فيروس الـ HPV فيروس بمفعول سرطاني


يُعَدُّ سرطان عنق الرحم من أكثر السرطانات شيوعًا، فهو يصيب سنويًّا ما يقارب 3000 امرأة، ويودي بحياة 1100 امرأة  في فرنسا وحدها، وسبب الإصابة بهذا السرطان يعتمد على عوامل عدَّة، أهمها؛ التدخين، والعلاقات الجنسيَّة المبكِّرة، والاستخدام المطوّل لمانعات الحمل، وزيادة الوزن وغيرها من العوامل المؤهّبة للإصابة بسرطان عنق الرحم. أما السبب الأهم هو الإصابة بفيروس من عائلة فيروسات الورم الحليمي البشري HPV؛ وهو الذي ينتقل بالاتصال الجنسي المباشر. وللأسف؛ لا تحقق الواقيات الجنسيَّة وقاية كافية منه؛ إذ من المحتمل أن تنتقل العدوى بواسطة المناطق التناسلية غير المغطاة بواقٍ.
وعلى الرغم من ذلك؛ يُنصَح باستخدامه بشدَّة، وخاصةً في حال تعدد الشركاء الجنسيين.
يُعَدُّ هذا الفيروس واسع الانتشار بين البشر وموجودًا منذ القدم، فجميع الأشخاص الناشطين جنسيًّا يصابون به عاجلًا أم آجلًا؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أن 80% من النساء تقريبًا قد تعرَّضن لهذا الفيروس في حياتهن، و يتخلص الجسم من هذا الفيروس تلقائيًّا، و لكن عندما يفشل الجسم في ذلك ويستمر تقدم الخمج، قد يؤدي إلى وصوله إلى مستوى عنق الرحم، ويتطور إلى سرطان بعد سنوات.

وفي فرنسا فقط تُكتشف 35،000 إصابة سرطانيَّة، وقبل سرطانيَّة تقريبًا في مستوى عنق الرحم سنويًّا. وتكون هذه الإصابات بحاجة إلى معالجة ضروريَّة أو حتى مراقبة نسائيَّة خاصة.

وقد تنعكس الإصابة على مستقبل المرأة الإنجابي؛ إذ يعتمد تأثير ذلك على الحمل الذي يكشف الإصابة السرطانيَّة من جهة، وعلى طبيعة العلاج اللازم من جهة أخرى؛ إذ يكون العلاج موضعًا في المراحل البدئية ما قبل السرطانية، أو حتى في المراحل المبكرة من الإصابة، بعد التحوّل إلى سرطان.

وفي حال عدم تأذي الرحم ذاته، يكون الحمل محتمل الوقوع. ولحسن الحظ؛ لم تذكر الأدبيات الطبية إلى يومنا هذا أي دليل يؤكد أن المرأة الحامل المصابة بهذا الفيروس تمرر إصابتها إلى جنينها، ولكن من الضروري مراعاة المتابعة الطبيَّة الدقيقة.

ومن الجدير بالذكر أنّ تطور سرطان عنق الرحم هو تطورٌ بطيء؛ إذ  تفصل سنوات عدَّة أو حتى عشرات السنين في بعض الحالات بين دخول فيروس الورم الحليمي وبين الإصابة بالسرطان. وتؤدي فيروسات الـ HPV مَهامًا مُهمة في ظهور أنواع معينة أُخرى من السرطانات، مثل التي تصيب الرأس، والعنق عمومًا، وتلك التي تكون في مستوى اللوزتين واللسان خصوصًا.

ويُعتَقَد أنّ سبب الارتفاع الزائد في نِسب الإصابة بهذه الفيروسات في تلك المناطق، يعود إلى زيادة انتشار ممارسة الجنس الفموي بين البالغين.

وقد تكون بعض سرطانات الشرج معنية بالأمر أيضًا.

وفي الغالبية العظمى من الحالات لا يترافق الخمج بفيروس الـHPV مع أي عرض، ولكن قد تتسبب الإصابة به بظهور ثآليل تناسلية لا صلة لها بالإصابة بسرطان عنق الرحم، وهنا تكمن صعوبة الكشف عن الخمج، وتحديد زمن الإصابة. وبناءً على ذلك وتفاديًا للأضرار المترتبة على الإصابة بهذا الفيروس، يُنصَح بأخذ لقاح مضاد لفيروس الورم الحليمي البشري HPV، وهذا اللقاح لا يقي من الإصابة بجميع أشكال هذا الفيروس وإنما يقي من الإصابة بسلالات الفيروس الورمي الحليمي المسؤولة عما يقارب 70% من سرطانات عنق الرحم، فيمكن الإصابة بسلالات الفيروس غير المغطاة بهذا اللقاح.

ويُبيِّن خطر الإصابة ضرورة إجراء فحص لطاخة عنق الرحم دوريًَّا كل ثلاث سنوات، ابتداءً من عمر الـ25 وحتى عمر 65، (أو أكثر في حال طلب الطبيب ذلك)، متضمنًا النساء اللواتي أخذن اللقاح سابقًا. ونسبةً للدراسات الحديثة؛ فإن فترة فعالية اللقاح المؤكدة تتراوح بين 7 إلى 9 سنوات، لكن لا يوجد حاليًّا أيَّة معلومات تُبيِّن إمكانيَّة امتداد مفعوله إلى فترة أطول.

وأفضل توقيت لأخذ اللقاح يكون قبل ممارسة الاتصال الجنسيِّ الأول، ولذلك يُنصح بأخذ الجرعة الأولى من اللقاح في عمر 12-11 سنة، وفق الجدول الآتي:

اللقاح للفتيات بعمر الـ 11سنة:

Image: اللقاح للفتيات بعمر الـ 11سنة:

اللقاح للفتيات الأكبر سنًّا:


Image: اللقاح للفتيات الأكبر سنًّا:

فمن الضروري العمل بهذا التتابع في أخذ الجرعات ليكون اللقاح فعَّالًا.
وتقتصر الآثار الجانبية للقاح على حدوث ردِّ فعل موضعي في مكان الحقن.
وقد يُسبب ارتفاعًا في درجة حرارة الجسم أيضًا، ونادرًا ما تُشاهَد حالات توعُّك مع غشي؛ إذ ذُكِرَ مشاهدة حالتين من أصل 100،000 حالة ازداد فيهما خطر الإصابة بمتلازمة غيلان باريه؛ إذ إنَّها متلازمة نادرة جدًّا يُهاجم فيها الجهاز المناعي الذاتي الأعصاب المحيطية.
أما الغالبية العظمى، فلم يطرأ عليها أيَّة آثار جانبية؛ إذ تلا ذلك دراسة (حالة-شاهد/ Case-Control) إنكليزية حديثة تضمنت جمهرة مؤلفة من 10.4 مليون جرعة فلم يظهر في نتيجتها أية زيادة تُذكر في نسبة خطر الإصابة بهذه المتلازمة.
ونجد في دراسة أخرى من كيبيك أظهرت عدم حدوث أية زيادة في نسبة حدوث متلازمة غيلان باريه السنوية لدى الفتيات اللاتي أخذن اللقاح، وبذلك نجد أنّ فوائد اللقاح تفوق آثاره الجانبية كثيرًا.
ومن الجدير بالذكر أنّه -واستنادًا إلى دراسة أستراليَّة- لُوحِظ انخفاض واضح في نسبة الإناث المصابات بالعدوى بالـ HPV؛ إذ كانت 22.7% بين عامَي 2005-2007، وأصبحت 1.5% فقط حاليًّا لدى الفتيات بعمر 18-24 سنة. وفي دراسة أخرى بينت السويد أنّ نسبة الإصابات لدى الفتيات اللواتي أخذن اللقاح قبل سن الـ 17 قد انخفضت جدًّا؛ إذ أعلنت السويد انخفاضًا في الإصابات قبل السرطانية بنسبة 75%، وهذا يؤكد أنّ التغطية الكافية من لقاح الـ HPV مع الجهود المتابعة الأخرى كفحص لطاخات من عنق الرحم دوريًّا يمكنها أن تسهم في إزالة سرطان عنق الرحم من لائحة المشكلات الصحية العامة.

ومن الضروري التنبيه لأن أخذ اللقاح أمرٌ مهم لكلا الجنسين، فإصابة الرجل بهذا الفيروس تزيد لديه من خطر تطور سرطان الفم، أوالحلق، أو الشرج، وأنّ الرجل المصاب يُسهم في انتقال الفيروس إلى شريكته الجنسيَّة؛ ما يؤدي إلى إصابتها بسرطان عنق الرحم لاحقًا، أو حتى ظهور الثآليل التناسلية لديها.

لكن من الضروري الإشارة إلى بعض الحالات؛ إذ يجب توخي الحذر قبل أخذ اللقاح:

  • النساء الحوامل: لا يُنصَح لهن بأخذ اللقاح، وفي حال اكتشفت المرأة أنها حامل قبل البدء بسلسلة اللقاحات الثلاثة، عليها الامتناع عن أخذها، والانتظار إلى الانتهاء من فترة الحمل، على الرغم من أنه لا يوجد أيُّ مؤشر على ارتفاع نسبة الإجهاضات التلقائية، أو الشذوذات الخلقية المرافقة لأي من اللقاحات المعطاة ضد فيروس الـ HPV، ولكن الدراسات لا تزال محدودة.
  • النساء حاملات الفيروس: إنَّ اللقاح المُعطى ضد فيروس الHPV فيروس غير حي، فهذا يعني أنّه لا مانع من إعطائه لمَن هم إيجابيّو المصل، ولكن إلى الآن غير معروف إلى أيّ حدٍّ يمكن أنّ يكون اللقاح فعَّالًا؛ ليبدي استجابة مناعيَّة لدى إيجابيي المصل، أو ضعيفي المناعة.
  • الأشخاص الضعيفو المناعة: (المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية HIV، أو ممن أجروا عملية زراعة أعضاء، أو عُولجوا بأدوية مثبِّطة للمناعة) يكونون معرضين لخطر تطور سرطان الشرج، أو عنق الرحم، وهناك حاجة إلى دراسات تحمل اللقاح، والمناعة، والفعالية لدى هؤلاء الأشخاص(5).

وبذلك نجد أن أخذ اللقاح الداعم وإجراء فحص اللطاخة المهبلية بصورة منتظمة من الممكن أن يُجنِّب الإصابة بسرطان عنق الرحم، وزيادة فرص الشفاء منه في حال الإصابة، مؤكدين على مبدأ “درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *