بحث جامعي علمي عن معاوية بن ابي سفيان جاهز للتحميل doc

المقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى أله وصحبه اجمعين اما بعد:
معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – من صحابةِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن كَتَبةِ الوحي له، استوثَقه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على القرآنِ الكريم، ودعا له – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((اللهم اجعله هاديًا مَهْديًّا))؛ رواه الترمذي، وقال: حسن غريب.
وهو من المجاهدين على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعهدِ خلفائه، ومن خير الولاة؛ ففي عهد عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه – ذهب مع الجيش الإسلامي لفتح الشام من الروم تحت إمرةِ أخيه “يزيدَ بن أبي سفيان”، وجعَل عمرُ يزيدَ على الشام، فلمَّا توفَّاه الله جعل مكانه أخاه معاوية؛ لِما بلغه من دهائه وحُسن خُلقه، ورُوِي أنه ذُكر أمام عمر بن الخطاب دهاءُ كسرى وقيصرَ وحُسْن تدبيرهما، فقال: أتذكرون كسرى وقيصرَ عند معاويةَ بالشام؟!
وفي عهد عثمان بن عفان، كان على رأس الجيش الذاهب لفتح قبرص في أول معركة بحرية للمسلمين، وجاء في شأن هذا الجيشِ وفضلِه نبوءةُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أوَّل جيشٍ من أمَّتي يركبون البحرَ قد وجبت لهم الجنةُ)).
وفي عهد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حدثت الفتنةُ بين الصحابة، وكان كلُّ فريق يتأول ما معه من حق، وكان معاويةُ يطالب بدمِ عثمان ممَّن قتَله في جيش علي – رضي الله عنهم – وأخطأ معاويةُ في اجتهاده؛ لقول الرسولِ – صلى الله عليه وسلم -: ((تقتتلُ طائفتانِ من أمَّتي، ثم تخرُج خارجةٌ تقتُلُها أَوْلى الطائفتين بالحقِّ))، ثم قُتلَ سيدنا علي بن أبي طالب على يد الخوارج، وبايع الحسنُ بن علي – رضي الله عنهما – بعدها معاويةَ بالخلافة، وسُمِّي ذلك العامُ بعام الجماعة؛ حيث اجتمعت جماعة المسلمين تحت إمرة أمير واحد، وهو “معاوية بن أبي سفيان”.
وولِي معاويةُ أَمْرَ المسلمين فأصلَح فيهم، وسار بينهم بالعدل، ووافقه صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على حُكمه وسيرته فيهم، وكان معاويةُ مشهورًا بسَعةِ الصَّدر والحُنْكة في إنزال الناس منازلهم، حتى شهِد له القاصي والداني بحُسن السياسة، واستؤنفت حركة الفتوحات الإسلامية في عهده، والتي كانت قد توقَّفت وقت اقتتال المسلمين فيما بينهم.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
ان أهمية الموضوع تأتي من أهمية ما يناقشه وهو سيرة الخليفة الاموي والصاحبي معاوية بن ابي سفيان فهذه الفترة من التاريخ الإسلامي شابها الكثير من الحوادث والفتنة التي وقعت فيها مما قسم الأفكار الى طرفين بين مؤيد ومعارض واستغل أعداء الدين هذه الفترة لتأجيج الفتنة وتشويه صورة الصحابة رضوان الله عليهم وتشويه صورة معاوية بن ابي سفيان والخلافة الاموية لذلك راءيت دراسة هذا الموضوع والوقوف على ابعاده.
منهج البحث
استخدمت المنهج الوثائقي في هذا البحث لأنه الأنسب لدراسة مثل هذه المواضيع فقمت بجمع ما ذكر وكتب في المراجع والكتب التاريخية.

