقت يعطيك بعد بحث طويل أقصر الطرق للإيمان وهو بأن تستمع لداخلك للفطرة السليمة.
6. الفرق بين الأقوال والأعمال
بعد أن كتب أكثر من 70 كتابًا توقف وسأل نفسه: “كيف سيقابل ربه وهو لا يملك سوى الكتابات” فقرر أن يتجه إلى الأعمال من إطعام جائع ،وكفالة يتيم، ومساعدة المرضى وغيرها من الأعمال مستندًا لفهمه للآية القرآنية: “يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا* يصلح لكم أعمالكم ..”. فهم د. مصطفى بأن القول غير العمل، وهذا الفرق بين القول والعمل جعله يبدأ بتوجه للعمل فقام بناء مسجد في القاهرة ، وجمعية، ومستشفى، ومركز مختص بعلاج العيون ، ومراكز طبية أخرى وكذلك مكتبة وأكثر من متحف علمي. وحين توجه لذلك وجد أكثر من يد تساعده والكثير يريدون المساهمة في الخير .. ابدأ وستجد أكثر من يد تعرفها ومن لا تعرفها ستأتي تريد المساهمة، فقط بادر، جميع المبادرات الخيرة تردد نفس الشيء بأنهم فقط بادروا بوضع البذرة فانهالت المساعدات والمساهمات، فحب الخير موجود في النفوس وكما يقول: “
7. العلم والإيمان .. لا ينفصلان
بدأ مشروعه (العلم والإيمان) وذلك من خلال ربط العلم بالإيمان بشكل واضح وبدون تخفي وهو مفكر وطبيب وفيلسوف وأديب وكاتب وهذه شجاعة يفتقر لها بعض أهل العلم، وقد عمل د. مصطفى في هذا المشروع أكثر من 25عامًا فهو يرى أن الله يعبد بالعلم ولا يعبد بالجهل لينفع الناس بهذا العلم ويربطهم بالخالق بمجهودات ذاتيه منه في إحضار الأفلام وفي البحث. “
وفي النهاية العالم د.مصطفى محمود نموذج لمن أتى إلى الدنيا وكان خليفة الله في الأرض، واضعًا بصمته ومقدمًا النفع للأمة، فقد اختار المكان الذي يستطيع من خلاله أن يعطي ويضيف حين تم تخييره بين وظيفة الطب أو الكتابة والفكر فاختار وأحسن الاختيار.