لماذا لم يدون التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

لماذا لم يدون التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

تكفل الله تعالي لرسوله بحفظ القرآن وبيانه ( إن علينا جمعه وقرآنه ،فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، ثم إن علينا بيانه [ 17ـ 19 القيامة ] فكان النبي صلي الله عليه وسلم يفهم القرآن جملة وتفصيلا

       وكان عليه أن يبينه لأصحابه ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ 44ـ النحل ]

       وكان الصحابة رضي الله عنهم يفهمون القرآن كذلك لأنه نزل بلغتهم وإن كانوا لا يفهمون دقائقه ، يقول ابن خلدون في مقدمته : ” إن القرآن نزل بلغة العرب ـ وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه ” ولكنهم مع هذا كانوا يتفاوتون في الفهم ، فقد يغيب عن واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر

       أخرج أبو عبيدة في الفضائل عن أنس : أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر ( وفاكهة وأبا ) فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال : إن هذا لهو التكلف يا عمر” [ الإتقان ص 113 ج2 ]

       وأخرج أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول : أنا ابتدأتها” [ الإتقان ص 113 ج2 ]

       ولذا قال ابن قتيبة : ” إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل إن بعضها يفضل في ذلك عن بعض ” [ التفسير والمفسرون ص 36 ج 1 ]

       وكان الصحابة يعتمدون في تفسيرهم للقرآن بهذا العصر على : (1)

       أولا : القرآن الكريم : فما جاء مجملا في موضع جاء مبينا في موضع آخر ، تأتي الآية مطلقة أو عامة ، ثم ينزل ما يقيدها أو يخصصها ، وهذا هو الذي يسمي : بتفسير القرآن بالقرآن ولهذا أمثلة كثيرة ، فقصص القرآن جاء موجزا في بعض المواضع ومسهبا في مواضع أخري ، وقوله تعالي ( أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلي عليكم ) [ 1ـ المائدة ] فسره آية ( حرمت عليكم الميتة ) [ 3ـ المائدة ] وقوله تعالي ( لا تدركه الأبصار ) [ 103 ـ الأنعام ] فسره آية ( إلى ربها ناظرة ) [ 23ـ القيامة ]

       ثانيا : النبي صلي الله عليه وسلم : فهو المبين للقرآن ، وكان الصحابة يرجعون إليه إذا أشكل عليهم فهم آية من الآيات عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على الناس فقالوا : يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه ؟ قال : إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح ” إن الشرك لظلم عظيم ” إنما هو الشرك ” (2)

       كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يبين لهم ما يشاء عند الحاجة عن عقبة بن عامر قال : ” سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا وإن القوة الرمي [ أخرجه مسلم وغيره ]

لماذا لم يدون التفسير؟

لم يدون شئ من التفسير في هذا العصر ، لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني ، وكان التفسير فرعا من الحديث ، ولم يتخذ شكلا منظما ـ بل كانت هذه التفسيرات تروي منثورة لآيات متفرقة من غير ترتيب وتسلسل لآيات القرآن وسوره كما لا تشمل القرآن كله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *