هل يمكن للعقل أن يستقل بالتشريع؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال النقاط التالية :
1- تعددت تفسيرات علماء النفس للعقل (الذكاء ) مابين نظرة فلسفية ترى أن العقل يعتمد على الاستعداد ، ونظرة بيولوجية (هربرت سبنسر ) ترى أن العقل يحتوي جانبين أساسيين : المعرفة ، والوجدان ونظرة فسيولوجية تؤكد أن العقل يعمل ككل …وهذا الاختلاف في تفسير العقل يؤكد أمرين:
أ-أن تحديد تعريف جامع مانع للعقل لازال قيد الدراسة والبحث ، وهنا أتسآل كيف لما لم يتم تعريفه باتفاق يطلب منه أن يقود الإنسانية إلى السعادة استقلالاً ؟!،
ب-العقل محدود الطاقات والملكات فلا يستطيع أن يدرك كل الحقائق مهما أوتي من قدرة وطاقة على الاستيعاب والإدراك ، لذا فإنه سيظل بعيداً عن متناول كثير من الحقائق ، وإذا ما حاول الخوض فيها ، التبست عليه الأمور وتخبط في الظلمات لأنها ليست في محيط تجربته ، ولا تستطيع الأدوات التي يحصل بها المعرفة وهي أدوات الحس أن تصل إليها لأنها خارج عن نطاق المحسوس .. وإن كان في إمكان العقل أن ‘ يعقلها’ حين تبين له ؛ فهذه تلقن للعقل تلقيناً عن طريق الوحي ، ويكون دور العقل فيها أن يعقلها لابطريق الحس ولكن عن طريق التيقن من صدق الخبر وصدق المخبر …
إذن الوحي هادٍ للعقل في جميع المور التي لو ترك العقل وشأنه فيها ضل السبيل ، وعجز عن الوصول للحقيقة ، وهذه الأمور هي :
– العقائد
– المبادئ الخلاقية إجمالاً وتفصيلاً
– التشريع في قواعده العامة ، وفي بعض تقصيلاته ، وقواعده العامة التي تتضمن الجزئيات على مر الزمن ، وعلى اختلاف البيئات .
– أي : التفكير في ذات الله ، والتفكير في القدر ، والتشريع من دون الله .
أما الطبيعة والكون : من سمائه وأرضه ، ومن جباله وبحاره ، ومن كوكبه وأقماره وشموسه ، أما المادة والطاقة ، أما أعماق البحار
وأفاق السماء …إن كل ذلك قد تركه للإنسان يدرسه في مصنعه ومعمله بأدواته وآلاته ..وحثه على أن يجول في ذلك ما استطاع إليه سبيلا ، حتى يكتشف سنن الله الكونية ، ونواميسه الطبيعية ، ويرى صنع الله الذي أتقن كل شىء ولم يحجر الإسلام على الإنسان في هذا المجال . اللهم إلا الواجب الذي ينبغي أن يكون شعار ه دائماً : وهو أن يكون هدفه من كل ذلك الخير .
وإلا ماقيمة العقل الذي يقود الإنسان إلى التردي والهاوية ؟! وماقيمة الاختراع الذي يدمر به الإنسان نفسه وحياته وكوكبه ؟! وماقيمة الشعر والقصة والرواية أو المسرحية التي تثير الغرائز وتهيجها ؟! …. هذه النظرة الشمولية ،تحقق في نهاية المطاف ، ضبط وحسن توجه الإنسان في سلوكه وفكره ومشاعره وهذا هو مايريده الإسلام للإنسان على هذه الأرض
2- إن منازل الناس في العقل متفاوتة ومعنى هذا أن الذي يروق لشخص عقلياً ربما لايروق لغيره عقلياً ويجب من اجل ذلك ألا يتدخل العقل في الدين ، وإلا لاختلف الناس باختلاف عقولهم وادعى كل واحد أن ماهو عليه الحق ، وماعليه غيره الباطل ، ونتج عن ذلك اتباع كل هواه …إنه لايكاد ينطبق عقلان من عقول البشرية في تاريخها الطويل كله على تصور واحد بجميع تفصيلاته ، ولو كانت العقول -حتى عقول الفلاسفة والمفكرين – بالصورة الوهمية التي تصورها العقلانية لتلاقت وتطابقت لأن الحق لا يتعدد.
3- البشرية لاتحكم عقلها في جميع أحوالها ودليل ذلك هذا الجنوح الدائم والتخبط الذي تمارسه البشرية وتلك الحروب المجنونة وذلك الاتباع الجنوني للهوى والشهوات ، ولو كانت البشرية تصيخ لنداء العقل في جميع أحوالها ماجنجت ولاتخبطت ولا أصابها الجنون
4- لو استقل إنسان واحد بعقله في جميع حالاته ،في دينه ودنياه ، لاستقل أيضاً بقوته في جميع حاجاته ،في دينه ودنياه ،ولكان وحده يفي بجميع الصناعات والمعارف ـ، وكان لايحتاج إلى أحد من نوعه وجنسه . وهذا قول مردود مخذول .
وبناءً على ماتقدم يمكن الجزم بأن العقل لايستقل وحده بالتشريع وتحقيق السعادة للبشرية بل لابد له من الاهتداء بالوحي …