الفصل الأول مولده ونسبه وحياته واهم الاحداث قبل توليه الخلافة

اسمه ونسبه ومولده وحياته:

هو معاوية بن ابي سفيان بن صخر بن حرب بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب امير المؤمنين ملك الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي الاموي المكي ولد قبل البعثة بخمس سنين وقيل بسبع وقيل بثلاثة عشرة والأول أشهر وكان رجلا طويلا ابيض جميلا مهيبا وقد تفرس فيه والده ووالدته منذ الطفولة بمستقبل كبير فهذا أبو سفيان ينظر اليه وهو يحبو فيقول لوالدته ان ابني هذا لعظيم الراس وانه لخليق ان يسود قومه فقالت هند قومه فقط ثكلته ان لم يسد العرب قاطبة وعن ابان بن عثمان قال كان معاوية يمشي مع امه هند فعثر فقالت قم لا رفعك الله واعرابي ينظر فقال لم تقوليه له؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه قالت لا رفعه الله ان لم يسد الا قومه.
وكان أبو سفيان من عتاة الجاهلية الذين حاربوا الإسلام.. وكتب السيرة النبوية وصفت أعماله ضد الدعوة الإسلامية إلا أن الله تعالى أراد الهداية له، فأسلم قبل فتح مكة بقليل، وقد أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة وأعلن: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، وفي هذا الإكرام النبوي الشريف لأبي سفيان لفتة تربوية، ففي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بيت أبي سفيان شيء يشبع ما تطلع إليه نفس أبي سفيان، وفي هذا تثبيت له على الإسلام وتقوية لإيمانه ، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملاً على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان، وبرهن له بأنَّ المكانة التي كانت له عند قريش لن تنتقص شيئاً في الإسلام، إن هو أخلص له، وبذل في سبيله ، وهذا منهج نبوي كريم، على العلماء والدّعاة إلى الله أن يستوعبوه، ويعملوا به في تعاملهم مع الناس وقد حسن إسلام أبي سفيان وشاهد المواقع وقدم خدمات جليلة للإسلام، فقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، وشارك في حصار الطائف وفقد إحدى عينيه فيها، وفي اليرموك فقد الثانية ، وبعد ثقيف أرسله رسول الله مع المغيرة بن شعبة لهدم اللات ـ صنم ثقيف، وقد كانت اللات معظمة عند قريش كذلك، وكانوا يحلفون بها، وهذا دليل على تغلغل الإيمان في قلب أبي سفيان رضي الله عنه، لقد أسلم أبو سفيان إذن بعد أن ظل حبه للرياسة وممارسته لها حائلاً بينه وبين الإسلام وقد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العوامل النفسية المؤثرة على نفس أبي سفيان ونفوس علية القوم من قريش بعد الفتح، فقد جعل من دخل دار أبي سفيان آمناً، كما أعطاه من غنائم حنين مع غيره ممن سموا آنذاك بالمؤلفة قلوبهم
ولم ينس أبـو سفيان ما فعله ضـد الإسلام أيام الجاهلية، وحرص على مضاعفة جهده في خدمة الإسلام، وقال عنه إبن كثير: من سادات قريش في الجاهلية، وتفرَّد فيهم بالسؤدد بعد يوم بدر، ثم لما أسلم حسن بعد ذلك إسلامه، وكانت له مواقف شريفة، وآثار محمودة في اليرموك وما قبله وما بعده .
وروي عـن سعيد بن المسيب عـن أبيه قـال: فقـدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل واحـد يقول: يا نصـر الله اقترب، والمسلمون يقتتلون هـم والروم، فذهبت أنظـر فإذا هـو أبو سفيان تحت راية إبنه يزيد ، وروي أنه كان يوم اليرموك يقـف على الكراديس: فيقول النـاس: الله الله إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصـار الشرك، اللهمَّ هـذا يوم من أيامك، اللهمَّ أنزل نصرك على عبادك ، وقيل مات سنة إحدى أو إثنتين أو ثلاث أو أربع وثلاثين ، وصلى عليه ابنه معاوية، وقيل : بل صلى عليه عثمان، وله ثلاث وثمانون، وقيل: كان له بضع وتسعون سنة .

اهم الاحداث قبل توليه الخلافة:

كان معاوية رضي الله والياً على الشام في عهدي عمر وعثمان رضي الله عنهما، والياً على الشام في عهدي عمر وعثمان رضي الله عنهما، ولما تولى علي رضي الله عنه الخلافة أراد عزله ـ ويبدو أن هناك ضغوط على علي رضي الله عنه من قبل الغوغاء لكي يعزل معاوية، وخصوصاً أن الغوغاء يعرفون معاوية جيداً والذي جعلني أقول ذلك أن العلاقة بين علي ومعاوية قبل خلافة علي، لا يوجد ما يشوبها، بل كانت جيدة، كما أن الغوغاء فيما بعد ضغطوا على أمير المؤمنين علي في عزل قيس بن سعد من مصر ونجحوا في ذلك وترتب على ذلك ضياع مصر، وقد فصلت ذلك في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، هذا وقد اختار أمير المؤمنين علي بدلاً من معاوية عبد الله بن عمر فأبي عليه عبد الله قبول ولاية الشام واعتذر في ذلك، وذكر له القرابة والمصاهرة التي بينهما ، ولم يلزمه أمير المؤمنين علي وقبل منه طلبه بعدم الذهاب إلى الشام، وأما الروايات التي تزعم أن علياً قام بالتهجم على عبد الله بن عمر رضي الله عنه، لاعتزاله وعدم وقوفه إلى جانبه، ففي ذلك الخبر تحريف وكذب ، وأقصى ما وصل إليه الأمر في قضية عبد الله بن عمر وولاية الشام ما رواه الذهبي من طريق سفيان بن عيينة: عن بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: بعث إليَّ علي قال: يا أبا عبد الرحمن إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسر فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبتي إياه، إلا ما أعفيتني، فأبى علي، فاستعنت بحفصة فأبى، فخرجت ليلاً إلى مكة ، وهذا دليل قاطع على مبايعة ابن عمر، ودخول في الطاعة، إذ كيف يوليه علي وهو لم يبايع، وفي الاستيعاب، لابن عبد البر من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن ابن عمر أنه قال حين احتضر: ما آسي على شيء إلا تركي قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه ، وهذا مما يدل أيضاً على مبايعته لعلي، وإنه إنما ندم على عدم خروجه مع علي للقتال، فإنه كان ممن اعتزل الفتنة، فلم يقاتل مع أحد، ولو كان قد ترك البيعة، لكان ندمه على ذلك أكبر وأعظم ولصرح به، فإن لزوم البيعة والدخول فيما داخل الناس، فيه واجب، والتخلف عنه متوعد عليه برواية ابن عمر نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية . وهذا بخلاف الخروج للقتال مع علي، فإنه مختلف فيه بين الصحابة، وقد اعتزله بعض الصحابة، فكيف يتصور أن يندم ابن عمر على ترك هذا القتال، ولا يندم على ترك البيعة لو كان تاركاً لها، مع ما فيه من الوعيد الشديد، وبهذا يظهر بطلان قول بعض المؤرخين في زعمهم من ترك ابن عمر البيعة لعلى رضي الله عنه حيث ثبت أنه كان من المبايعين له بل من المقربين منه، الذين كان يحرص على توليتهم، والاستعانة بهم، لما رأى فيه من صدق الولاء والنصح له ، وبعد اعتذار ابن عمر من قبول ولاية الشام، أرسل أمير المؤمنين علي سهيل بن حنيف بدلاً منه، إلا أنه ما كاد يصل مشارف الشام حتى أخذته خيل معاوية وقالوا له: إن كان بعثك عثمان فحي هلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع ، وكانت بلاد الشام تغلي غضباً على مقتل عثمان ظلماً وعدواناً.
إن الخلاف الذي نشأ بين أمير المؤمنين علي من جهة، وبين طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم من جهة أخرى ثم بعد ذلك بين علي ومعاوية رضي الله عنهما لم يكن سببه ومنشؤه أن هؤلاء كانوا يقدحون في خلافة أمير المؤمنين علي وإمامته، وأحقيته بالخلافة والولاية على المسلمين، فقد كان هذا محل إجماع بينهم، قال ابن حزم: ولم ينكر معاوية قط فضل عليّ، واستحقاقه الخلافة، ولكنَّ اجتهاده أدّاه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان
وقال ابن تيمية: ومعاوية لم يدّع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقرُ بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا علياً وأصحابه بالقتال، ولا فعلوا ، وقال أيضاً: وكل فرقة من المتشيعين مقرّة مع ذلك بأنه ليس معاوية كفؤاً لعلي بالخلافة، ولا يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي، فإن فضل علي وسابقته وعلمه ودينه وشجاعته، وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معلومة، كفضل إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .
إن منشأ الخلاف لم يكن قدحاً في خلافة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وإنما اختلافهم في قضية الاقتصاص من قتلة عثمان، ولم يكن خلافهم في أصل المسألة، وإنما في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية، إذ كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه موافقاً من حيث المبدأ على وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان رأيه أن يرجيء الاقتصاص من هؤلاء إلى حين استقرار الأوضاع وهدوء الأمور واجتماع الكلمة وهذا هو الصواب ، قال النووي: وأعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده، وقسم عكس هؤلاء: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدتهم وقتال الباغي عليه، وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين، وأن الحق معه، لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه .

الفصل الثاني موقف معاوية من مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه

وصل خبر خبر قتل عثمان رضي الله عنه الى معاوية بن ابي سفيان، ووصله القميص، وأصابع وكف السيدة نائلة، وقالت له السيدة نائلة رضي الله عنها في الرسالة التي بعثت بها إليه: إنك ولي عثمان.
وهو بالفعل وليه؛ لأنه من بني أمية، فلم يبايع معاوية رضي الله عنه عليًا رضي الله عنه، واشترط أن يأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه، وأن يقتص من قاتليه، وأن من لم يفعل ذلك، فقد عطّل كتاب الله، ولا تجوز ولايته، فكان هذا اجتهاده رضي الله عنه، ووافقه على هذا الاجتهاد مجموعة من كبار الصحابة، منهم قاضي قضاة الشام أبو الدرداء رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت وغيرهما.
وهذا الأمر، وإن كانوا اجتهادًا، إلا أنهم قد أخطأوا في هذا الاجتهاد، وكان الحق مع علي رضي الله عنه، وكان الصواب أن يبايعوه رضي الله عنه، ثم بعد ذلك يطالبوا بالثأر لعثمان رضي الله عنه بعد أن تهدأ الأمور، ويستطيع المسلمون السيطرة على الموقف، لكن معاوية رضي الله عنه كان على إصرار شديد على أن يأخذ الثأر أولًا قبل البيعة، وإن أخذ علي رضي الله عنه الثأر فلا بأس المهم أن يُقتلوا، وقال رضي الله عنه: إن قتلهم علي بايعناه.
وجاء عبد الله بن عباس رضي الله عنه ناصحًا لعلي رضي الله عنه ألا يغيّر أمراء الأمصار، حتى تهدأ الأمور نظرًا للفتنة القائمة، لكن عليًا رضي الله عنه أصرّ على رأيه بتغيير الولاة، فولّى عليٌّ عبد الله بن عباس على اليمن، وعثمان بن حنيف رضي الله عنه على البصرة، وعمارة بن شهاب رضي الله عنه على الكوفة، وسهل بن حنيف رضي الله عنه على الشام، وقيس بن سعد رضي الله عنه على مصر.
أما عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد ذهب إلى اليمن، وتولّى الإمارة بها، وذهب عثمان بن حنيف إلى البصرة، وفاجأ أهلها بصعود المنبر وأعلن رضي الله عنه أنه الأمير، فانقسم الناس منهم من وافقه، ومنهم من قال: لا نقبل إمارتك إلا بعد أخذ الثأر لعثمان رضي الله عنه.
لكن الأغلب كان معه وتمكنت له الأمور، واستطاع السيطرة على البصرة، أما عمارة بن شهاب فقد قابله طلحة بن خويلد على باب الكوفة، ومنعه من دخولها بالقوة، وردّه إلى علي رضي الله عنه، وتفاقم الأمر بالكوفة، ولما أرسل عليٌ رضي الله عنه يستوثق من الأمر جاءته رسالة من أبي موسى الشعري أن جل أهل الكوفة على الطاعة له، أي لعلي رضي الله عنه.
ولم يحاكم من بقي منهم وكان أكثرهم قد قتل قبل مبايعته بالخلافة، وأهم سبب -والله أعلم- هو الشرط الذي اشترطه عليه الحسن بن علي لما تنازل لمعاوية عن الخلافة في ربيع الأول سنة 41هـ وذلك أنه اشترط عليه حقن دماء المسلمين جميعاً -خاصة الذين قاتلهم معاوية من جماعة علي- وأن يرفع السيف حتى تجتمع الأمة، وتخمد الفتنة لأنه وضح للجميع أن الحروب التي كانت من أجل دم عثمان ثار منها شر مستطير وأضعفت الأمة حتى طمع فيها الأعداء من الروم وأرادوا غزو الشام، وتعطل الجهاد، وتوقفت الفتوحات. والخلاصة: لا نعلم من حوكم من قتلة عثمان لا من قبل على ولا الحسن ولا معاوية ولا من أحد بعدهم اللهم إلا من قتلهم الحجاج.

الفصل الثالث توليه الخلافة واهم اعماله

توليه الخلافة:

قد مهدت الأقدار لمعاوية بن أبى سفيان فى أن يخطو خطوات ثابتة لكى يتولى منصب الخلافة، وبايعه الحسن بن على -رضى الله عنه- الذي كان قد خلف أباه وصار معه ما يقرب من اثنين وأربعين ألفًا من الجند، لكنه لم يطمئن إلى ولاء العاملين معه. كان ذلك عام 41هـ/662م، وهو عام الجماعة الأول، لأن معاوية نال فيه البيعة بالخلافة من جميع الأمصار الإسلامية، ويعتبر هذا العام الميلاد الرسمي لقيام الدولة الأموية. ولقد روى عن الحسن البصرى أنه قال: استقبل- والله- الحسنُ بن على معاويةَ بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنى لأرى كتائب لا تتولى حتى يقتل أقرانها. فقال معاوية وكان والله خير الرجلين إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لى بأمور المسلمين، من لى بضعيفهم؟ من لى بنسائهم؟ وبعث معاوية إلى الحسن يطلب المصالحة وحقن دماء المسلمين، وكان الحسن مهيأ لهذا الأمر النبيل، فما أعز دماء المسلمين عنده. وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية على أن تعود الخلافة بعده شورى بين المسلمين. ولما قدم الحسن الكوفة قابله سيل من التعنيف واللوم لتنازله عن الخلافة، لكنه كان بارًا راشدّا لا يجد فى صدره من هذا الأمر حرجًا أو ندمًا، قال له رجل اسمه عامر: السلام عليك يا مذل المؤمنين. قال: لا تقل هذا يا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكنى كرهت أن أقتلهم على الملْك. وتحققت نبوءة النبى ( فى الحسن يوم قال: “إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”. [أحمد والبخارى وأبو داود، والترمذى والنسائي].
وعندما أصبح معاوية خليفة للمسلمين، كانت الدولة الإسلامية تقوم على شبه الجزيرة العربية، والشام، والعراق، ومصر، وبلاد الجزيرة، وخراسان. أما الجهات التي وصلت إليها الجيوش الإسلامية فيما وراء تلك البلاد فإنها كانت تفتقر إلى الاستقرار. وكان للفتنة التي حدثت فى عهد عثمان، وما أعقبها من صراع بين على ومعاوية أثرهما فى توقف حركة الفتوحات الكبرى، ومتابعة الجهاد فى سبيل حماية الإسلام، وأداء رسالته، واستكمال بناء الدولة الإسلامية ، فلابد أن تعود المياه إلى مجاريها، ولابد أن تعود الفتوحات الإسلامية كما كانت، بل وأكثر مما كانت. لقد أصبحت “دمشق” عاصمة الخلافة، ومنها تنطلق الجيوش باسم الله ، وعمل معاوية منذ توليه الخلافة على تجهيز الجيوش بشن حرب شاملة ضد “الإمبراطورية البيزنطية”، وهي “إمبراطورية الروم” حيث كانت مركز القوة الرئيسية المعادية للدولة الإسلامية، وطالما حاولت فى لحظات الخلاف والفتنة أن تسترد الشام ومصر، أغنى أقاليم “الإمبراطورية الرومانية” قبل فتح العرب لهما. إن أراضي آسيا الصغرى التابعة لتلك الإمبراطورية تتاخم الجهات الشمالية من بلاد الشام والعراق، وتنطلق منها الجيوش الرومية لتخريب هذين الإقليمين العربيين ، ولذلك فكر معاويه بن أبي سفيان في توجيهه هجمه قويه الي الإمبراطوريه البيزنطيه ، وقد أعد معاوية الحملة الأولى، وزودها بالعَدد والعُدد، وجعل على رأسها ابنه وولى عهده يزيد، ولم يتخلف صحابة رسول الله ( عن الجهاد فى سبيل الله، فانضموا إلى هذه الحملة متمثلين أمام أعينهم، قول الرسول ( “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش” [أحمد والحاكم]، آملين أن يتحقق فيهم قول الرسول (. فقد ثبت عن رسول الله ): “أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم” [البخارى]. ولقد اشترك فى هذه الحملة أبو أيوب الأنصارى الذي نزل النبى ( فى بيته عند الهجرة). ولم يستطع المسلمون فتح المدينة هذه المرة، ولكن حسبهم أنهم أول جيش يغزو القسطنطينية. ولقد سعد معاوية باشتراك الصحابة فى هذه الغزوة، فهم خير وبركة، فبهم تعلو راية المجاهدين. واتجهت هذه الجيوش إلى القسطنطينية حتى فتحوا بلادًا عديدة فى آسيا الصغرى وضَربوا الحصار على العاصمة الحصينة. وعزز معاوية هذه الغزوة بأسطول سار تحت قيادة فضالة بن عبيد الأنصارى، وسار هذا الأسطول إلى مياه العاصمة البيزنطية. وأثناء الحصار، مرض “أبو أيوب الأنصارى” ولم يلبث أن توفى، ودفن جثمانه قرب أسوار القسطنطينية، وأظهر الجنود المسلمون ضروبًا من الشجاعة أذهلت الروم، ثم انسحبت الجيوش الإسلامية بعد ذلك تأهبًا لكرّة أخرى من الجهاد.

اهم اعماله:

الجوانب الحضارية:

إنشاء الدواوين المركزيه
أ-ديوان الرسائل:هو الهيئه المشرفه على تحرير رسائل الخليفه وأوامره وعهوده.ب-ديوان الخاتم:انشأ معاويه ديوان الخاتم لتحقيق السريه والامان لمراسلات الدوله. ج-ديوان البريد:حيث ادخل نظام البريد إلى الدوله الإسلاميه في دمشق. د-نظام الكتبه:حيث عين كاتب لديوان الرسائل، وكاتب لديوان الخراج، وثالث لديوان الجند، ورابع لديوان، الشرطه وخامس لديوان القضاء.
توطين الامن في خلافته
1-الحاجب: حيث كان أول من اتخذ الحاجب في الإسلام، لكي يتجنب محاولات الاعتداء عليه.
2-الحرس: وهو أيضا أول من اتخذ الحرس في الدوله الإسلاميه، خوفا من الخوارج الذين يريدون قتله.
3-الشرطه: وظيفتها المحافظه على الامن والنظام.
4-حسن اختيار الرجال والاعوان.
5-استخدام المال في تأكيد الولاء.

الفتوحات:

جبهة الروم البيزنطينيين :
بعد ان استقر معاوية من توطيد اركان خلافتة بعد ان دانت لة اقاليم الدولة في المشرق والمغرب على حد سواء حتى ادرك ضرورة استئناف الفتوحات من جديد وقد حضي التفكير بذلك ضد البيزنطينين باهتمام كبير وان معاوية قد وضع البيزنطنيين الذين قارعهم في شرق البحر المتوسط اثناء ولايته على الشام من قبل وانتزع منهم بعض الجزر لا يمكن ان يهدأ لهم بال الا وبمهاجمة المسلمين.
لقد ارسى معاوية بن ابي سفيان في ايام ولايته على الشام دعائم اسلوب دفاعي متين الذي كان لة الاثر على نجاح المهمات الخاصة ضد البيزنطينيين وتمثل هذا النظام بتقوية السواحل وترسيم الحصون وترتيب المقاتلة فيها ومنح الاقطاعات والاراضي لمن يرغب في السكن فيها ، واصبحت هذة الحصون والسواحل قواعد بحرية لان الناس بدأوا ينتقلون اليها من كل ناحية وعرفت هذة الحصون فيما بعد بنظام الثغور وهو نظام استلزمتة طبيعة الحدود التي تفصل الدولة العربية الاسلامية عن الروم البيزنطينيين والتي تتكون من سلاسل جبلية عالية تتخللها وديان او ممرات فكان لابد من السيطرة على هذة الممرات التي يتسرب من خلالها الخطر البيزنطي تجاه حدود الدولة .
وتقسم الثغورالبرية الى ثلاثة اقسام الثغور الشامية وهي طرطوس واذنة والمصيصة وعين زربه والكنيسة الهارونية وبانياس ونقابلس ثم يلي هذة الثغور عن يمينها وشمالها الثغور الجزرية وهي مرعش وثغر الحدث وزبطرة وكيسوم ثم ثغر ملطية اما الثغور البحرية وهي سواحل جند حمص انطرسون وبانياس واللأذقية وسواحل جند دمشق عرفة وطرابلس وبيروت وصيدا وسواحل مصر ورفح والعريش .
كانت مناطق الثغور خالية من رعايا الروم البيزنطينيين الذين اضظروا الى اخلائها منذ تحرير الشام فنزلها بعض القبائل العربيةمنذ خلافة عثمان بن عفان ( رضي الله عنة ) مثل بني تميم الذين انزلوا الرابية ، اذ انزل معاوية قوما من بعلبك وحمص الى سواحل الاردن وصيدا سنة 42 هـ كما نقل عناصر تعرف بالزلط والسيابجه وبعد ذلك اصبحت هذة الثغور اماكن مرابطة لجابهة العدو وسموا سكان هذة الثغور بالمرابطة الى جانب خروج حملات عسكرية سنوية على بلاد الروم صيفا وشتاء وكان هدف هذة الحملات هو السيطرة على بعض حصون العدو ولعل اهم هذة الحصون التي استولى عليها العرب المسلمون في عهد معاوية هو حصن ملطية ، ثم بدأ اسلوب الصوافي والشواتي في خلافة معاوية سنة 43 هـ .
يبدو ان حملات الصوافي والشواتي ضد الروم البيزنطينيين كانت تسير وفق نظام دقيق قد اعد لة فكان يبدأ من اليوم العاشر من ايار بعد ان يكون الناس قد ربطوا دوابهم واحسنت احوال خيولهم فيقيمون ثلاثون يوما وهي بقية ايام ايار وعشرة من حزيران .
اما الشواتي فانها تقع بين ايام شباط واذار وتستغرق عشرين ليلة .
لم يكتف معاوية بتوجيه الحملات السريعة والمنتظمة المتمثلة بالصوافي والشواتي وانما اتخذ اجراءات اخرى في محاولة للسيطرة على القسطنطينية عاصمة دولة الروم البيزنطينيين بعد توتر الاوضاع الداخلية عند الروم نتيجة اعتلاه عرش الروم خلال تلك الفترة قسطنطين الرابع الذي كان صغير السن بعد مقتل ابية قنسطائز الثاني فضلا عن ان احد قادة الروم يسمى الامبراطور سابور الذي تغلب على ارمينية واعلن تعاونة مع معاوية حيث ارسل رسولا يطلب فية النجدة . ويبدو ان انفصال سابور وتمرد كان له تاثير كبير على الاوضاع الداخلية للبيزنطينيين .
ان المحاولة التي قام بها معاوية لدك اسوار القسطنطينية سنة 49 هـ كانت حملة موفقة وناجحة حيث بلغت القسطنطينية بقيادة مجموعة من الصحابة منهم ابو ايوب الانصاري وعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير وكان القتال شديدا بينهما وقد توفى ابو ايوب عند اسوار القسطنطينية . كما شنت حملات بحرية جريئة وناجحة على بعض الجزر المهمة في البحر المتوسط والتي كان يسيطر عليها الروم البيزنطينيين فقد تمكنت حملة بحرية بقيادة جنادة بن امية الازدي من السيطرة على جزيرة رودس سنة 53 هـ ودعوة العرب المسلمين الى الاستقرار فيها التي شلت النشاط البحري البيزنطي في البحر المتوسط من خلال اعتراض السفن العربية المتواجدة في هذة الجزيرة لسفن العدو التي اخافت العدو البيزنطي .
كانت الدولة البيزنطية تطمح لانهاء حالة الحرب مع الدولة العربية الاسلامية اذ ارسلت الى دمشق رجلا يدعى ( يوحنا ) من اشهر رجال سياستها واكثرهم ذكاء وحنكة فحضر هذا الرجل الى جلسات ضمت ابناء البيت الاموي وابدى فيها من اجلال للدولة العربية الاسلامية ما اكسبة تقدير الخليفة معاوية واحترامة فنجحت مفاوضاتة في عقد عقد صلح بين الطرفين امدة ثلاثون سنة ورغم هذا الصلح فقد غلب على العلاقات بين الطرفين خلال هذة الحقبة الطابع الحربي .الى جانب ظهور نوع من العلاقات السلمية تخللها عقد معاهدات ومواثيق بين الطرفين كما تبادلت الرسل ايضا من قبل خلافة معاوية وفي اثناء ولايتة ايضا .
ب ـ الجبهة الشرقية :
توالت حملات العرب المسلمين باتجاه المشرق حتى بلغت اقاليم جديدة فعندما ولى معاوية عبدالله بن عامر بن كريز على البصرة استعمل عبد الرحمن بن سمرة على سجستان فقدمها مع مجموعة من كبار القادة سنة 42 هـ امثال عمر بن عبدالله التميمي والمهلب بن ابي صفرة حتى بلغ عبد الرحمن كابل وحاصرها اشهر حتى دخلها ببشارة الفتح عبدالله بن معمر والمهلب بن ابي صفرة ثم اخذ يسير فاتحا مدنا اخرى كزابلستان والرخج ، ويبدو ان سيطرة على هذة المدن كانت غير محكمة او مستقرة اذ كانت تخرج من ايدي المسلمين تارة وتعود اليهم تارة اخرى .
اما بلاد السند فقد ارسل معاوية سنة 44 هـ المهلب بن ابي صفرة فسار الى بنه والاحواز وهما في سفح جبل كابل واصطدم بقوة تركية من بلاد القيقان ورغم تغلبة عليها فانة لم يحقق الهدف المرسوم . وفي سنة 45 هـ بعث ابي عامر عبدالله بن سوار العبدي فافتتح القيقان وغنم غنائم كثيرة حيث وفد الى معاوية واهدى الية خيلا قيقانية واقام عندة ثم رجع الى قيقان وقتل من قبل الترك سنة 47 هـ . ثم كتب معاوية الى زياد ( انظر رجلا يصلح لثغر الهند فوجهة ) فوجه زياد سنان بن مسلمة الهذلي وقد فتح مكران عنوة واقام فيها وضبط البلاد .
وتمكن العرب المسلمين في عهد معاوية بن ابي سفيان من العبور الى بلاد ماوراء النهر حيث تمكن عبيد الله بن زياد الذي ولاة معاوية خراسان من قيادة جيشا عدتة 24 الف من عرب خراسان الى بلاد ماوراء النهر ودخل بخارى وعقد صلحا مع حاكمها .

الخاتمة:

أخرج البخاري في صحيحه (2636)، ومسلم (5925) عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي يوماً قريباً مني ثم أستيقظ يبتسم فقلت : ما أضحكك ؟ قال : « أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » ، قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : « أنت من الأولين » فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً. أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت وهذا الحديث فيه منقبة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وذلك لأن أول جيش غزى في البحر كان بإمرة معاوية (فتح الباري (11/75) .) وقال المناوي في « فيض القدير » (3/84) : « أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة » . قال ابن عبدالبر في « التمهيد » (1/235) : « وفيه فضل لمعاوية رحمه الله إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي » .

_______________________________________________________________________________________________

حمل المرفق للحصول على البحث كاملاً!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *