الرازي وعلم النفس

كان محمد بن زكريا الرازي أحد أشهر الأطباء في القرن التاسع الميلادي بسبب مساهماته الكبيرة في الطب وعلم النفس، وله أثرٌ عظيمٌ في كثير من المجالات الطبية كالصيدلة والعلوم العصبية والأخلاقيات الطبية.

كتب الرازي في أثناء حياته ٢٣٧ كتاب ولا يزال يتوفر منها قرابة ٣٦ كتابًا حاليًّا، ولعلَّ أشهر كتبه هو “الحاوي في الطب” الذي يُعدُّ موسوعةً طبيةً قدَّم عن طريقها شرحًا للعديد من الأمراض العقلية التي كانت منتشرةً في القرن العاشر، كذلك وصَّف الأعراض والتشخيصات التفريقية والعلاجات المتاحة للكثير من الأمراض العقلية.

إضافةً إلى مؤلفات أخرى في علم النفس مثل كتاب “المنصوري في الطب” و“الطب الروحاني”، وهما كتابان يكملان بعضهما بعضًا ويتخصَّصان في أمراض الجسم والأمراض النفسية، وقد كتبهما الرازي في زمن المنصور في بغداد.

وكان الرازي أولَ من أنشأ شعبة خاصة بالأمراض النفسية في مشفى بغداد الذي تلقى فيه تعليمه الطبي ومن ثم ترأسه؛ إذ قدّم هذه الفكرة لتكون الشعبة مكانًا لعلاج المرضى الذين يعانون الأمراض العقلية، فقد كان يؤمن أنّ الأمراضَ العقلية والنفسية هي حالات طبية قابلة للشفاء.

كذلك اعتقد الرازي أنّ تشجيع الطبيب المرضى يُساعدهم على الشعور بأنهم أفضل حالًا؛ مما يسرّع وتيرةَ العلاج المقدَّم للمرضى ومن ثم الشفاء، إضافةً إلى اعتقاده أنّ اندفاع المشاعر الإيجابية على نحو مفاجئ له أثر علاجي سريع لكل من الاضطرابات النفسية والجسدية النفسية والعضوية.

وقد حاز الجانب الروحي جزءًا كبيرًا من اهتمام الرازي ومؤلفاته، فقد تحدَّث عن ثلاثة أشكال للروح -متوافقًا بذلك مع أفلاطون-؛ إذ يعتقد أنّ الروح الاندفاعية تجنِّد الرغبات العليا للروح الحيوانية من أجل التحكم بالرغبات الأساسية للروح الإنباتية. وقال الرازي إنّ الروح الإنباتية تتوضع في الكبد، والروح الحيوانية في القلب، والروح الاندفاعية في الدماغ.

وكان الرازي صاحبَ مذهب عقلي؛ إذ اعتقد بأهمية وجود برهان لكل شيء؛ مما أعطى دراساته الطبية القوةَ المبنيّةَ على التقصي والتجربة، وفضلًا عن ذلك؛ كان يعدُّ نفسَه الشكلَ الإسلامي لسقراط في الفلسفة وأبقراط في الطب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *