النظرية النفسية الديناميكية

تُعرِّف جمعيةُ علم النفس الأمريكيةُ APA النظريّةَ النفسيةَ الديناميكيةَ بأنها مجموعةٌ من نظريات الأداء البشريّ التي  تستند إلى دوافعَ وقوىً متبادلةً داخل الشخص، وتؤكّد على عمليّة التغيير والدور المشترك في العلاقات الشخصية والخارجية  لتنمية الشخصية.

وببساطةٍ أكثر؛ تُفسِّر النظرية النفسية الديناميكية -التي تُسمّى أحيانًا نظريّة التحليل النفسي- الشخصيةََ بالعمليات النفسية اللاواعية (كالرغبات والمخاوف التي لا ندركها تمامًا)، وتدَّعي أن تجارب الطفولة حاسمةٌ في تشكيل شخصية البالغين. ترتبط النظرية النفسية الديناميكية ارتباطًا وثيقًا بعمل سيجموند فرويد كالتحليل النفسي؛ وهو نوعٌ من العلاج النفسي الذي يُحاول سبر أفكار لاوعي المريض وعواطفه ليمكِّن الشخص من فهم نفسه.

استاء الناس كثيرًا عندما اقترح فرويد عام 1900 أن عوامل نفسيةً لا نُدركها بوضوح تُحدِّد كثيرًا من سلوكيّاتنا؛ إذ إننا حرفيًّا لا نعرف ما يدور في عقولنا. وعندما اقترح عام 1905 أن البشر لديهم مشاعر جنسيَّة قويَّة منذ سنٍّ مبكرة جدًّا، وأن بعض هذه المشاعر الجنسية موجَّهةٌ نحو الأهل؛ أصبح الناس أكثرَ استياءً وغضبًا. وعلى الرغم من الجدل المستمر إلى يومنا هذا فيما يخصُّ تلك الفرضيات، فإنه لا يمكن لأيِّ اختصاصيٍّ مؤهّلٍ في علم النفس -أو طالب- تجاهل النظرية النفسية الديناميكية.

الفرضيات الأساسية للمنظور النفسي الديناميكي:

  • الافتراض الأول: أولوية اللاوعي:

يؤكّد العاملون في النظريّة النفسيّة الديناميكية على أن أغلب العمليّات النفسية تحدث خارج نطاق الوعي اليقظ. تفترض مصطلحاتُ التحليل النفسيّ أن أنشطة العقل -أو النفس- عملياتٌ غيرُ واعيةٍ إلى حدٍّ كبير. وتؤكّد الأبحاث هذه الفرضيّة الأساسيّة للتحليل النفسي: يتعذّر الوصول بوعي إلى كثير من نشاطاتنا الذهنيّة كالذكريات والدوافع والمشاعر وغيرها.

  • الافتراض الثاني: الأهمية الحاسمة للتجارب الباكرة:

وفقًا للأنموذج النفسيّ الديناميكيّ؛ فإن التجارب الباكرة -وتشمل حتى تلك التي تحدث في الأسابيع أو الأشهر الأولى من الحياة- تضع أُسسَ تشكيل الشخصيّة وركائزها، وتؤثّر فينا لسنوات أو حتى لعقود لاحقة.

  • الافتراض الثالث: السببية النفسية:

لا يحدث شيءٌ في الحياة العقلية عن طريق الصدفة، ولا يوجد شيءٌ كالتفكير أو الشعور أو الدافع أو السلوك العشوائي؛ وهذا ما أصبح يُعرَف اليوم بمبدأ السببيّة النفسيّة. وعلى الرغم من قلَّة علماء النفس الذين يقبلون بمبدأ السببيّة النفسيّة بالضبط كما يتصوَّرها المحلّلون النفسيون؛ فإن معظم الباحثين يتّفقون على أن الأفكار والدوافع والاستجابات العاطفية والسلوكيّات المُعبَّر عنها لا تنشأ عشوائيًّا، بل تتبع دومًا لمزيجٍ من العمليات البيولوجيّة والنفسيّة القابلة للتحديد.

تطوّر النظرية النفسيّة الديناميكيّة:
كما أسلفنا؛ فإن أوّل من أنشأ نظريّة التحليل النفسي للشخصيّة هو سيجموند فرويد. ولم يتوقّف تطوّر النظرية بوفاته عام 1939؛ بل ظهرت مجموعةٌ  من المحلّلين النفسيين تُعرَف باسم “neofreudian”، أو الفرويديّون الجُدُد. كان هؤلاء العلماء مقتنعين أن الشخصيّةَ نتاجُ كلٍّ من البيئة الاجتماعيّة والبيئة البيولوجيّة، وجادلوا بأن العوامل الاجتماعيّة تسهم باستقلالٍ في الشخصيّة، وركّزوا اهتمامَهم على ظروف التطور الاجتماعية في مرحلة الطفولة والبلوغ.

الخلفُ الأول لفرويد كانت ابنته (آنَّا فرويد). وكان أبرز ما ساهمت فيه توسيع نطاق نظريّة التحليل النفسي للأطفال. فقد كان والدها يعيد بناء تجربة الطفولة من ذكريات الكبار، أما آنَّا فكانت تتوجَّه إلى الأطفال مباشرة. وركّزت في ملاحظاتها على الأطفال في زمن الحرب، ونموّ الأطفال، وأطفال الطلاق، وخلصت إلى أن على”الأنا العليا” الموازنة ما بين الحياة والغرائز.

يُعدُّ ألفريد أدلر أوّل محلّلٍ نفسيٍّ مستقلٍّ عن فرويد. استند أدلر في نظريّته إلى مفهومه لمَهام الحياة: الرعاية، والتكيّف مع الآخرين، وتحقيق الدور الجنسي للشخص.

ومن بين المساهمين الآخرين كارين هورني التي طوَّرت مفهوم القلق الأساسي، وهاري ستاك سوليفان الذي عرَّف الديناميكية نمطًا متميّزًا وثابتًا نسبيًّا من السلوك الفردي. وهكذا تكون الديناميكية مشابهةً للعادات، أو ربما لسمات الشخصية.

على الرغم من اختلاف كلٍّ من آنّا فرويد وهورني وأدلر مع فرويد بسبب مسألة المحدّدات الاجتماعية مقابل المحدّدات البيولوجية للشخصية؛ فإنهم اتّفقوا معه إلى حدٍّ كبيرٍ على أن الشخصية تتأسَّس في مرحلة الطفولة الباكرة. وهنا ظهر الاتجاه المعاصر الثاني في التحليل النفسي الذي اهتمَّ بتطوّر الشخصية في السنوات التي تلي الطفولة والمراهقة. ويتَّفق الباحثون في هذا المجال على أن الأحداث التي تقع في سن البلوغ، وفي منتصف العمر، والشيخوخة، حاسمةٌ أيضًا كالتي حدثت في وقتٍ سابقٍ في الطفولة.
يُعدُّ  إريك إريكسون من أشهر باحثي هذه المجموعة، وركَّز اهتمامه على مسألة هُويّة “الأنا العليا” التي حدّدها بوصفها وعي الشخص لنفسه وتأثيره في الآخرين.

ظهرت النظريّات النفسية الديناميكية “الفرويدية-الجديدة” وتطوّرت باستقلالٍ عن علم النفس العلمي. على الرغم من أن الأجيال اللاحقة من المحللين النفسيين الفرويديين الجدد قد بنوا نظرياتهم  بما يتَّفق مع أفكار فرويد الأساسية؛ فقد طوّروا نظرياتٍ تميل إلى تقريب التحليل النفسي من علم النفس العلمي إلى حدٍّ ما.

النظريّات النفسية الديناميكية: أين نحن الآن؟
النظريّة الديناميكية النفسية ليست ثابتة، بل تتغير وتتبدل باستمرار استجابةً للأفكار والنتائج الجديدة. مثلًا؛ تقول نظرية علاقات الكائنات أن الانطباعات التي نطوِّرها عن آبائنا وعن كيفيّة تصرّفهم في وقتٍ باكرٍ من حياتنا تعمل نصوصًا تُرشد سلوكنا في العلاقات المستقبلية. زادت نظريّة علاقات الكائنات من اهتمام علماء النفس بدراسة الأفكار والمفاهيم النفسية الديناميكية، ويرجع ذلك إلى أنها تمثِّل جسرًا طبيعيًّا بين المنظور النفسي الديناميكي والأبحاث في مجالات علم النفس الأخرى.

الأبحاث التجريبية في النظريات النفسية الديناميكية:
أسفرت الأبحاث التجريبية التي تُقيِّم المفاهيم النفسية الديناميكية عن نتائج متفاوتة؛ إذ حصلت بعض المفاهيم على دعمٍ تجريبيٍّ جيد، أما بعض الأفكار الأخرى فقد فشلت في التقدُّم. ومن الأمثلة على ذلك؛ إثباتُ الفرضية التي تقول بأن العمليات اللاواعية تؤثّر في سلوكنا مثلما يتنبَّأ المنظور النفسي الديناميكي. نحن نتلقَّى ونعالج كثيرًا من المعلومات، أكثر مما ندرك حتى، والمشاعر والدوافع التي -في أحسن الأحوال- ندركها على نحو جزئيٍّ فقط تكوِّن الكثير من سلوكنا. الدليل على أهمية التأثيرات اللاشعورية مقنعٌ لدرجة أنه غدا عنصرًا مركزيًّا في علم النفس المعرفي والاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *