بحث عن الايمان بالله عن طريق الفطرة وورد doc

بسم الله الرحمن الرحيم

مقـــدمـــــة

أيها الاخوة الأكارم … وصلنا إلى صميم بحث العقيدة و هو الإيمان بالله ، بادئ ذي بدء يقول ربنا سبحانه و تعالى :

(سورة الحجرات)
فهذا الذي يجد في نفسه ريباً ليس مؤمناً ، وليس في الإيمان حل وسط ، فإما أنك مؤمن إيماناً قطعياً ،و لو أن أهل الأرض كلهم كفروا فأنت لا تكفر ، و إما أن يكون في هذا الإيمان ريب أو شك أو تردد ، فهذا ليس بإيمان والدليل القاطع قوله تعالى ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ” فلو أنهم ارتابوا لفقدوا صفة الإيمان، وبادئ ذي بدء الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها مؤمن بالله ، واليوم درسُنا مقسم إلى قسمين :
1- الإيمان بالله عن طريق الفطرة
2- الإيمان بالله عن طريق الدليل
الفطرة : كأنها مرآة صافية نظيفة ينطبع عليها الشيء الذي أمامه و هكذا طبيعة المرآة ، إنها تعكس ما أمامها ، فلو أن دخاناً كثيفاً طمسها لغيَّر صفاءها …. وغيّر قابليتها للانعكاس ؛ وعندئذٍ يأتي الدليل، فالإيمان بالله عز وجل يمكن أن يكون عن طريق الفطرة السليمة ، ويمكن أن يكون عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي .
وقد بدأنا الفطرة فبّينا أن مسالك اليقين أربعة مسالك : اليقين الحسي ، اليقين الاستدلالي ، واليقين الإخباري ، ويقين الفطرة الإشراقي .
فالإنسان أي إنسان ، كبير ، أم صغير ، ومتعلم ، أم جاهل ، وغني أم فقير وقوي أم ضعيف ، ومدني ، أم ريفي ، وعبقري أم غبي: بحسب فطرته مؤمن بأنه لاإله إلا الله ، مؤمن بالله بالفطرة ، كيف يبدو هذا ؟ لو ركب البحر إنسان ملحد وإلحاده عميق ، أي عنده ألف دليل ودليل بحسب تصوره الأخرق على أنه لا إله ، فصارت الأمواج كالجبال وأصبحت السفينة تتهاوى بين الأمواج كريشة في مهب الريح ، عندئذٍ يلتجئ هذا الملحد إلى الله عز وجل وهذه ، طائرة تُقِلُّ بضعة خبراء لا يؤمنون بالله ، ينكرون وجوده فلما وقعت في عدة جيوب هوائية و ظن هؤلاء الخبراء أن الطائرة على وشك السقوط ، دعوا الله مخلصين ، فالإنسان مؤمن بالفطرة ، لكنه و هو في سلام وفي بحبوحة و في غنى و في أوج وقوة يكابر .
وهناك شخص قال لي لقد نشأت في بيئة تنكر وجود الله عز وجل إنكاراً كلياً ، وعملت عند شخصٍ في حرفة ، وهذا الشخص أيضاً ينكر وجود الله ، أوحى إلي على أنه لا إله و افعل ما تشاء فالحياة اقتناص ملذَّات ، وهكذا فعلت ، ولم أترك معصيةً إلا وارتكبتها وعملت في التجارة ، فربحت مئات الألوف ، وتزوجت ، وسافرت إلى بعض الدول وفعلت فيها من كل أنواع المعاصي “هكذا قال” ، وفجأةً ” والقصة طويلة” صودرت بضاعته ، وبقي بلا دخل وعليه دين ، وصار أصحاب الدين يطالبونه بقسوة ، مرض أولاده وزوجته وليس معه ثمن الدواء فضلاً عن ثمن الغذاء ، وضاقت عليه الدنيا فقال لي : أصابتني مصائب لو أنها نزلت على جبلٍ لهدَّته وما شعرت في أحد الأيام إلا و أنا داخل إلى المسجد لأصلي ، فهذه هي الفطرة ، وصلّى ……
وإنسان آخر هذا عقيدته أنه لا إله ، و له أعمال مخزية جداً ، وعنده بنت صغيرة في سن الورود ، مرضت مرضاً شديداً ، وهذا المرض جعله ينفق كل ما يملك إلى أن قال له أحد الأطباء : “لا تنتظر أن تعيش هذه الفتاة ، دعها كي تموت “. قال :” فكنت آخذها معي إلى عملي خشية أن تموت في غيابي ” لشدة تعلقه بها ” و هو يصر أنه لا إله ” ارتفعت حرارتها وبقيت في الأربعين ولم يترك طبيب أطفال إلا وزاره، ولم يترك دواءً إلا واستعمله ، وهذه الحرارة لا تنخفض ، إلى أن همس في أذنه أحد أطباء الأطفال إن هذا المرض نادر الوقوع و إن هذه الحرارة لن تنخفض إلا عند الموت ، قال :”في أحد الأيام قلت لزوجتي ” سخني لي الماء لأغتسل ” و فيما يقول لم يغتسل في حياته ولا مرة ” كان يتغسل ولا يغتسل ” فاغتسل ووقف ليصلي ،و سأل زوجته ماذا تقرئين في الصلاة إنه ” لا يعرف الفاتحة ” وتقول زوجته ” بقي واقفاً نصف ساعةٍ يبكي و يقول يا رب إما أن تأخذها أو أن تأخذني أو أن تشفيها” ، ضيّق الله عليه فظهرت فطرته فأين الإلحاد ، أين دعواك العريضة أنه لا إله ، وبقي يصلي نصف ساعة ….و أجهش بالبكاء ، وما أن سلم من صلاته حتى رأى حرارتها قد انخفضت ، بعد أن تصلبت عضلاتها ، و بدأت تتحرك
أقول لكم هذه الكلمة : ما من إنسانٍ ينكر وجود الله عز و جل إلا و هذا قوله يوم القيامة :

(سورة الأنعام)

فحينما أنكروا كانوا كاذبين ، و يكابرون ، و يركبون رؤوسهم، و يبالغون ، والإنسان لا ينبغي له أن يأتي في الشدة ، بل عليه أن يأتي في الرخاء والبطولة أن تأتي إليه وأنت معافى ، وأنت في أوجك، أوج صحتك وقوتك ، ومالك ، وفراغك ، لا أن تأتيه بعد شدةٍ بالغة تنهدُّ لها الجبال .
و الإنسان .. أيها الأخوة المؤمنون ، مؤمن بالفطرة و حينما يؤمن ترتاح نفسه ، وهذا هو الدليل ، وحينما ينكر تضطرب نفسه ، ويختل توازنه ، ويضجر ، ويسقم ، ويسأم ، وحينما لا يؤمن ترون منه ردود فعلٍ قاسيةً جداً لأسبابٍ تافهةٍ ، و هذا دليل اضطرابه ، وإن هذا الذي لا يؤمن ينفجر لأتفه سبب ، وهذا عند علماء النفس دليل اضطرابه الداخلي لأنه خالف الفطرة . وهذا المحرك لا يعمل إلا بالوقود ، بالبنزين، فلو وضعت فيه ماءً أو وقوداً من نوع آخر لظهرت أصوات و اضطراب ولتوقف ، وتشعر أن الوضع غير طبيعي ، فالإنسان مؤمن بالفطرة ، لا تفهموا من هذا الكلام أنه ليس هناك أدلة ، بل هناك مليون دليلٍ و دليل على وجود الله و لكن قبل أن نستعرض هذه الأدلة العلمية و البراهين العقلية نود أن نلفت النظر إلى أن الإنسان مؤمن بالفطرة .
ولقد قال العلماء ” الطفل حينما يولد يملك منعكساً اسمه منعكس المص ” ومنعكس المص عملية بالغة التعقيد ، فالآن ولِدَ هذا الطفل ، ولو أنه بعد الولادة بساعة واحدة وضعته أمه على ثديها لالتقم الثدي و لأحكم إغلاق فمه على الثدي ، ولسحب الحليب ، وهذه عملية معقدّة كيف خلقت هذه الفطرة ، إن الطفل بالفطرة يتقن المص إتقاناً كاملاً . وحينما كنا في الجامعة درسنا في علم نفس الطفولة أن الإنسان حينما يولد يولد مزوداً بمنعكس المص تزويداً كاملاً .
أما الحيوان فلأنه ليس مكلفاً و لم يخلق الله له فكراً ” فرخ البط عوام كما يقولون والطائر يطير ” و كل حيوان حينما يولد تراه مزوداً بمئات المنعكسات ، هذه يسميها العلماء ” الغريزة ” وهي آلية معقدة جداً و لكنها جاهزة دون تعلم ، هذه الفطرة ، بالنسبة إلينا بني البشر ، أطفالنا حديثو الولادة مزودون بمنعكس المص و هذا المنعكس ليس له تفسير إلا الفطرة أي بفطرة هذا الطفل المولود يعرف أن يلتقم ثدي أمه و أن يمص منه الحليب ، وهذا من أدلة الفطرة .
ودليل آخر :
شعور الأم بعاطفةٍ جياشةٍ نحو ابنها من دون أن تعلم ما قيمة هذه العاطفة ، ولولا هذه العاطفة لما كنا نحن هنا .
و قصة رمزية تروى : أن سيدنا موسى رأى امرأةً تخبز خبزاً في تنور و ابنها على طرف التنور الأيمن و كلما وضعت رغيف خبزٍ في التنور ، تلتفت نحوه و تقبله من شدة عطفها و حنانها ، فعجب هذا النبي الكريم ، فالله سبحانه وتعالىأعطاه درساً نزع الرحمة من قلب الأم فلما بكى الطفل ألقته في التنور، فأي أمٍ جاهلة ، أو متعلمة ، أو مؤمنة أو كافرة ،أو زنديقة ، أو مومس ، أو بغي ، أي أمٍ تحب ابنها بالفطرة ، هذه فطرة ” فطرة الله التي فطر الناس عليها “.
” يا داوود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها و بغض من أساء إليها ”
فبالفطرة يلتقم الطفل ثدي أمه ، وتحس الأم بعاطفةٍ جياشةٍ نحو ابنها ، و يحب الإنسان من أحسن إليه ، فلو أن له أخاً من أمٍ و أب و هذا الأخ أساء إليه و شخص لا يمت إليه بأية صلة ، من طرف الدنيا الآخر ، فلو أحسن إليه لأحبه أكثر من أخيه .
و شخص قال لي : وقعت بعجزٍ مالي في عملي التجاري أي أخفقت ، وضاقت عليَّ الدنيا ، صرت أهيم على وجهي في الطرقات ، فالتقيت بتاجرٍ في طرفٍ من أطراف البلاد البعيدة و هذا التاجر ليس من ديني ، إنه من دينٍ آخر ، فقام هذا التاجر و أعطاني بضاعة بما قيمته خمسون ألف ليرة سورية و قال خذ هذه البضاعة و بعها و حينما تحس أنك وقفت على قدميك ادفع لي الثمن ” فقال لي :”والله أحس أن قلبي ينفطر حباً له ، سبحان الله هذه هي الفطرة ، أخوه النسبي لم ينجده ، وأقرباؤه ، وجيرانه ، أهله ، لا أحد ينجده ، و هذا الإنسان من بلدٍ بعيد علم بحالته و أمده بهذه البضاعة كي يقف على قدميه و هو من دينٍ غير دينه فأحبه .
لا تعجبوا كيف فتح المسلمون البلاد ، فتحوها بأخلاقهم الكاملة فحينما كانوا مُثلاً عُليا في الخلق الكريم ، أهل البلاد دلوهم على الطرقات ويوجد جبال معقدة جداً فتجاوزها ، المسلمون شمال إفريقيا وآسيا وجبال وعرة جداً ، ولو أن أهل البلاد أبغضوهم لكانت هذه البلاد قي حصنٍ حصين و لكنهم لكمالاتهم و رحمتهم و عدالتهم فُتحت لهم القلوب قبل أن تفتح لهم البلاد فالذي أعانهم على فتحها أبناء البلاد المفتوحة نفسها ، هذه هي الفطرة ، فالأم تشعر بعاطفةٍ نحو ابنها من دون أن تعرف قيمة هذه العاطفة ، ولولا هذه العاطفة لما كنا أحياء .
وحينما أرى طفلاً أمه تعتني به ، وأبوه يأتي كل مساء بكل حاجاته ، يكدح الأب و يسعى و يجهد و يتحمل المخاطر و المسئوليات ويغامر إلى أن يأتي مساءً بكل حاجات البيت ، وحينما يرى ابنه في دفءٍ ويرتدي ثياباً نظيفة ، ويأكل ما يشتهي يحس الأب بسعادةٍ لا توصف ، هذه هي الفطرة . فلو حللنا هذه الفطرة لعرفنا أنه لولا هذا العطف لما استمرت الحياة ، وهذا إدراك عقلي ، لكن الأب يحس بهذه العاطفة من دون أن يبحث في تحليلاتها و مدلولاتها ، فمن منا ينكر ما في نفس الأم من عطفٍ إنه شيء ثابت فما الدليل ؟ لا يوجد دليل ، وإحساسها بالعاطفة هو الدليل و إحساسها هو الفطرة ، والإحساس الفطري لا يحتاج إلى دليل ، بل بديهي يسميه الناس المسلمات ، والمسلمات هي مبادئ لا تحتاج إلى براهين ، الكل أكبر من الجزء ، برهن عليها ، إنها واضحة مثل الشمس ، هذه مسلمة ، وجميع الناس مدفوعون بدافعٍ من فطرتهم إلى كسب قوت يومهم ، وهذا دافع خفي ، فعندما يفتح الإنسان محلاً وينطلق هذا المحل فإن نفسه ترتاح لأنه أمن رزقه و أكله . وإذا كان الموسم جيداً والقمح كثيراً يرتاح الفلاح لأنه أمن المئونة . قال عليه الصلاة والسلام :
” إذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت ” فالفطرة هكذا ، كل إنسانٍ ينطلق هذا يفتح محل ديكور و هذا يفتح محل ملبوسات و هذا مكتباً عقارياً و هكذا ، وكل الناس مدفوعون بدافع من فطرتهم لكسب الرزق ، والإحساس بالجوع هل لك أن تنكره ؟ برهن عليه ، أخي أنا جائع ما الدليل عليه ، إنه لا يحتاج إلى دليل ، إحساس بالجوع صارخ فالإحساس بالجوع فطرة.
وهناك بحث آخر عن قيمة الطعام في حياتنا في توليد الطاقة و الحرارة ، و تأمين الفيتامينات والمعادن . والطعام منه مرمم ومنه مولد للطاقة وبحوث طويلة آلاف الصفحات ، هذا الجائع في غنىً عن هذه البحوث
وهناك رجل له ابن درس فلسفة في أوروبا ثم عاد بعد سبع سنوات و معه دكتوراه في الفلسفة ، جلس الأب و الأم و هذا الابن ليأكلوا من فروجين فقال الابن لأبويه : أنا بدراستي العميقة أستطيع أن أبرهن لكم أن هذين الفروجين هما ثلاثة وليسا باثنين ، فالأب ذكي ، بدافعٍ من فطرته قال : سآكل واحداً و أمك واحداً و كل أنت الثالث ، فالاثنان اثنان مهما فلسفت لهما .
والدافع بالفطرة أوضح شيء له الشعور بالجوع فما الدليل على أنك جائع ؟ لا يوجد دليل جائع وكفى ، والإحساس بالجوع أكبر دليل ونحن لا نقول هذا الكلام لأنه ليس هناك أدلة على وجود الله ، لا والله ولكن هناك ملايين الأدلة لكن أحب أن أؤكد لكم قبل كل شيء على أنك إنسان بفطرتك مؤمن بالله ، وحينما لا تؤمن ، تصور مرآةً كانت صقيلةً نظيفةً ذات قابليةٍ للانعكاس عالية جداً ، جاءها دخان كثيف من شمعةٍ فطمست معالمها ، وشفافيتها ، و انعكاسها ، عندئذٍ الآن نحتاج إلى دليل فلو أن هذه المرآة صافية لما احتجنا إلى دليل .
و أحياناً يحتاج الإنسان لأن يأكل شيئاً حامضاً فيكون عنده نسب الكلس عالية و الكلس لا يذوب إلا بالحمض ، و قد يشتهي الإنسان سلطة فيها حمض زائد فما السبب ؟ أحيانا تشتهي أكل برتقالة حامضة ، وأحياناً فتيات يأكلن الليمون ، و قد يشمئز الإنسان من أكل الليمون ، و قد ترى البنت تأكل الليمون بكل سرور ، تقطعه و تأكله مع الملح فما هو تفسير هذا الشيء ، عندها رغبة جامحة لأكل الليمون ، السبب هو وجود مواد كلسية زائدة لديها ، فربنا عزّ وجل لحكمةٍ بالغة يخلق في الإنسان دافعاً نحو الحمض .
و قد يشتهي الإنسان أكل الموالح فيكون عنده نقص بالملح و أحياناً يشتهي أكل الحلو فيكون عنده نقص بالطاقة . فرغبة الإنسان لأنواع الطعام مبنية على حاجاته .
وهناك علماء أتوا بعشرة أطفالٍ و وضعوهم في مختبر أمام ألوانٍ منوعة من الطعام و عشرة أطفالٍ آخرين تولى خبراء في التغذية إطعامهم ، أي تغذية مدروسة بالحريرات ، والبروتينات ، والدهنيات ، والسكريات ، والمعادن ، وأشباه المعادن ، والفواكه ، واللحوم ، فكانت نتيجة الأطفال الذين أكلوا وفق رغبتهم الخاصة أن نموهم كان أفضل لأن الرغبة الخاصة مبنية على حاجة داخلية فحينما تشتهي الطعوم الحامضة يكون عندك كلس زائد و حينما تشتهي الموالح يكون عندك نقص بالأملاح وحينما تشرب الماء يكون دليلاً على نقص الماء بالجسم و هذا أيضاً إحساس بالفطرة . إذاً شعورنا بالعواطف والأحاسيس هذه كلها من الفطرة ولا برهان عليها ، وشعورنا وحده هو الدليل .
الشعور الفطري إحساس بين جميع الخلائق المدركة على اختلاف نزعاتها و مستوياتها و ثقافاتها في البيئات البدائية ، وفي المدن المتحضرة ، وفي منتديات المثقفين ، وفي قاعات العلوم والفنون والمختبرات ، إنه شعور مشترك بين جميع الناس ، يقوم في نفس الطفل الصغير ، والإنسان البدائي ، والإنسان المتحضر ، والجاهل ، والعالم ، والباحث ، والفيلسوف ، والعبقري ، والفنان ، والخبير في المعمل ، وكل هؤلاء يشعرون أن الله حق ، وأنه القوة القابضة على ناصية كل شيء ، والعالمة بكل شيء ، والحكيمة ، المريدة التي لا شك فيها .
قرأت كلمةً لأكبر عالمٍ في الذرة ، وهذا العالم اكتشف أحدث نظرية حتى الآن اسمها النظرية النسبية و هو “انشتاين” قال هذا العالم : “كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون ، عليمةً هي أعلم ما تكون ، حكيمةً هي أحكم ما تكون هو إنسان حي و لكنه ميت ”
الآن إليكم بعض الآيات التي تؤكد هذه الحقائق :

(سورة ابراهيم)

هو الذي فطر السماوات و الأرض فطرها على أن تؤمن به .


(سورة الإسراء)

ولذلك فالذي فطر السماوات و الأرض فطرها على أنها تؤمن به بدافعٍ من بنيتها و خلقها ، وقال تعالى في آية أخرى :

(سورة الروم)

نقطة دقيقة جداً أتمنى عليكم أن تكونوا في مستواها ، النبات أوضح شيء ، ترى نبتةً يقال لك إن هذه النبتة تحتاج سقيا في الأسبوع مرة فلو أكثرت عليها الماء تموت ، وهذه النبتة تحتاج ثلاث مراتٍ سقيا أسبوعياً و هذه النبتة بالشهر مرة ، وهذه النبتة نبات الصالون ، تزدهر في الغرف ،و هذه النبتة لا تزدهر إلا في أشعة الشمس ، فلو جلست مع صاحب حدائق لديه خبرات عالمية لوجدت أنه يعلم طباع كل نبتة ، فهذه النبتة تحتاج إلى ظل ، وإلى شمس مبرقعة ” بوضع أقمشة خفيفة في بعض البيوت البلاستيكية ” وهذه تحتاج إلى ضوء ، وهذه تنمو في البيوت في الغرف ، وهذه تحتاج إلى سقيا كثيرة ، وهذا النبات لا ينمو إلا في الماء كالزنبق الذي يجب أن يغمر في الماء . إذاً ربنا عزّ وجل خلق في النباتات شيئين : شيئاً ظاهراً لعينك مثل طولها ، وشكلها ، وأوراقها ، وألوانها ، وأزهارها ، وأشياء تكتشفها مع الأيام وهي طباعها ، وطباعها هي الفطرة التي فطرها الله عليها ، أي حاجاتها وطباعها ، وأنواعها ، ومواسمها ، وأوقات ازدهارها أي أشياء دقيقة جداً ، فمثلاً بعض النباتات يزهر مرتين في السنة ، وآخر خلال شهر ، وهذا النبات تسقط اوراقه ، وهذا أزهاره فواحة ، وهذا أزهاره ليست لها رائحة ، وهذا أوراقه كثيفة ، وذاك أوراقه مبعثرة ، فطرة الله التي فطرَ النبات عليها ، كما أن النبات له طِباع ، مثلاً النباتات إن لم تسقِها لاتنمو ، الباذنجان يحتاج إلى تعطيش إلى أن يذبل وبعد أن يذبل تعطيه الماء فينمو ، والرز يحتاج إلى غمرٍ في الماء ” وهذه خبرة الفلاح وكل نبات يعرف طباعه ” فالتفاح ينمو في المرتفعات ، والحمضيات في السواحل ، والحمضيات لا تنمو بالرياح إذاً فهي تحتاج إلى مصدات رياح ، وطباع هذا النبات هكذا ، فهذا ينمو في أفريقيا ويحتاج إلى رطوبة عالية ، وهذا النبات ينمو في الصحراء فالشوكيات كلها صحراوية ، و هذا النبات قطبي ، وهذا نبات ينمو في قاع البحر ، وفي الأنهار ، وهذه هي الفطرة لكل مخلوقٍ ، غير النواحي المادية طباعُهُ ، حاجاته ، أطواره ، تطوراته هي الفطرة ، فالإنسان مفطور على حب الكمال وهكذا فُطِر ، ومفطور على حب الإحسان ، وقد خلق ضعيفاً ، وعجولاً ، وهلوعاً هذه هي فطرته . فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ” .
أما هذه الفطرة فقد تنطمس بفعل انغماس الإنسان في الشهوات فيتحول هذا الإنسان إلى وحشٍ بشري .
وهناك امرأة في فرنسا لها ولد ، أغلقت عليه البيت و سافرت إلى عند صديقتها فمات بعد أسبوعين ، جوعاً و عطشاً ، ويوجد حالات نادرة فهذه الأم تشوهت فطرتها .
وإنسان آخر دخل في بعض القرى و ذبح امرأته و أولاده الخمسة ، وهذا فطرته مشوهة .
ويوجد حالات نادرة جداً الفطرة التي فطر الله الناس عليها تتشوه . فهذا موضوع الفطرة و هو موضوع طويل ، لكن الإنسان من دون تعقيدات في بنيته النفسية ، وبطبيعته وطريقة خلقه ، وبفطرته التي فطره الله عليها مؤمن بالله ، وهذا هو الأصل فإذا كفر أو إذا أنكر أو إذا ألحد اضطربت نفسه واختل توازنه وقست ردوده وأصبح مريضاً .
وهناك أشخاص ليسوا في مشفى المجانين لكنهم قريبون جداً من الجنون ، ترى أحدهم عنيداً لدرجة أنه يطلّق امرأته لسببٍ تافه ، ويفصل الشركة مع شريكه لأتفه سبب ،و يقتل إنساناً لأن بقرته دخلت إلى أرضه و أكلت بعض الحشائش ، هذه واقعة وهذه حالات نادرة .. الآن القسم الثاني من الدرس :
إذا تركنا الفطرة جانباً كان البحث العلمي بما فيه من استدلالٍ نظري واختبارٍ وتجربة سبيلاً إلى التعرف على حقيقة وجود الخالق جل وعلا .
الآن دعونا من الفطرة ، دعونا من الإحساس الفطري بوجود الله ، وأوضح مثلٍ له إذا ركب الإنسان الملحد في باخرة أو طائرة وشعر أن هذه الطائرة أو أن الباخرة في خطرٍ محقق عندئذٍ انظر له ماذا يقول ، كل واحدٍ يدعو الله بلغته و يرجوه و يتوسل إليه لأنه استيقظت فطرته .
أو شيء يوجد نقطة مهمة جداً في هذا الموضوع ، هذا الدين من عند الله ، الله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء ، وهذه المجرات والشمس والقمر والبحار والسماوات والأسماك والأطيار والنباتات والحيوانات وأي شيء مبني على علم بالغ ، مثلاً الناموسة إذا وقعت على يديه لا يشعر بشيءٍ إطلاقاً ، لا بتأنيب الضمير ولا بوخز الضمير ، ولا بشعور أنه قتل قتيلاً ولا بأنه ارتكب إثماً ، ولا ارتكب معصيةً ، ولا أنه أزهق نفساً من غير سبب لتفاهتها عن الخلق ، ومع ذلك هذه الناموسة فيها رادار ، وفيها جهاز تحليل دم ، و جهاز تمييع دم ، و جهاز تخدير ، و جناح يرف أربعة آلاف رفة في الثانية ، وفيها ثلاثة قلوب ، و محاجم ، و مخالب ، و ذكاء ، فالناموسة تختبئ وراء الستار أو وراء السرير ، إذا استيقظت وأشعلت المصباح فأين هي ؟ إنها تختبئ لأنها تعرف أنك غضبت منها وأنك تهم بقتلها ، تختبئ في مكانٍ لا تراها فيه ، هذه الناموسة عندها علم .
الحوت كم فيه من علم ؟ وزنه تقريباً مائة وثلاثون طناً وطوله ثلاثون إلى أربعين متراً ، وفيه خمسون طناً دهناً ، وخمسون طناً لحماً ، وثلاثون طناً عظماً تقريباً ، ويخرج منه تسعون برميلاً زيتاً ، إذا أراد أن يتناول وجبة خفيفة فإنه يأكل 4 طن و يرضع صغيره 300 كغ حليب بالوجبة ” ببرونة ” ، 3 وجبات طناً حليباً ، باليوم الواحد يرضع صغيره طن حليب ، فهل الحوت مبني بلا علم .
وإذا قلت لأحدٍ في أوروبا إن هناك عالماً في البلاد الإسلامية ينكر أن تكون الأرض كروية فهل يشك بعلمه أم يشك بالدين ؟ يشك بالدين طبعاً ، إذا قلت له إن العالم الإسلامي الكبير ينكر أن تكون الأرض كروية ، جاء بمجلةٍ في بعض الدول الأجنبية ، كتبوا فيها فلان العالم الفلاني يقول الأرض مسطحة في عام 1975 ، إذا قرأ الناس هذا الخبر بخطٍ عريض و قد ذهبوا إلى القمر و رأوا الأرض بأم أعينهم كرةً وصوروها و المجلات العلمية طافحة بصور الأرض وهي كرة ، والأقمار الصناعية تصور كل دقيقةٍ ، الأرض كرة وهناك من رآها كرة، فإذا قرأت في مجلةٍ أن العالم الفلاني يقول إن الأرض مسطحة فهل تشك بالدين أم بالعلم ؟ ساعتها أشك بالدين فالإمام الغزالي يقول ” إن هذا الذي يطلّع على هذه الحقائق إن قيل له جهلاً إنها خِلاف الشرع إنما يرتاب في الدين ولا يرتاب من هذه الحقائق و عندئذٍ يكون كمن طعن في الدين ” ، فلا تتسرع لأن العلم لا يناقض الدين أبداً ، ولا تنف شيئاً ثابتاً علمياً دفاعاً عن الدين فإن الدين لا ينقضه .

خــاتمــة

والنبي عليه الصلاة و السلام لما توفي ابنه إبراهيم كسفت الشمس وقتها مصادفةً فقال الصحابة لقد كسفت الشمس لموت ابراهيم ، فقال عليه الصلاة و السلام و هو العالم المُدقّق : ” أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت واحدٍ من خلقه ولا لحياته ” هذه آية كونية .
نقطة مهمة جداً : لا تدافع عن الدين برد الحقائق العلمية الصحيحة ، إن هذه الحقيقة تتوافق مع الدين ، مثلاً إذا قلنا هناك زلزال فالزلزال له تفسيرات ، حركة في باطن الأرض أدت إلى اهتزاز القشرة ” وتفسيرها معقد جداً ” وأقول الزلزال من الله عز وجل هذا كلام صحيح، لا يمنع أن يكون للزلزال تفسيرٌ علمي جيولوجي و تفسير ديني التفسيران يتوافقان ، ويتكاملان ، وهذا الزلزال سببه اضطراب الأرض ومسبب السبب هو الله عز و جل ، قضية سهلة جداً ، على العكس بل رائعة متكاملة ، اضطراب القشرة الأرضية سبب الزلزال و مسبب هذا السبب رب السماوات و الأرض ، فإذا قلت إن هنا زلزالاً أصاب قريةً فأهلكها لأنها فاسدة ، فهذا كلام صحيح و كلام ديني ، و إذا قلت إن الزلزال هو اضطراب في القشرة الأرضية وانزياح الطبقات عن بعضها، وتسرب بعض المائع الناري إلى الطبقات العليا ، وخروج بركان أيضاً فصحيح . وهذا العلم لا يتناقض مع الدين إطلاقاً بل يلتقيان ويتوافقان .
وانطلاقاً من هذا الكلام ، إذا مرض للإنسان ولد فعليه أن يأخذه إلى الطبيب و يشتري الدواء و يعطيه إياه ثم يتوكل على رب الأرباب ” اعقلها و توكل ” اعقلها وتوكل هذا هو الدين ، لذلك اطمئنوا لن تكتشف حقيقةٌ علميةٌ حتى نهاية الحياة تناقض ما في القرآن لأن هذا الكلام كلامه وهذا الكون خلقه ، ولا يعقل أن يكون في كلامه تناقض أو في كلامه ما يناقض خلقه

والحمد لله رب العالمين

__________________________________

اضغط الرابط أدناه لتحميل البحث كامل ومنسق جاهز للطباعة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *